الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاكتئاب عند الأطفال

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2020 / 10 / 2
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


بعكس الاعتقاد الخاطئ الشائع عن كون الاكتئاب حالة مرضية نفسية لا تصيب إلا الكبار، فإنه من الواضح من خلال الحياة العلمية والعملية اليومية أنه يصيب الصغار أيضاً وبنسبة يعتد بها حيث قد تصل في بعض الحالات إلى 10% من مجموع الأطفال في سني المدرسة الأولى والثانية، أكثرهم من الأطفال في مرحلة المراهقة، والغالبية من أولئك تمثلها الفتيات بين 14 – 17 سنة.

وحقيقة لا يتظاهر الاكتئاب عند الأطفال عموماً كما يتظاهر عند الكبار، وإنما يأخذ أشكالاً متعددة ومتنوعة في شدتها وتظاهراتها ويتعلق ذلك أساساً بدرجة الاكتئاب الذي يعاني منه الطفل وخاصة فيما يتعلق بعمقه، ومدته الزمنية، ومسبباته التي مثلت الأرضية التي أنتجت الاكتئاب وتركت الطفل ضحيتها ليتخبط في واقع الاكتئاب وعقابيله.

بالإضافة إلى ذلك يمكن الإشارة إلى تمايز المظاهر والخصوصيات التي يبديها الاكتئاب عند الأطفال بحسب المرحلة العمرية التي يقع فيها الطفل، حيث يكون في المراحل العمرية الأولى وخاصة في سن المدرسة الأولى مقنّعاً بالكثير من المظاهر التي يمكن أن تفوّت علينا إمكانية التوجه والشك بأن هذا الطفل قد يعاني من الاكتئاب، وتتجلى هذه المظاهر بمجموعة من الشكايات تتراوح بين الغضب والعدائية وعدم الانصياع للأوامر والرأي العام، ومحاولة خرق النظام والتوجيهات في المنزل أو المدرسة، وقد تكون تلك المظاهر هي المشعر الوحيد المتوافر والذي يشير إلى وقوع الطفل في متلازمة الاكتئاب.

أما في مرحلة المدرسة الثانية، فإن الاكتئاب هنا يمكن أن يتظاهر بمجموعة متباينة من الشكايات تتراوح بين الحزن الظاهر على الطفل وملاحظة عدم وجود إشراق الطفولة وإقبالها على الحياة على محياه، والانسحاب الاجتماعي من النشاطات الاجتماعية التي تحتاج إلى المشاركـة الجماعية كالألعاب والنزهات .. إلخ، وصولاً إلى مجموعة المظاهر العامة للاكتئاب الشامل والعميق والتي تقارب في كثير من تفاصيلها نموذج الاكتئاب المعروف عند البالغين المتمثل بمتلازمة عريضة من الأعراض المتنوعة بين اضطرابات النوم كالأرق والاستيقاظ باكراً وعدم النوم كفاية، وضعف الاهتمام بالنشاطات اليومية الاعتيادية، والإحساس المستمر والمتراكم بالذنب وتجريم الذات بسبب مواضيع لا تستدعي مثل هذه الدرجة من الإحساس بالخطأ، وضعف قدرات الأداء الفيزيائي والنشاط المطلوبين من أجل القيام بالواجبات الحياتية اليومية؛ وصولاً إلى ضعف قدرات التركيز الذهني وتشتت الأفكار عندما يتطلب الواقع من الشخص الذي يعاني من الاكتئاب أن يبذل جهداً عقلياً مركزاً للقيام بمهمة ما، مروراً باضطرابات الشهية للطعام المتمثلة أساساً بقلة الإقبال على الأكل، وضعف الاهتمام بالحاجات الجنسية الطبيعية، وفي آخر المطاف الوصول إلى أفكار تتناول الانتحار وإيذاء الذات لإنهاء حياة هذا الشخص الذي يعاني من الاكتئاب.

و لا بد في هذا السياق من الإشارة إلى ملاحظة على درجة عالية من الأهمية والخصوصية، وتشير إلى الحقيقة بأن الاكتئاب عند الأطفال غالباً ما يمثل اضطراباً ثانوياً وليس أولياً نجم إما عن آفة عضوية (خلل جسدي في بنية الجهاز العصبي مثلاً)، أو شكاية نفسية أكثر بساطة من الاكتئاب تفاقمت ولم تأخذ طريقها إلى الحل، وبالتالي كان القرار النفسي الوحيد الناجح هو الانسحاب من مواجهتها والدخول في طريق الاكتئاب، ولذلك يجب السعي أولاً وخاصة فيما يتعلق بالاضطرابات الاكتئابية عند الأطفال للكشف عن السبب الأولي الذي قاد ومهد إلى مثل هذا الاكتئاب.

قد يكون دور العامل الوراثي في حدوث الاكتئاب عند الأطفال وفي جميع الأعمار عموماً من القضايا المثبتة علمياً، ويتمثل ذلك بوجود بنية وراثية عائلية تنتج خللاً في بعض المستقبلات الكيميائية أو الهرمونية والتي يناط بها أن تتحسس وسيطاً عصبياً كيميائياً أو هرمونياً، ولكنها قد تكون قليلة العدد أو مشوهة من الناحية البنيوية مما يعيق ارتباطها بذلك الوسيط مما ينتج عنه خلل في التوازن الداخلي للجهاز العصبي والذي يقود في بعض الحالات إلى حدوث الاكتئاب وأمراض جسدية ونفسية متعددة. وفي بعض الحالات الأخرى يمكن لنفس الاضطراب الوراثي أن يؤدي إلى خلل تشريحي في بنية الدماغ والذي يؤهب إلى الكثير من الاضطرابات العصبية والنفسية ومنها الاكتئاب .

وهذه الفكرة الأخيرة تستدعي منا وقفة عند نقطتين، الأولى هي أن وجود قصة عائلية للإصابة بمرض الاكتئاب يجب أن تجعلنا أكثر قبولاً للشك بأن مكابدة الطفل لأي من الأعراض النفسية السالفة الذكر بأي شكل مهما كان طفيفاً التي يبديها الطفل قد تكون ناجمة عن اكتئاب لم يتكامل بعد ويستدعي منا التداخل بسرعة لمحاولة علاجه ومنع تفاقمه؛ والثانية هي وجوب توجيه كل الذين يعانون من اضطرابات الاكتئاب لعدم الزواج من نفس عائلتهم وتفادي كل روابط القرابة في توجهات اختيار شريك الحياة، وذلك في محاولة للسعي لإنقاص خطورة إنجاب أطفال لديهم استعداد وراثي عائلي عادي للإصابة بالاكتئاب، حيث أن المورثات التي تتدخل في تسبيب الاضطرابات التي تقود إلى الاكتئاب لاحقاً، تمثل مورثات ذات صفة متنحية، وبالتالي يمكن تفادي ظهورها في الأجيال القادمة من خلال الزواج خارج إطار قرابة الدم والرحم حرصاً على سلامة الأجيال الجديدة في هذه العائلة.

إن الإصابة بعدد من الأمراض الجسدية يؤهب بشكل كبير للإصابة بالاكتئاب وخاصة نشير إلى مرض الصرع، و نقص نشاط الدرق، و قصور الغدة الكظرية، و صداع الشقيقة. لذلك يجب التعامل مع هؤلاء الأطفال الذين يعانون من هذه الأمراض بكثير من الحذر ، وكثير من السعي لوضعهم في وضع اجتماعي ملائم ومتفهم يستطيعون الاندماج معه بشكل بناء ليكون ذلك إجراءاً وقائياً فاعلاً يحميهم من الوقوع في براثن الاكتئاب. ومن جهة أخرى فإن معاناة أي طفل من أعراض الاكتئاب جزيئاً أو كلياً، تستدعي منا وقفة طبية مدققة ومسحاً طبياً شاملاً للتحري عن أي سبب عضوي أو مرض ما شكل المقدمة والسبب الأولى لشكاية الاكتئاب هذه.

ونشير أيضاً هنا إلى حقيقة مهمة توضح بأن تعرض الطفل إلى شدة نفسية متكررة، وخاصة الضغوطات التي تتطلب من الطفل جهوداً وإمكانيات أكبر من طاقته الطبيعية (العقلية أو الجسدية) كما في الطلب منه الوصول إلى تفوق دراسي أكبر من قدراته الشخصية، أو بطريقة أخرى وقوع الطفل في مواجهة مزمنة مع مشكلة نفسية لم تفلح آليات الدفاع النفسي و العقلي الفزيولوجية في حلها، سواء عبر تلك السلبية منها من قبيل الكبت و النسيان المتعمد، أو الإيجابية منها عبر التصعيد أو الاستيعاب و العقلنة، ولم يستطع الطفل تجاوزها مع مرور الزمن، واستمرت في الاشتباك مع الطفل نفسياً إلى أن يضطرفي نهاية المطاف إلى الانسحاب والارتكان إلى النكوص والتراجع عن مواجهة الضغوطات والمشكلات التي يواجهها، ومن ثم السير في أول الطريق إلى الاكتئاب لعدم قدرته على تحمل الضغط والشدة النفسية أكثر من ذلك .

