الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة متوحشة1983(جان كلود بريسو): كل هذا ربما قد يكون له علاقة بدوستيوفسكي ولكن على مضض

بلال سمير الصدّر

2020 / 10 / 2
الادب والفن


استهلالية الفيلم كبيرة...بل كبيرة جدا حين تبدأ باقتباس من افضل ما كتب دوستيوفسكي(الاخوة كارامازوف):
اسمع,أنا آخذ حالة الاطفال لكي أجعل من حالتي أوضح،كنموذج للدموع الاخرى للبشرية...مع الشيء الذي نقعت به الارض من القشرة وحتى المركز...
أنا لن أقول شيء...أنا سوف اتحدث عن حالتي بشكل متعمد....عن الاخوة كارامازوف
ولكن هل هذا الاستهلال مقنع...هل الفيلم يمت بأي صلة الى دوستيوفسكي؟
الفيم يتحدث عن نوع مختلف من العنف ضد الاطفال...دعونا نقول عنف سيكولوجي ذو دوافع سيكولوجية أيضا من قبل شخص مريض نفسي سيتهم لاحقا بقتل مجموعة من المراهقين لأسباب غبية غير مقنعة وكان طرحها في الفيلم سقطة في الفيلم نفسه...
على ان الفيلم جيد مع كل التحفظات ويستحق المشاهدة،بالاضافة الى انه له علاقة كبيرة جدا بتقبل المشاهد لهذه القصة المحبوكة جيدا على انه تنقصها لمسة انتونيوني العبقرية...
قلنا في المقال السابق ومن خلال تعريفنا بالمخرج ان الحكاية لن تكون كبيرة جدا..
ذو النزعة الانعزالية قليل الكلام،تقاعده من معهد باستور(Tessierمع بداية الفيلم يعلن البروفيسور العبقري(
لمباحث امراض السرطان،ويتلقى خبرا مفاده أن والدته على وشك الموت ولابد له من حضور اللقاء الأخير معها...
على ان رئيس المعهد(مارشنت) يظهر في ذهنه كشخص مثير للريبة والشك...هناك شيء من حقد يحمله البروفيسور الى رئيس المعهد...واحد مبرراته كانت:
انا اعيش في عالم حيث كل أحد يقوم بالتجسس علي....
الوصية الأخيرة للأم كانت الاعتناء بابنته ايزابيلا التي تعيش في مدرسة داخلية...ايزابيلا هي متوسط بين الماضي والحاضر،بين الماضي القريب وليس البعيد...هي الماضي الذي سيتكشف في الفيلم على شكل شذرات ليس الا،على ان الفيلم ليس فيلما عن اللحظة…الفيلم عبارة عن لحظات متشابكة في سلسلة بين الماضي والحاضر،وبريسو غن لم يقل كل شيء في نهاية الفيلم،ولكن ما قاله كان وافيا...
هنا عليه ان يعود الى موطنه الاصلي ليرتبط مرة اخرى بجذوره المكانية والزمانية...بعلاقاته الاصلية.
يتحول الآن الفيلم الى ايزابيلا الفتاة المقعدة لتكون هي الشخصية المركزية،ومن ثم نبدأ بالتعرف،كيف تنظر ايزابيلا الى العالم؟
يسألها والدها في اول لقاء-بعد الغياب-ما الذي تفكرين فيه...؟!
ايزابيلا:أنا أنظر الى الناس...أين يمكنني ان ازرع قنبلة لقتل ما أمكن منهم...في البداية سأفجر المتجر في ساعة ذروة الازدحام...الاجساد ستتفرق الى اجزاء...النساء والأطفال يصرخون....
وفي نهاية تعبيراتها تستخدم الجملة التالية:كل هؤلاء البشر القذرون
لكن هل هذا يعني بانها فتاة معقدة؟
خاصة إذا عرفنا بأنها تشعر بمتعة تعذيب الحيوانات وخاصة الحشرات؟؟
في الحقيقة،هذه المعطيات-التقليدية-المكثفة كافية تماما لصناعة حبكة سيكولوجية مقنعة على الاقل،ولكن الفيلم فشل في توظيف هذه العناصر،على ان الحبكة كانت جيدة ومقنعة في كثير من الأوقات خاصة فيما يخص ايزابيلا،وهذا يعني ان هذه العناصر كانت اكبر من قدرة الفيلم،وبالتالي المخرج على صياغتها بالشكل الصحيح...
يحاول الأب ان يفرض على ايزابيلا علاقة على شكل الانصياع والتهديد،كعلاقة السيد مع العبد...
افعلي ذلك وستحصلين على جلد شديد...
ضرب قاسي وحرمان من الطعام…عبودية مفروضة على مراهقة هي فعلا جاهلة بمعطيات العالم حتى هذه اللحظة،بل هي الآن في طور الانكشاف والاكتشاف...كل هذا ربما قد يكون له علاقة بدوستيوفسكي ولكن على مضض.
اللقطة الأهم في الفيلم،والتي ندعوها بلقطة الاكتشاف،قد تكون اجمل لقطة في الفيلم،وهي بوستر الفيلم بالمناسبة...
تتلصص ايزابيلا على معلمتها(آنيا) وهي ترضي شهوة الجسد بالطريقة المألوفة في حالة عدم ووجود الشريك
تجلس ايزابيلا على كرسي...تعري نفسها من كل شيء وتحدق في المرآة
تبدأ بملامسة جسدها على نمط الاكتشاف...
هنا نستطيع القول بأن ما يحدث هو نوع من التطور...تطور خارج نطاق الكره...خارج الرغبة الدفينة بتفجير العالم...هو الالتقاء الحقيقي بينها وبين العالم من خلال معرفة الذات وان هذه الذات بحاجة الى شريك...وهذه الحاجة تلزم الآن النظر الى العالم بعين أخرى...السلام والاستسلام لأنها اذا كانت على قيد الحياة فهي بحاجة فعليا الى الآخر...
لاحقا،تنشأ علاقة عاطفية بينها وبين باسكال شقيق آنيا،الذي ينقذها باعجوبة-صدفة ميلودرامية-من غرق محقق،ويساهم باسكال أكثر في تصالحها مع العالم،حين يعرفها ان العالم فيه الطيبة،وأن الحشرة تعاني مثلنا تماما حتى لو انتهت هذه العلاقة بالفشل...
إذا الفيلم يسر ضمن خطة محكمة ومثالية،وهذا لانتوقعه من فيلم يتعامل مع المعطيات الفيلمية برقة وتبسيط للموقف والحالة...كلاهما...الموقف والحالة...
لكن هناك خلفية تدور فيها أحداث أخرى...هناك جرائم قتل لمراهقين على نط القاتل المتسلسل،ومن ثم يبدأ المخرج بتعريفنا بشيء عن الماضي على شكل شذرات ولكنها كانت كافية،وقلنا ان الفيلم لاينعت ابدا بأنه فيلم عن اللحظة ولكن ذو علاقة كبيرة باللحظة....
تسأل ايزابيلا الخادم:هل تعرف والدتي؟(صور والدتها ممزقة الرأس من كل الصور التي تجمعها بوالدها)
لا،هي أبدا لم تحضر للحياة هنا
هل تعمل هنا منذ فترة طويلة؟.....منذ 38 عاما
ويتابع الخادم:جدتك كانت ممثلة هزلية وكنت انا كذلك،ثم فجأة وفي يوم ما توقفت عن العمل،تزوجت جدك وحضرت للعيش الى هنا...
لكننا نكتشف شيئا مهما من خلال هذا الحوار...ايزابيلا ملبوسة بشغف قتل الحيوانات بالوراثة
يقول الخادم قاصدا طبعا البروفيسور:
الشيء الوحيد الذي لم احبه فيه هو تجاربه على الحيوانات،لقد شاهدته يطعن ضفدع بابرة في رأسه ومن ثم يغطسها في اسيد كبريتي فقط ليشاهد ردة فعله...
اذا اصبح الموضوع اسهل نوعا ما من عقدة سيكولوجية...شيء له علاقة بعلم الوراثة
على العموم اذا اخذنا الجملة اعلاه على علاتها فالموضوع غير مقنع بالنسبة للظروف التي عاشتها وتعيشها ايزابيلا...
التداعي يحدث في الحبكة من حين الى حين ,على ان القصة متماسكة،ولكن ان كان هذا الفيلم هو فيلم النهايات،فالنهاية عبارة عن سقطة كاملة لهذه الحبكة المتماسكة.
تسأل ايزابيلا والدها،بعد ان اكتشفت بانه هو القاتل،:
أنت لم تقتل حقا طفلا بريئا...؟
لا أحد بريء،تذكري هذا...كلنا فقط رابط في السلسلة...العالم مليء بالرموز والصمت هو للجاهلين والعاجزين والمغفلين...
إذا...هناك النرجسية...الالتباس في العبقرية،فالوالد يعتقد ان عبقريته هي موهبة الهية خاصة،وهو يتحرك وفقا لأرادة الاله،ويقدم تفسيرا ساذجا لقتله كل هؤلاء الفتية...تفسير له علاقة بالرمز...رمز بدائي المعالجة لاعلاقة له برموز لارسن فون تراير ابدا...
القتل هو ايمان برموز ماورائية(صدفية)...ولكن ماذا سيفعل الاله اتجاه الجريمة المتبقية الأخيرة؟
19/09/2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة


.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با




.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