الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسينالسلطة وحسين الشعب

قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)

2020 / 10 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



أثبتت الأحداث اننا في العراق لدينا حسينان،(حسين) السلطة وحسين الناس،(حسين) الحكّام وحسين المحكومين،(حسين) الخضراء وحسين ساحات التحرير، (حسين) قتلة أنصاره،وحسين شهداء شعاره(هيهات منّا الذلّة).
ولتوكيد ذلك،نقول ان ثورة الامام الحسين تنفرد بتعدد النظريات التي تفسر اسبابها،والشائع منها تمنحها هوية سياسية او اسلامية فيما الهوية الحقيقية لها انها ثورة اخلاقية.فلو كانت سياسية فان هدف القائم بالثورة يكون الوصول الى السلطة فيما الحسين كان يعرف انه مقتولا.ولو كانت اسلامية لما تعاطف معها مسيحيون وقادة غير اسلاميين بينهم غاندي،فضلا عن ان الحاكم (الخليفة)كان يحتاج الى الدين لبقائه في السلطة.
وما يدهشك ان ثورات عظيمة في التاريخ، باتت الآن منسية،فيما ثورة الحسين تتجدد وتبقى خالدة رغم ان القائم بها كان رجلا واحدا،وانه مضى عليها اكثر من الف عام..والسبب هو ان موت الضمائر وتهرؤ الاخلاق والزيف الديني هي التي تشطر الناس الى قسمين:حكّام يستبدون بالسلطة والثروة،وجماهير مغلوب على امرها..فتغدو القضية صراعا ازليا لا يحدها زمان ولا مكان،ولا صنف من الحكّام او الشعوب.ومن هنا كان استشهاد الحسين يمثل موقفا متفردا لقضية انسانية مطلقة،مادامت هنالك سلطة فيها:حاكم ومحكوم، وظالم ومظلوم،وحق وباطل.

واستشهاد الحسين كان تراجيديا من نوع فريد..ليس فقط في الموقف البطولي لرجل في السابعة والخمسين يقف بشموخ وكبرياء امام آلاف الرجال المدججين بالسيوف والرماح المنتظرين لحظة الايذان بالهجوم عليه وقتله،ورفضه عرض مفاوض السلطة بأن يخضع لأمرها وله ما يريد، وردّه الشجاع بصيحته المدويه:(هيهات منّا الذلّه)..بل ولأن المشهد كان فيه نساء واطفال،وكأن الحسين اراد ان يثبت للبشرية ان بشاعة طغيان السلطة في أي نظام بالدنيا،تتجاوز وحشية الحيوانات المفترسة.

كان بامكان الحسين ان ينجو وأهله واصحابه بمجرد ان ينطق كلمة واحدة:(البيعة)..لكنه كان صاحب مبدأ:(خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدّي) والاصلاح مسألة اخلاقية،ولأنه وجد أن الحق ضاع:(ألا ترون أن الحق لا يعمل به)،ولأن الفساد قد تفشى وشاعت الرذيلة..وكلها مسائل اخلاقية.وكان عليه ان يختار بين:ان يوقظ الضمائر ويحيّ الاخلاق،أو ان يميتها ويبقى حيا..فاختار الموت..وتقصّد أن يكون بتلك التراجيديا الفجائعية ليكون المشهد قضية انسانية أزليه بين خصمين:سلطان جائر..وجموع مغلوب على امرها.
تغليب الانفعال على القيم
ما يجري عندنا في ذكرى استشهاد الحسين هو الاستغراق في الجانب الانفعالي على حساب تفعيل القيم الأخلاقية التي تشكل جوهر ثورته.ولهذا سببان سنتحدث عنهما بالصريح وان كان يغيض كثيرين بينهم من هو في السلطة ولديه وسائله في افناء الآخر.
السبب الأول،التوحّد مع تراجيديا الحدث في مشهده الانفعالي.ولكي نفهم الأمور بعقلانية،نوضح هنا نظرية خاصة بالدماغ خلاصتها:ان كل واحد منّا يمتلك عقلين:انفعالي يتعلق بالحزن،الغضب،الحب،الخوف..وفكري يتعلق بالادراك والفهم والتعامل مع الأمور بعقلانية..وأنه اذا نشط احدهما فأن الآخر يضعف او يتعطل.
والذي يجري ان العقل الانفعالي لجماهير واسعة يسيطر عليهم فيستغرقون في اللطم والبكاء والمبالغة في تجسيد مظاهر الحزن،ويتعطل لديهم العقل المنطقي الخاص بالقيم والمباديء التي ثار من اجلها الامام الحسين.
وثمة حقيقة سيكولوجية،ان المشهد الجماهيري الذي يوحّده تعاطف عميق مع فاجعة انسانية، يحصل فيه نوع من التنافس او التصعيد في تجسيد الانفعالات يكون فيها المعيار الدال على حب الحسين هو:كثرة الدم المسفوح على الكتفين من ضرب الزنجيل،او شدة احمرار الصدور من اللطم عليها،او غزارة الدموع في بكاء مستمر،او طول مسافة المشي على الاقدام نحو كربلاء.
ان هذه المعايير لا تعبر بالضرورة عن شدة الحب للحسين،فهنالك فئات من الشيعة،ومحبيه من غير الشيعة،يعبّرون عن حزنهم للحسين بأساليب راقية تدلل على ان حبهم له اكثر وعيا بقيمه وتضحيته من اجل الحق والعدالة الاجتماعية.
والسبب الثاني،ان الاسلام السياسي يوظّف الاحتفاء بذكرى استشهاد الحسين لغايات سياسية.ولأنهم جماعات وكتل واحزاب فان التنافس يجري بينهم من خلال ما يصرفونه على الجماهير من طعام وشراب ومنام..الهدف منها زيادة عدد ناخبيهم..بعكس ميسورين يصرفون الكثير في حب خالص للحسين منزه من غايات دنيوية.
وثمة حقيقة سيكولوجية هي ان زيارات عاشوراء في زمن صدام الطاغية،الجبار،المرعب،
كان لها حاجة للزائرين لدى الأمام..تقوم على آليتين نفسيتين:
• شعور الإنسان العاجز المحبط بقلة الحيلة وانعدام الوسيلة.
• إسقاطه على الإمام القدرة على فك أزمته بوصفه إنسانا يتميز عن سائر الناس بكرامة أو جاه أو رجاء إذا رفعه إلى رب العالمين فأنه لا يخيب رجاءه.

ولقد ولّى زمن الطاغية وجاء زمن يفترض ان تكون فيه الزيارة دعوة لتطبيق القيم الأخلاقية التي استشهد من اجلها..فكما خرج طالبا (الاصلاح) ومناديا بين الناس:(الا ترون ان الحق صار لا يعمل به) فان عليهم ان يتمثلوا قيم الحسين ويصلحوا حالهم وحال السلطة ،فصيحة من اجل مظلوم وايواء يتيم واشباع جائع وارجاع مهجّر الى بيته لهي اكثر تقديرا لدى الحسين من قطع مئات الكيلومترات مشيا على الاقدام.والضرب بالزنجيل على الظهور والسكوت عن فشل حكومة ميزانيتها تساوي ميزانية ست دول عربية،بوطن هو الأغنى بالعالم وفيه (11)مليون يعيشون تحت خط الفقر،وعاصمة مقطعة الاحياء بالكونكريت الطائفي..يغيض الحسين ولا يسرّه.
اساءات السلطة للأمام الحسين .
القيم الكبرى في ثورة الحسين هي الوقوف بوجه ظلم السلطة وطغيانها وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حرية وكرامة الانسان التي اكد عليها الاسلام.فتعالوا نطبّق هذه القيم على السلطة في العراق بعد التغيير.
واقع الحال ان العراق الآن فيه عالمان:عالم السلطة المحدد بمنطقة صغيرة في بغداد (10كم مربع)،وعالم كبير هو العراق.والذي حصل ان هذه المنطقة سرقت احلام العراقيين وجلبت لهم الفواجع اليومية،وأوصلتهم الى اقسى حالات الجزع والأسى:الترحم على الأيام التي كانت فيها هذه المنطقة حمراء!.وحصل ان السلطة في العراق عزلت نفسها مكانيا بأن احاطت وجودها بالكونكريت والحراسة المشددة،وعزلت نفسها نفسيا عن الناس.ولولا انها ما كانت ظالمة وطاغية لما وصلت العلاقة بينهما الى حالة القطيعة..ولو انها كانت قد اتبعت منهج الحسين لكانت قريبة من الناس لأن الحسين ساكن في قلوبهم.
وللأسف،ان اساءة السلطة للأمام الحسين وصلت الى الخارج.فبدل ان نقدم الحسين رمزا انسانيا لعالم افسدت أخلاقه السياسة فان تطبيقات السلطة واحزاب الاسلام السياسي ارتكبت اساءة بالغة بحقه أمام الأجانب.ففي مقالة لكاتب بريطاني اسمه(دافيد كوكبورن) نشرها في صحيفة الاندبندنت بعنوان: " كيف تحولت بغداد الى مدينة للفساد"..قال بالنص:

(احسست بألم وانا ارى شعارا مكتوبا على لافتات سوداء بساحة الفردوس: "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن"!.عشر سنوات منهج "حسيني "!!والنتيجة هي حكومة حرامية..عشر سنوات في الحكم وبميزانية تقارب ترليون دولار..اي ما يقارب حاصل جمع ميزانيات العراق خلال ثمانين عاما!..والنتيجة ان زخة مطر تُغرق "عاصمة الثقافة العربية"!.عشر سنوات من الفساد المالي والسياسي الذي يضع البلد اليوم على حافة الانهيار..وكل ما تملكه حكومة الحرامية هو شعار "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن"!! ). فأية اساءة أشدّ وجعا من اساءة يدعي اصحاب السلطة انهم (حسينيون) فيما اعمالهم تناقض مباديء الحسين وقيمه!..وأقبحها انهم تركوا ملايين،اوصلوهم الى السلطة،تعيش في بيوت الصفيح بينهم من يفتش عن قوت يومه بنبش (الزباله)، فيما صاروا،بعد ان كانوا معدمين،يعيشون حياة باذخة ويشترون الفلل والشقق الفارهة في بيروت وعمان وشرم الشيخ ولندن وباريس.
وخاتمة الدروس:ان الحسين ثار ضد سلطة يزيد لأنها مارست زيفا دينيا،وان الناس مدعوون الى تغيير كل من يمارس (زيفا حسينيا) على صعيد السلطة او في ظلها. وبرغم ان قراءة واقع الحال تجعلك عل يقين بأن الحسين لو خرج الآن في بغداد فان اول من يتصدى اليه هم ساكنو المنطقة الخضراء،وبينهم من هو اقبح من الشمر بن ذي الجوشن!،فانه سيبقى يخشاه كل حاكم مستبد بالسلطة والثروة.
ويبقى التساؤل: من ينتصر في الآخر..حسين السلطة أم حسين شعب..قدّم في انتفاضة تشرين/اكتوبر وحدها أكثر من خمسمئة شهيدا؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشعارات شيء والحقيقة شيء آخر
سمير آل طوق البحراني ( 2020 / 10 / 8 - 04:57 )
اخي الكريم بعد التحية. اولا ان الامويون قتلوا الحسين والشيعة تاجروا بدمه وهذه هي الحقيقة. ما هي التجارة؟؟. التجارة ليس النضال ضد الظلم والفساد من اي كان وانما المتاجرة هي نتيجة احادبث هي للكذب اقرب. من زار الحسين في يوم كذا كتب الله له اجر مئة شهيد من شهداء بدر واجر الف حجة مبروره. من زار الحسين في يوم كذا تحمله الملائكة على اجنحتها. من زار الحسين في يوم كذا نال شفاعة الحسين يوم الورود (اي يوم القيامة) وهناك الكثير الكثير ولذى ترى ان ثمن بعض الحسينيات تعادل ثمن مدن وجوارها بيوت فقراء يسكنون بيوت مطينة لا لشيء الا للاجر والثواب وليس لاخذ العبرة والدرس الذي قدمه الحسين في الوقوف في وجه الظالمين.ما قيمة جلد الذات بالزناجيل وضرب الصدور وادمآئها وماذا يستفيد الحسين منها والقآئمين بتلك الافعال يعيشون تحت الفقر ولا سيما في عراق احزاب شيعية يقدمون لهم بعض الماكولات كـ رشوة للوصول الى كراسي النهب والسرقة. اخي الكريم . هذه هي الحقيقة. هل تعلم ان روزخونيا يستلم سبعة آلاف دينار اجرة عشرة ايام المحرم لقضاء نصف ساعة يسرد فيها قضية الطف الذي يعرف تفاصيلها حتى الرضع. اخي الكريم انها شعارات لا حقيقية

اخر الافلام

.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز




.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز