الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرينة الشيطان … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 10 / 7
الادب والفن


لا ادري لماذا اسماه والده رحيم ، وهو الى الوحش الكاسر اقرب … شرس ، قاسي ، متحجر القلب ، حتى على الاقربين من اهله … فهو لا يتورع ان يضرب شقيقه الاصغر نبيل بقسوة اذا تماهل ، ولم ينظف سيارته الخاصة جيدا ، وعند خروج هذا الرحيم عصرا ، وقبل ان يقود سيارته يتفحصها ، ويلتف حولها ، وكأنه مجوسي عابد حول نار مقدسة ، واذا وجد بقعة حتى ، وان كانت صغيرة ، وتافهه لم تمر عليها فوطة التنظيف … او غفل نبيل عن تنظيفها بدون قصد منه طبعا … يصفعه امام الاشهاد ، وهذا اقل عقاب عنده … !
كان الاخ الاصغر يعيش رعبا حقيقيا من اخيه رحيم يمتد على طول تواجد الاخير في البيت ، وحتى خارج البيت ، ولم يكن نبيل الوحيد الذي يخاف فتك رحيم بل الكل في البيت ، وحتى انا صديق نبيل كنت اخاف الاقتراب من بيتهم اذا شاهدت سيارة رحيم لا تزال واقفة امام الباب … كان يوزع رعبه على الكل … !
وتمر الايام مسرعةً ، وياتي اليوم الذي اقتنع فيه رحيم اخيرا بالزواج ، وهو خبر اثلج صدور الاهل جميعا خاصة ممن ذاقوا منه الامرين كصديقي نبيل … فهم يعتقدون بان الزواج سيعدّل الحال ، ويكون ربما العلاج الشافي له ، ولوحشيته خاصة اذا نجحت الزوجة في تهدئته ، وترويضه حتى يمكن له ان يعود ليكون انسانا طبيعيا مثل بقية اشقائه الاربعة …
ويضربون امثلة بالكثيرين في المحلة الذين كانوا اسوء من رحيم ، واصلحهم الزواج بعد ذلك ، وتحولوا الى اناس طبيعيين .
ويتم الاتفاق بين النساء على اختيار فتاة اسمها سحر ، وما ادراك ما سحر …! الشابة التي اوصتهم بها احدى الخاطبات في المحلة لتكون زوجة للغول رحيم … وتتم الخطبة ، ويحدد موعد الزواج في اول يوم خميس بعد الخطبة مباشرةً لاعتقادهم بان خير البر عاجله … ويقام السرادق ، وتجهز الحلوى والشرابت والطعام ، وياتي العازفون ، والراقصون ، وتكون ليلة ليلاء … فرح بها الجميع ، وخاصة نبيل لانه ايضا يعول على زواج شقيقه لا حبا به ، وانما للخلاص من اذاه … !
لم نرى العروس بعد … فهي في كوشتها مع النساء ، والبعض من الرجال المقربين جدا من العائلتين … يناديني نبيل ، ويدعوني الى مصاحبته لكي نتسلل الى الداخل حتى يُريني العروس … واقامر مرعوبا خوفا من ان يرانا رحيم … وادخل معه ، وهناك رايتها … جميلة بل ساحرة الجمال … صهباء ببشرة بيضاء ناصعة ، وشعر احمر مقصوص الى منتصف العنق ، وملامح دقيقة متناسقة ، وخاصة انفها المنحوت بدقة متناهية … اما شفتها السفلى فتنحدر متثاقلةً باغراء لا يقاوم … اما جسدها السخي بالانوثة فقد كان من اروع ما يكون …
باختصار انها امرأة ، ويالها من امرأة !! قلت في سري … انها ستضع رحيم خاتما في اصبعها ، وتمسح به الارض ، وهو ما كنت اتمناه ، وصدقت نبوئتي …
اضافة الى تأملي لجمالها الأخاذ فقد لاحظت من ركني البعيد الذي انزويت فيه انها تقلب النظر دون خجل ، ولا حذر بين الحاضرين ، وخاصة الرجال منهم ، وراودني احساس غريب بان حركاتها ليست بالانضباط المطلوب في مثل هذا اليوم ، وفي مثل هذه الساعة ، والتي يفترض بها ان تكون خجلة مطرقة الراس شانها شان بقية العرائس اللواتي رايتهن من قبل … وقلت في سري انها ستشبع ضربا ، ورفسا من الحمش رحيم ، وربما سيذبحها على مجرد التفاتة بسيطة مثل التي تفعلها الان لانه اكيد لن يقبل بمثل هذه الحركات ، والتصرفات … !
ويدخل رحيم بها ، وسط زفة لم يشهد لها الحي مثيلا ، ويصبح الزواج حقيقةً واقعة … ثم يهل الصباح الاول ، والعروسان يسبحان في الشهد ، والعسل الى مالا نهاية …
انسحبت الايام والاشهر تدريجيا الى منتهاها ، واذا برحيم يهمل سيارته ، وعمله ، وحتى نفسه ، وينشغل عنهم بمناجاة زوجته اللعوب التي كشفت عن انيابها ، وعن شبقها الغريب ، واللامحدود فاخذت بعد ذلك بفترة ، وهي لا تزال عروسا في اشهرها الأولى تخرج بموافقة رحيم ، او دونها الى حيث لا يدري احد …
واحيانا تخرج ، وهي تغطي وجهها بخمار ( بوشية ) ولا احد يدري اين تذهب ، ولم تكن تهتم بما يتقول به الناس … ولم يتخذ رحيم منها موقفا حازما كأن يطلقها مثلا ، او بالقليل القليل معاقبتها بما هو معروف عنه من شراسة ، ولكن شيئاً من كل ذلك لم يحدث ، وانما انقاد اليها انقيادا اعمى … لا احد يعلم سره حتى الان …كما تنقاد البهيمة الى مذبحها … !
وبمرور الايام ، والاشهر ، وحتى السنين انكسر رحيم ، واخذ يمشي جنب الحائط ، وهو مطرق الراس جامد الوجه ذليل النفس منطوي القسمات ذاهلا منهزما من الخجل والاحراج … لان الكثير من اصحاب الوجوه العكرة من رجال محلتنا … اخذوا ينظرون اليه نظرة احتقار ، واشمئزاز … بعد ان كُشف المستور … لانه لم يتمكن من شكم زوجته اللعوب من البداية ، والبداية دائما تكون هي الاهم ليس في الزواج وحده بل في كل شئ … !
ولم تسكن ثورة هذه المرأة الفوارة ابدا ، ولم تترك زيادة لمستزيدة غيرها … فقالوا لعلها بعد الولادة الاولى تعقل ، وجاءت الولادة الاولى ، والثانية ، وحتى الثالثة ، واخيرا الرابعة ، ولكن دون جدوى فلم يتسلل العقل والهدوء الى غريزتها الجامحة …
ولم تبقى سحر في نفس واحد من شباب المنطقة الوسيمين ، والباحثين عن المغامرة واللذة … فهي تخرج من مستنقع آسن وتدخل آخر غير مبالية … اما خارج المنطقة فقد علمت عندما كبرت من بعض الاصدقاء بانها لم تكن تشبع ابدا حتى اطلقوا عليها لقب ( آكلت الرجال ) … !
اكيد سمعتم ببيت الشعر للمتنبي الذي يقول فيه : ( لا تربط الجرباء حول صحيحة … خوفا على الصحيحة ان تجربِ ) اصبح مغزى هذا البيت من الشعر حقيقةً واقعة في منطقتنا … فقد التفت الشيطانة سحر على كل الجميلات في محلتنا ، وحولتهن من زوجات شريفات عفيفات الى نسخة طبق الاصل منها بل اسوء … فانتشر الخلاف ، وحدثت مشاكل بين الازواج … لكنهم لم يكونوا كلهم مثل رحيم … فانتشر الطلاق عندنا بالجملة الا سحر ، والطلي رحيم ! يدعي الديوث رحيم بان الاطفال يكبلونه ، ويقفون بينه وبين الطلاق من هذه الفاجرة الجميلة !
انفصل رحيم عن اهله … بعد ما لم تعد الغرفة التي اعطوها له ، ولزوجته ، والحقوا بها ركنا صغيرا للاطفال تكفي … اضطر ان يستقل في بيت لوحده مع زوجته واطفاله ، ومن هناك اخذت سحر حريتها اكثر فاخذت تستضيف رجالا اغراب في بيتها ، ولا ادري على اي اساس ، ورحيم لا يفتح فمه ، وتحول الى شبه قواد ، او قواد بدوام كامل … ! يبدو انه تعود الذل ، والمهانة كما يتعود الانف الرائحة النتنه … !
ثم اخذت تسافر وحدها الى مدن اخرى ، وتغيب عن البيت اياما ، وليالي … ثم سافرت الى الكويت بداعي العمل والحاجة ، ورحيم في البيت مع الاطفال ، وتغيب شهورا ، وشهور ثم تعود ، وتسافر ثانية … وهكذا . فاصبح رحيم كالحصان تمتطية سحر ، وهي من تقرر اي اتجاه ياخذ !
اذكر اليوم المشهود الذي توفي فيه والد رحيم ، والذي لا يزال محفورا في الذاكرة كوشم لا يزول … جاءت سحر بملابس متهتكة ، وهي تصرخ ، وتولول ، وتضرب الخدود … دون دموع ، وكأنها قد فُجعت … متظاهرةً بحزن لا أساس له … اتدرون ماذا فعلت كتعبير عن حزنها ، وفاجعتها الكاذبة ، والمصطنعة ؟! امر عجب عجاب … لا اعتقد ان احدا منكم سيصدق ما سيقرأ … وقفت وسط الرجال من ابناء المحلة المتجمهرين في الشارع امام بيت المتوفي ،  حتى باتت على قيد ذراعين ، او اكثر … ثم تراجعت قليلا كأنها تريد ان تفسح مجالا لاكثر عدد منهم لمشاهدة المنظر الآتي … الذي خططت له كما يبدو … !
وشقت زيقها من الطول الى الطول ، وهي تصرخ بدون دموع ، وسط دهشة ، وذهول الكل …
فالحدث على قسوته لا يستوجب هكذا رد فعل ، ومن من ؟! … من زوجة ابن المتوفي … معقول ؟! وانا متاكد بانها قد فعلت ذلك عن عمد ، وسابق تخطيط ، ولم يكن دافعها الحزن بالطبع فهي بعيدة عن هكذا اجواء ، والحجي المسكين لا يعنيها في شئ ، ولكن دافعها حسب ما اعتقد كان الشبق المرضي المسيطر على سلوكها ، وحياتها … او ربما استجابة لدواعي البذرة الشيطانية الكامنة في اعماقها … فهي تحول كل شئ الى غريزة ، وكأنها هاجسها الوحيد في هذه الحياة ، ولا ترى غيرها ! ولم استطع ان اشخص حالتها الا بعد ان كبرت ، وتوسعت مداركي ، وانا اليوم استطيع ان اصنفها على انها ليست اكثر ، ولا اقل من ( انسانة مريضة ) !
الم اقل لكم انها شيطان بهيئة امرأة ؟ نكمل المشهد :
لم تكن تلبس حمالة صدر في وقتها … اكيد عن قصد ايضا … استكمالا لتنفيذ المخطط الغريب … فرأى الجميع بما فيهم انا نهداها ، وقد قفزا من محجريهما نافرين … ما اجملهما ! وكأنها تقول : انظروا ايها الجياع الحمقى … هل رايتم اجمل من هذين النهدين في حياتكم ؟ ثم عم الغمز ، واللمز من الرجال ، وغاصت نظراتهم مثل ذئاب جائعة في كل جسدها تنهش شحمها ، ولحمها في اكبر وليمة جنسية باغراء من خيالهم لا يمكن نسيانها ، وهم من السرور ، والنشوة في نهاية … حتى غليت مراجلهم ، ولم الاحظ ان احدا قد غض الطرف عن هذا المشهد الفريد ، والرائع … الذي ربما لن يتكرر امام المحرومين من بعض رجال حينا ثانيةً … !
اما انا فقد تنازعتني العواطف ، وربما غيري ايضا ، واستحوذ علي انفعال جنسي من وحي جسدها الناضج ، والمثير ، ومنظر نهديها الرائعين ، وانا في بداية المراهقة ، وفتوة الشباب …! فلم ارى اجمل من نهديها بعد ذلك ! والصورة لاتزال شاخصةً امامي حتى الان … تصوروا !
اما رحيم بطل ملحمتنا هذه ، وديوثها … فاصبح وديعا مسالما عاجزا … لا تربطه اية صلة بصفات الرجال التي خدعنا بها عندما كان في مرحلة ما قبل سحر ، وبعد سنين لا ادري عددها بالضبط سمعت بان رحيم قد مات … ربما كمدا ، وهو لا يزال في منتصف العقد الخامس ربما … لا اذكر ، وذهبتُ بعد ذلك الى تعزية صديقي نبيل بوفاة شقيقه الشرس على الورق فقط … رحيم !
دعوني اهمس في اذانكم … بانني لم ارى امرأة في حياتي مثل سحر ، وسقوطها في وحل الخطيئة … فانا لم اتطرق الى الكثير مما يعف قلمي من الخوض فيه … ! ولا اخفيكم سرا اذا قلت لكم ان هذه المرأة بقيت تلبس ذاكرتي لفترة طويلة … حتى تكفل الزمن مشكورا بمسحها منها ، والى الابد … !
ملاحظة : القصة بين قليل جدا من الحقيقة ، وكثير جدا من الخيال … !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب


.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل




.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال