الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة الرواتب، وعجز الموازنات، وأزمة الإدارة الماليّة في العراق

عماد عبد اللطيف سالم

2020 / 10 / 8
الادارة و الاقتصاد


في حوارٍ طويلٍ ، وعميقٍ ، ومُمتع .. مع استاذي الجليل ، والجميل ، أحمد إبريهي علي ، حول "مشكلة" تأخير دفع رواتب الموظّفين ، يرى الأستاذ إبريهي أنّ هذه "المشكلة تبدو "مُختَلَقة" و "مُفتَعَلة" ، ويتمّ تهويلها في الأجل القصير ، وأنّها قابلة للحلّ على المدى الطويل .. وأنّ المؤسسات (والسلطات) النقديّة والماليّة في البلد تعرف أسباب وأبعاد هذه "المشكلة" جيّداً ، وتعرفُ(وهذا هو المهمّ) أنّها قادرة على وضع الحلول المناسبة لها ، بما يتوفر لديها من وسائل وموارد متاحة.
ويؤكّد الأستاذ إبريهي على أنّ المشكلة ليست في الرواتب ، إذ يُمكن إدارة الأزمة الحالية بالأقتراض الداخلي ، و يقوم البنك المركزي بمساعدة المصارف الحكومية على أداء هذه المهمة، لما بقي من سنة 2020 وعام 2021. وهو يعتقد أنّ تأخر دفع الرواتب قد حدث بسبب عقبات ذات طبيعة تنسيقية وإجرائية بين الحكومة ومجلس النواب. ويرى أنّ من السهل تذليل تلك العقبات ، ويتوقّع، منطقيا ، أن الرواتب لن تتأخر، ولا يجب أنْ تتأخّر.
ويضيف الأستاذ إبريهي أنّهُ كان يخشى على الدوام من التهويل والألتباس بين أهداف الأمد المتوسط والبعيد، أي بين تلك الأهداف التي تتعلق بالتنمية والتنويع، من جهة، و بين الإدارة الجارية للعمليات المالية والنقدية من جهة أخرى.
وهنا لا يخفى على أي عراقي، أو مطلع على الشأن الأقتصادي للعراق، أنّ إيرادات الموازنة العامة من غير النفط الخام، تبدو و كأنها لا توجد، وان القطاع المالي Financial sector عجيبٌ في تخلفه. فلا ضرائب تُرتجى ، ولا سندات يشتريها الجمهور .. فماذا يبقى سوى الأقتراض من الجهاز المصرفي، وماذا يبقى غير المزايدات ، وقصائد الهجاء التي لا تنفع.
ويُشدّد الإستاذ إبريهي على بديهيّة مفادها أن العجز في العراق هو توأم ، أو مزدوج : عجز في ميزان المدفوعات، وعجز في الموازنة العامة للدولة. ويحدث ذلك لأن صادرات النفط هي المصدر الوحيد،تقريبا، للنقد الأجنبي، الذي ينخفض عند إنهيار السعر دون الحجم المطلوب لتمويل الأستيرادات من السلع والخدمات والمدفوعات الأخرى.
ولقد سبق للإستاذ إبريهي وإنْ شَرَح تفاصيل ذلك في كتب عديدة منها : " الأقتصاد المالي الدولي والسياسة النقدية 2012 " ؛ و" قيد ميزان المدفوعات على التنمية الأقتصادية 2015" ، وفي دراسات أخرى منها : "نمو الأقتصاد العراقي نحو عام 2040" .. وبيّنَ أنّ مشكلة العراق والخطر المحدق به في المستقبل هو العجز المحتمل لميزان المدفوعات ، وليس العجز في الموازنة العامة للدولة.
كما كان الأستاذ إبريهي يؤكّد دائماً على ضرورة إعداد الموازنة النقدية (أو إدارة النقد) Management Cash باعتبارها عنصر اساس في إدارة الأنفاق العام لتجنب المفاجآت والتغيرات الحادة، قدر الإمكان، وايضا لتنظيم الإقتراض الذي لاتخفى صلته الوثيقة بالسياسة النقدية والإحتياطيات الدولية للبنك المركزي. وهو يرى أنّ المسألة الجوهرية في الموازنات النقدية في العراق هي التمييز، دون لبس، بين منظومتين من الأرصدة والتدفقات الداخلة والخارجة هما : أرصدة وموارد وإستخدامات بالعملة الأجنبية ، وأخرى بالعملة الوطنية.
وهنا لابد من التخلي عن المقاربة المتعارف عليها في وزارة المالية ، وهي أنّ الموارد والإستخدامات واحدة ، ويُعبّر عنها بعملتين: دينار ودولار. فالموازنة، حسب التصور السائد والنافذ في دوائر القرار، هي إيرادات نفط بالدولار تترجم ، حسابيا، الى الدينار وتُنفَق.
لقد كان هذا الفهم وراء الكثير من الإلتباس ، وسوء الفهم ، وكان سبباً رئيساً أيضاً في إعاقة مقترحات التطوير. وهذا الفهم هو أصدق تعبير عن علّة الإنفصام بين ميزان المدفوعات الخارجية والموازنة العامة في العراق، في التفكير والسياسة الإقتصادية، وهو أيضاً من اسباب الغموض النظري وإغفال الإختلاف الواقعي بين ضرورات ومضامين الإقتراض الداخلي والخارجي.(راجع تفاصيل ذلك في دراسته المهمّة الموسومة: الموازنات النقدية لإدارة المالية الحكومية).
ومن هنا تأتي ضرورة التركيز على بناء طاقات إنتاجية تتّجه للتصدير. وقد سبق للأستاذ إبريهي وإنْ قدّمَ (في آخر بحثٍ له) مقترحا مختصرا لبرنامج إستثماري لهذا الغرض. والآن ، أيضا ، ها هو يكرّر دعوته هذه إلى كل حريص على مستقبل الأبناء والأحفاد ، بأن يكون سنداً وعوناً من أجل تركيز الوعي على برنامج إستثماري لبناء طاقات إنتاجية للتصدير، وان تباشر الحكومة به فورا.
و يُعيد الأستاذ إبريهي التاكيد هنا على أنّ الأقتصاد ، أي إقتصاد ، محدود بقيدين: قيد الطاقة الأنتاجية المحلية ، وقيد ميزان المدفوعات. وطالما لم يقترب الأقتصاد من حدود الطاقة الأنتاجية ، كما هو حال العراق، لا يُخشى من إنفجار موجات تضخمية ، بغض النظر، نعم بغض النظر، عن كيفية تمويل عجز الموازنة العامة.
ولكنّ المشكلة تكمن هنا في قيد ميزان المدفوعات ، لأنّ ( التدفقات الداخلة للعراق من النقد الأجنبي أقل من الطلب السنوي) . وإلى الآن ماتزال إحتياطيات البنك المركزي تسد هذا النقص بين تدفقات النقد الأجنبي وبين الطلب السنوي ، وما تزال الأستيرادات تمول بالحجم المطلوب .. وهذه العملية (مع إستمرار المستوى المنخفض لسعر النفط) سوف تصل الى حدودها القصوى، ولكن ليس في عام 2021.
ويحثُّ الأستاذ إبريهي الجميع ( سواء أكانوا اقتصاديّين ، أو مهتمّين بالشأن الإقتصادي) ، على مراجعة بيانات موقع البنك الدولي (WDI( World Development Indicators | DataBank ، حيث سيتّضح لهم أن نسبة (أو حصّة) صادرات الصناعة التحويليّة الى مجموع الصادرات تشكل أكثر من 70% (على مستوى العالم) ، وفي دول شرق آسيا والمانيا تصل النسبة الى 80% ثم 90% .
ولذلك يقترح الأستاذ إبريهي أن تكون 70% من الصادرات غير النفطية المستهدفة في البرنامج الأستثماري من حصّة الصناعة التحويلية، والباقي من التعدين غير النفطي ( بما فيه الغاز والزراعة) ، وأنّ لا خيار لنا غير ذلك.أما البنى التحتية فتوجد مقترحات محددة لتطويرها.
ومع الأسف الشديد فإنّ أعضاء المجلس النيابي ، والحكومة (بما في ذلك وزارتي التخطيط والمالية ، وأيضاً أساتذة الأقتصاد) قد أصرّوا على تعريف المشكلة على أنّها مشكلة عجز في الموازنة العامة للدولة ، بينما هي في الحقيقة مشكلة عجز في ميزان المدفوعات.
وهكذا (يختتم الأستاذ إبريهي حوارنا) بالتأكيد على أنّ المشكلة ليست في الرواتب ، ولا في "تنقيد الدَيْن" ، بل هي في صرف الوعي عن ضرورة النمو الأقتصادي بالتصنيع .. تلك العملية التاريخية المعجزة التي صنعت حضارة هذا العالم.

مصادر إضافيّة :
https://cbi.iq/static/uploads/up/file-15880628664198.pdf
http://fcdrs.com/economical/1365
http://datatopics.worldbank.org/world-development-indicators/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متصل زوجتي بتاكل كتير والشهية بتعلي بدرجة رهيبة وبقت تخينه و


.. كل يوم - فيه فرق بين الأزمة الاقتصادية والأزمة النقدية .. خا




.. عيار 21 الآن.. سعر جرام الذهب اليوم الخميس 18-4-2024 بالصاغة


.. بينما تستقر أسعار النفط .. قفزات في أسعار الذهب بسبب التوتر




.. مباشر من أمريكا.. تفاصيل مشاركة مصر فى اجتماعات صندوق النقد