وفي معظم الأحيان تتعلق هذه الضغوطات إما بالنزعة القسرية الأوامرية التي تطلب من الطفل أداءً مدرسياً أكثر من قدراته الطبيعية في كل المراحل الدراسية. وفي مرحلة المراهقة ترتبط بشكل لصيق بالمواضيع المتعلقة بعواطف الطفل الحساسة والشفيفة في تلك الرحلة العمرية المرهفة، والتي تستدعي دائماً وأبداً العقلانية والهدوء والعلمية في التعامل معها لحماية الطفل من كل النتائج البائسة للتعامل القاسي والقسري معها.

و من أجل تبئير وتكثيف المعرفة الفاعلة القادرة على اكتشاف الاكتئاب كاضطراب مبكر عند الطفل يمكن له أن يتفاقم لاحقاً، ومن أجل توضيح الصورة الأكثر شيوعاً لظاهرة الاكتئاب عند الأطفال سنحاول رسم تصور عام عن الطفل الذي يعاني من هذه الاضطرابات بالشكل الأكثر مصادفة في الحياة اليومية، وذلك لتلافي الإشكالية القائمة على الشك بجزئيات صغيرة على أنه عرض لاضطراب الاكتئاب - إذ ان الشكايات الجزئية لوحدها لا يمكن في غالب الأحيان أن تكون دليلاً ثابتاً على وجود الاضطراب وإنما يشترط غالباً ترافقها مع الأعراض الأخرى الملازمة لاضطراب الاكتئاب- لنتمكن من تفهم الاضطراب بشكل علمي ممنهج وعدم الوقوع في خطأ تشخيصه وبالتالي علاجه.

المظهر الأول والأهم في الصورة العامة للطفل الذي يعاني من الاكتئاب هو وضوح الحزن وعدم السعادة على محيا الطفل وعلى سلوكه العـام، حيث يبدي قلة رغبة للمشاركة في الأحاديث الجماعية المرحة، و يظهر ميلاً متواضعاً للضحك، و غياباً على محياه للابتسام حتى بشكله الخجول المتحفظ في معظم الأحيان.

وتترافق تلك لمظاهر الخارجية بأعراض نقص الشهية للطعام، أو حتى انعدامها. وغالباً ما تكون هذه الشكاية ظاهرة بشكل جلي عند الفتيات اللاتي يعانين من الاكتئاب بين عمر 14- 16 سنة. ويظهر الطفل في هذه الحالة منصرفاً عن الأطعمة التي كان يحبها سابقاً، وبحيث يقود هذا الأمر الأهل للقلق على الطفل من ناحية تغذيته ونموه وتأثيرها على صحة الطفل الحالية والمستقبلية، ويبحيث يدفعهم ذلك التخوف غالباً لمراجعة الطبيب متوجهين إلى أن الشكاية ناجمة عن مرض عضوي ولكنها قد تكون هنا ناجمة عن شكاية نفسية هي الاكتئاب.

قد يعاني الطفل في حالة الاكتئاب من العديد من اضطرابات النوم، وخاصة عند النوم في الليل وتتجلى بعدم القدرة على النوم والمعاناة من الكوابيس ونوبات الهلع الليلية، وفي معظم الأحيان يظهر لدى الطفل نوع واحد من اضطرابات النوم التي ذكرناها، وتبقى الأخرى لتتكرر بشكل متفرق.

ويمثل الانسحاب الاجتماعي وظواهره المتباينة، وعدم الانخراط في الفعاليات الجماعية التي تنطوي على الاشتراك في فعاليات اللعب والعمل المشترك، حيث يتذرع الطفل في الكثير من الأحوال بالتعب الجسدي وعدم الإحساس بالرغبة في القيام بهذا الدور أو ذاك ضمن وسط أقرانه الذي من المفترض أن يشكل وسطه المحبب للتواصل معه.

وهناك مجموعـة من الشكايات المتفرقة تتراوح بين الوهن العام والتعب غير المفسر والإحساس بضيق النفس، والأهم من ذلك كله هو الشكاية الملازمة بشكل لصيق للاكتئاب والمتمثلة بعدم القدرة على التركيز في الدراسة والاستيعاب. ويلاحظ هذا العرض الأخير بشيوع واضح لدى الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب في سني المراهقة.

أما في مرحلة سني المدرسة الأولى، فكما أشرنا سابقاً، فقد يتظاهر الاكتئاب بالعدوانية والغضب وعدم الانصياع للواجبات الحياتية اليومية والمدرسية ومحاولة التهرب منها بشتى الوسائل ،بالإضافة للمظاهر التي عرجنا عليها آنفاً.

و فيما يتعلق ب أسس علاج اضطرابات الاكتئاب عند الأطفال، يجب أن يتوجه نهج العلاج أولاً إلى الخطوة الأهم في علاج الاكتئاب عند الأطفال والمتمثلة في محاولة كشف السبب الأولي الذي أدى إلى حالة الاكتئاب هذه، وتوجيه الجهود لعلاجه جذرياً، وإلا فإن الإخفاق سيكون نتيجة حتمية لكل السياسات العلاجية المتبعة، وذلك لأن السبب الممرض مازال كامناً وموجوداً، مع التركيز على ضرورة إدماج الأسرة في الخطة العلاجية المتبعة لعلاج الاضطرابات الاكتئابية لما لها- أي الأسرة- من دور محوري في سياسات إعادة دمج الطفل بمحيطه الحيوي ومحاولة الحفاظ على ذلك من خلال تفهمها لحاجات الطفل، و قيامها بواجبها الأسري الطبيعي في السعي لإدماج الطفل بالمحيط الحيوي له من خلال اللعب والمشاركة بالأعمال الحياتية بشكل محبب ولطيف ومقبول من الطفل بحيث يكون خطوة أولى لإخراج الطفل من دائرة الاكتئاب إلى دائرة الصحة النفسية التي قوامها الأساسي إخراج الطفل من القوقعة الاكتئاب الغارق في تيهها، إلى فضاء ينطوي على الكثير من التلاوين و الأشكال للتفاعل الاجتماعي الذي يمثل الخطوة الاولى للانعتاق من حبائل الوعي الاكتئابي.

وتعتبر العقلانية والتعامل الحذر والمتأني مع حالـة الحساسية العالية التي قد تصل درجة الإفراط عند المراهقين، أساساً جوهرياً لسياسات التعامل الناجح مع هذه الفئة العمرية. ويتوجب على الأسرة أن ترسم سياسة عقلانية تتجنب اللين المتغاضي، أو الشدة القسرية، وتوجد الحل بينهما من خلال العقلانية والهدوء، وعدم محاولة خدش تلك الحساسية لدى المراهق وعدم التساهل المفرط معه بنفس الوقت، ضمن شروط الاحترام الكامل له، لأن هذه الحساسية تمثل مرحلة طبيعية في تطور المراهق، وإن المحاولة العامدة لخدشها قد تكون السبب المحوري لكثير من الحالات الاكتئابية عند المراهقين.
ويفضل أن يكون التوجه العائلي مستنداً على محاولة مساعدة الطفل في التغلب على الصعوبات والمشاكل التي يعانيها في حياته من خلال السعي لتشكيل علاقة حميمية مع الطفل يستطيع أن يجدها دائماً حاضرة في ذهنه وجاهزة لتقديم الدعم المعنوي والنصح الضروريين فتكون بذلك ملجأً نفسياً ينشده دائماً للمساعدة في حل إشكالياته الداخلية أو الخارجية.وبهذا النهج يمكن الدخول بشكل بنيوي وبفاعلية أكبر من جميع الطرق الأخرى القسرية لمساعدة الطفل، حيث أن نهج القسر و الزجر غالباً ما يقود الطفل إلى نتائج وخيمة من ضمنها الاكتئاب وإفرازاته المختلفة.

ويجدر الإشارة في نفس السياق السابق إلى ضرورة الدخول وفق قدرات الطفل العقلية وسوية تفكيره إلى عملية مساعدته في فهم واقع المشكلة وكيفية استيعابها للخروج منها، ومحورية تجاوز جميع الحدود التي قد تدفع إلى عدم الدخول في مثل هذه المشاكل تذرعاً بالمعايير والتقاليد الاجتماعية والعيب وما إلى ذلك؛ إذ أن أكثر المواضيع التي تمثل ميداناً ومسبباً لحالات الاكتئاب عند المراهقين، وحتى الأطفال قبيل مرحلة المراهقة، تتمثل في مواضيع العلاقة العاطفية مع الآخر ومواضيع العلاقة بين الجنسيين وما يستتبع ذلك من مفاهيم وممارسات. وإن الإبقاء على علاقة وطيدة مع الطفل وفتح قناة مستمرة وحرة للتواصل معه وضمن شرط الحرية والاحترام والعقلانية، يمثل الخطوة الأولى والأكثر أهمية في وقايته من الكثير من الإشكاليات وما ينتج عنها من ظواهر اكتئابية محتملة.

ومن الجوهري أخيراً التركيز على مقاربة موضوع كثير الشيوع كمسبب لحالات الاكتئاب عند الأطفال، وخاصة في بعض البلدان النامية، وأعني هنا التفاوت بين القدرات الطبيعية للطفل وما يطلب منه ليؤديه دراسياً في المنزل أو المدرسة من خلال إصرار المدرسين أو الأهل في المنزل على الوصول إلى إنجاز دراسي أعلى.

وإن هذا التفاوت قد يكون ناجماً عن سوية القدرات التي يتميز بها هذا الطفل ولا يستطيع القفز فوقها، وهي تتفاوت حقيقـة بين طفل و آخر، وقد تكون ناجمة في أحيان أخرى عن طريقـة ونمط تقديم المادة الدرسية. وتمثل هذه الأخيرة السبب الأشيع لتفاوت أداء الطفل مع ما يتطلب منه في العالم العربي، إذ أن الطريقة التعليمية التقليدية التي تعتمد على تفعيل الذاكرة وليس الإبداع والتحليل الخلاق لدى الطفل تمثل المصدر الأساسي لهذا التفاوت الذي إذا استمر واستمر معه الإصرار على زيادة هذا الأداء، فإن الطفل سيقع في حالة من حالات الوهن وضعف الثقة بالنفس التي تؤهب بشكل كبير إلى مختلف الاضطرابات الاكتئابية الشائعة بين الأطفال في عمر المدرسة. وهنا يجب أن يكون توجهنا أساساً لتعديل سياسة الإصرار على الطفل واستبدالها بمحاولة تعليمه وسائل معينة لتحفيز قدراته الذكائية مثل تدريب الذاكرة على الحفظ مثل حفظ الأغاني الجيدة،والأشعار المناسبة لعمره …الخ، أو تلوين الجمل المهمة في النص، أو التلخيص وتوثيق الأفكار المهمة ومراجعتها باستمرار، والأفضل من هذا وذاك هو محاولة التركيز على طريقة تقديم المادة التعليمية بحيث تصير معتمدة على قدرات التحليل والإبداع الخلاق، وتنحية الذاكرة والاستذكار والحفظ عن ظهر قلب إلى المركز الثاني، بحيث يكون هدف العملية التعليمية و التربوية الأسمى هو تنمية العقل الفاعل المبدع، وليس العقل النمطي الببغائي عند الطفل؛ ويكون ذلك أساساً بالبحث عن طرائق متعددة ومناهج متكاملة في تقديم المادة التعليمية، فإن أخفقت هذه الطريقة يمكن اتباع الأخرى، إذ أن المهم هو أن يطلع الطفل ويصبح متآلفاً مع مجموعة من المهارات التعليمية والخبرات المعرفية لا أن يكون قادراً على استظهارها و ترديدها دائماً عن ظهر قلب،وبالتالي نكون قد تجاوزنا أحد الأسباب التي تؤدي إلى الاكتئاب الدراسي المنشأ.

وفي النهاية، لا نستطع إلا أن نقول بأن الاكتئاب عبارة عن شكاية شاملة غالباً ما يكون الطفل ضحيتها نتيجة لعدم وقفتنا المدققة لحمايته ودعمه وجعله أكثر قدرة على أن يكون فاعلاً في حياته، وأكثر قدرة على أن يكون مبدعاً خلاقاً، وهذا يستدعي منا دائماً اتخاذ شرط العقلانية والهدوء والاحترام وتوضيح الحدود بين الحقوق والواجبات، من أجل إنتاج إنسان متكامل يستطيع الصمود في وجه جميع الاضطرابات النفسية وغيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل