الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 3-20 تحليل و نقد الشيوعية العمالية الألمانية

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2020 / 10 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ثالثاً / تحليل و نقد الشيوعية العمالية الألمانية
تعلمنا دروس التاريخ الحديث أن أزمنة المخاضات الثورية الضخمة و الصعبة غالباً ما تشهد في خضم الانكسارات الاجتماسية القاسية ظهور الحركات اليسارية المتطرفة المتمترسة في الخندق الرافع للشعارات الصبيانية البراقة و الانتهازية الضارة جداً بثورة البروليتاريا مثلما فعلت كتلة تروتسكي عام 1905 بشعارها "لا قيصر ، بل حكومة عمالية" ؛ و كتلة الشيوعيين اليساريين بقيادة بوخارين عند البلاشفة عام 1918 التي وقفت ضد صلح بريست- ليتوفسك تحت شعار "الحرب الثورية" ؛ و مثلما فعل الحزب الشيوعي العمالي الألماني عام 1920 بشعاراته المبينة في الحلقة السابقة و التي تنسف الماركسية فكراً و ممارسةً من الجذور ؛ و مثلما فعل عزيز الحاج في العراق بشعار "الكفاح المسلح" عام 1966 ؛ و مثلما فعل منصور حكمت (ناقل نظرية "الاشتراكية البرجوازية في الاتحاد السوفيتي" و غيرها من أساتذته الأوربيين) في إيران عام 1991 ... الخ . كما تعلمنا نفس هذه الدروس أنه كل هذه الحركات الانتهازية الانقسامية لا تمت للماركسية الحقيقية بأي صلة رغم دعاياتها المضللة و شعاراتها البراقة ـ و قد ألحقت و تلحق أفدح الضرر بالمصالح الحقيقة للطبقة العاملة محلياً و عالمياً .
كان لينين يراقب عن كثب التطورات المتلاحقة للوضع السياسي الثوري للطبقة العاملة في ألمانيا التي باتت منذ عام 1918 حبلى بالثورة الإشتراكية إثر هزيمة الحلفاء لجيوشها في الحرب العالمية الثانية و تفشي التضخم المفرط و المجاعة في المدن الصناعية الكبرى كافة والتي أزهقت أرواح ما يقرب من ربع مليون ألماني و سيطرة مجالس البروليتاريا على العديد من أكبر المرافق الانتاجية الصناعية . و لو كان قد كتب لهذه الثورة النجاح خلال الأعوام 1918-22 لكان العالم كله قد أصبح الآن على أعتاب الشيوعية . و لقد كان من أهم أسباب هذا الإخفاق المأساوي الرهيب هو توطن و من ثم تفاقم مرض النزعة التحريفية الانتهازية اليمينية في قيادات الحزب الاشتراكي الألماني (بيرنشتاين ، هلفردنغ ، كاوتسكي ..إلخ) ، خصوصا بعد وفاة انجلز عام 1895 ، الأمر الذي دفع قادته اليمينيين في أحرج الأوقات للتمترس في خندق خونة الطبقة العاملة أعداء الثورة الاشتراكية ، و ليشرف أخيراً وزير دفاعهم نوسكه على ذبح أكثر من 15000 شيوعي في الشوارع بواسطة مليشيات فرايكوربس التي أسسها لهذا الغرض بالذات عام 1919.
و عندما نشأ خط التطرف اليساري في أوساط الحزب الشيوعي الألماني ، كتب لينين كراسه الشهير "مرض الطفولة اليسارية في الشيوعية" عام 1920 كمحاولة لم يكتب لها النجاح منه لمنع تصدع الحزب الشيوعي الالماني الوليد و ذلك بتفنيد كل الشعارات المتطرفة لهذا التيار . فبصدد وجوب قيام الحزب الشيوعي بالجمع بين كل أشكال النضال السياسي يشرح لينين :
"والآن ،عندما نلقي نظرة إلى الوراء على الفترة التاريخية المنصرمة والتي تجلت تماما صلتها بالفترات التالية لها، يغدو واضحاً جداً أن البلاشفة ما كانوا ليستطيعوا أن يحفظوا (ناهيك عن أن يعززوا ويطوروا ويقووا) النواة الصلبة لحزب البروليتاريا الثوري في السنوات 1908-1914، لو أنهم لم يذودوا في نضال حامي الوطيس عن الزامية الجمع بين الأشكال العلنية وغير العلنية للنضال، مع إلزامية الاشتراك في البرلمان الرجعي للغاية وكذلك في جملة من المؤسسات الأخرى التي استنت لها قوانين رجعية(كصناديق التأمين وما شابهها)."
كما حرص على التذكير بمآل الشيوعيين اليساريين الروس المنادين بشعار "لا صلح بل حرب ثورية " بالقول :
"لم يبلغ الأمر في سنة 1918 حد الانشقاق. فالشيوعيون «اليساريون» قد اكتفوا آنذاك بتشكيل جماعة خاصة أو «كتلة» في داخل حزبنا، ظلت موجودة مدة قصيرة. وفي سنة 1918 ذاتها اعترف أبرز ممثلي «الشيوعيةاليسارية» كالرفيق رادك وبوخارين، بخطئهم أمام الملأ. فقد تراءى لهم أن صلح بريست هو مساومة مع الإمبرياليين غير جائزة مبدئياً ومضرة بحزب البروليتاريا الثورية . وقد كان ذلك في الواقع مساومة مع الإمبرياليين، لكنها كانت مساومة لا مناص منها في ذلك الظرف بالذات.
وفي الوقت الحاضر، عندما اسمع بالتهجمات من جانب "الاشتراكيين-الثوريين" مثلاً ، على تكتلنا أثناء توقيع صلح بريست ، أو عندما أسمع بملاحظة الرفيق لنسبري التي أبداها في حديثه معي إذ قال أن"زعماءنا الإنجليز في التريديونيونات يقولون أنه ما دامت المساومات كانت جائزة للبلاشفة فإنها جائزة لهم هم أيضا"، أجيب على ذلك قبل كل شيء بهذا المثال البسيط و"المبسط":
تصوروا أن قطاع طرق مسلحين أوقفوا سيارتكم . فتسلمونهم أنتم الدراهم وورقة الهوية والمسدس والسيارة. وهذا ما يتيح لكم التخلص من رفقة قطاع الطرق "المستطابة". هذه مساومة ولا شك :"أعطيـك الدراهم والسلاح والسيارة، لتعطيني أنت إمكانية الذهاب بأمان وسلامة"، إلاّ أن من العسير أن تجد شخصاً سليم العقل يعتبر مثل هذه المساومة "غير جائزة مبدئياً"، أو يعتبر الشخص الذي أقدم على هذه المساومة شريكاً لقطاع الطرق (حتى وإن استطاع قطاع الطرق بعد أخذهم السيارة والمسدس أن يستخدمونها لأعمال لصوصية جديدة). إن مساومتنا مع قطاع الطرق الإمبرياليين الألمان كانت مساومة من هذا القبيل.
ولكن عندما أقدم المناشفة والاشتراكيون-الثوريون في روسيا وشيدمان وأمثاله (ولدرجة كبيرة كاوتسكي وأضرابه) في ألمانيا، وأوتو باور وفرديريخ آدلر (فضلاً عن السادة رينر وشركاه) في فرنسا، والفابيون و«المستقلون» و«العماليون» («اللايبوريون») في إنجلترا، في سنوات1914-1918 و1918-1920، على المساومات مع قطاع الطرق من برجوازيتهم الخاصة وأحياناً مع البرجوازية «الحليفة» ضد البروليتاريا الثورية في بلادهم، سلك جميع هؤلاء السادة بالتالي سلوك شركاء قطاع الطرق.
النتيجة بيّنة، إن نفي المساومة «مبدئيا»، و نفي كل جواز للمساومات بوجه عام ، مهما كانت عليه، إنما هي صبيانية يتعذر اخذها على محمل الجد. يجب على السياسي الذي يريد أن يكون مفيداً للبروليتاريا الثورية أن يستطيع تمييز الحالات الملموسة من تلك المساومات بالذات التي ليست جائزة والتي تتجلى فيها الانتهازية والخيانة، وأن يوجه كل قوة النقد وكل حدة الفضح بلا شفقة والحرب بلا هوادة ضد المساومات الملموسة هذه، وأن يحول دون الاشتراكيين «العمليين» المحنكين والجزويتيين البرلمانيين ودون التحايل والتملص من المسؤولية بواسطة محاججات حول «المساومات بوجه عام». إن السادة «الزعماء»البريطانيين للنقابات وكذلك للجمعية الفابية وحزب العمال «المستقل» يتنصلون بهذا الشكل تماما من المسؤولية عن الخيانة التي ارتكبوها، وعن إجرائهم مساومة كهذه هي في الواقع أسوأ أشكال الانتهازية والغدر والخيانة.
هناك مساومات ومساومات. ينبغي التمكن من تحليل الموقف والظروف الملموسة عند كل مساومة وكل نوع من أنواع المساومة. ينبغي على المرء أن يتعلم التمييز بين شخص سلم الدراهم والسلاح إلى قطاع الطرق ليقلل من الشر الذي يسببونه، ويسهل أمر القبض عليهم وإعدامهم، وبين رجل يعطي الدراهم والسلاح لقطاع الطرق ليشترك في اقتسام الأسلاب. أمّا في السياسة فالأمر ليس على الدوام سهلاً هذه السهولة كما في هذا المثل البسيط المفهوم للأطفال. بيد أن من يريد أن يبتكر للعمال وصفة تتدارك سلفاً قرارات جاهزة لكل أحوال الحياة ، أو يعد بألا تقوم في سياسة البروليتاريا الثورية أية مصاعب وأية حالات مبهمة، إنما هو دجّال لا أكثر."
و بصدد الولوع برفع الشعارات الثوروية البراقة يقول لينين :
"يخيل اليكم، أيها المقاطعون الأعزاء والمناوئون للبرلمان، أنكم «ثوريون رهيبون»؛ أمّا في واقع الأمر، فقد ارتعدت فرائصكم أمام مصاعب غير ذات شأن نسبيا من مصاعب النضال ضد نفوذ البرجوازية داخل حركة العمال، في حين أن انتصاركم، وأعني اسقاط البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية، يوجد المصاعب هذه ذاتها بمقياس أكبر من ذلك وأوسع بكثير. لقد ارتعدت فرائصكم كالأطفال أمام الصعوبة الصغيرة التي تواجهكم اليوم، ولم تفهموا أنه لا بدّ لكم اليوم وبعد غد أن تكملوا تثقيفكم، أن تتعلموا كيفية التغلب على هذه المصاعب ذاتها ولكن في مقاييس أوسع بما لا يحد.
في عهد الحكم السوفييتي يتسلل ربائب البرجوازية من المثقفين إلى حزبكم وحزبنا البروليتاري بمقياس أكبر. وهم يتغلغلون في السوفييتات وفي المحاكم والإدارات، إذ لا يمكن بناء الشيوعية بمواد أخرى غير المواد البشرية التي أوجدتها الرأسمالية، فلا يمكن طرد المثقفين البرجوازيين وإبادتهم، إنما ينبغي أيضا إعادة تنشئة البروليتاريا أنفسهم وذلك في نضال مديد وعلى أساس ديكتاتورية البروليتاريا. فالبروليتاريون أنفسهم لا يتركون أوهامهم البورجوازية الصغيرة فوراً ولا بمعجزة ولا بحكم من مريم العذراء، ولا بأمر من شعار، ولا بقرار أو مرسوم، وإنما بنضال جماهيري مديد عسير ضد نفوذ البرجوازية الصغيرة الجماهيري. إن تلك المهام التي يرميها الآن مناوئو البرلمان عن عواتقهم بحركة يد واحدة، وبمثل هذه العجرفة والكبرياء والنزق والصبيانية، إن تلك المهام تنبعث في العهد السوفييتي من جديد في داخل السوفييتات، وفي داخل الادارات السوفييتية وبين «الوكلاء الحقوقيين» السوفييتيين (لقد حطمنا نحن في روسيا نظام المحاماة البرجوازي، وتحطيمنا له كان عملا صائبا، إلاّ أنه ينبعث من جديد عندنا تحت يافطة «الوكلاء الحقوقيين» «السوفييتيين»). إننا نرى جميع تلك السمات السلبية، التي هي من صلب البرلمانية البرجوازية، تنبعث باستمرار بين المهندسين السوفييتيين والمعلمين السوفييتيين، وبين ذوي الامتياز من عمال المصانع السوفييتية، أي بين العمال ذويي الخبرة العالية والوضع الممتاز. وهذا الشر لا ننتصر عليه -انتصارا تدريجيا- إلاّ بنضال دائب لا يكل، نضال مديد عنيد للتنظيم البروليتاري والانضباط."
انتهت اقتباساتي من كراس لينين "مرض الطفولة اليسارية في الشيوعية".
كان لينين في نقده هذا للانتهازية اليمينية و اليسارية أميناً على جوهر النظرية و الممارسة الماركسية المنطلقة من القناعة الثورية التي لخصها انجلز في رسالته إلى الاشتراكي الدنماركي غيرسون ترير عام 1889 بالقول "إن البروليتاريا لا يمكنها أن تربح السلطة السياسية ، وهي الباب الوحيد للمجتمع الجديد ، بدون ثورة عنيفة. ولكي تكون البروليتاريا قوية بما يكفي للفوز في اليوم الحاسم ، يجب عليها - وقد دافعنا أنا وماركس عن ذلك منذ عام 1847 – أن تشكل حزبًا منفصلاً متميزًا عن الآخرين ومعارضًا لهم ، حزبًا طبقيًا واعيًا " . و هذه القناعة الثورية هي التي تنسف من الجذور الحركة المجالسية و شعارات الحزب الشيوعي العمالي الألماني المذكورة في الحلقة السابقة .
و للترجمة العملية لهذه القناعة الثورية ، فقد أسس ماركس و انجلز في أوائل عام 1846 لجنة المراسلة الشيوعية في بروكسل ، وكان الهدف منها إقامة الاتصال الثقافي مع الطبقة العاملة الراديكالية والقادة الاشتراكيين في جميع أنحاء أوروبا الغربية وتسهيل نشر الأفكار الاشتراكية العلمية بينهم. كما أن مفهوم الحزب ، وأساليب تنظيمه ، وكيفية إجراء المناقشات والمناقشات الداخلية في صفوفه ، له تاريخ طويل ، بدءًا من ماركس و إنجلز نفسيهما. يظهر هذا في قواعد الرابطة الشيوعية التي تأسست في لندن عام 1847 ، وهي أول حزب أممي متميز للطبقة العاملة حيث كان ماركس وإنجلز عضوين فيها ،و التي تبنت مبدأ "الديمقراطية المركزية " داخل هذا الحزب حتى قبل استخدام هذا المصطلح . فقد نص النظام الأساسي للرابطة الشيوعية في شروط العضوية على : "الخضوع لقرارات العصبة ... سلطة الدائرة - التي تضم عددًا من" الفروع "- هي الجهاز التنفيذي لجميع فروع الدائرة. ... و تخضع الدوائر المختلفة للبلد أو الإقليم للدائرة القيادية ... السلطة المركزية هي الجهاز التنفيذي للعصبة بأكملها وهي بالتالي مسؤولة أمام المؤتمر العام ... المؤتمر العام هو السلطة التشريعية للعصبة بأكملها. وترسل كل مقترحات تعديل القواعد إلى السلطة المركزية عن طريق الدوائر القيادية وتعرضها على المؤتمر العام .. ومن يخالف شروط العضوية يتم إبعاده من العصبة وطرده حسب الظروف ".
و في رسم الخط التكتيكي الذي يتبعه الشيوعيون في ألمانيا ، نصحهم ماركس وإنجلز خلال عامي 1846-7 بدعم المطالب البرجوازية من أجل إقرار الدستور الديمقراطي وحرية الصحافة والتجمع وما إلى ذلك ، لأنه إذا ما تحققت هذه المطالب ، "فسيبزغ فجر حقبة جديدة للدعاية الشيوعية ". وبالتالي ، كان على الشيوعيين أن يقوموا بدور نشط في العمل الجماهيري ضد الأنظمة الاستبدادية الإقطاعية في ألمانيا وأن يساعدوا في انتصار الثورات الديمقراطية البرجوازية هناك من أجل خلق ظروف أكثر ملاءمة لنضال البروليتاريا ضد البرجوازية. و كان هذا هو نفس الخط التكتيكي الذي سعى ماركس وإنجلز ورفاقهما لاحقًا إلى تطبيقه خلال ثورات 1848 في ألمانيا . و ليس من المستبعد أن تسمع اليوم أو غداً من صبيانيي الحكمتية المتاجرين باليسارية المتشددة و الولوعين بممارسة تمارين النسخ و اللصق على طول الخط مَن يحاول منهم لصق يافطة "البرجوازية" بأفكار ماركس و انجلز و لينين المبينة أعلاه نفسها مثلما فعلوا و يفعلون ضد الشيوعيين الحقيقيين ، بل وضد كل حزب غير حزبهم البرجوازي التوجه حد النخاع مثلما سنتبين .
رابعاً / استنساخات الشيوعية العمالية في أوربا و تفتتها
في ايلول من عام 1921 ، تم تشكيل حزب العمال الشيوعي الهولندي (KAPN) كنسخة هولندية مطابقة سياسياً و تنظيمياً للنسخة الألمانية بقرار إرادي من غورتر رغم عدم نضوج الظروف ـ ولم يستطع جذب اكثر من حوالي 200 عضواً. كما تأسست نسخ أخرى في بلغاريا بقيادة إيفان غانتشيف في كانون الثاني 1922 ، و بعدها بشهر في المملكة المتحدة بقيادة المناصرة السابقة لحق المرأة في الاقتراع سيلفيا بانكهيرست إثر طردها من صفوف الحزب الشيوعي لبريطانيا العظمى (CPGB) في أيلول 1921 لرفضها سياسة المشاركة في الانتخابات المحلية و البرلمانية .
منذ البداية ، جاء تأسس الحزب الشيوعي العمالي الألماني من اشخاص من ذوي الاتجاهات السياسية المتباينة ممن لا يجمعهم جامع غير طردهم من الحزب الشيوعي الالماني بسبب معارضتهم للتقاليد الماركسية في عمل الحزب البروليتاري ، بضمنها ثوابت تأسيس الحزب و نظامه الداخلي . و لذا ، فقد عانى منذ نشأته من النزاعات والاضطرابات الداخلية لاشتماله على عدة تيارات سياسية و هو الأمر الذي منع تحوله الى منظمة للطبقة العاملة قوية تنظيمياً. ومع استقرار ألمانيا في بفضل تأسيس جمهورية فايمار في أوائل العشرينات من القرن الماضي وانحسار المد الثوري الألماني ، أصبحت هذه الخلافات أكثر وضوحًا. ففي المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي العمالي الألماني في آب 1920 ، تم طرد الجناح البلشفي الوطني للحزب الداعم لقيام أمة ألمانية قوية ، بعد ثورة بروليتارية ناجحة تتحالف مع الاتحاد السوفيتي في الصراع ضد الرأسمال الغربي والعسكرة. وفي تشرين الثاني 1920 ، غادر روله وأنصاره هذا الحزب لمعارضتهم اقامة أي هياكل حزبية مركزية . ففي الكتيب الخاص به عام 1920 المعنون "الثورة ليست قضية حزبية" ، جادل روله بأن هدف الحركة الثورية إنما هو الاستيلاء على الإنتاج ، وبالتالي فهي "ليست بحاجة إلى حزب سيصبح بالضرورة انتهازيًا" ، و كان هو أول من سمى ثورة اكتوبر بالثورة البرجوازية ـ لتصبح بعدئذ "الاشتراكية البرجوازية" عند منصور حكمت . وفي أذار 1922 ، انقسم الحزب الشيوعي العمالي الألماني إلى حزبين منفصلين بنفس الإسم : انشقاق إيسن ، وانشقاق برلين .أمضى انشقاق برلين للحزب الشيوعي الألماني السنوات التالية في إصدار نداءات متكررة للتمرد ، تم تجاهلها على نطاق واسع . و في عام 1927 ، انشق عنه فرعه العمالي النقابي الذي أعلن نفسه حزبا مستقلا بذاته يضم مجموعات متنوعة من التكتلات و النزعات الفردية بدلاً من كونه منظمة متماسكة . و بحلول عام 1933 اندثر هذا الحزب تنظيمياً بفرعيه لفشله بسبب دوغماتيته الخانقة في تطوير السياسات الثورية الحقيقية الجاذبة للبروليتاريا و القابلة للصمود عندما تنظم الرأسمالية نفسها و افتقاره للقيادات المحلية الواعية و المجربة ، كما اندثرت معه "نسخه" الأوربية .
ولقد ضم هذا الحزب عديد المفكرين الماركسيين المهمين ممن عركوا النضال الشيوعي الفكري و الميداني من أمثال يأن أبل و أرثر غولدشتاين و هيرمن غورتر و انتوني بانيكوك و كارل كورش و هاينرخ لاوفنبرغ و بول ماتك و كارل شرودر و الأخوين دايك و هيرمان شارر و ايرنست شفارتز و غيرهم كثير ممن يشهد لالتماعاتهم الفكرية رغم نهجهم التصفوي المتشدد . أما الحزب الشيوعي العمالي الإيراني و العراقي فليس لديهما سوى المفكر المقدس و الواحد الأحد منصور حكمت ، و ذلك على خطى الحنين لأسلوب نظام الاستبداد الشرقي الفكري هذه المرة ، أم لعله البعث الجديد لستراتيجية "خاتم الأنبياء" و إن بعباءة ماركسية حسب المودة ؟
يتبع ، لطفاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لعنات ستالينية
عبد الحسين سلمان ( 2020 / 10 / 3 - 10:46 )
تحياتي الأخوية للدكتور البروفيسور الصديق حسين علوان حسين.

من ثم تفاقم مرض النزعة التحريفية الانتهازية اليمينية في قيادات الحزب الاشتراكي الألماني (بيرنشتاين ، هلفردنغ ، كاوتسكي ..إلخ) ، خصوصا بعد وفاة انجلز عام 1895 .

مرض النزعة :
1. التحريفية
2. الانتهازية
3. اليمينية

هذه اللعنات الستالينية إلى متى تستمر ؟
1. برنشتاين:
من الواضح أنه لم يكن هناك شيء مني , بل اعتمدت على ما كتب إنجلز من نقد ومراجعة , بينما كنت أثني على ماركس.

2. هلفردنغ : Hilferding كتب كتباً بعنوان : رأس المال المالي Finance Capital (Das Finanzkapital, Vienna: 1910) درس فيه آليات التمركز الاحتكاري والتسلط المالي والذي سوف يتباه لينين فيما بعد

3. كاوتسكي: في مؤتمر أيرفوت , كان الوحيد كاوتسكي يرى ضرورة الالتزام بتعليمات ماركس في نقد برنامج غوتا.

النتيجة: أن جميع الشيوعيين العراقيين في المانيا الشرقية , انتقلوا من ديار لينين و ستالين الى ديار برنشتاين و كاوتسكي في مثل هذا اليوم من عام 1989


2 - أحكام ماركسية و ليست لعنات
حسين علوان حسين ( 2020 / 10 / 3 - 17:23 )
الأستاذ الفاضل عبد الحسين سلمان المحترم
تحية حارة فقد اشتقت إليك . كيف هو الخريف عندكم ؟ سمعت ان الوباء طق من جديدلديكم ، حفظكم الله ورعاكم من كل مكروه . الالمان اشتغلوا زين بملاحقة الوباء ولو ربعنا القدماء بفيتنام والصين غلبوهم وعدّوا .
حبيبي هذا كلام عمنا لينين و ليس ستالين .
تتذكر تعليقك مرة على نقد برنامج غوتا اللي قلت بيه أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لم يعمل به ؟ خوش تعليق كان و هو يدلل على جراثيم كل الاحكام اللي انتقدتها انت .
فكرة بناء الاشتراكية سلميا دمرت البروليتاريا و معها كل شعوب العالم . الرفاه اللي تتمتع بيه ألمانيا مبني على جوع شعوب العالم المتخلف غصبا عنه وعلى الاستغلال المفرط لعمالة الجنوب . .
هلفردنك كان ذكي وطالب بالسيطرة على المصارف للسيطرة على رأس المال، شلون مندري .
هاي المسائل وغيرها راح اناقشها وياك بعدين .
التمس من جنابك الكريم تشجيع عمنا يعقوب ابراهامي لكي يكتب ذكرياته عن العراق حتى لا تضيع . اني طلبت منه هذا بس هوا خلاها صنطة .
انت تدري انه عاصر عمنا فهد ورفاقة الشهداء الميمونين و ساسون منهم وغيرهم من قادة حشع وكلمته الصادقة ضرورية .
كل الحب و الاعتزاز .


3 - لاهوتيات
عبد الحسين سلمان ( 2020 / 10 / 3 - 21:51 )
تحياتي الأخوية , مرة ثانية للدكتور البروفيسور الصديق حسين علوان حسين.

1.
أحكام ماركسية و ليست لعنات :
أحكام : مفردة لاهوتية في اللغة العربية , هذا اولاً , وثانياً : ليست هناك ( أحكام ) في الماركسية, هذا تجني كبير على الماركسية .
2.
فكرة بناء الاشتراكية سلميا دمرت البروليتاريا و معها كل شعوب العالم .
هل تريد يا استاذي العزيز بناء الاشتراكية على طريقة بول بوت , أو ستالين ؟

3.
الرفاه اللي تتمتع بيه ألمانيا مبني على جوع شعوب العالم المتخلف غصبا عنه وعلى الاستغلال المفرط لعمالة الجنوب . .
هل هناك دليل او دراسة او بحث او معلومات , تدل على ذلك؟ هذا هروب وديماغوجية عن المعنى الحقيقي لدولة الرفاه.
4.
هلفردنك كان ذكي وطالب بالسيطرة على المصارف للسيطرة على رأس المال، شلون مندري .

أسئل لينين عن ذلك وخصوصا كتابة : الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية. وسوف تجد الجواب.

5.
التمس من جنابك الكريم تشجيع عمنا يعقوب ابراهامي لكي يكتب ذكرياته عن العراق حتى لا تضيع . اني طلبت منه هذا بس هوا خلاها صنطة .
اعتقد انه سوف يقرأ تعليقكم الكريم
محبتي واحترامي لكم






4 - أرسلت شكوى على عدم نشر تعليقكم 3
حسين علوان حسين ( 2020 / 10 / 4 - 08:23 )
الأخ العزيز الاستاذ الفاضل عبد الحسين سلمان المحترم
تحية متجددة
استيقضت اليوم لأجد تعليقكم المهم 3 أعلاه غير منشور فطلبت نشره و كلي أمل باستجابة الرفاق الاعزاءفي التحكم لطلبي . واصلوا تشريفي باطلالتكم الميمونة ففيكم عبق أهلنا .
سأواصل الحوار الجميل مع شخصكم الكريم بعد البت بنفس الموضوع . يبدو ان بعض مفردات تعليقي 2 تحتمل اللبس .
كل الحب و الاعتزاز و التقدير .


5 - كل الشكر
عبد الحسين سلمان ( 2020 / 10 / 4 - 10:52 )
شكراً للدكتور العزيز حسين على نشر تعليقنا .


6 - الحمد لله لأن التعليق قد نشر أخيرا
حسين علوان حسين ( 2020 / 10 / 4 - 11:56 )
الأخ العزيز الأستاذ الفاضل عبد الحسين سلمان المحترم
ت 3
1. أنا استعملت مفردة -أحكام- بمعنى -الوصف المحدد- . لدينا في التحليل اللغوي مفهوم
det
الذي استعاره جومسكي من الجبر للدلالة على مايسبق الأسم من أدوات التعريف .
2. أريد بناء الاشتراكية مثلما فعل لينين و هوشي منه و كاسترو
3.
الديماغوجية هي تصوير الوحش الرأسمالي بوحش يسبغ الرفاهية على مظلوميه .
4. قرأت كتاب شهيد النازية هلفردنغ -رأس المال المالي- منذ عام 1969 و هو تحليل ماركسي فذ استفاد منه لينين و بوخارين في مؤلفاتهما.
و من المعلوم أن هلفردنغ كان معاديا لثورة اكتوبر و رافضاً لحقيقة كون الرأسمالية نظاما للأزمات و الحروب آيلاً للسقوط وفق ماركس أي أنه كان تحريفيا يمينيا بامتياز انتقده لينين بشدة
. .
5. عسى أن يسمع المنادى النداء .
حبي و تقديري و اعتزازي .

اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024