الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعراس الثعالب – 8 –

ربيع نعيم مهدي

2020 / 10 / 4
الادب والفن


للتذكير: الأحداث من نسج الخيال ولا علاقة لها بما حصل على أرض الواقع..

(59)
مع حلول الساعة الأولى من يوم 9 شباط كثّف المهاجمون من تحركاتهم، وتمكنوا من السيطرة على الباب النظامي لوزارة الدفاع، مستفيدين الاستنزاف الذي انهك المدافعين بعد أن ضاقت عليهم حلقات الحصار.
18 ساعة مرت على بدأ الانقلاب، قد تبدو ساعات قليلة لكنها شكلت فصلَ خريفٍ بأكمله، سقط فيها الكثير من الورق الميت، بل.. حتى الاغصان التي عادةً ما تبقى تنبض بالروح، فضلت التظاهر بالموت.
مرهق حد الإعياء جلس عبد الكريم قاسم يناقش خطة الدفاع بما تبقى من الجنود، فَكرَ بمصائرهم، فحياته لا تعني ان يدفع بهم الى المحرقة، تردد لبعض الوقت لكنه رفع سماعة الهاتف واتصل
- اريد الحديث مع عبد السلام عارف
عارف الذي يقف الى جوار الهاتف أجبر المتصل على انتظاره طويلا قبل ان يجيب
- نعم ؟
- اسمعني جيداً.. لن اتحدث معك عن الماضي.. اريدك ان تفكر في الجنود.. هؤلاء لا ذنب لهم.. تنفيذ الأوامر لا يخضع للمناقشة او الهوى..
- اختصر.. ما الذي تريده؟
- اريد ايقاف القتال حقناً للدماء
- في المقابل عليك الاستسلام
- اريد وعداً بالسماح لنا بمغادرة العراق
- هذا الأمر ليس بيدي.. بقائك أو السماح لك بالسفر قرار يحدده المجلس الوطني لقيادة الثورة
- ألستَ واحداً من أعضائه؟
عبد السلام انهى الاتصال والتفت الى رفاقه ليجد ان النوم رفيقٌ لأغلبهم.

(60)
بين الثانية صباحاً والخامسة فجراً شهدت بغداد نوعاً من الهدوء، تخلله اطلاقُ نارٍ محدود، فقط للتنبيه بان النعاس لم يَزُر أعين المهاجمين.
استغل عبد السلام تلك الساعات الثلاث وكتب بيانات تقضي بإعفاء أعضاء مجلس السيادة من مناصبهم، وإلغاء المجلس، ثم طلب من احد الجنود احضار يونس الطائي من معتقله
- اذهب الى عبد الكريم واخبره بأنني سأحاول ضمان حيادية المحكمة وعدالة قراراتها في حال استسلامه.. في الخارج ستجد سيارة توصلك الى هناك.. وعندما تُنهي مهمتك اذهب الى منزلك ولا تخرج منه حتى تهدأ الامور..

(61)
قطعات المهاجمين أرشدت حامل الرسالة الى المكان الذي يتحصن به الزعيم، سار بين الجنود والدبابات الى ان دخل مبنى قاعة الشعب.
- انهم يتحدثون من منطق قوة.. وعودهم بمحاكمة عادلة تفتقر للمصداقية.. لكن الطرق المتاحة امامك تقود الى مسار واحد، وهو الاستسلام .. عذراً سيادة الزعيم .. هذا هو واقع الحال..
- هل طلبوا منك العودة الى المنزل؟
- نعم
- إذن .. حاول ان تصل الى هناك في اسرع وقت
وهكذا اختتم يونس الطائي مهمته .

(62)
ساعات الانقلاب شارفت على النهاية مع اتصال الزعيم بعبد السلام في حدود الساعة العاشرة، مبلغاً إياه بموافقته على الاستسلام ومشدداً على ضرورة الالتزام بإجراءات محددة لإنهاء الأمر.
التفت الزعيم الى كنعان حداد أصغر المُحاصرين
- من الأفضل ان تفارقنا وتعود الى منزلك.. لا أريد منك البقاء معنا
- لقد قتلت منهم الكثير .. ولا أعتقد ان الحال سيتغير ان رحلت أو بقيت معكم
- لقد انتهى الأمر..
علق المهداوي وتحدث بهدوء لا يخلو من التوتر
- انت من كتب أول سطر للنهاية.. بدأت باستبعاد اليساريين واصدرت الأوامر بإعادة البعثيين وحلفائهم الى مواقع مهمة.. وهذه النتيجة.. هذا حصاد ما زرعت..
- فاضل.. انت تعرف حقيقة ما جرى وما سيحدث مستقبلاً.. هذه البلاد كانت ولا تزال ضحية سباق قذر لن يعرف النهاية.. الكل فيه يتغنى باسم الوطن..
- "بلاد الرشيد لا يحكمها إلا مسرور السياف".. أتذكر نصيحة العجوز؟..
- أذكرها.. لكننا.. لسنا عبيداً لأحد

(63)
بدأت مراسم الاستسلام في الساعة الثانية عشر، إذ دخلت الى ساحة قاعة الشعب مدرعتان، ترجل جنودها واتخذ كل واحد منهم موقعه، تبعهم ضابط برتبة ملازم أول توقف في مواجهة بوابة المبنى، ثم أصدر أمره بالاستعداد وأداء التحية عندما خرج عبد الكريم قاسم متصدرا المجموعة التي ضمت المهداوي وطه الشيخ وكنعان.
الزعيم رد التحية ثم سلم سلاحه وتقدم باتجاه احدى المدرعتين، لكن الضابط أوقفه وتحدث بتردد
- سيادة الفريق .. لدي أوامر باستسلامك بدون رتبة .. فأرجو منك نزعها بيدك
- وإذا لم أفعل ؟
- سأكون مجبراً على الانسحاب.. ارجوك سيدي.. انظر خلف أسوار المبنى.. عشرات البنادق تنتظر اشارة لإطلاق النار .. وربما تقتلنا معاً..
تجرد الزعيم من رتبة الفريق التي شغلت اثنان وثلاثين يوماً من حياته في عالم العسكر، ثم تقدم الى إحدى المدرعات ليستقلها برفقة طه الشيخ، فيما أُشير الى البقية بالتوجه الى المدرعة الأخرى.

(64)
مع مغادرة المدرعات الى مبنى الإذاعة، شنت قطعات الانقلاب آخر هجوم للقضاء على الرافضين للاستسلام، في مقدمتهم العقيد وصفي طاهر، الرجل الذي اغتالته مخاوف الزعيم قبل ان تسقطه جراح المواجهة في مساء التاسع من شباط.
قُبيل الانقلاب، كانت لقاءاته مع الزعيم تشهد نوعاً من التوتر، فالأخير كان يخشى انقلاباً ينظمه الشيوعيون، وهذا ما دفعه الى إصدار الاوامر بمراقبة الضباط المعروفين بميولهم اليسارية، بضمنهم مرافقه العقيد وصفي!!.
عندما علم وصفي باستسلام الزعيم لم يتأثر بالخبر، وبقي يقاتل الى ان سقط يصارع الموت بسبب الجراح التي أصابته، ليُنقل الى مبنى الإذاعة على أمل أن يُنفذ في حقه الإعدام أُسْوة بغيره.

(وللحكاية بقية)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة