الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعبير عن الانفعالات

سعد سوسه

2020 / 10 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يميز الوجوديون بين الانفعالات السلبية والانفعالات الايجابية كما انهم اشاروا إلى الاسلوب الذي يجب أن يتبعه الفرد في التعامل أو التعبير عن كل منهما . والانفعالات السلبية التي يدخل ضمنها الخوف ، الغضب ، الكراهية والاشئمزاز وما شابه فأنها تكشف من مواقف لايكون الفرد راضياً أو منتمياً لها . اما الانفعالات الايجابية مثل الحب ، الفرح وماشابه ذلك تكشف عن انتماء الفرد لها وقبوله لها .
وتسائل سارتر ( عندما يتم الانفعال فهل يكون الفرد خاضعاً أم انفعاله بأرادته ، أو هل يمثل انفعال الفرد مجرد حلقة في سلسلة العلل الطبيعية والفيزيائية والفسيولوجية والسيكلوجية . ام انه يمثل اختيار الفرد الذي يكون فيه الفاعل المسؤول ) والتعبير الاصيل عن الانفعال هو ذلك التعبير الذي يختلف الراشد به عن الطفل أو الفرد البدائي حيث ان الراشد قادر على السيطرة وضبط الانفعال وعدم الاستسلام وذلك عن طريق الشعور بالمسؤولية الكاملة في عملية الرد أو التعبير الذي ينسجم مع ما اثاره الموقف من حالة انفعالية . والشخصية المتزنة هي القادرة على التعبير عن الانفعال بشكل صحيح مبتعدة عن حالة القمع ، فهي تعبر عنه بشكل فوري واصيل ولاتكبته كبتاً مزمناً . كما ان الشخصية المتزنة تستطيع الاختيار بين حالتي القمع والتعبير عنها بشكل اصيل . وكل هذا يرجع إلى مدى شعور الفرد بالحرية . فحينما لاتتعرض قيمهم العليا للخطر فأن الفرد يعبر عن مشاعره بحرية وصدق ، فهو يضحك بأستمتاع شديد كما يبكي دون حدود في خلوته . كذلك هو قادر على كبت مشاعره حينما تتعرض قيمه الاخرى للخطر ويستمر في السلوك الذي كانو يمارسونه اثناء اثارة الانفعال .
ويعد العالم فرانكل أن الضحك هو خاصية يتميز بها الموجود البشري عن الموجودات الاخرى وهي من انقى خواص سلوكه . فهو يرى أن الضحك استجابة لايستطيع القيام بها سوى الذين تجاوز إرثهم الحيواني . كما ان الضحك يعني الحرية ويعني القدرة على تخطي الظروف البائسة . وهناك معايير اجتماعية تقريبية تحدد متى يعتبر الضحك مناسباً . فهناك مواقف تحتم على الفرد ان يكبت انفعال الضحك أو أن يؤجله إلى وقت آخر وهو سمة من سمات الشخصية المتزنة والناضحة اما الشخصية المضطربة لاتمتلك تلك القدرة فالفصاميون يضحكون في المواقف غير المناسبة والتي قد تستدعي البكاء لدى الاشخاص الاسوياء ويؤكد الوجوديون على ان القدرة على العثور على ما يضحك في الحياة شيئاً مفيداً وكذلك هو دليل على ان المرء قادر على القيام بما يتعدى مجرد الكفاح من اجل البقاء . كما ان البكاء له اهمية توازي أهمية الضحك باعتباره عاملا يساعد على تخريج الانفعالات أو اطلاق العنان للمشاعر كي تحرر الفرد من انفعالاته المؤلمة ولكي ينطلق أو يستأنف حياته مرة أخرى على اسس فعاله وقويه .
وتعني السيطرة على الانفعالات قدرة الفرد على التأثير في مجرى الاحداث . والفرد القادر على السيطرة على انفعالاته هو الذي يميز بين ما هو صحيح أو خاطيء مستعملاًً مسؤوليته الفردية. كما انه يحاول تفادي النتائج المؤلمة التي قد تنتج عن عدم السيطرة ويقترح أفيرل Averill بتقسيم السيطرة إلى ثلاث انواع وهي :-
1- سيطرة حاسمة Decisionel لأختيار البديل الذي من شأنه ان يكون مناسباً من السلوك في عملية التعامل مع المواقف التي تثير الانفعال .
2- سيطرة واعية Cgnitive Control أي يدرك الفرد ويفهم ويقرر كيفية التعامل مع الحياة الضاغطة باستخدامه السلوك المناسب .
3- مهارات التعامل Coping Skills وهي استجابات مناسبة في عملية التعامل مع الضغوط أو الاحداث اليومية بشكل متميز التي تهدف إلى مواجهة الاحداث بشكل صحيح وسليم والشخصية المتزنة لها القدرة على التصرف بطريقة ملائمة ومرنة عندما تزداد درجة الضغط أو التهديد عليها .
ان التعبير الاصيل عن الانفعالات يعني قدرة الموجود البشري الاصيل
( المتزن) على السيطرة وضبط انفعالاته وتحكمه بها بما يتناسب مع متطلبات الموقف الذي يعيشه . كما انه لايعني قمع الانفعال بل الاستجابة المناسبة للموقف الذي ينتج عنه تفريغ الانفعال بشكل سليم ومقبول .
الوجود مع الآخرين
لقد تشعبت المفاهيم الوجودية المعبرة عن علاقة الفرد بالآخرين فهناك من يسميها الوجود مع الآخرين ، ويقابله الوجود الزائف ، وهناك من اسماها بعلاقة الـ ( انا – انت ) او ( أنا – هو – أنا – هي ) و (العالم ) وهناك من اختصر لها اسما هو ( الأخر ، او النحن ) … الخ .
ورغم كل هذه التسميات فأن المقصود هو شيء واحد والذي تسعى الوجودية الى بيانه هو الاشارة الى طبيعة العلاقة القائمة بين الفرد والاخرين . ورغم الاختلافات في الرأي حول طبيعة تلك العلاقة وماهيتها فأن هناك اتفاقاً عاماً حول حتمية وجود الآخرين . وهذا الاتفاق يدخل ضمنه حتى الذين ينظرون الى وجود الآخرين نظرة تشاؤمية امثال سارتر الذي صرح ذات مرة بقوله ( أن الاخرين هم الجحيم ) لكنه يعود ليصرح مرة أخرى فيقول ( أن الاخر بمثل الوسيط الضروري الذي تتكشف نفســي امام نفسي من خلاله ) ثم يقول ( اني بحاجة للغير لأدرك ادراكاً تاماً كل ما لوجودي من بناءات ) ويعلق ( جارودي ) على التصريح الأول لسارتر بأنه ناتج عن الظروف الاجتماعية المأساوية التي كانت سائدة في مجتمعه والتي كانت تسيطر عليها الروح التسلطية في الحضارة البرجوازية القائمة على علاقة السيد بالعبد .
ومع تأكيد كيركجور على أهمية الفرد والمسؤولية الفردية التي لايمكن تحويلها للغير نرى أن هناك إهتماماً اخراً له في الجانب الجمعي في وجود الانسان . والجماعة تمثل عنصراً مهماً وجوهرياً في تكوين الموجود البشري فمن الممكن اثباته مثلاً أن هناك خاصيتين اساسيتين من خصائص الوجود البشري يمكن من خلالها اثبات دور الجماعة في حياة الفرد وهما :-
أولاً : الخاصية الجنسية : -التي تؤكد أهمية وحتمية وجود الآخرين فبالرغم أن الجسم يحتوي على عدة أجهزة مثل الجهاز الهضمي والتنفسي والعصبي … الخ فأن لديه نصف جهاز للتناسل لايكتمل بدون جهاز تناسلي في جسم شخص من الجنس الآخر .
ثانياً : الخاصية اللغوية :- فمن الوظائــف الاساسيــة لها هو الاتصــــــال بيــــــن الناس .
ويشير زيعور الى ان علم النفس الوجودي يؤكد حقيقية مهمة وهي ان الانسان يوجد مع الآخرين ولايعرف نفسه إلا من خلالهم . كما انه يحب ويكره . فالحب هو حب انسان ما والكره هو كره انســـان ما .
ويعد ماكس شلر Max Scheler أحد ابرز الذين تناولوا موضوع علاقة الفرد بالاخرين فقد اصدر كتاباً بهذا الخصوص ( طبيعة المشاركة الوجدانية واشكالها ) وقد تطرق الى ثلاثة اشكال من تلك المشاركة الوجدانية هي:-
1- مشاركة متوحدة : كما في حالة العلاقة القائمة بين الأم والاب اتجاه طفلهما .
2- مشاركة وجدانية متبادلة والتي تكون بمثابة صدى وجدانياً بين شعورين او حالتين من مع احتفاظ كل شعور بتميزه عن الآخر . كما في حالة الفرد العاشق .
3- مشاركة جزئية كما في حالة شعور فرد ما بحزن الاخرين دون أن يعاني ذلك الحزن .
ويشير سيدني الى الحب مؤكداً حقيقة التزام الفرد بمصلحة الأخر الناتج عن التعاطف والشعور بما يشعر به الآخر . ويدخل الجنس كعنصر مهم في بناء علاقة الحب بين الجنسين .
علماً ان هناك حباً دون جنس كما أن هناك جنساً دون حب وعلاقة الحب الناضجة هي تلك العلاقة المشروطة بالاخذ والعطاء وتبادل المشاعر وهذا يعد مؤشراً ودليلاً اساسياً للشخصية المتزنة .
ويعد الحب أعمق مصادر الاتصال بين الفرد والآخرين لما له من قدره في عملية توحيد
( الانا – انت ) ويجعلها شيئاً واحداً . حينما لايوجد هناك من إكراه اجتماعي وأن الجميع يسعى الى الوصول الى غاية واحدة وهدف لايمكن تحقيقه إلا بتبادل الخدمات والعمل على جعل علاقتنا انسانية ويقول ريجيس ( يكون الوجود بالنسبة لي هو ان اوجد وجوداً مشاركاً او مشتركاً مع الآخرين .
وهناك مصطلح ( العالم ) والذي كثيراً ما تداولته الكتابات الوجودية في تفسير العلاقة مع الاخرين . ولغرض توضيح هذا المفهوم ضمن هذا البحث . لابد من الرجوع الى اراء اصحاب النظرية الوجودية التي تنظر الى الانسان على انه يعيش في ثلاثة عوالم هي :-
1- العالم المحيط بالفرد ككل Vmwell والذي يشترك فيه مع جميع الكائنات الاخرى البشرية وغير البشرية ويكون الاتصال مع هذا العالم بشكل مستمر من قبل الفرد عن طريق الاستقبال او الأخذ والأخراج . وهذا ما يؤكد على اتفاق الانسان مع الكائنات الحية الاخرى بالاعتماد على البيئة في غذائه ومشربه .
2- عالم العلاقات الشخصية المتبادلة Mitwell وهو ذلك العالم الذي يوفر التعامل المتبادل او التفاعل بين الافراد والقائم على الشعور بالمسؤولية والالتزام المتبادل مع الاخرين . فالفرد يتعامل مع الاخرين وفق حدود معينة تضمن له تطوره الشخصي .
3- العالم الذاتي او الشخصي Eigenwell ويعني هذا العالم الداخلي للفرد والذي بوساطته يتميز ويتفرد عن الاخرين ويجعل منه قادراً على تأكيد وفهم ذاته ووضع ما يميز اعماله عن اعمال الاخرين .
ويشير قاسم الى موضوع العلاقة بين الفرد والاخرين من حيث انها تنفتح على شكلين فهناك العلاقة الاصيلة التي يتسم بها الموجود البشري الاصيل المتجه لها نحو الالفة والمودة الصادقة والتفاعل المتبادل وهي عكس الشكل الثاني من العلاقات الذي يطلق عليه العلاقة المزيفة والتي يتسم بالسطحية وعدم العمق او عدم الاهتمام المطلوب بالاخرين . والموجود البشري الاصيل يتفاعل مع الاخرين ومن ثم يؤثر في مجتمعه ويبرز على انه عنصراً مؤثر وياتي عكسه الموجود البشري المزيف الذي يرى تفاعله الاجتماعي على انه شيء مقرر سلفاً او محدد من قبل قوى خارجة عنه ولهذا فأنه سيشعر بأنه ( مجرد لاعب ادوار مرسومة له ومخططه من قبل الاخرين ) .
أن الموجود البشري يصيبه الشعور بالاغتراب عن الآخرين حينما لاتكون علاقته متجه نحو العمق أي عندما تكون علاقة مزيفة وغير عميقة بحيث يصبح الفرد مجرد صفر على الشمال في الوجود الجمعي للآخرين او حالة ضمن حالات اخرى له لم تحضى بالتميز . .
أن وجود الفرد مع الاخرين هو وجود حتمي لايمكن انكاره سواءاً على مستوى الوجود الاصيل او على مستوى الوجود المزيف والذي يهمنا في هذا البحث هو الوجود الاصيل الذي يمكن أن نطلق عليه الوجود الرافض لفكرة الاندماج مع الآخر الذي يجعل الفرد جزءاً من كتلة الآخرين . او هو الوجود القائم على الحب والتفاعل المتبادل والمشاركة الفاعلة مع التاكيد على المحافظة بخصوصيته داخل مجتمعه . وهنا سيكون الاخرين قد اصبحوا مرآة صادقة وعاكسة لفعل الفرد المتميز . فهو يرى انجازاته ونموه وتطوره من خلالهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة