الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقد يتعدد الجلادون وتختلف الأسواط لكن المجلود واحد

جعفر المظفر

2020 / 10 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إتهمني أحد أصحابي بتهمة الإنحياز للشيعة إلى حد التطَّيف (مشتقة من الطائفي) لأنني أركز في أغلب مقالاتي على فضح ونقد وتعرية الطائفية في المحيط الشيعي, ودون أن أعطي نفس الإهتمام لتعرية الطائفية وأصحابها على الجانب السني (طبعا النصف الثاني من الإتهام غير صحيح) لأن المعروف هو إنني لا أتردد عن نقد الظواهر المرضية التي ينتجها التمذهب السني وخاصة مدارسه التكفيرية التي أنتجت لنا القاعدة وداعش, أو حتى (المعتدلة !) التي أنتجت لنا تنظيمات الأخوان المسلمين والذين هم الأصل في إنتاج العديد من المنظمات التكفيرية والإرهابية.
صاحبي هذا كان ذكيا بلا شك لإيمانه أن نقد الحالة الطائفية المرضية في المحيط الشيعي يعني بالنتيجة العمل من أجل تخليص الشيعة من كل تداعيات هذه الظاهرة المرضية, في حين أن حرمان السنة من نقدٍ بهذا الإتجاه يعني بالنتيجة حرمانهم من التشخيصات والمعالجات الشافية لهذا المرض القاتل والخبيث, ولذا صار إعتقاده أن توجها كهذا يكشف بالنتيجة عن حالة (تفضيل طائفية) للشيعة على السنة.
ولقد كان هذا بالضبط هو عكس ما أفتى به أحد (الفهيمة) حينا قام بإدراج إسمي (مشكوراً) ضمن قائمة إحتوت أسماءً لشخصيات وطنية رائدة من الشيعة كان منهم الدكتور كاظم حبيب والأستاذين رشيد الخيون وصديقي العزيز ضياء الشكرجي, متهمنا جميعا بأننا نعاني من (الدونية) ومن (الإخصاء الفكري) بسبب طول خضوعنا لـ (أسيادنا السنة) وكثرة مسحنا لأكتافهم.
ولأنه كما يبدو بارع في (علوم الخصونة والإخصاء) فهو لم يتركنا دون تفسير موضحا أن مرض (الإخصاء والدونية) يصيب صاحبه بسبب شعوره بالنقص إتجاه الآخر وتكون أبرز أعراضه الترفع على أبناء (الجلدة) وحتى تقريعهم وشتمهم. ويبدو أن واحدة من الأسباب التي دفعت صاحبنا إلى التبحر في علم الدونية والأخصاء هو قولي في إحدى مقالاتي الأخير أن النظام الملكي العراقي (لم يكن طائفي النهج وإن لم يكن يخلو من الطائفيين).
وربما لن تفوت القارئ الكريم فرصة إكتشاف طبيعة الهلوسات الطائفية التي يعاني منها هذا الأستاذ الجامعي المحترم حينما لا يعطي أدنى فرصة لإحتمال أن تكون حالتنا (المرضية) ناشئة من تمرد ثقافي ضد الخطاب الطائفي (لطائفي طائفتنا).
كما يمكن للقارئ نفسه أن يكتشف بشكل سريع وجلي حقيقة المخلوق الطائفي داخل جِلْد هذا الأستاذ الجامعي الذي يتحدث بمنطق (الخروج على أبناء الجلدة) ولا يعطي فرصة إلى أن يكون منشأ هذا التوجه النقدي هو بالأساس وطني وإنساني : وطني رافض لنظرية (المكونات) القبيحة لبناء الدولة لأنها في حقيقتها نظرية لتفليش الدولة وليس لبنائها, أما الإنساني فهو الذي يستهدف إخراج الشيعة من جحيم عصابات (أبناء الجلدة) لجعلهم أقوى في مواجهة عصابات أبناء الجلود الأخرى.
على عكس ما كتبه (الأستاذ الشيعي من أبناء جلدتي) فإن أخي وصديقي (السني) الدكتور محمد القيسي يكتب المداخلة التالية (ليتنا كنا طائفيين في "حواضننا" كما انت في "حاضنتك" وحسب هذه الرؤية الفريدة سنكون قد تجاوزنا المستحيل حين نرفع الشأن الانساني لحواضننا الى عليائه ونردم كل تفاهات الماضي في سراديب الظلام مع مروجيها ومن يقتات على نفاياتها على حساب طائفته, فأنعم بك من ذلك الطائفي النجيب الذي يبني ركن طائفته لتستقيم مع بناة أركان البيت الكبير).
والدكتور القيسي من خلال أمنيته هذه يشخص واقعا قائما وعلى درجة كبيرة من الأهمية وهو أن مساهمات الكتاب من الطائفة السنية لفضح الحالة الطائفية السنية هي ضرورية ومهمة بنفس أهميتها على الجانب الشيعي, لكن ملاحظاته تقول, ولا تشي فقط, بان هذه الممارسة غائبة أو لا تقارن بما يقوم به الكتاب والمفكرين من (الشيعة), وهذا الأمر بالنتيجة كما هو واضح يؤدي إلى ضررين, خاص وعام, فأما الخاص منهما فهو حرمان السنة, البشر, من الجهود التي تخلصهم من أعداء الداخل, أي من الطائفيين السنة, وأما العام فهو الضرر الذي يلحق بالوطن الجامع والذي يعود ثانية ليصيبهم كطائفة.
ثم إني كنت قد أكدت في أكثر من مقالة إن خصومتي الشديدة مع الطائفية الشيعية لا تعني بأي مستوى تعاطفي مع (الطائفية السنية) لأني أعتقد ان خروج الشيعة من طائفيتهم يمثل الخطوة الأولى على طريق خروجهم من حالة الطائفة إلى حالة الدولة الوطنية, ولعلهم من هذا المنطلق سوف يكونوا قادرين بشكل أفضل على الإندماج في الحالة الوطنية العراقية ودحر الطائفية المضادة. وأجزم أن كل دعوة تتبنى خلاف ذلك ستصب في صالح الضد الطائفي ولن تصب في صالح الشيعة كبشر وكمواطنين.
وعن نفسي فقد جابهت كما آخرين مواقف طائفية لكن ذلك لم يدفعني مطلقا إلى تأسيس ثقافة أو سلوك طائفي ضِد. وأرى أن هذه العملية, أي الخروج على (طائفية الطائفة), هي التي تزعج الطائفي الضد الذي يعيش كثيرا على تخلف الشيعة وعلى تمسكهم بطائفيتهم. وخلافها فإن خطر الإنحراف والوقوع في مستنقع دولة المكونات المتخلفة والفاسدة والعميلة يظل هو القاعدة وليس الإستثناء.
إن خروج الشيعة والسنة من مساحة الطائفية والطائفية الضد هي الخطوة الأولى على طريق بناء وطن غير طائفي. وأجزم أن هذا الهدف السامي يتطلب خطابا هادئا وغير متشنج ولغة لا تعتمد الإثارة الشتائمية الرخيصة كتلك التي إعتمدت عليها مقالة ذلك المتبحر في علم (الإخصاء) والذي لا يدري أنه بثقافة من هذا النوع إنما يجلد أبناء طائفته ويجلد وطنه بنفس السوط.
وقد يتعدد الجلادون وتختلف الأسواط لكن المجلود واحد وهو العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ


.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا




.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل