الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مركز الأبحاث الفلسطيني: رحلة الذاكرة من اللجوء إلى التدمير القسم الثاني

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2020 / 10 / 9
القضية الفلسطينية


الاسترداد
بعد أيام قليلة من خروج عناصر م ت ف من بيروت, قامت مجموعة من المقاتلين (مجموعة هلال رسلان-أبو محمود) بقيادة عيسى حجو(من حركة فتح-القطاع الغربي, وهو لاجئ فلسطيني من قرية لوبية ومن سكان مخيم اليرموك وكان قد التحق بالمقاومة الفلسطينية قادماً إليها من الجزائر حيث كان يمضي دراسته الجامعية في إحدى جامعاتها) يوم الرابع من أيلول-سبتمبر 1982 بأسر ثمانية جنود إسرائيليين في منطقة رويسة البلوط سُلّم اثنين منهم لعناصر الجبهة الشعبية-القيادة العامة (لقاء تأمين مرور الباقين عبر الخطوط العسكرية السورية). وجرت إثر ذلك مفاوضات تبادل الأسرى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عبر الصليب الأحمر الدولي, أسفرت عن اتفاق يوم 23-11-1983 يقضي بإطلاق سراح 4600 أسير فلسطيني ولبناني وسوري كانت تحتجزهم إسرائيل في معتقل أنصار في جنوب لبنان والإفراج عن مكتبة مركز الأبحاث, وقامت إسرائيل بتسليم 113 صندوقاً خشبياً تم نقلها على متن طائرتين سويسريتين إلى جنيف ثم إلى الجزائر ووضعت في معسكر الخروبة التابع للجيش الجزائري ومن هناك نقلت إلى معسكر تبسة حيث يتواجد المقاتلون الفلسطينيون الذين غادروا بيروت.
تشير معظم الروايات المتقاطعة عن تلك الفترة إلى عدم اكتراث وإهمال شديدين من قبل قيادة م ت ف بمكتبة المركز, وتذكر تلك الروايات, على سبيل المثال لا الحصر, عدم وجود قائمة بمحتويات المكتبة رغم أن التسليم تم بحضور عيسى عبد الحفيظ, السكرتير الأول لسفارة فلسطين في الجزائر كممثل للسفير الفلسطيني منذر الدجاني (أبو العز) وبحضور الأميرة دينا عبد الحميد (الزوجة السابقة للملك الأردني الراحل الحسين بن طلال) ويذكر د. سميح شبيب كيف وجّه السفير الدجاني رسالة لإدارة المركز في نيقوسيا قبل عملية التبادل يؤكد من خلالها ضرورة وجود مندوب من المركز لاستلام الصناديق وفتحها والتأكد من محتوياتها ولكن المركز لم يرسل أحداً فضلاً عن عدم امتلاكه قائمة بالمحتويات, ويُذكر في هذا الخصوص رفض صبري جريس مدير المركز الحضور والتوقيع على محاضر الاستلام لعدم توفر فرصة له لفحص وتدقيق محتويات ما أرسلته إسرائيل ضمن الصناديق, (يؤكد شبيب أن هذه القوائم كانت موجودة في بيروت وقد نهبت مع بقية محتويات المركز).
بقيت الصناديق في عهدة الصليب الأحمر لمدة أسبوعين دون أن يستلمهم أحد حتى اضطر ممثلو الصليب الأحمر ومندوب الأرشيف الدولي إبلاغ مكتب م ت ف في الجزائر أنهم سوف يغادرون المكان إن لم يحضر أحد لاستلام الصناديق فتم استلام الصناديق من قبل اللجنة المذكورة وعلى عهدة السفير الدجاني ولكن دون ذكر محتوياتها(9). انتشرت أخبار الإهمال هذه وعدم الاكتراث بموجودات المركز بين الأوساط الفلسطينية (لاسيما المعارضين للرئيس عرفات) فيما اعتبروه تدميراً للذاكرة الفلسطينية وإهداراً للتوثيق الفلسطيني الجاد عبر سنوات امتدت طويلاً من 1965 حتى 1982 على حد وصف سميح شبيب, فكان أن عقدت الأطراف المعارضة "اجتماعاً صاخباً"[و التعبير هنا للدكتور شبيب] في دمشق في مقر اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين برئاسة ناجي علوش-الأمين العام السابق للاتحاد- رأى فيه المؤتمرون أن ما حدث في الجزائر عملية مقصودة, بل مؤامرة تستهدف "إلغاء الذاكرة الفلسطينية" وتناسلت المقالات والدراسات في الصحف والمجلات لشرح وتفسير ما جرى في الجزائر حتى أن البعض زعم أن المكتبة تعرضت للتلف بسبب الأمطار, فقام الرئيس عرفات بمراسلة صبري جريس للوقوف على حقيقة الأمور والتحرك السريع للتأكد من سلامة المكتبة واستلام الصناديق من مكتب م ت ف هناك.

الضياع

بعد العدوان الإسرائيلي على مقار م ت ف في تونس في حمام الشط في الفاتح من تشرين أول- أكتوبر 1985 قامت السلطات الجزائرية بنقل معسكر المقاتلين الفلسطينيين من تبسة إلى معسكر البيّض في عمق الصحراء الجزائرية جنوباً ويعتقد أن صناديق مكتبة مركز الأبحاث انتقلت معهم أيضاً, حيث لم تحظ هناك باهتمام جدّي فضلاً عن سوء شروط التخزين, ولما كثر اللغط في هذا الجانب طلب الرئيس عرفات من مدير المركز ومن سميح شبيب -بوصفه مسؤول قسم التوثيق- السفر إلى الجزائر لمعاينة الصناديق, وهكذا, وصل جريس و شبيب في آذار-مارس 1986 وذهب شبيب لوحده إلى تبسة وهناك حدثت المفاجأة حين اكتشف أن لا أحد في المعسكر يعرف شيئاً عن تلك الصناديق وأنها لاتزال في عهدة الجيش الجزائري ,(يذكر شبيب أنه سأل قائد المعسكر زياد الأطرش عن مكتبة مركز الأبحاث فأكد هذا الأخير عدم معرفته شيء عن الأمر, وهو الأمر ذاته الذي أبداه من كان حاضراً في تلك الجلسة من ضباط المعسكر), وبعد اتصال مع السفارة الفلسطينية أبلغه السفير أنه سوف يتصل بقيادة المنطقة العسكرية الجزائرية لاستطلاع الأمر وما هي إلا دقائق حتى تم إبلاغ شبيب أن ضابطاً جزائرياً سوف يحضر ليلتقي بشبيب الذي تبين له بعد عناء أن المكتبة موجودة بأحد المعسكرات الجزائرية بعهدة ملازم أول يدعى عيسى, وفي اليوم التالي استصدرت السفارة الفلسطينية موافقة السلطات المحلية للسماح بالكشف عن الصناديق, فقام شبيب بمعاينة نحو 20 صندوقاً لا على التعيين من أصل 113 فوجدها صالحة ولم تتأثر بالعوامل المناخية ولم يتسرب الماء لداخلها (تبين أن الصناديق مطلية من الجوانب بمادة القار لمنع دخول الماء إليها بالإضافة إلى تغليفها برقائق الألمنيوم والفلين لضمان حمايتها وكانت الكتب مرتبة بداخلها بإتقان ومحتويات الصناديق متنوعة فبعضها احتوى على كتب وبعضها على مجلدات الصحف الفلسطينية والبعض الآخر ضم وثائق وأفلام وتسجيلات).
قام د. شبيب بالاتصال بصبري جريس والاتفاق معه على شحن الصناديق إلى مقر المركز في قبرص حيث ستبدأ رحلة مأساوية جديدة من الضياع يذكرها شبيب في رواية مفصلة عن التعقيدات البيروقراطية لإجراءات الشحن ومن ثم العدول عن الفكرة واقتراح تقديم المكتبة هدية إلى مؤسسة الأهرام واعتذار هذه الأخيرة(10) (انظر سميح شبيب, الذاكرة الضائعة, لندن: هيئة أرض فلسطين, ورام الله: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية -مواطن 2005) وبالإضافة إلى صعوبات الشحن من الجزائر واعتذار مؤسسة الأهرام كان لانشغال قيادة م ت ف بالغزو العراقي للكويت والتحضيرات لمؤتمر مدريد ومن ثم المفاوضات "السرية والعلنية" مع إسرائيل كل هذا ساهم في المصير المحزن الذي آلت إليه مكتبة المركز فضاعت محتوياتها في صحراء الجزائر مثلما تناثرت مكتبة قبرص لاحقاً في ميناء أسدود بعد نقلها إلى هناك إثر اتفاق أوسلو وبقيت مدة عشرة أشهر دون أن يستلمها أحد مما دفع بالجهة التي شحنت الصناديق التهديد بحرقها ما لم يحضر أحد لاستلامها(11).
ومن الواضح أن لا أحد يمتلك اتخاذ أي قرار بهذا الشأن لاسيما بعد أن أصدر الرئيس عرفات القرار رقم 20 لسنة 1994 بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لـ م ت ف ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ويقضي باعتبار كل من مركزي التخطيط والأبحاث من ضمن صلاحيات مكتب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية اعتباراً من 22-9-1994 بما يتضمن هذا من "نزع الصفة الاستقلالية عن المركزين المذكورين التي كانا يتمتعان بها من قبل بما يمنع خدش هذه الحصانة لأغراض فئوية أو فصيلية أو غوغائية أو مصلحية تتنافى مع موضوعية المركزين ومصداقية سلوكهما وإنتاجهما؟ (12)

خاتمة

لعب المركز منذ تأسيسه دوراً هاماً في التعريف في القضية الفلسطينية بأبعادها المحلية والعربية والدولية المختلفة, وكان محل اهتمام من جميع الأطراف بما في ذلك إسرائيل لاعتبارات مختلفة, وقام المركز بجمع وحفظ وتصنيف ونشر الوثائق والكتب والدوريات والنشرات ووصل أرشيف مكتبه إلى نحو 25 ألف مجلد, وكان يمتلك قسماً للوثائق يعد واحداً من أهم أقسامه فيما يتصل بعمل المختصين في هذا المجال, ومن الجدر ذكره أن المركز كان يؤمن خدماته مجاناً لزواره ولجمهور الباحثين والدارسين على اختلاف جنسياتهم وطلاب المعاهد والجامعات المعنيين بمسائل الصراع العربي-الإسرائيلي وهذا ما جعله في مقدمة بنك الأهداف الإسرائيلية, وللتدليل على أهمية "المحتوى الثقافي" في الصراع مع إسرائيل يذكر صقر أبو فخر في سياق استعراضه لمأساة الذاكرة الفلسطينية كيف كان "النهب والإتلاف والطرد سياقاً واحداً نفذه الصهاينة لغاية واحدة هي الاستيلاء على فلسطين" فاستولت العصابات الصهيونية منذ العام 1948 على كنوز "لا تقدر بثمن من الكتب والوثائق والصور والمقتنيات الفردية, ففي القدس وحدها نُهبَ نحو ثلاثين ألف كتاب ومخطوط في الفترة ما بين أيار-مايو 1948 وشباط-فبراير 1949, بالإضافة إلى ما نهب من محتويات الكنائس والمؤسسات التعليمية في القدس وغيرها, ونحو أربعين ألف كتاب من مناطق أخرى في يافا وحيفا والناصرة وطبرية من المنازل المهجورة والمكتبات الشخصية مثل مكتبة خليل السكاكيني في حي القطمون في القدس الغربية (نقلت بالكامل إلى الجامعة العبرية, ومكتبة الأديب محمد إسعاف النشاشيبي التي نهب منها ألبوم صور هام, ومكتبة الشيخ أسعد الشقيري في عكا التي كانت تحتوي على مذكراته وعلى العديد من الكتب العربية النادرة ومكتبة راغب الخالدي في منزله في يافا (وكانت تعرف باسم المكتبة الخالدية), ومكتبة درويش عارف الدباغ (اليافي) والتي كانت تضم حوالي 30 ألف مجلد فضلاً عن مؤلفاته ومؤلفات شقيقه الشاعر إبراهيم الدباغ, ومكتب عجاج نويهض في القدس, وخليل بيدس وعادل جبر وجورج سعيد وسليمان سعد وهنري قطان وفؤاد أبو رحمة ومكتبة إسحق موسى الحسيني التي كانت تحتوي حوالي 4000 كتاب ومخطوطة والمكتبة الخليلية في القدس التي أنشأها الشيخ محمد الخليلي وكانت تضم حوالي 7000 كتاب ومخطوطة, ومكتبة عبد الله مخلص المقدسي, وجميع هذه المواد المنهوبة تصنف من قبل المكتبة الوطنية الإسرائيلية "ممتلكات متروكة" تحت مسؤولية "القيّم على أملاك الغائبين", وفي سنة 1957 "قررت وزارة المعارف الإسرائيلية إبادة 27 ألف كتاب عربي باعتبارها " بضائع غير صالحة للاستعمال" فعمدت إلى بيعها لمعامل الورق ليتم طحنها وإعادة تدوريها(13), أما بقية المواد والوثائق والمصادر الثقافية والقانونية والسياسية المكتوبة والمواد الصحفية المطبوعة وأرشيفها وسجلات الأراضي والأملاك العامة والخاصة وأوراق أجهزة الحكم المحلي وسجلات المشافي والمدارس والمعاهد والمراكز الثقافية والمذكرات الشخصية لكبار المثقفين والكتّاب والسياسيين فقد تم مصادرتها, فضلاً عن تعرض جزء كبير للضياع أو لتدمير حيث ركزت العصابات الصهيونية أثناء اقتحامها للبيوت والمنازل في المدن والقرى بعد تهجير سكانها على جمع ما احتوته المكتبات ومن ثم إرسالها إلى "المكتبة الوطنية الإسرائيلية". فعلى سبيل المثال, تحتوي قوائم الجامعة العبرية في القدس على العديد من الكتب المصنفة "أملاك مهجورة Abandoned property" وهو التعبير عند وصف الكتب المسروقة من مكتبات منازل الفلسطينيين بعد النكبة ومن الجدير ذكره عدم السماح بإخراج هذه المواد من مكتبة الجامعة, بل يتم الاطلاع عليها فقط بإرسال طلب عبر البريد الإلكتروني يحمل اسم الكاتب والكتاب وتفاصيل عن هوية المرسل (14)
ويذكر في هذا الصدد استيلاء إسرائيل على أرشيف الإدارة الأردنية بالكامل بعد حرب 67 ومن ضمنه جزء من أرشيف "الجهاد المقدس"(15)(المؤسسة الفلسطينية العسكرية شبه المنظمة التي شاركت في حرب 1948) الذي استولى عليه الجنود الأردنيون إثر مداهمتهم مقر قيادة "الجهاد المقدس" في بلدتي بير زيت وعين سينيا, ومازال مصير هذا الجزء غير معروف, والأرشيف الأمني الذي عني بتوثيق الأنشطة السياسية والحزبية وحوادث الحدود والاعتداءات والتسلل ... إلخ والذي قام بعض الباحثين الإسرائيليين بنشر مقتطفات منه, وبعد توقيع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل تحفظت هذه الأخيرة على هذا الأرشيف ووضعت عراقيل عدة أمام الباحثين (سواء إسرائيليين أو فلسطينيين كما حصل مع الباحث موسى البدري) للوصول إليه باعتباره يخص دولة أصبح بينها وبين إسرائيل اتفاق سلام وهي الوحيدة صاحبة الحق في المطالبة به. ولن يكون آخر هذه الممارسات ما قامت به القوات الإسرائيلية سنة 2002 عند اجتياحها كلٍّ من مخيم جنين ومدينة رام الله حين قامت قوات الجيش بنهب وزارة الثقافة الفلسطينية ودائرة الأراضي "حيث سجلات الطابو".
في الحقيقة, لا أحد يعلم ماذا أعادت إسرائيل من أرشيف مركز الأبحاث, هل أعادته جميعه؟ هل بقي وثائق احتفظت بها ولم تفضح عنها (رغم أن عملية التبادل كانت تنص على إعادة محتويات المركز كاملة) ونظراً لأن عملية الاستلام التي تمت في الجزائر حدثت دون الرجوع إلى قوائم فلم تتح الفرصة للتعرف على محتويات الصناديق المستلمة والتعرف على أي نقص إن كان موجوداً أو حتى أي تلف في المحتويات وغير ذلك.
وأحد الأسئلة المربكة التي لا جواب لها هو أن قيادة م ت ف وإدارة المركز كانوا يعلمون علم اليقين أن القوات الإسرائيلية سوف تجتاح بيروت الغربية, فلماذا لم تتحرك هذه القيادة على نقل محتويات المركز إلى مكان أكثر أماناً أو على الأقل توزيعها على مباني السفارات الصديقة في بيروت؟ (16)
لماذا رفضت السفارة الفلسطينية في الجزائر تحمل مسؤوليتها باستلام الصناديق بدلا من نقلها إلى معسكر الخروبة الجزائري وتعرضها لأمطار الشتاء في خريف العام 1983 ,ثم لماذا رفضت قيادة م ت ف, بالأحرى, لماذا رفض الرئيس عرفات, وضع المكتبة في الجزائر؟ البلد الآمن من أي قرصنة إسرائيلية محتملة, لكن السؤال الأكثر أهمية يتعلق بعدم معرفة الأسباب التي منعت إدارة المركز من استلام الصناديق والإشراف عليها وتخزينها, وفوق كل هذا لماذا لم تقم م ت ف (والسلطة لاحقاً) بتشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف عند هذا الحدث وتحديد المسؤول عن ضياع مكتبة مركز الأبحاث(17) التي يصفها أنيس الصايغ بأنها "أثمن المكتبات الفلسطينية وأندرها في عالمنا المعاصر" والتي تعدُّ بمثابة أرشيف وطني يؤرخ للثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها تقريباً حتى حرب بيروت 1982 (وهي لاشك من أهم الفترات في التاريخ الفلسطيني الحديث)
هل استعاد مركز الأبحاث الفلسطيني دوره بوصفه "عقل الثورة الفلسطينية"؟
ليس ثمة دليل أو دلائل تجزم بصحة هذا القول, فمازال المركز لم يستعد قدرته السابقة, لاسيما أن الرعيل الأول من العاملين في المركز قد غادرنا إلى الأبد والبعض الآخر انتقل إلى مراكز عمل أخرى أو تقاعد أو اعتكف, ومازال على المركز والقائمين عليه أن يبذلوا جهوداً مضاعفة لاستعادة دوره في توثيق المسار الفلسطيني وخصوصاً في أوقاتنا الصعبة والحرجة هذه, وهذه مهمة تقع على عاتق الباحثين الوطنيين الفلسطينيين والأحرار العرب الذين مازالت فلسطين "قضيتهم" لسد الفجوة الكبير التي خلقتها الظروف السابقة التي أحاطت بالمركز منذ العام 1982 وحتى الآن ليعود إلى سابق عهده منبراً معرفيا وحقلاً أكاديمياً لتدوين وتوثيق يوميات الصراع مع إسرائيل والتاريخ الفلسطيني بشقيه المكتوب والشفهي, وأرشيفه السمعي والبصري والكتابي
.....
هوامش

9- يذكر د. سميح شبيب أن السفير الدجاني أبلغه في جلسة خاصة في ربيع العام 1985 في مدينة الجزائر رفضه تسلم الصناديق لأنه يجهل محتوياتها ويخشى من محاسبة التاريخ له لذلك قبل على مضض استلام الصناديق كميات دون تحديد أو تعريف ما استلمه. انظر د. سميح شبيب, مصدر سابق.
10- يروي فيصل حوراني واقعة تشرح سبب بقاء صناديق مكتبة المركز في الجزائر فيقول "بعد خروج ياسر عرفات من طرابلس على متن باخرة فرنسية إلى اليمن توقف في قناة السويس والتقى مع الرئيس مبارك بما يخالف قرارات المقاطعة العربية وهذا ما أثار ضده احتجاجات عارمة وأدى إلى انقسام في الموقف الفلسطيني من هذه الزيارة كان على رأسها صلاح خلف "أبو إياد". ويتابع حوراني روايته عن تلك الزيارة فيقول أن عرفات حاول إقناع مبارك باستضافة مركز الأبحاث على أرض مصر, فأبدى مبارك ترحيباً بروتوكولياً واستمهله كي يشاور الجهات المختصة, وهو ما جعل عرفات يدرك حيلة تهرب الرئيس المصري من هكذا وعد أو التزام فسارع إلى شرح الفوائد التي يمكن أن تجنيها مصر من وجود مركز الأبحاث الفلسطيني ومما قاله عرفات في هذا السياق, إن وجود المركز في القاهرة سيوفر لمصر هدية ثمينة هي مكتبة المركز وأرشيفه وهكذا نظر مبارك والسلطات المصرية إلى كلام عرفات باعتباره فعلاً وليس مجازاً ورد عليه مبارك بأسلوب دبلوماسي أنه سوف يقبل هذه الهدية بامتنان شديد, ولكن الأمر لم يرق لصلاح خلف حين علم بالأمر وتحول رفضه إلى غضب وهو ما يثبته حوراني بقوله "أن الحق مع أبو إياد في غضبه: مركز الأبحاث أولى الجميع بأن يستعيد ما نهب منه, أما إن كان لابد من إهداء الكتب لدولة عربية فمصر مليئة بالمكتبات العامة والجزائر أولى وهكذا انقسم الطرفان بين مؤيد لإهدائه لمصر أو للجزائر أو إعادة ما فقده المركز إليه بل أن البعض دعا إلى تقسيمه بين مصر والجزائر, في حين رفض البعض الآخر فكرة الهدية من أساسها. ويذكر شبيب في مداخلته المذكورة أنه سمع من مصادر متعددة تقول أن محمد شريف مساعدية [مسؤول الأمانة العامة في حزب جبهة لتحرير الوطني الجزائرية وعضو المكتب السياسي] قد التقى السفير الفلسطيني وعرض عليه مبنى من سبعة طوابق مجهز تجهيزاً كاملاً في العاصمة الجزائرية كتقدمة من الحزب كي تنقل المكتبة إليه, ورغم قبول السفير هذه الفكرة إلا أنها لم تحظ بموافقة الرئيس عرفات الذي طلب التريث وعدم البت في الأمر (يؤكد شبيب على هذه الرواية من خلال تأكيدات عيسى عبد الحفيظ المستشار الأول في السفارة وكذلك عوني سمارة الملحق العسكري, ويبدو أن قبول طاقم السفارة بفكرة شريف مساعدية أتت من عدم قدرتهم على المساعدة في شحن المكتبة إلى قبرص) ورغم وعد عرفات بنقل المكتبة إلى قبرص أثناء لقاء شبيب معه بعد مغادرة الجزائر, إلا أن شيء من هذا لم يحدث, بل على العكس من ذلك فقد وصلت رسالة "فاكس" من عرفات تطلب من صبري جريس السفر إلى القاهرة وعرض المكتبة كهدية لـ "الأهرام الاقتصادي", غير أن الأهرام رفضت هذا العرض, وخوفاً من الضياع النهائي للأرشيف, اقترح محجوب عمر (الطبيب المصري المنتمي للمقومة الفلسطينية وأحد المقربين من ياسر عرفات ومن أبو جهاد الوزير, واسمه الحقيقي رؤوف نظمي ميخائيل عبد الملك صليب) تصوير المكتبة والوثائق على ميكروفيلم وميكروفيش لحفظها من الضياع, وتصوير بيانات العاملين وموازنات المالية وغيرها من المعلومات المتعلقة بالمركز, فوافق لرئيس عرفات على هذا الاقتراح وقام بتحويله إلى إدارة المركز التي أبدت استعدادها لتنفيذه , غير أن شيء من هذا القبيل لم يحدث.
11- سميح شبيب: مركز الأبحاث الفلسطيني, رسالة مفتوحة, وكلمة لابد أن تقال, جريدة الأيام 21-7-1996
12- انظر, أنيس الصايغ: مركز الأبحاث والضياع المتواصل, جريدة السفير 7-3-1997 , ويرد سميح شبيب على مقالة الصايغ تلك بمقالة في جريدة الأيام تاريخ 8-6-1997 بعنوان "مركز الأبحاث ك رسالة مفتوحة وأصداء بعيدة" يذكر فيها لقاءه بصبري جريس في رام الله تاريخ 5-3-1997 وهو الذي أخبره بأمر نية حرق الحاوية[في ميناء أسدود], ثم يضيف شبيب دون توضيح أن هناك "أسباب متداخلة و معقدة لامجال لذكرها ومناقشتها حالت دون استلام المكتبة" ويزعم أن الفضل في إنقاذ الحاوية وتركها وديعة في مخازن مركز التخطيط إنما يعود لرسالته المفتوحة -بوصفه "باحث سابق في المركز ما بين الأعوام 1981-1994" والتي كان قد بعثها للرئيس عرفات [يقصد مقالته في جريدة الأيام, مركز الأبحاث الفلسطيني, رسالة مفتوحة وكلمة لابد أن تقال, جريدة الأيام 21-7-1996].
13- يذكر صقر أبو فخر أنه كان شاهد عيان على "تعفيش" مكتبة مركز التخطيط الفلسطيني "من شباك أحد منازل شارع عفيف الطيبي" كما شاهد عملية الاستيلاء على مكتبة مركز الأبحاث من منزل يقع فوق محلات سميث في راس بيروت, فضلاً عن فقدان لوحات معرض الفن الدولي من أجل فلسطين الذي انتظم في بيروت سنة 1978 وفيه لوحات لخوان ميرو وكلود لازار وأندريه ماسون وجورج بهجوري ومصطفى الحلاج وتسربت لوحات أخرى منه إلى طهران. والآن "تحت ركام المخيمات في اليرموك ودرعا والنيرب وحندرات [في سوريا] , وقبل ذلك في النبطية وتل الزعتر وجسر الباشا في لبنان طمرت كنوز إنسانية كالصور وأوراق الطابو والمشغولات اليدوية التي تشكل معاً جانباً من الميراث الثقافي والحضاري للشعب الفلسطيني". ومن الجدير ذكره أن الباحثة الإسرائيلية "رونا سيلع" المتخصصة في التاريخ البصري أنتجت فيلماً سنة 2017 بعنوان "المنهوب والمخفي.. الأرشيف الفلسطيني في إسرائيل" اعتمدت في مادته على مقابلات شفهية مع شخصيات متعددة منهم صبري جريس مدير مركز الأبحاث إبان الغزو الإسرائيلي للبنان 1982 وكذلك مع أحد الجنود الإسرائيليين الذي كان من ضمن الوحدات التي اقتحمت ونهبت مكاتب م ت ف في بيروت الغربية, وتختم سيلع الفيلم بالقول إن "إسرائيل تشعر بالتهديد من كل ما يضعف موقفها الإنكاري, من الأرشيف الفلسطيني والرواية الفلسطينية, فهي تتمنى محوهما من المجال العام, لتسيطر الرواية الرسمية الإسرائيلية على التاريخ, لكنها لا تنجح رغم ذلك, فالمقاومة أقوى", انظر: http://www.alquds.co.uk/?p=844796 (في تقرير نشرته صحيفة هآرتس في تموز-يوليو 2017 بعنوان "لماذا دفنت صور وأفلام فلسطينية لا تحصى في الأرشيف الإسرائيلي" تصف سيلع نفسها لكاتب التقرير " كابنة لناجين من المحرقة, نشأتُ في منزلٍ [في بلدة عاقر التي طرد سكانها الفلسطينيون] بدون ذاكرة تاريخية فوتوغرافية. لا شيء على الإطلاق, وهذه المواد الفيلمية والفوتوغرافية المنهوبة "ليست لنا" هي مواد ثقافية وتاريخية للشعب الفلسطيني ولابد أن تعود لهم ولأصحابها . يبدأ تاريخي بمقابلة والديّ بعضهما بعضاً في العام 1950. لدينا صور من ذلك التاريخ وحسب, أما قبل ذلك, فلا شيء على الإطلاق. أعرف جيداً معنى ألا يكون لديك أي فكرة عن شكل جدتك أو جدك, أو طفولة والدك. ويصح هذا أكثر على تاريخ شعب بكامله", للمزيد, انظر, سمير الزبن, عندما تسرق إسرائيل التاريخ البصري الفلسطيني, 8 تموز-يوليو 2017 https://www.alaraby.co.uk/opinion/2017/7/7)., ومن المثير للاهتمام ما كشفته سيلع عن أن مخازن أرشيف الجيش الإسرائيلي في "تل هشومير" مازالت تحتوي على "بحر من الصور والأفلام والأشرطة السمعية الفلسطينية التي سرقها الجيش الإسرائيلي أثناء اجتياحه بيروت صيف 1982 واستيلائه على حوالي 38 ألف فيلم و2,7 مليون صورة فوتوغرافية و96 ألف تسجيل صوتي و46 ألف خريطة. للمزيد, انظر, أمجد ناصر , مغارة على بابا الفلسطينية , موقع العربي الجديد, 3 تموز- يوليو 2017 https://www.alaraby.co.uk/opinion/2017/7/2
14- مي خلف, خزنة الكتب المسروقة بمكتبة الاحتلال تروي نكبة فلسطين الثقافية, موقع الخليج أون لاين, 30-5-2016 . https://goo.gl/Q1QBp6 وتؤكد الكاتبة أنه من الصعوبة بمكان من الناحية العملية الحصول على جوابٍ شافٍ عند عدد الكتب التي تعود ملكيتها للفلسطينيين الذين هُجّروا سنة 1948 وإن كان البعض يقدرها بحوالي 30 ألف مجلد, وتحتوي الجامعة العبرية على ثلاث طوابق تحت الأرض بالإضافة إلى عدة مخازن في مواقع أخرى لتحزين الكتب والمخطوطات العربية المنهوبة (متاح منها ما نسبته 30% فقط للمطالعة داخل قاعات الجامعة).
15- كان أرشيف جمعية الدراسات العربية في القدس, التي عرفت لاحقاً باسم "بيت الشرق" يضم بعضاً من وثائق "الجهاد المقدس". وبعد وفاة فيصل الحسيني "مؤسس بيت الشرق" سنة 2001 قامت السلطات الإسرائيلية بإغلاقه والاستيلاء على مكتبته ومصادرة وثائقه التي تبلغ حوالي نصف مليون ورقة (انظر موقع الجزيرة نت, 13/12/2015. https://goo.gl/KUZXLw)
16-يذكر فيصل حوراني كيف كان الدبلوماسي السوفييتي ألكسندر سميرنوف "المستشار الثقافي للسفارة السوفيتية في بيروت" يقود سيارته بنفسه لنقل "أثمن ما تملكه م ت ف" إلى البقاع أو حتى إلى دمشق مستغلاً حصانته الدبلوماسية, وهذا ما فعله أيضاً بعض الدبلوماسيين السوفييت والبلغار, فضلاً عن عرض السفارة الفرنسية في بيروت للقيادة الفلسطينية بأن تقوم المؤسسات الثقافية بنقل أي مواد "من طبيعة ثقافية" إلى مبنى السفارة في بيروت وتعهدها بإيصالها إلى أي عنوان خارج لبنان فيما بعد, وتم نقل هذا الاقتراح للمؤسسات المعنية على يد فيصل حوراني شخصياً كما يقول, حيث قام بالاتصال "بهذه المؤسسات واحدة واحدة". و لكن لم يلق هذا الاقتراح تجاوباً واسعا باستثناء حزمة أشرطة أرسلتها إذاعة فلسطين في بيروت (انتقلت هذه الحزمة لاحقاً إلى رام الله) والحزمة الثانية مجموعة صور تعود لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا". للمزيد, انظر: http://www.wattan.tv/news/233417.html
17-تتساءل "هناء سليمان" كيف أن الأرشيف الوطني الفلسطيني في رام الله يضم الكثير من وثائق فلسطين التاريخية إبان الفترة العثمانية ويوثق للدولة الفلسطينية ومؤسساتها ما بعد أوسلو, غير أنه يتجاهل الفترة الممتدة من ثلاثينيات القرن الماضي حتى العام 1994, بما في ذلك تجربة الثورة الفلسطينية المعاصرة ومنظمة التحرير وفصائلها المتعددة وتقول أيضاً أن القائمين على الأرشيف الوطني في رام الله يزعمون أن أرشيفهم هو أرشيف "دولة" و ليس "أرشيف ثورة" . انظر "هناء سليمان" تروي قصة البحث عن الأرشيف الفلسطيني الضائع. لقاء مع أشرف سهلي, بيروت: http://www.shababeek.org/post)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جابر الحرمي: قطر تبذل كل ما لديها من إمكانات لإيجاد حل ونتني


.. رئيس بلدية النصيرات: عدوان إسرائيل حرم السكان من أبسط الخدما




.. إغلاق مطعم الشيف يوسف ابن الرقة بعد -فاحت ريحة البارود-


.. عادات وشعوب | عض الجمال حتى السقوط.. مصارعة سنوية مثيرة للجد




.. نشرة الرابعة | كيف يمكن أن يكون شكل الاتفاق الدفاعي بين الري