الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل العاشر/ 3

دلور ميقري

2020 / 10 / 4
الادب والفن


في اليوم التالي، عوضاً عن الذهاب إلى المحكمة، أخذ جمّو طريقه باتجاه منزل حسينو. هنالك، فاجأ شقيقه هذه المرة بإعادة مبلغ الخمسمائة ليرة. ثم قصَّ عليه ما جرى بالأمس، ليخلص إلى القول: " لم أرغب أن يكونَ البيتُ سبباً لخصام الأخوة، فأعلنتُ لحَميّ انسحابي من الصفقة ". عبّرَ حسينو عن تأثّره، هوَ مَن كان نادراً ما يهتم بشئون الآخرين؛ بما في ذلك أفراد أسرته. فقال لشقيقه: " لا عليك، طالما أنك لن تبقى في الشارع مع عائلتك ". ثم أضافَ، مستعيداً حواره الأخير معه: " كما سبقَ واقترحتُ عليك بالأمس، فالحل لإنهاء مشاكل النسوة أن ترفع جداراً مع كلّ من قسمَيّ الدار، الآخرَيْن ". بغيَة إضفاء مزيدٍ من الطمأنينة في خاطر الشقيق الأصغر، أظهرَ حسينو أريحيته عندما استطرد: " من جهتي، لن أطالب بحصتي في البيت ما دمتُ حيّاً. على ذلك، أنصحك بأن تصرف المال ببناء عدة حجراتٍ، تعرضها للإيجار، فتأمّن دخلاً آخر ".
تأجيرُ البيوت للأغراب، أو بعض الحجرات منها، أضحى شائعاً مع خروج الحي الكرديّ رويداً من عزلته. تدخُل الجيشُ في السياسة، المضطرد منذ مفتتح عقد الخمسينات، أدى إلى إزدياد عدد أفراده. فالأحزاب العقائدية، وخصوصاً البعث، أخذت تحضّ شبابَ الأرياف على التطوع في القوات المسلحة كي تقلب موازين القوى لصالحها. لهذا السبب، ازداد الطلبُ على بيوت الإيجار في الحي، بالنظر لرخصها مقارنةً بالأحياء الدمشقية الأخرى. مثلما أن المنحدرين من الطوائف، كالدروز والعلويين والإسماعيليين، كانوا يشعرون بالأمان أكثر في ظهراني أقلية أثنية لا يتميّز أفرادها عموماً بالتعصّب الدينيّ. ثمة في الزقاق، المنعوت على اسم الحاج حسين، كان منزل حفيده، صبيح، أحد الأماكن المفضّلة للمستأجرين الغرباء من ريف الساحل. مع مرور الزمن، أعطيَ قسمٌ من منزل جاره، معمو، لأسرة مسيحية من ريف حمص.

***
لكن جمّو بدلاً عن بناء غرف للإيجار، مثلما كانت نصيحة شقيقه الكبير، عمدَ إلى إنشاء حديقة كبيرة في القسم السفليّ من المنزل. ثمة، وُجِدَ عددٌ من أشجار اللوز علاوة على المرحاض القديم، القائم فوق بئر؛ على عادة ذلك الزمن. المكانُ المطلوب للإنشاء، كان منخفضاً عن القسم العلويّ للمنزل بنحو مترين، يتصل معه بسلّم حجريّ من بضع درجات. على الطرف الأقصى من السلّم، سبقَ للمرحومة سارة أن زرعت شجرة زيتون، ما لبثت مع توالي السنين أن صارت تعطي الثمار، ثم امتدت أغصانها لتغطي جانباً من أرض الديار. بإزاء الشجرة، استهل جمّو عمله ببناء حجرةٍ صغيرة، منذورة لحفظ البذور وعدّة الحديقة فضلاً عن المتاع العتيق. تخطيط الحديقة، الذي جدَّ على الأثر، جعل لها أربعة أحواض رئيسية مع ممرين متصالبين أساسين. في هذه الأحواض، غرست أشجار الحمضيات والدراق والتوت والرمان والكيدنيا، لتهيمن بظلالها على مروج الأزهار والرياحين. أشجار اللوز، ويُقال أن الجدّة الأولى للسلالة قد زرعتها، أضحت الحدّ الفاصل مع قسم الدار، الذي آل إلى ملكية سلو. هذا الأخير، كان يُراقب بعين ضيّقة، حسودة، الأعمالَ في حديقة الشقيق الأصغر.
" صار لديك عددٌ معقول من الأشجار المثمرة، فلن تتأثّر الحديقة لو أُقتلِعت أشجارُ اللوز "، باغتَ سلو شقيقه بهذا القول في أحد الأيام. ثم استدرك، موضّحاً: " أرغبُ ببناء حجرتين للنوم، لكن حصتي صغيرة كما ترى. ولا أطلبُ سوى هذه المساحة الضئيلة، المشغولة بأشجار اللوز ". الأشجار تلك، المعنيّة، كانت متعة أنظار أجيال من أهل الدار، وذلك حينَ تتزيّن ربيعاً بالزهور البيضاء فتغدو مثل العرائس. عزَّ على جمّو إجتثاثها، لكنه خجل من مقام شقيقه الكبير: " لا مشكلة أبداً، لكنني سأرفع جداراً في هذه الناحية من الحديقة "، قال له. هزّ الآخرُ رأسه، عابساً، ولم يتنازل عن فتح فمه بكلمة شكر. هكذا استفاد جمّو من غياب أشجار اللوز، الأثيرة. لدى فراغه من بناء الجدار بعد بضعة أيام، طلبت منه امرأته مواصلة العمل: " لن ننتهي من نق شقيقك ومشاكل زوجته، إلا برفع جدار آخر ". أعجبته الفكرة، ولا غرو، لأنها خطرت بباله سلفاً. على أثر إتمام العمل، صار في وسع أفراد أسرة شقيقه الوصول لباب الدار الرئيس عن طريق فتحة صغيرة في الجدار الجديد.

***
فكرة جديدة، جاءت لذهن بيان، حظيت أيضاً باستحسان رجلها. قالت له يوماً، وكانت تسير معه عبرَ ممر حديقة الأزهار: " لو بنيتَ مطبخاً جديداً في مساحة من أرض الديار، فسيكون فاصلاً طبيعياً مع حصّة شقيقك فَدو، وبذلك ننتهي من حركات امرأته ". بيد أنه رأى مفاتحة شقيقه بالأمر، وبالطبع دونَ حاجةٍ للتكلم عن خلفيّته. لما تم له ذلك، بغير قليل من الخجل، فإنّ فَدو علّق ضاحكاً: " الجدران في منزل الحاج حسين، صارت بعدد نساء أحفاده! ".
غبَّ إنتهاء العمل بالمطبخ، الذي أفردت فيه مساحة للحمّام، جاءت مزيّن لتطلبَ من جمّو التكلم مع معلّم البناء أن يشيد حجرة جديدة في منزلها: " نحن بدَورنا نحتاج لمطبخ وحمّام، جديدين ". لما سألها، لو أنها حصلت على موافقة الزوج، فإنها أومأت رأسها إيجاباً. لكن تبيّنَ فيما بعد أنها كاذبة، وكانت تود وضع فَدو أمام الأمر الواقع. وهذا ما حصلَ، فعلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا