الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبيب الإنسان (قصة قصيرة)

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 10 / 3
الادب والفن


ما فتئ بن الجيران الثريّ يُغازلها، تلك الفاتنة ذات الرابعة عشر، وابنة الأسرةٍ رقيقة الحال؛ ما حال دون تعليمها، ولازال بها حتى أوقعَها في حباله، وأسلمت له جسدها بعد أن راودها مراراً؛ فحَمِلَتْ منه؛ وبعد أن خَفُتَتْ جُذوة رغبته المتوحشة، ابتعد عنها شيئاً فشيئا، ولمَّا لم تجد منه مروءة وبدأت بطنها تُظهِرُ ما بداخلها بعد بضعة أشهر؛ ذهبت إلى الوحدة الصحية بالقرية لتتخلص من حملها، وكان بها طبيباً مُتَديناً من ذوي التوجهات الأصولية، غليظ الملامح ذا لِحيةٍ كثَّة تتدلى على كِرشه الممتلئ؛ فرفض وراح ينصحها بألا تفعل لأن ذلك حرامٌ شرعاً، وسألها عن زوجها، ولمًا لم ترُد ببنت شفة؛ نظر إلى أصابع يدها اليسرى فلم يجد بها ما يدلُ على ارتباطها، وعرف كل بياناتها من تذكرة الدخول؛ فجُنَّ جنونه وطردها بعنفٍ غلول، فخرجت ودموعها على خديها تُداريها ببرقعها؛ ورمقتها "دادة أم الخير"، التي كانت تخافها وتخشى وِشايتها؛ ما اضطرها للذهاب إلى الوحدة عَلَّ طبيبها الغريب عن أهل القرية يقف بجانبها؛ لكنها، على غير ما توقَعتْ، خلَّصتْها الدادة من رِجْسِها وحَفِظَتْ سِترها، وفي الأثناء راحت تستجدي حبيبها بأن يتقدم لخطبتها كلما سنحت لها فرصة اللقاء به؛ فيروغُ منها بأعذاره الواهية، وبعد انقضاء عامٍ على تلك العلاقة؛ واتتهُ فرصة السفر لإحدى دول الخليج النفطية، وانقطعت عنها أخباره لمدة خمس سنواتٍ عجاف ذاقت فيها الويلات؛ بعد أن راح الطبيبُ يُركِّزُ في خُطبه المنبرية على جريمة الزنا وحكمها الرجم وعن الآباء الديوثين الغافلين عن بناتهم، وما ترك بيتاً دخله؛ إلا وفضحها عند أصحابه، ففاحت سيرتها وتناولتها كل الألسنة واجتمعت عليها كل الضغوط المجتمعية واستحكمت حلقاتها، فلم يتقدم لخِطبتها أي شابٍ من القرية والقرى المجاورة التي علِمت بقصتها طيلة هذه السنوات رغم حيائها ومفاتنها، وحاول أحد أخويها أن يقتُلها بعدما سمع بعضاً مما تردد على الألسنة، وفشل في مسعاه، حتى رءاها مهندس القرية الزراعي الجديد جالسة أمام بابها؛ فتعلق فؤاده بها، وقرر أن يشتري بيتاُ ريفياً ويقر بها، وبعدما ارتبط بها؛ عاد حبيبها ووشى بها عند خطيبها؛ فتركها؛ لتسوء حالتها النفسية بعدما ازدراها الجميع بمن فيهم أباها وأخويها وحتى أمها؛ فاسودَّت الدنيا بأسرِها في عينها، وأُصيبَت بعُقدةٍ نفسيةٍ من كل الرجال، وتملكها اكتئابٌ حاد وورم حميد في ثديها الأيسر؛ ولم تخبر أحداً بعِلتِها على مدار الثلاث سنوات، وبدلاً من أن يأخذها أباها لزيارة الطبيب النفسي؛ بعدما أقدمت على الانتحار أكثر من مرةٍ؛ دارَ بها على الشيوخِ، هذا يراودها وذاك يُعنِفها ويضربها بالخيزرانة؛ ليُخْرِجَ الجان الذي سكن جسدها النَجِس؛ فوصلت بحالتها الصحية إلى حافة الانهيار العصبيّ، إلى أن زارتها الدادة بأحد الأيام، ونصحتها بضرورة أن تذهب إلى طبيب الوحدة الصحية لإزالة أورامها الناخِرة؛ فأبَتْ؛ لعلمها بما في الوحدةِ من شرٍ مقدس؛ فَطمْأنتها الدادة بوجود طبيب جديد للوحدة؛ وبأنه ودود وحاذق، ولما ترددت؛ أخذَتها الدادة عُنوةً وأدخلتها غرفة الفحص؛ فلما اقترب منها الطبيب الليبرالي التوجه؛ تحشمت ولَمْلَمَتْ إزارها قائلة: ألا يوجد بالوحدة ممرضة تفحصُني؟ فقال لها الطبيب بعد أن حَبسَ أنفاسِه طويلاً من فرط حُسنها: يؤسِفُني أن أُخبرك بأنني كل ما لديكِ هنا، وأنا كل ما تحتاجين إليهِ، فقالت هل يمكن أن تفحصني من دون أن تلمسني من فضلك؟ فقال: اللمسُ هو الطريقة الوحيدة لاكتشاف الأمر والتخلص منه، وفي النهاية أزال أورامها، وتابع حالتها لعدة أيام، وفي الزيارة الرابعة دخل عليها وقدمَ لها وردة البنفسج قائلاً: أتقبلين الزواج بي؟ فتسارعت دقاتِ قلبها وتلعثمت قائلة: لكن يا دكتور أنا...؛ فقاطعها قائلاً: أنا أعلمُ كل شيء عنكِ؛ ورغم ذلك وأكثر؛ يُسعدني أن تكوني زوجتي؛ فابتسمت أخيرا ونظرت للأسفل عن استحياء؛ وتزوجا وأنجبا طفلة تشبه أمها في حُسنها، واعتاد أباها الخلوق أن يقدِّم لها وردة البنفسج مع انقضاء كل عامٍ من عمرها؛ أسوةً بذكرى اقترانه بأمها، ولما كان شباب القرية يرموه بكلماتٍ جارحة؛ لم يُعِرْهم انتباهاً؛ ولما تكررت تلك المضايقات؛ التفتَ قائلاً لهم:
ألا تعلمون؟
أنها وهي في رِجسِها
لأَطْهَرَ منكم جميعاً
لو تفقهون!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله