الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الحادي عشر

دلور ميقري

2020 / 10 / 8
الادب والفن


3
منزل السيّد " تَمّو "، كان يلفّه الحِداد حينَ قدِمَ المعزّون لأجل أخذ خاطر والدته، التي توفيت على أثر معاناة طويلة مع المرض. رابعة، اصطحبت ابنها للعزاء، كون كنّة الدار عمّته. سبقَ أن التقى بهذه الأخيرة في مناسبة مشابهة، وكان طفلاً. قالت له الأم آنذاك، أنّ تلك المرأة، التي بادرت لاحتضانه في حنان، هيَ شقيقة والده الوحيدة. لكنه في زيارته الأولى لمنزل العمّة، وكان في أوان مراهقته، رأى ابنتها الوسطى، أمّو، وهيَ تصغره بنحو خمسة أعوام. رغم سنّها الصغيرة، حدّقت فيه مليّاً بعينيها الرائعتين، ثم رسمت ابتسامة على فمها الكرزيّ. منذئذٍ، صارَ يواظبُ على الحضور إلى الدار، وكانت العمّة ترحّب به دوماً. مع مرور الأيام، صارَ يرافقُ ابنَ عمّته، المدعو " طالو "، مع أن هذا يكبره كثيراً بالعُمر.
إذ شُبّهَت أمّو بوالدتها الحسناء، فإن شقيقها الوحيد أخذ ملامح جدّتهما الراحلة؛ بلونه الأسمر وشدقه المريع، كما وبعينيه اللتين تقدحان شرراً أسود. كان طويل القامة، يخرج إلى الجادّة بقمباز رماديّ وعلى رأسه العمامة الكردية، التي بقيَ يفتخر بها طيلة حياته. هذا التناقض في ملبسه، يُحيل ربما لما في شخصيته من مفارقات. ‘ذ قيلَ عن قسوته في التعامل مع الآخرين، بما فيهم شقيقاته الثلاث، فيما كانَ يفيضُ بالعطف على أطفاله. كان متزوّجاً من امرأة من ريف دمشق، مع أنه ضغط على والديه مراراً كي يردّوا أي خاطبٍ لإحدى شقيقاته لو لم يكن كردياً. بيد أن امرأته الأولى كانت من بني جلدته، تطلقت منه بعد مدة يسيرة دونَ أن تنجب أولاداً. ملابسات هذا الزواج، الخاطف والعاصف، كانت في ذهن رابعة حينَ رفضت بإصرار رغبة ابنها في الاقتران من ابنة عمّته.

***
امرأة طالو الأولى، لم تكن سوى " زهرة "؛ الابنة البكر لخطيب رابعة، المُزمن، المَدعو " بَدو ". لقد تقدّمَ كطالب قُرب، وكانت بعدُ بنتاً. الحاج حسن، المحافظ والعَسِر، رفضه آنذاك بحجّة أن موافقته ستُبرر الأقاويلَ عن حكاية عشقه لابنته. ثم عاودَ الرجلُ محاولاته مراتٍ، عقبَ ترمّل رابعة. في الأثناء، كان هوَ قد تزوّجَ ثلاث نساء. لعل خصلة بَدو تلك، أي مسألة تكراره الطلاق، كانت سبباً إضافياً لأشقاء رابعة الكبار في رفضهم زواجها منه. كذلك تداول العارفون مسألة أخرى، تتعلّق بغض نظره عن سوء معاملة امرأته الأخيرة لأولاده الثلاثة، المنجبين من زيجتين سابقتين. شأن معظم دور الحارة، كان منزله الكبير يقتصر على حجرة نوم واحدة وأخرى للاستقبال. بحجّة إبقاء حجرة الإستقبال في رونقٍ جميل، لم تكن امرأة الأب تسمح للأولاد بالنوم فيها. فوضعت لهم فراشهم تحت ظلّةٍ، كائنة بين حجرة النوم والمطبخ، تهبّ عليها في الأيام الباردة الريحُ المحمّلة بالأمطار.
ما أن بلغت زهرة سنّ الخامسة عشرة، إلا وامرأة الأب تعمدُ لتسليمها إلى أول طالب قُرب. والدة طالو، كانت قد رأتها في حفل زفاف، فبُهرت بما حظيت به من جمال وقوام فارع رشيق. فيما تلى من أعوام، مع شُهرة الممثلة المصرية، " مريم فخر الدين "، من خلال أفلامها المعروضة بالصالات الدمشقية، شُبّهَت زهرة بها؛ بل وبالغ البعضُ، بأنها تتفوق عليها حُسناً وفتنة. هكذا انتقلت ابنة بَدو البكر إلى منزل الزوج، الكائن على الجادّة الرئيسة بمقابل مدخل حارة الكيكان. علاوة على قبح الرجل وقسوة قلبه، كان يكبر العروسَ بدزينة من الأعوام على الأقل. يلوحُ أنها قبلت بقسمتها، خلاصاً من وضعها المزري تحت سطوة امرأة الأب. يُضاف إلى ذلك، ما وجدته من عطف من لدُن الحماة. الحمو أيضاً، أظهر للعروس مشاعرَ مشابهة؛ ولو أنها ستكتشف لاحقاً " ثعباناً تحت الزهور " ـ كما يقول المثلُ.

***
والدة السيّد تمّو، كانت مقعدة في سرير المرض لما جيء بالعروس وهيَ بعُمرها اليانع. بعد بضعة أيام، سمعت هذه الأخيرة نداءً ضعيفاً، صادراً عن حجرةٍ منزوية تحت درج الدور العلويّ. لما تكرر النداءُ دونما مجيب، اتجهت إلى الحجرة وفتحت البابَ. عندئذٍ هبّت في وجهها رائحة مقيتة، وكما لو كانت جثّة منتنة، منسية هنالك. أرادت التراجع وقد دهمها الغثيان، لما ميّزت في النور الضئيل المتسرّب من الباب هيئةَ امرأةٍ عجوز، مستلقية على السرير. سألتها العجوزُ بصوتٍ واهن: " أنتِ عروسُ حفيدي طالو، أليسَ صحيحاً؟ ". ثم استدركت، لاهثةً: " لا تقتربي، يا ابنتي. فقط لو تطلبي من كنّتي، أو إبنتها الكبيرة، الحضورَ إليّ ". عندما همّت الفتاة بالانسحاب، كادت أن تصطدم بإحداهن. كانت كبرى البنات، وقد دخلت الحجرة حاملةً طستاً مملوءاً بالماء مع فوطة. ما لبثت أن اتجهت نحو جدتها في صمت، فأزالت حفّاضة مليئة بالأقذار وناولتها ببساطة إلى زهرة: " أرميها في حاوية القمامة، لو سمحتِ ". قالتها ثم بدأت بتنظيف المرأة العجوز.
في تالي الأيام، تطوّعت زهرة لرعاية المريضة، فاعتادت على عملية التنظيف مثلما لو أن بين يديها طفلة في أشهرها الأولى. العجوز، كانت في الأثناء ترمقها بمزيد من الإعجاب، متمتمةً بالأدعية إلى السماء كي تحفظ شبابها وعافيتها. قالت لها ذات مرة، بنبرة مداعبة: " كيفَ وافقتِ على الزواج بطالو؛ وهوَ الشبيهُ بالوحش؟ "
" ثمة وحشٌ أكثر ضراوة، يعيشُ في بيت أبي "، ردّت المرأة الصغيرة مع ظل ابتسامة على فمها الجميل.

4
رجلُ زهرة، كان يغار عليها بشدة حدّ منعها من زيارة بيت أبيها إلا برفقته ذهاباً وإياباً. هذا، مع ثقته برفعة أخلاقها. سببُ الغيرة، ما قيل عن نفورها منه في ليلة الدخلة. ما دفعه حينئذٍ للتهجم على عروسه بغيَة تأديبها، لولا تدخل والدته، التي عمدت إلى سحبه خارج الحجرة. قالت له، متضاحكة: " لقد أرعبتَ الفتاة بخلقتك، ولا شك! فما عليك سوى التذرّع بالصبر، لحين أن يرقّ قلبها وتعتاد عليك ". ربما قبِلَ نصيحةَ الأم، في تلك الليلة. ولو أن الدلائلَ، في لاحق الأيام، تشيرُ إلى فشله في إرضاء امرأته الفتيّة. لعل الأوضح على ذلك، هوَ انفصالها عنه بعد مدة يسيرة دونَ أن تكون حبلى. والدُ الشاب، كان يُراقب الأمورَ عن كثب؛ لكنه لم يُبدِ رغبةً بالتدخل.
طالو، كان من المنتسبين لجيش الشرق، ومكان خدمته في ضاحية قطنا، جنوبي العاصمة. مناوباته آنذاك، وكانت الحربُ العالمية قد دخلت في سنتها الثانية، أضحت مضطردة. أحياناً، كان يغيب أسبوعاً بكامله ثم يحظى بعدئذٍ بإجازة مبيت لليلة واحدة. على ذلك، هدأت امرأته ومن ثم تعالت ضحكاتها في جو الدار. لكن حالة الحِداد فُرضت على الأسرة، لما فاضت روحُ العجوز التعسة. وإنها نفس المناسبة، المتعيّن فيها على خلّو ولوجَ دار عمّته للمرة الأولى حينَ رافقَ والدته بغيَة تقديم العزاء. مثلما ذكرنا من قبل، أن الفتى وثّقَ مع مضي الوقت علاقته مع ابن عمّته برغم فارق العُمر بينهما. في واقع الحال، أنّ ما عزز هذه العلاقة هوَ مدى الإحترام، الذي يكنه طالو لخال خلّو: جمّو، استقبل فيما مضى زميله في السلاح في مقر النادي الكرديّ، ومن ثم أعطاه دروساً في اللغة الأم، قراءةً وكتابة، مع آخرين من شباب الحي.

***
في صيف ذلك العام، دُعيت حماةُ زهرة إلى حفل زفاف إحدى قريباتها، وكان سيقام في منزل العريس بأعلى زقاق الكيكان. أنتظرت المرأةُ الكنّةَ، إلى أن أنهت زينتها أمام المرآة في حجرة نومها. على الأثر، لم تخفِ إعجابها بهيئة زهرة، البهية الساحرة، وكانما تراها لأول مرة. ثم ما لبثت أن اصطحبتها مع صغرى بناتها، ميممات شطرهن إلى حفل الزفاف. أما أمّو وشقيقتها الكبيرة، فإنهما لازمتا قريبتهما العروسَ منذ العصر. في خلال الطريق، عبثت زهرة بأذنها، لتنتبه مرتاعةً إلى فقدان أحد القرطين. قالت لها حماتها: " سترافقكِ ابنتي إلى البيت، لأنكِ على الأرجح أسقطتِ القرطَ في حجرة نومك ". لكنّ الصغيرةَ أبت التزحزح من مكانها، ما دفع الأم لمخاطبة كنّتها، نافخةً في قنوط: " سننتظركِ هنا، على أن تعودي بسرعة. وآمل أن يكون زوجي ما زال في المنزل، لأنّ مفتاح الباب معه ".
السيّد تمّو، كان بالفعل يستعد للخروج من المنزل لما فوجيء برجوع امرأة ابنه. أوضحت له مرتبكةً، تحت نظراته المليّة، الشاملة هيئتها: " أوقعتُ أحد قرطيّ، وسأبحث عنه في حجرة نومي ". مع أنه لم ينبس ببنت شفة، فإنها أحست بنظراته تلسعها من الخلف. ربما استعادت عند ذلك نظراتٍ مماثلة، رمقها بها في مناسباتٍ مختلفة. لكنها في كل مرةٍ، كانت تؤوّل الأمرَ بشكل بريء: " زوجته رائعة الجمال، وفوق ذلك، ما تزال في مقتبل العُمر. والرجل لا يفوّتُ صلاةً ". هكذا أقبلت على حجرتها، لتقلّب في أنحائها بحثاً عن القرط. وإذا بها تلحظُ ظلاً ثقيلاً، يتحرك على الأرضية. هتفت مرعوبة قليلاً: " آه، عبثاً كان بحثي ولا بدّ أنني أضعته في الطريق "
" سأعوضكِ عنه، بل ولن أبخل عليك بعلبة من المجوهرات "، فحَّ الرجلُ قبيل انقضاضه على الفريسة. أُخذت الفتاةُ المسكينة على غرّة، فشُلّت قواها من فرط المفاجأة. لكنها كانت قوية، وما أسرع أن تملّصت من بين يديّ الرجل الخمسينيّ. لما لحق بها، حينَ كانت تنزل على الدرج رافعةً ملاءتها، اضطرت للصراخ بأعلى صوتها كي يرعوي. بهذه الصورة، المجنونة، خرجت إلى الجادّة والرجلُ بأثرها. كان يصرخُ بدَوره، مداراةً على فضيحته: " لن أسمح لك بالذهاب إلى العرس في غياب رجلك، ولو ركبتِ رأسك فإنني سأحمله على رمي اليمين! ". بيد أنها واصلت الجري باتجاه مدخل الزقاق، والملاءة السوداء تغطيها بالكامل، وسط دهشة المارة وأصحاب المحلات. فما هيَ إلا دقيقة، وكانت تقابل حماتها بهيئتها الجديدة، المُروَّعة. بجملةٍ واحدة، لخّصت ما جرى قبل قليل، ثم انتهت للقول باكيةً: " لا أعرف إلى أينَ أمضي، لأن والدي يُمكن أن يقتلني لو عدتُ إلى بيتنا بهذه الحالة "
" أهدئي يا ابنتي، وفي الغد نتدبّر الأمرَ. أنا أصدق كل كلمةٍ نطقْتِها، لأنني خبرتُ أخلاقك. لكنني، في المقابل، لا أستطيع خرابَ بيتي بيدي. فلنقبل بحجّة الرجل الآثم، ومن ثم أتعهد لك بأن ابني سيطلقك بأقرب وقت ودونما متاعب "، قالتها الأم فيما كانت تنظر إلى ابنتها الصغيرة بشكل موارب. أذعنت زهرة لنصيحة حماتها، فرافقتها إلى حفل الزفاف وهيَ تجفف دموعها بالمنديل. ثمة، في خضم الحفل، ما عتمت أن انتبهت لبعض النسوة يُشرن نحوها وهن يتهامسن. أدركت حالاً أن إحداهن لا بد وشاهدت الفضيحة، هنالك أمام بيت الزوجية، وهيَ مَن نقلت الخبرَ لصويحباتها.

5
والدة طالو، أعجبت بزهرة لما رأتها في أحد الأعراس. فلم ينتهِ ذلك العام إلا وزفّت الفتاة إلى الشاب، الشبيه بالوحش. ثم شاءت المصادفة أن تتقوّض الحياةُ الزوجية عقبَ عرسٍ آخر، شهدَ فضيحة مدوّية. هكذا عادت زهرة إلى بيت أبيها، بعد سبعة أشهر من المعاشرة الزوجية المستحيلة، تاركةً حتى ثيابها في صندوق العرس، المحلّى بالصدف والملبّس بالفضّة. لحُسن حظ الفتاة، أنّ بعضَ تفاصيل الفضيحة وصلت بشكل أو آخر إلى سمع والدها، وذلك قبيل طلاقها. إذ بينما الرجال في الحارة يقضون الوقتَ في الحديث عن تطورات الحرب على جبهات أوروبا وأفريقيا، كانت النساء تلوكُ مرةً تلو الأخرى حكاية زهرة وحَميها. التعاطف مع مأساة المرأة الصغيرة، كانَ شاملاً تقريباً؛ لدرجة أن الحماسَ دبّ بأحدهم، ليُهرع إلى طلب يدها قبل أن تكمل أشهرَ العدّة: إنه أكبر أبناء حج عبده، الذين تقوم منازلهم بمقابل دار زعيم الحي السابق. كان الرجلُ متزوجاً، ولديه أربعة أولاد، مورده لا بأس به من عمله ـ كخياط أفرنجي في مركز المدينة.
عقبَ ردّ طالب القُرب ذاك، خائباً، طرقَ رجلٌ آخر بابَ السيّد بَدو لنفس السبب. برغم كون الوضع العائلي للخاطب الجديد لا يقل إلتباساً، ورزقه أقل، فإنه حظيَ بالرضا. " أمين " هذا، كان أيضاً يكبُر عروسَ المستقبل بلا أقل من خمسة عشرة عاماً، وكان قد رُزق من امرأته الراحلة بابنة أضحت بدَورها في سنّ الزواج. منزل أمين، يقع بأعلى الزقاق، مُجاوراً لمنزل موسي. مثل كثيرين من أولاد الحارة، كان الرجلُ يعمل ناطوراً في البساتين. لكنه كان يُنمّي في داخله، هاجساً قاهراً؛ وهوَ السعي إلى المغاور والأماكن المهجورة، بحثاً عن الكنوز. اعتاد أن يُفضي بهاجسه لحسينو، في أثناء مناوباتهما الليلية في البستان. ليست المهنة والجيرة، حَسْب، جعلت علاقته وثيقة بابن زعيم الحي السابق: شقيقة هذا الأخير، عيشو، كانت زوجة لابن عم أمين، وقد قتل في المعارك مع الفرنسيين في منتصف عقد العشرينات وكان على رأس عصابة من الثوار. ابن عم آخر، اقترنَ من حفصة؛ حيث علمنا درجة قرابتها من رجل بطلة سيرتنا. مثلما أنّ أخ بيان غير الشقيق، سيتزوج فيما بعد بابنة عم أمين.
***
كما سلفَ القول، فإن ملابسات زواج طالو، كانت في ذهن رابعة حينَ رفضت شقيقته الوسطى كعروس لابنها. وهيَ ذي في ضيافة بيان، تذكُر لها بعضَ التفاصيل المتعلّقة بالفضيحة، لكي تبرر موقفها السلبيّ من ابنة عمة ابنها الوحيد. امرأة الأخ، كانت بين فينة وأخرى تطلّ على المطبخ، لمراجعة أمور طبختها. علّقت أخيراً على ما سمعته، مُدافعة عن الفتاة، مُذكرةً من ثم بالمثل الشعبيّ: " ضَعِ الجرّةَ على فمها.. "
" الأم أو الأب، سواءُ. تربية الفتاة ستكون سيئة، طالما أنّ مثالها أحدُ الوالدين "، قالتها رابعة مقاطعةً. لم تكن المضيفةُ متحمّسةً للحديث، خشيةً أن تقلبه شقيقةُ رجلها على لسانها إلى ما لا يعلمه سوى شيطانها. فاكتفت عندئذٍ بإعادة التأكيد على تعقّل خلّو، وأنه إلى الأخير لا بد وسيدرك سبيل مصلحته. إتفاقاً، حضرَ زوجُ بيان بينما شقيقته تهمّ بمتابعة حديثها. اتجه من فوره إلى حجرة النوم، فلحقت به امرأته بعدما أعتذرت من ضيفتها، بالقول في اقتضاب: " لحظة وسأعود إليكِ ". ثمة، في حجرة النوم، اقترحت بيان على زوجها انتظارَ تقديم الغداء لحين أن يأتي خلّو لاصطحاب والدته. هزّ رأسَه عابساً، وما لبثَ أن رقد على السرير للراحة غبَّ تجشّمه العملَ في حديقة صديقه.

***
عصراً، وكانت بيان قد أضحت لوحدها في الدار، قَدِمت أختها رودا وهيَ تحمل ابنتها الوحيدة، البالغة من العُمر عاماً واحداً. على فنجان القهوة، قضتا ساعةً من الحديث وكل منهما عرضت للأخرى مشاغلها وهمومها. الأخت الكبيرة، كما علمنا قبلاً، أقامت في منزل أسرة زوجها بأعلى الزقاق. مؤخراً، وبمجرد علمها باستحواذ بيان على منزل خاص، حملت هيَ الأخرى رجلَها على الاقتداء بعمّه. هكذا غدا لمنزلها بابٌ مستقل، ينفتح على الطلعة، التي يلتقي فيها زقاقُ الحاج حسين مع زقاق الكيكان. الجارةُ الأقرب إليها، كانت زهرة، التي أنجبت من رجلها الثاني ابنةً، يُناهز عُمرها العاشرة.
" زهرة في غاية اللطف، بحيث تسمح لابنتها أن تبقى مع طفلتي عندما أكون مشغولةً في المطبخ. إلى تأديتها بعض الخدمات الهيّنة، كأن أرسلها لشراء حاجة من الدكان "، قالت رودا بمناسبة تطرّق الحديث إلى الجارة الجميلة. ثم أردفت، متنهدةً: " هذا، بينما شقيقة فيّو الكبيرة لم يعُد لها تسلية غيري، عقبَ طلاقها من المسكين نورو "
" صدقَ من قال، أنّ الأقاربَ عقاربُ! وهذا حالي مع شقيقة زوجي، التي يدعوها أخوتها بالمرأة المسمومة "، أكّدت بيان كلامَ أختها الكبيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي