الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكان الفلسطيني في رواية -رحلة البحث عن العريان- خليل عانيني

رائد الحواري

2020 / 10 / 8
الادب والفن


المكان الفلسطيني في رواية
"رحلة البحث عن العريان"
خليل عانيني
تقديم الواقع كما هو يصعُب على القارئ تقبله، فكثرة الهموم والمآسي جعلته ينفر من السواد والوجع، لهذا على الأديب أن يجد منفذا/شكل/طريقة أدبية يستطيع بها اللوج إلى المتلقي، يقدم مادته الصعبة والقاسية بطريقة وشكل أدبي، وهنا يكمن أبداع الكاتب، الأديب، تقديم مادة قاسية بثوب جميل، يخفف ـ قدر الامكان ـ على المتلقي، ويمتعه إن أمكن.
"خليل عانيني" أستطاع من خلال الفانتازيا أن يوصل فكرة الألم بطريقة سهلة وناعمة، فقد لجأ إلى هذا الشكل الأدبي ليبتعد عن البؤس، لكنه ابتعاد (شكلي)، لكن وافع المأساة حاضر في "رحلة البحث عن العريان".
والعريان قرية فلسطينية تم احتلالها الصهاينة عام 1948، وهذه قرية جد الراوي "يوسف" الذي يوصي ابناءه، أب يوسف" أن يضعوا شاهدا على قبره، لكن تحدث الحرب وتهجر القرية من ساكنها كرها وغصبا، وبعد الهجرة يموت الأب، ويحمل الابن "يوسف" الوصية، وبطبيعة الحال، وبما أن عائلة يوسف مهجرة من وطنها فإنها تسكن المخيم، ومنه يبدأ سرد الأحداث: "وصارت الخيمةُ جزءاً من كينونتي وكينونة الشعب كلِّه" السارد لا يحدد المخيم، بل يتركه مجهول الاسم، وهذا يعطيه سمة العمومية، فكل لاجئ يجد نفسه في الرواية.
أما وصية الجد للاب فبدأت بعد أن فقدة الاسرة الأمل بالعودة إلى "العريان" واقتراب أجل الجد: "قال والدي: إن أباه أوصى أبناءَه أن يضعوه شاهداً لقبره، ولمّا سَقَطَتْ البلاد وحدثت النّكبة لم يتمكّن من أخْذِ شيءٍ معه سواه" وهذا يأخذنا إلى فكرة "وارث الشواهد"، أي وارث المآسي والموت، وهذا هو واقع الفلسطيني، منذ الاحتلال الانجليزي وحتى اليوم.
اللافت في الرواية أن مسألة "العريان والشاهد" كانت العمود الفقري لتماسك الأحداث الروائية، فالسارد من خلال "العريان والشاهد" استطاع أن يبقى الرواية متماسكة في موضوعها وحبكتها، ودون هذا العمود ما كان للرواية أن تكون مقنعة في سردها للأحداث، فالفانتازيا والرمز وكثرة المواضيع والأحداث كان من الممكن أن تتيه القارئ وتضعيه، لكن "العريان والشاهد" عملا على إيجاد مركز تدور حوله كل احداث وشخصيات الرواية.
من هنا نجد ذكرهما في كل فصول الرواية: "وفاضت روحه ظلَّ ينظر إلى الأُفُق صَوْبَ فلسطين، ويحضُن شاهد القَبْر، ولفظ أنفاسَه وهو يوصي والدتي أن نحمل الشّاهد لنعيده الى القبر" ميراث "الشاهد والعريان، كان يذكر "يوسف" في مأساته ومأساة عائلته، لهذا نجد هذا الميراث يشكل عبء عليه، ويجعله في حالة ألم دائمة: "أنا لست زائراً، انا جئتُ إلى هُنا لأتخلّص من ألم البُعد عن وطني، ولأُكمل العُدّة، وأجِدُ العريان وأضعُ فيها أمانة أبي ووَصيّته، جئت لأمسح غُربَتي التي أكلتني لحماً وتركتني هيكلاً عظمياً،". يستمر "يوسف" رحلته لحقق أمنية جده، متذكرا أقول أبيه لأمه والذي أكد على ضرورة التمسك بالوصية: " أنا الذي كنت أسمع والدي وأنا صغير يقول لأُمّي: إنْ مِتُّ أو جرى لي شيئاً قبل عودتنا إياكِ أن تُفَرّطي بالشاهد أنتِ وأولادك،" وكما أضاع جلجامش عشبة الخلود التي وضعها تحت الشجرة، أضاع "يوسف" خلود/شاهد جده: "الآن تذكرتُ شاهدَ القبر، قبر جدّي، الذي وضعته تحت شجرة السِّدْر وصِرْتُ مشغولاً عليه، ماذا لَوْ وَجَدَه عابِثٌ وألقاه في مكانٍ لا أعرفه؟" وهنا يصاب بالحزن والقهر، كما أصاب سلفه "جلجامش" فيصل "العريان" لكن دون الشاهد/عشبة الخلود: "رغم الحزن واليأس الذي أصابني، فكّرث بالذهاب الى العريان من دون شاهد القبر"، وهكذا يضيع "يوسف" شاهد/خلود جده، ويعود إلى "المخيم" خالي الوفاض من رحلته، تماما كما عاد جلجامش إلى أوراك، لكنه كسب مشاهدة "الخالد أوبشتليم"، بينما "يوسف لم يحصل على مبتغاه، من هنا كانت آخر فقرة في الرواية : "عدت إلى حيث جئت من المخيّم وقد أضعتُ شاهد قبر جدّي وفرصتي الوحيدة في رؤية قريتي، العريان.".
تستوقفنا "خاتمة الرواية والتي تشير إلى استمرار مأساة "يوسف" وعدم تحقيق الهدف من رحلته التي بدأت من المخيم وانتهت به، وهذه النهاية تحمل بين ثناياها فكرة ضرورة وضع الشاهد على قبر الجد في العريان، حتى تستكين روحه.
الرحلة والفانتازيا
بما أن الرحلة إلى "العريان"، القرية المهجرة من قبل الاحتلال، فبالتأكيد ستحمل الألم والعذاب، لهذا على السارد إيجاد طريقة/شكل ادبي يخفف على المتلقي من قسوة الرحلة والمشرقة التي سيلاقيها "يوسف" فكانت الفانتازيا هي الشكل المناسب لهذه الخروج من القسوة والشدة: " انتهزت هذه الفرصة ، والطريق الى فلسطين مفتوحة و لكن كيف لي أن أقطع النهر ؟
قالت لي بنات آوى نحن ندلّك على ممر سار به الأنبياء ، إنّه المغطس ، ولكن قبل أن تبدا المغامرة عليك بزيارة كهفٍ على كتف الأغوار الشرقية ، اذهب إليه وصلِّ ركعتان قبل أن تفعل أيّ شيءْ . ذهبت إليه أحمل أصابعي وعيناي تشخصان كأنهما جمرتان وعقلاً أنهكه التفكير بما كان وبما سيكون، وقبل دخولي إلى الكهف ،" يبدو المشهد خياليا رغم أنه يتحدث عن جغرافيا حقيقية، "فلسطين، النهر، الأغوار الشرقية"، فجاءت "بنات أوى" التي تحدث معها "يوسف" لتعطيه تعليمات في كيفية عبور النهر.
إذن المكان حقيقي، لكن الأحداث والشخصيات يدخل فيها الفانتازيا، وبما السارد فلسطيني، فإن هذا يعني أنه يتعامل مع المكان كجزء من كيانه، من شخصيته ووجوده: "حلمتُ أنه يتحوّل إلى نسرٍ له جناحان عملاقان ورأس خرافي، حَمَلنا جميعا، قُلنا لا نريد من المخيم شيء، نريد فقط أن نعود الى هنا، وانا أُريد أن أزرع شاهدَ قبرِ جدِّي على رأسه في العريان
أُريد فقط أن أرى الحواكيرَ والبساتين والينابيع، أُريدُ أن أرى الصخور والممرات وظلال الأشجار، فضاء الحب المسلوب، خُذنا أيها النَّسر خُذنا، لنصبح فوق الجميع في الفضاء، أعِدنا إلى البحر، الى الموانئ"، الحلم يكشف ما يحمله العقل الباطن، وهو يعكس حقيقة ورغبات الحالم، فهناك "نسر يحلق في السماء، وهناك البياض المطلق الذي يشاهده بعد أن يتعدى المخيم، فالهوة بين المكانين هائلة وكبيرة، طبعا لصالح الحواكير والبساتين والينابيع والبحر والميناء.
السارد يجمع ما بين الفانتازيا والحكاية الشعبية، ليزيل/يخفف ـ قدر المستطاع ـ من المأساة، يحدثنا عن المرأة الحامل: " مِن هنا مرت امرأة حامل، جاءها المخاضُ هنا ، دَخَلت الكهف فأنجبت طفلةً وماتت،
ماتت الأُم ولم يعلم بها أحد، وبالصدفة دخلت غزالة إلى الكهف وأرضعت الطّفلة، أرضعتها حتّى اشتد عودها وكبرت الطفلة ثم ماتت هي الأخرى، رأيت ذلك كظلالٍ على جُدران الكهف"، فموت الأم ثم الطفلة بعد أن كبرت، استدعى وجود أكثر من (شكل) تخفيف، الفانتازيا والحكاية الشعبية.
يستخدم السارد هذا الحوار، ليؤكد على (خصب) فلسطين وقمحها، معطيا فكرة خارقة لقمحها:
"هل أنت جائع؟
قلت: نعم
قال: كُلْ
قلت: ماذا؟
قال طحين، افركه بيديك واقذفه بفمك وكُلْ منه حتى تشبع
قلت: وهل تأكلون الطحين هنا؟
قال: لا، ولكنْ قمحنا به روح كنعان، إذا دخل الجوف تحوّل إلى خبزٍ مُشْبِعٍ تلقائيا." المشهد قريب مما جاء عن السيد المسيح، الذي اطعم المئات وأشبعهم بواسطة بضعة ارغفة وبضع سمكات.
الواقع السياسي العربي البائس، يستدعي وجود طريقة (يمرر) بها هذا البؤس، ففلسطين وشعبها مرتبط بالمنطقة العربية، وما كان للاحتلال أن يستديم وأن يكون، دون (سكوت/رضا) النظام الرسمي، يحدثنا "يوسف" عن الواقع العربي بهذا الشكل: "رأيُت في ما يرى النائِمُ رجلاً أيّوبِيّاً يقف على قمة الجبل، يَحملُ مِعولاً كبيراً ويهدم الأسوار
تهاوت الاسوار المقامة على محيطه، وأحدثت اصواتاً رهيبة للانهيارات،
قلت له : من أنت؟
قال: انا الملك الكامل الايوبي
قلت: ماذا تفعل؟
قال: عَقَدْتُ اتِفاقاً مع الصليبيين على إزالة الإجراءات الإسلامية عن الجبل
قلت: مقابل ماذا؟
قال: أنْ أبقى في الحكم وان أتَجَنّبْ شرورهم وأسحب من أيديهم ذرائع الهجوم"، فالسارد أراد تبيان (خيانة) النظام الرسمي وخنوعه للاحتلال، مقابل البقاء في الحم، وهذا حقيقة أصبحت أوضح بعد لعبة "الربيع العربي"، والتي كشفت طبيعية الأنظمة الموالية للغرب المعادي ودورها التخريبي في دولها والدول الأخرى.
المكان
غالبية الأدباء الفلسطينيين يقدمون علاقتهم بالمكان كعلاقة الروح بالجسد، فطبيعة الصراع مع الاحتلال الصهيوني الاستيطاني، فرضت عليه أن يتعامل مع المكان ككائن حي، كإنسان، لهذا نجد أكثر من صورة للمكان في "رحلة البحث عن العريان"، منها:
المكان التاريخي: " مشينا، وإذا نحنُ على أطراف مدينة القمر الشرقية، البوّابة الأصلية التي دخل منها الغزاة في غفوة من التاريخ، رغم أنّها كانت محصّنة، ولَجوا بها بخديعة ، دخلوها بزانية منهم، خدعوا الحراس وقتلوهم،" فهنا يحدثنا السارد عن مدينة "أريحا" وما جاء عنها حسب النص التوراتي، ورغم الأحداث المفجعة، إلا أن بقاء المكان وحضوره يشير إلى استمرارية وجود الفلسطيني، وللفات في رحلة "يوسف" أنه بدأها من النهر، مرورا بأريحا، مدينة القمر، صعودا إلى : " إن الفارعه أمّ الحجاج بن يوسف الثقفي مرّتْ من هنا وخافت خوفا شديداً من ذئبٍ اعترض قافلتها، فسألت حاشيتها، أين أنا؟
قالوا لها: أنت في وادي توباس، وهو وادٍ عُمّاره من الجانّ، جاء بهم النّمرود بن كنعان إلى هنا وعذّبَهم، حيث أنّه هو من فتح هذه الأرض ومن سكنها أول من سكنها ، وتوالدت عائلات الجن وصاروا أقواماً كثيرة، وهم لا يخافون إلا الذئاب، ولسوء حظهم أنّ هذه المنطقة تستقطب الذئاب لكثرة ما بها من حيوانات بريه"، فالسارد يتحدث عن عودة عبر جسر "الكرامة" ولكنه يسلك الطريق الشمالية، طريق وادي الباذان، لهذا يتحدث عن الفارعة وتوباس/طوباس.
يدخل السارد إلى أراضي ال 48في فلسطين وحدثنا عن بحرها: "بحر الطنطورة التي سماها الكنعانيون دور، انه لا يبعد كثيراً من هنا... واذا بمجموعة من الصبايا يخرجن من الماء وأصوات ضحكاتهن تملأ الشاطئ، لابسات ثياباً مطرزة بالطيور والاشجار، وشعورهن على اجسادهن كأنها ذيول الخيول الاصيلة، كن كثيرات، وجاء من بعيد بصيص ضوء، وكلما اقترب الضوء بدا نوراً يسعد القلب وينعش الروح، وصل النّور كلّه إلى الصبايا، وإذا بها عناة، تأتي بمثل هذه الليلة من العام، سمعتهنّ يقلنَ لها: يا أُمّنا عناة، ها نحن نأتي الى هنا، إلى حيث تريدين، لم نترك الماء الا لنراكِ" المكان يتعدى التاريخ العربي الإسلامي، ويتوغل أكثر، ليحدثنا عن الربة "عناة" والطقوس التي أقامها الكنعانيون قبل وجود يهوه واتباعه، وإذا ما توقفنا عند الألفاظ المجرد، سنجدها بمجملها بيضاء وتشير إلى الفرح، وإذا أضفنا إليها اكرة البهجة والخير الذي عم بلادنا، نكون أمام فكرة الخصب والخير والهناء الذي تميز فلسطين عن سواها.



المكان والدين، ويتناول السارد المكان بصفته الدينية: "اقتربُ من سهل عرّابة البطّوف، وهو لا يبعد كثيراً عن عين جالوت، وبذلك أكون قد قطعت شوطاً جيداً في المسافة، فوالدي قال: إن العريان في منتصف فلسطين وترى منها أراضي فلسطين على الجهات الاربع لارتفاعها وجمالها
آه، نسيت، إذاً أنا في الجليل .
قالوا: إن الجليل اسمٌ أطْلَقَه الكنعانيون على هذه الأرض لجلال قدرها وقداستها، وتعني المكانة العالية والهيبة
وقالوا: إن جَلْ ملحقة بالإله أيل وتعني جلال الله
وقالوا: إنها الخشوع، نعم ، اشعر بكل ذلك هنا
جلال المكان وبديع صنع الله" فقدسية فلسطين تتوغل إلى ما قبل السيد المسيح والنبي محمد (ص)، فهم منحو اسماء دينية للمواقع، وهذا يشير إلى ارتباطهم والوثيق بالدين وبالإله، ونجد السارد يقدم معلومات تاريخية، لكن بطريقة ناعمة وسلسة، فبدت المعلومات التاريخية الدينية كجزء من السرد، وليست مقحمة في النص، وهذا يحسب للسارد، الذي اتقن فعل السرد.
ويأخذنا السارد غلى فلسطين وارتباطها الوثيق بالسيد المسيح: "قال الحواريون: إنَّ الربَّ هنا تجلى للمسيح وهو ذاهب الى مدينة الناصرة
وفيه تجلّتْ آلام الولادة عندما حبلت حواء بهابيل، وجاءها َطْلُق الولادة،
وقيل: إنَّ هذا الجبل هو وَتضدُ الأرض يمنعها من الانهيار"



فلسطينية المكان
إذن التاريخ يقول أن المكان لنا وقد ترك أسلافنا أثراهم عليه وثقفتهم ما زالت مستمرة وحاضرة حتى الآن، من بعدها ينقلنا السارد إلى فلسطينية المكان، وعندما نقول الآن، فإن هذا يهني تناول المكان من زاوية المحو التهويد، لهذا هناك شكل يتناسب وطبيعية الصراع مع الاحتلال: "في سهل عين جالوت، وهذه الجبال قريبه من عدة أمكنه، بيسان على وجه الخصوص
وما تراه من غُموضٍ في لون الجبال، ما هو إلاّ نخيلٌ زرعه أجدادكم بهذا المكان " نجد أن السارد يركز على تسمية المكان، وعلى علاقته به وارتباطه. ولم يقتصر الأمر على العلاقة البصرية/(المادية) والارتباط به الآن، بل تعداها إلى العلاقة الروحية: "كل ما أراه امامي يبدو مألوفاً، فهذه بلادي الّتي نشأ بها أجدادُ أجدادي الأوّلون منذ فتحها كنعان أوّل مرة وبنى بنوه ما بنوه من بيوتٍ ومعابد وسواقي ، ولم تفارق أبي وأُمّي، ولم تُفارقني ولو فارقتها" إذن نحن أمام كائن حبي، له جسد وروح، ويتم التعامل معه على هذا الأساس.
وبما أن الفلسطيني يعتمد وجوده على الأرض، التي معها وبها يشكلان كيانا واحدا، فإنه يركز على القرى المهجرة، فيحدثنا عن "إجزيم" التي كتب عنها "محمود عيسى موسى" رواية "حبيبتي السلحفاة":
"وأنا أنزل إلى إجزم، تلك القرية التي أحفَظُ سيرتَها عن ظهر قلب...كنت أسْمعُ أُمّي تُردِّد مَثَلاً عنها يقول: ( ذَكِيُّها لَبيبْ وتَيْسُها عجيب)، عرفتُ أنَّ الذّكِي في قرية إجزم يفوق الأذكياء والتيسُ يتفوق على التُيوسْ، إذاً هي قرية متفوقه" واللافت في هذا القول أنه يتماثل تماما مه ما جاء في رواية حبيبتي السلحفاة، والتي جاء فيها: " أجاك العقل الجزماوي" ص141" كناية عن العناد (والتناحة).


الاحتلال والمكان
الاحتلال عمل على تهويد المكان ومحوه، ومحو الفلسطيني، من شواهد هذا التهويد والمحو ما حدث في صفورية: "وصار عليّ ان أزور الظاهر العمر في مرقده وامشي في البلاد كما مشى، سألته أين تسكن؟
قال في تسيبوري
قلت: هذه ليست من فلسطين
قال: نعم ولكنها في اسرائيل، تسيبوري هي مدينة يهودية أغتصبها أجدادكم وسموها صفورية"، وهنا أيضا يؤكد السارد على ما جاء في رواية "كميل أبو حنيش" "مريم ميريام" والتي تتحدث عن صفوية وكيف تحولت إلى مستوطنة تسيبوري، وهذا يشير إلى أن ـ العقل الباطن الجميعي، يدفع بالفلسطيني إلى تبيان الخراب والتشويه والإلغاء الذي تعرض له كفلسطيني، إن كان هذا التشويه متعلق بالإنسان أو بالمكان، لهذا نجد السارد يندفع بقوة نحو المكان وتبيان ما جرى فيه من تخريب وموت: ": عليكَ أن تعرف أنّ هذه القريه فيها من عشرات القرى التي أُبيدتْ مِثِلْ " إم الجمال، البطيمات، قنّير، السِّنديانه، خُبّيزة، صُبّارين، زُمّارين، جَبَعْ، عيْنْ غَزالْ، الطّنْطورة، إجزم، عيْن حوْض، ألمراحْ، كَرْكور، الخضيرة، قيساريه، وغيرهن" هذا الاندفاع والانفعال ما كان ليكون دون وجود ألم وألم موجع ومتفاقم، فبدا السارد وكأنه أمام مأساة المكان ـ غير قادر على الالتزام بالشكل (الأدبي) للسرد، وقد اتزانه/الفانتازيا، وسقط في مستنقع الواقع ـ فجاءت العبارات واضحة وصريحة ومباشرة.
ولم يقتصر التشويه على المكان في أراضي فلسطين في ال48، بل تعداها إلى الضفة الغربية: " ما هذه المدينة؟
إنها ربّة القمر، حوّروا اسمها فصارت مدينة القمر، ولِمَ هي كئيبة بهذا الشكل؟ غَزَتْها التّماسيح فسلبت منها فرحتها والنخيل، وكثيرون أصبحوا لا يعرفونها من خلال القمر وانما من خلال التماسيح، ومنهم من أطلق عليها اسم مدينة التماسيح" وإذا ما توقفنا عن الاسمين، الفلسطيني "مدينة القمر" والمحتل "مدينة التماسيح" نجد أن الجمال والفرح يكمن في الاسم الفلسطيني، بينما اسم الاحتلال فيه الوحشية والقرف، وهذا التباين في المعنى يبين أن التغييرات/التهويدات التي يحدثها المحتل مؤذية ومخربة للجمال وللطبيعة وللثقافية وللحضارة.
المكان والظلم
وهناك مكان تحول بفعل الظلم إلى مكان (شؤم) للفلسطيني، فكثرة ما حدث فيه من موت وقتل، أمسى المكان منفرا، يحدثنا السارد عن صخرة الموت: " الصخرة التي لها رأس باتجاه الوادي كأنه تنين عملاق، ولما رأتني بنات آوى متجهاً إليها صرخن بي، الحذر، إنها صخرة الإعدام، صخرة الموت...كان العثمانيون وعملاؤهم من العشائر يعدمون من يخرج عن سلطانهم، خاصةً من الّذين يمتنعون عن دفع الخاوات والضرائب، أو من كانوا يهربون من الخدمة العسكرية، قَتَلوا الآلاف هنا، ولو تمتلك هذه الصخرة لساناً لنطقت بِهوْل ما رأت، وبعدهم جاء الإنجليز وفعلوا ما فعله الذين من قبلهم، قتلوا حَمَلة السلاح".
والسارد لا ينسى دولة الاحتلال وما تفعله بالفلسطيني وما تُوقع به من ظلم وقهر:"... قوة عسكريه وأطلقت النار بعنفٍ على الراعي ومزقوا جسده، وجعلوه أشلاءَ، وساقوا أغنامه وقتلوها، وضيّقوا الحياة على أهل الراعي وقريته، لم يكتفوا بقتله وأغنامه، فقد منعوا دفنه واعتقلوا عائلته كلُّها وخربّوا موجوداتِ بيته ومنعوا التّجوال لأيام طويلة على قريته، وحرقوا زرعها كله واعتقلوا كثيراً من أهلها كعقابٍ جماعيّ." وإذا ما تتبعنا طريقة تقديم الألم/السواد نجد أن السارد ـ ينسى ـ الشكل الأدبي/الفانتازيا ـ ويتماهى مع الأحداث، وهذه (الهفوة) تحسب له، كأنه يقول وبطريقة غير مباشرة ـ أن العقل الباطن هو من يتحكم في سرد الرواية، وليس الواعي ـ من هنا، نجد السارد ما أن يتحدث عن الواقع والمأساة حتى يجنح السرد إلى غير ما اتبعه في الرواية والتزم به.
الرواية من منشورات دار الفاروق، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا