الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتهى التاريخ مع نهاية حياة ستالين (تتمة)

فؤاد النمري

2020 / 10 / 3
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كنا أهبنا في النصف الأول من هذا المقال بعامة الشيوعيين أن يقرأوا التاريخ كما هو كي يضمنوا لأنفسهم أن يكونوا ماركسيين حقيقيين لكنهم جميعاً أحرنوا وزادوا أن أمطرونا بالأصفار وليس من سبب لذلك إلا لأننا نذكرهم بمشاركتهم في "الثورة" المضادة وهم كانوا قد صفقوا عاليا لقرار الحزب الشيوعي السوفياتي في مؤتمره الثاني والعشرين في العام 61 القاضي بإلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا واستبدالها بـ "دولة الشعب كله" والتي لا تعني سوى خيانة الطبقة العاملة .
هؤلاء الذين يحرنون عن قراءة التاريخ تاريخهم أسود، وهم لذلك لا يحبون استذكاره . نحن إزاء هذا الحرون نود أن نؤكد لهم أن فوضى الهروب من الاستحقاق الاشتراكي بقيادة البورجوازية الوضيغة ستنهار خلال سنوات قليلة وإذاك سيتذكرون تاريخهم الأسود والرغام في أنوفهم .

نعود إلى قراءة التاريخ كما هو دون أدنى غوز .
انتهت الحرب العالمية الثانية باستسلام اليابان للولايات المتحدة طبقاً لاتفاقية يالطا قبل أن تطأ قدم أميركية أرض اليابان فكان ذلك أن روّع الرأسماليين اليانكي وعلى رأسهم ترومان وقد بدا جليّاً أن قوى أميركا الحربية بما في ذلك قنابلها الذرية لا تقارن بقوى الاتحاد السوفياتي الهائلة . لذلك ولأن الولايات المتحدة كانت حينذاك آخر معاقل الرأسمالية انحرف ترومان عن سياسة روزفلت القاضية بالصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفياتي واتخذ قراراً خطيراً يغامر بمصير الولايات المتحدة قضى بتكريس كل مقدرات أميركا لمقاومة الشيوعية .
سعار العداء للشيوعية الذي تجاوز كل حدود التعقل وتبدى في الإلحاح على استعادة كل المعدات المأـجورة من الاتحاد السوفياتي 46 ، ومشروع مارشال 47 للحد من انتشار الشيوعية في أوروبا الغربية – الأموال التي وعد بها روزفلت لمساعدة الاتحاد السوفياتي حولها ترومان إلى معاداة الاتحاد السوفياتي – تأسيس المخابرات (CIA) لمحاربة الشيوعية 47، إقامة حلف شمال الأطلسي لمحاربة الشيوعية 49، الحرب في كوريا 51 – 54، الحرب في فيتنام 54 – 75، سلسلة الأحلاف العسكرية التي أحاطت بالإتحاد السوفياتي خلال الخمسينيات، سلسلة الإنقلابات العسكرية في الستينيات ؛ مثل ذلك السعار الأحمق المجنون عمل على وقف تطور النظام الرأسمالي حيث كانت كل عوائده تستهلك في الإنفاق على محاربة الشيوعية دون أن يعود أي منها على النظام الرأسمالي نفسه لذلك انهار مبكرا في العام 71 دون أن يعلن رسمياً انهياره وتمثل بانهيار النقد الأميركي ؛ انهار النظام الرأسمالي في أميركا دون أن يتطور لمرحلة الإمبريالية ؛ أميركا لم تكن يوماً دولة إمبريالية على عكس ما يعتقد العامة .

قراءتنا الدقيقة للتاريخ تتوقف في أخطر محطة تاريخية وهي الإختلالات الخطيرة في المجتمع السوفياتي لدى انتهاء الحرب وإعادة الإعمار في العام 51 . خطورة تلك الإختلالات لم يعِها أحد آخر غير ستالين وهو الحارس اليقظ الأمين الذي وكّله لينين في حراسة الثورة واستكمالها . عمارة الإقتصاد السوفياتي في العام 51 ليست هي ذات العمارة في العام 41 حين كانت عمارة اشتراكية أما في العام 51 فقد انتهت لأن تكون عمارة حربية مناقضة للإشتراكية . وما هو أخطر من ذلك أن الحزب الشيوعي وهو المحرك الرئيسي في بناء الاشتراكية وعبورها كان قد فقد بالحرب معظم قادته الطليعيين ذوي المراس الصعب في الصراع الطبقي، وبليت عراه التنظيمية بعد أن منعت عليه الحرب الوطنية ممارسة وظيفته الأساسية وهي الصراع الطبقي لما يزيد على اثني عشر عاماً . إزاء تلك الأخطار الجدية على الثورة الإشتراكية رأى ستالين أن يستزيد من الاستنارة حول الأخطار الماثلة فأمر بعقد ندوة شاملة تضم قادة الحزب ومختلف الخبراء في الاقتصاد من مختلف التوجهات .عقدت الندوة في العام 51 وتابعها ستالين بأدق التفاصيل التي نقلها في كتابه الصادر في العام 52 تحت عنوان "القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي" وقد تبيّن أن أحداً من المنتدين لا يدرك الإختلالات الخطيرة التي خلفتها الحرب على المجتمع السوفياتي حيث كان جميع المنتدين منتشين بالنصر الأعظم في الحرب وإعادة الإعمار الإعجازية فكان الصوت الأعلى للندوة هو التسريع في عبور الإشتراكية نحو الشيوعية عن طريق استعادة سياسة الصراع الطبقي الذي كان قد همد تماماً لأكثر من اثني عشر عاما، استعادتها باحتدام أشد . الندوة خيبت آمال ستالين مما جعله على غير طبيعته يعارض الصراع الطبقي وينتصر للتعايش الطبقي والأخوة الطبقية في المجتمع السوفياتي .

كان لونستون تشيرتشل أسبابه عندما وصف ستالين بالمارد الأسطوري أو عندما وبخ خروشتشوف على الغداء في 10 داوننغ ستريت في 19 ابريل 56 قائلاً له .. " لولا ستالين لما كنتم شيئاً ما " . ما استدعى التذكير بهذه الأقوال هو أن الإختلالات الخطيرة التي خلفتها الحرب على المجتمع السوفياتي والثورة الإشتراكية لم يعِها أحد آخر غير يوسف ستالين القائد العبقري الذي عهد إليه لينين بحماية الثورة وتطويرها، وابتدر مواجهة عبقرية لتلك الإختلالات الخطيرة على الثورة الإشتراكية ومستقبل المشروع اللينيني بقضه وقضيضه وتجاوزها .
تمثلت الأخطار الجدية التي أحاقت بالثورة الإشتراكية في نهاية الحرب العالمية الثانية التي تحمل وزرها الاتحاد السوفياتي منفرداً في مسألتين : الإقتصاد السوفياتي بات بمجمله في نهاية الحرب إقتصاد حرب لا ينتج غير الحرب دون أن يعود بأدنى فائدة على العمال أي أنه نقيض الإشتراكية ؛ والمسألة الثانية هي أن الحزب الشيوعي كان قد فقد حيويته الشيوعية بفعل الخسائر التي لحقت به حيث كانت كوادرة العليا ذات التجربة قد تصدرت مواحهة أعنف عدوان عرفه التاريخ على النظام الاشتراكي وضحوا بأرواحهم، كما أن كوادره الأخرى لم تمارس وظيفتها وهي الصراع الطبقي لأربعة عشر عاماً .

إنعقد مؤتمر الحزب التاسع عشر في أكتوبر 52 بعد غياب طويل والمحاكمة البسيطة لأعمال المؤتمر تقول أن أحداً من المؤتمرين وحتى من القيادة في المكتب السياسي لم يكن على علم بالوظائف المضمرة للمؤتمر فقد طرح ستالين الخطة الخمسية الخامسة تحت شعار التحول من الصناعات الثقيلة إلى الصناعات الخفيفة من أجل توفير الرفاه للشعب بعد معاناة طويلة خلال الحرب وإعادة الإعمار وقد وافق المؤتمر على الخطة دون تحفظ . وكان هدف ستالين غير المعلن من تلك الخطة ليس فقط تحويل اقتصاد الحرب إلى إقتصاد اشتراكي ورفاه الشعب فقط بل كان الأولى هو أن الصناعات الخفيفة تعمل على مضاعفة أعداد العمال الأمر الذي يمكن من استعادة البروليتاريا لقوتها الدكتاتورية التي اعتراها الوهن بسبب الحرب .
أما فيما يتعلق بمسألة الحزب فقد اقترح ستالين إعطاء الشباب المتحمس لفكرة الشيوعية دورا طليعيا في الحزب وهو ما يقتضي إحالة القيادة الحالية على التقاعد بسبب الشيخوخة بمن في ذلك ستالين نفسه وأهاب ستالين بالمندوبين متجاوزاً حدود الديموقراطية عدم انتخاب أيّاً من أعضاء تلك القيادة . لسوء حظ البشرية جمعاء لم يوافق المؤتمر على اقتراح ستالين وأعاد انتخاب نفس الأعضاء دون نقصان مما أثار إحباط ستالين الشديد ودعاه كما تقول وقائع المؤتمر إلى التأكيد على أن انتخاب نفس القيادة يستدعي أخطارا حقيقية على الثورة، وهو ما كان حيث قامت تلك القيادة المتقادمة والمهددة بفقدان سلطانها ممثلة ببيريا ومالنكوف وخروشتشوف باغتيال ستالين على العشاء في 28 فبراير 53 وكان قد استدعاهم ستالين إلى العشاء في منزله لأنهم عارضوا تقاعده وتعيين أحداً غيرهم مكانه . اغتاله بيريا بعلم رفيقية الآخرين حيث كانت التحقيقات في شبكة الأطباء اليهود في الكرملين المتآمرين على حياة قادة الحزب بإدارته .

إغتيال ستالين بما له من وزن ونفوذ في الحزب وفي الدولة السوفياتية سمح للبورجوازية الوضيعة بقيادة الجيش وهو أكبر جيوش العالم وأقواها للقيام بـ "ثورة مضادة" وتعسف العسكريتاريا باستلام السلطة وتعيين خروشتشوف ألعوبة بأيديهم قائدا للحزب وللدولة .
القراءة العلمية للتاريخ التي تعتمدها الماركسية تقول أن الا نقلاب على الإشتراكية الذي قامت به البورجوازية الوضيعة بقيادة الجيش ضد الإشتراكية تلو رحيل ستالين لم يكن "ثورة مضادة" بالمعنى العلمي للثورة ؛ فالثورة المضادة تقوم بها طبقة اجتماعية بهدف استعادة الحياة لنظامها الاجتماعي المنهار . لكن البورجوازية الوضيعة ليست طبقة ولا تمتلك نظاماً اجتماعياً بأدنى أشكاله . القراءة العلمية للتاريخ تقول أيضاً احتفاظ البورجوازية الوضيعة بالسلطة يعني أول ما يعني الموت البطيء لطبقات الإنتاج الحقيقي ونهاية التاريخ بالتالي .

الثورة الشيوعية الدائمة التي استشرفها ماركس في العام 1847 وأعلنها لينين في العام 1919 أزفت إلى تحقيق أغراضها وإغلاق سجل التاريخ مرة واحدة وإلى الأبد غير أن الأشرار قاوموا الموت في النزع الأخير وأجلوا تسليم الروح . ذلك ما أدّى إلى سقوط السلطة في العالم الرأسمالي إلى أحضان البورجوازية الوضيعة و.ليس إلى البرولتاريا حيث كانت بروليتاريا المركز (الإتحاد السوفياتي) قد فقدت السلطة – ألغيت دولة دكتاتورية البروليتاريا في العام 61 .
إنهيارالثورة الإشتراكية في المركز يتبعه بالضرورة إنهيار الثورة الوطنية في الأطراف ؛ انهارت طبقة البورجوازية الوطنية في الدول المتحررة حديثا 1946 – 1972 وتركت السلطة خلفها للبورجوازية الوضيعة .

توالي الأحداث في النصف الثاني من القرن العشرين يدل دلالة قاطعة إلى أن رفض مؤتمر الحزب التاسع عشر لاقتراح ستالين القاضي بإحالة جميع أعضاء المكتب السياسي إلى التقاعد هو ما أدّى إلى اغتيال ستاليين وانقلاب البورجوازية الوضيعة على الثورة الإشتراكية وسقوط السلطة بالتالي في العالم الرأسمالي كما في العالم الثالث بأيدي البورجوازية الوضيعة .
نعيد التأكيد على أن البورجوازية الوضيعة ليست طبقة بل جماعات طفيلية تعيش على إنتاج الطبقات الأخرى . بات العالم تحت حكم البورجوازية الوضيعة عالما مسطحاً بلا طبقات يغيب عنه نهائياً الصراع الطبقي وتنعدم فيه بالتالي أية وظيفة للأحزب الشيوعية وغير الشيوعية وبذلك إنتهى التاريخ .
مع نهاية حياة ستاين إنتهى التاريخ ولكن ليست النهاية التي استشرفها ماركس بالرغم من أن النهاية كانت بفعل الثورة الإشتراكية التي استشرفها ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي في العام 1847 وأعلنها لينين في العام 1919 وقادها ستالين نحو تفكيك النظام الرأسمالي في العالم قبليتم اغتاله في العام 1953 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي