الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
2020 لوين رايحين ؟
روزا سيناترا
2020 / 10 / 4اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الحلقة الأولى
قبل أن يسيطر الروبوت عليّ وعليك
نحن الكاتبات والشاعرات وكل من يرتكب مثلنا في كل يوم جريمة الفن الجميل من شعرٍ وأدب ورسمٍ ونقد وفلسفة لم نرتعب كثيراً من عزلة كورونا فنحن الذين نمضي كل يومٍ على حبلٍ رفيعٍ من العزلة بين الكتب والموسيقى وذاكرة الرائحة والعطر اعتدنا على بناء مغاراتنا الرقيقة حجرا بعد حجر فكل مبدعٍ بحاجة دوماً لتلك النافذة التي تطلَ على روحه أولاً .
العزلة ضرورية جداً كي نتعرف على أنفسنا، ما نحب وما نكره، ما نعيش وما نحلم كي نرتقي، نحتاجُ إليها كي نعرف مهاراتنا وحدود صبرنا قبل أن نعتاد الخارج.
الخارج مخيفٌ وجميل والآخر مهمٌ ولكنه على الغالب غير جديرٍ بثقتنا ليس لأنه وحش مريب وإنما لأننا جميعاً وحوش وأمراء، نبلاء في قصة أحدهم وقتلة قساة في قصة آخر وليس لأننا مميزون جداً إنما طبيعتنا البشرية ستسحبنا دوماً إلى تلك الزاوية ما بين الخير والشر والظلام والنور والعزلة قادرة دوماً على تفكيك تلك الشيفرة ومن الجيد أحياناً أن ننعزل عن التلوث في الخارجي وليس التلوث هو تلوث البيئة والمناخ فحسب لأن الموسيقى الهابطة تلوث، الكلمات السوقية والتعامل البربري تلوث، الأشكال المهملة تلوث،الأرواح الذابلة غير المطورة في كل يوم من جديد تلوث،الجريمة تلوث، كلها تلوث يقع بين البصر والسمع والقلب وكلها عكس جمال الطبيعة الإنسانية الطامحة نحو حياةٍ أفضل فوق هذا الكوكب.
في فيلم
مثلاً :Cast Away
يتعرض " توم هانكس" لحادث طائرة فيسقط في المحيط ويحاول النجاة حتى يعثر على جزيرة غير مأهولة ويستوطن فيها ويصور الفيلم محاولات تأقلم البطل مع حياته الجديدة، كيف يكتشف طريقة إشعال النار، كيف يحضر طعامه، كيف يستخدم الوسائل البدائية كالحجارة لفعل ذلك، كيف يرقص، كيف يبكي ويغضب ويستعيد ذكريات حبه مع معشوقته وكيف يبدأ بالتحدث مع الآخر الغير موجود سوى بخياله عبر كرة طائرة يرسم عليها وجهاً بواسطة الدماء وكيف يقرر في النهاية المغامرة كي يعود لوطنه.
هذا الفيلم يصور الحاجة الى الحياة وسط مجتمع، الصعوبة في التأقلم وحيداً، الأفكار والعذاب المتذبذب كل الوقت وكأنما يسترجع المخرج فيه قصة "روبنسون كروزو " فعلاً لكننا لا نستطيع تقييم هذا العمل على أنه عزلة اختيارية كما يختار المبدعون أحيانا وإنما هي الوحدة في أوسع صورها.
هنالك فرقٌ كبير بين العزلة والوحدة فالأخيرة متعبة وتوجعُ أما العزلة فهي حفظٌ للروح والجسد والإرتقاء بهما فكرياً وجمالياً، الوحدةُ تضعف النفس وتجعلها هزيلة وحزينة أما العزلة تصنع منك مبدعاً دون أن تنتبه إذا استغليت هالتها جيداً وقلتها ذات مرة :
لولا جواربك الحريرية، عيناك الواسعتان وقلبك الذهبي لما أحببتك أيتها العزلة.
قضيتُ قبل هذه الأزمة أوقاتاً كثيرة في حياتي منعزلة عن البشر أجاور البحر والطبيعة والكتب وكانت من أغنى فترات حياتي وأتذكر في إحدى المقابلات الإذاعية عن سائق الشاعر محمود درويش حين قال أنه أيضاً كان رجلاً محباً للعزلة وقد يبقى في بيته لأسابيع دون أن يمل أو يشكو، العزلة التي كرّست وقتاً ثميناً لمحمود درويش في التأمل والقراءة ونحن محظوظون جداً لأننا حصلنا على إرث حياته وعزلته وشعره كلها مجتمعةً معاً.
وبغض النظر إن كنا نتعرض لوباء أو لألعن تدريب عسكري وميداني مدبر والأوسع على مر العصور تظل الحاجة إلى كل تلك الفعاليات الجماعية بين الحين والآخر كي نتذكر أننا ننتمي للطبيعة ذاتها وللكوكب نفسه وأن هنالك قواسم كثيرة بين بني البشر كالحاجة للمشاركة أو التعاون وطبعاً لست أنا التي ستنصح بالإخلال بالنظام أو عدم إتباع القانون لأنني أحترم دوماً قوانين اي دولة أزورها حتى وإن لم يعجبني الأمر على الصعيد الشخصي أو المنطقي حتى كما وأنني لست المتخصصة الصحية او المهنية بكل ما يتعلق بوسائل الحماية لكن يبقى الإبتعاد عن البشر لفترة ما فكرة جيدة ولا بأس بها (اذا كانت اختيارية طبعا ) !
ربما أكون متشائمة على الصعيد الاقتصادي في كل ما يحدث وقد نكون على وشك الدخول في حرب عالمية ثالثة على عكس ما يروج البعض من تعاونات "سلام" ورغم أنني ضد تقييد حريات البشر وحقوق الناس في حرية الحركة أو التعبير عن الرأي الا أنني أنصح الجميع باستغلال الشتاء القادم للدخول في مشاريع مختلفة أو تعلم مهارات لم يعرفها الفرد منا من قبل أو حتى تعلم لغات جديدة بدل التباكي على الحليب المسكوب لأننا وعلى ما يبدو على أعتاب هذا التدريب المستمر لأكثر من مرة حتى نهاية 2021.
العالم يتغير والروبوت سيدخل مكان الكثير من البشر الى سوق العمل، والأعمال الفردانية الإبداعية ستكون عنواناً جديداً في حربها ضد الاكتئاب او الوحدة او الإنهيار أو حتى الانقلابات المناخية القريبة المحتملة.
كي ننجو من السقوط في اليأس أو الهندسة المجتمعية المفروضة علينا نحتاج للوعي وتفعيل العقل من جديد في كل فعلٍ نقوم به خاصة في كل ما يتعلق بعلاقاتنا مع الآخرين وتحديداً مع الأطفال الذين استيقظوا على عالمٍ بدأ يتغير امام أعينهم بسرعةٍ مرعبة فلا التعليم عن بعد سيغنيهم عن حنان نظرة المعلمة ولا وظائفهم البيتية ستعلمهم مهارات الحياة الروبوتية الجديدة وقريباً جداً قد نسمع عن عصرٍ تنتهي فيه الألقاب الأكاديمية وتبدأ فيه مرحلة السباق على المهارات والتفكير الإبداعي.
سنحتاج أن نتحدث مع أنفسنا بصراحة حول كل ما يحدث وأن نكرس صراحتنا هذه ايضاً في تعاملنا مع الآخرين بعيداً عن زيف الشاشات وكذب وسائل التواصل الإجتماعي التي رسخت فكرة الأخبار السريعة ولكنها لم تقرّب البشر من بعضهم حقاً بل جعلتهم أكثر عدائية ونقمة وحسداً وصاروا بسببها غير واثقين من أفعالهم وكلماتهم ، "الميكس" المركب الذي يتعرض له الفرد خلال النهار والليل عبر هذه الوسائل جعله لقمة سهلة أيضاً لشركات الدعاية والإعلانات والضياع النفسي الرهيب.
سنحتاج للعودة للانتاجات المحلية والأفكار الخلاقة والإكتفاء الذاتي لكل بلد وبلد غير مضطرين بالضرورة لإكمال مشهد التجارة الدولي وليس السبب هو الشراء عبر الاونلاين وحسب ولا إفلاس عدة شركات قريباً وإنما لأن 2020 كشفت لنا أننا قادرين على الحياة بطريقة مختلفة ويبقى الحاجز هو مدى كفاءة انتاج كل بلد وبلد وللأسف فإن معظم الوطن العربي غير مستعد لهكذا مرحلة لأنه يستورد كل شيء من العالم تقريباً حتى عندما يريد أن يكذب على نفسه يذهب للأسواق الصينية لشراء "غشاء بكارة" ب13 دولار ليرتق خيبته "العاطفية" !
نحتاج أيها الإنسان العظيم إلى عقلك لا جسدك، إلى تنوّرك لا يأسك.
نحتاج الى روحك المتفائلة قبل ان يسيطر الروبوت عليّ وعليك.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فرنسا.. عمل أقل، حياة أفضل؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. جنوب لبنان جبهة -إسناد- لغزة : انقسام حاد حول حصرية قرار الح
.. شعلتا أولمبياد باريس والدورة البارالمبية ستنقلان بصندوقين من
.. رغم وجود ملايين الجياع ... مليار وجبة يوميا أُهدرت عام 2022
.. القضاء على حماس واستعادة المحتجزين.. هل تحقق إسرائيل هدفيها