الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل أصالة … حاكموا سعاد محمد!

فاطمة ناعوت

2020 / 10 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفراغُ وهوسُ الشهرة والعداءُ الفطريُّ للبشر والحياة، أمورٌ مخيفة. إن اجتمعتْ على شخص ما، فإنه رحمه الله، يتحوّلُ إلى آلةِ تعذيب للبشر، وجهازِ تخريب للوطن. ماذا يفعلُ مثل ذلك الشخص، المنكوب بتلك الكوارث؟ يتأبَّطُ شرًّا، ومع طلعة كلّ نهار، يرفع قضيةً يختصمُ فيها مثقفًا أو فنانًا أو مفكرًا. شريطةَ أن يكونَ ذاك الخِصمُ مشهورًا، حتى ينالَ ذلك الشخصُ شيئًا من الشهرة في خبرٍ صغيرٍ بركن جريدة، أو زاويةٍ مخفية في موقع! أولئك المنكوبون، مشهورون بافتعال قضايا صغيرة، لملء فراغ الوقت، وحصد "الشوو" وجذب الأنظار.
يذكّرني هذا بمحامٍ ظريف، صدّقوا أو لا تصدّقوا، رفع ضدي الشهرَ الماضي قضيةً يتهمني فيها بأنني: (أسقي النباتات وأُطعمُ عصافيرَ السماء الطليقة)! واليومَ تقدم ذلك المحامي اللطيفُ ذاتُه ببلاغ إلى نيابة "أمن الدولة العليا" ضدّ الفنانة الجميلة "أصالة نصري" بتهمة "ازدراء الأديان"، وطالب بإدراجها على قوائم الممنوعين من السفر! لماذا؟! لأنها غنّت أغنية جميلةً تدعمُ فيها حقوقَ المرأة، وتدعو الرجالَ أن "يستوصوا بالنساء خيرًا"، كما أمرنا رسولُ الله عليه الصلاة والسلام!
إنها عجائبُ الأيام التي يلجأ فيها الناسُ إلى "سوء استخدام حقّ التقاضي" بما يُعطلُ الوطن ويشغلُ الناسَ عن جادّة العمل. استند المحامي المشاكسُ في بلاغه على بيان صادر من مجمع البحوث الإسلامية التابع لمشيخة الأزهر الشريف، ردًّا على ما تداولته بعضُ وسائل التواصل الاجتماعي، حول الأغنية، جاء فيه: “أن الاقتباس من الحديث النبوي في أغنية، أمرٌ لا يليق بمقام النبوة، لما قد يلابس أداءَ الأغاني من أمور تتنافى وجلال النبوة.” وأوصى البيانُ الناسَ "فقط" بعدم سماع الأغنية.
والحقُّ أنني في غاية العجب. فعن أبي هُريرة أن النبيَّ عليه الصلاةُ والسلام قد قال: (ليس مِنَّا مَن لم يتغَنَّ بالقرآنِ) رواه البخاري ومسلم. وقرأنا أن رسول الله سمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآنَ بتنغيم شجيّ، فقال له الرسولُ الكريم: "لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة! لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داوود". فقال أبو موسى الأشعري: "أوَ كنتَ تستمعُ لي يا رسول الله؟" قال الرسولُ: "نعم". فقال الأشعريُّ: "لو أعلمُ أنكَ تستمع لي لحبّرته تحبيرًا". فالقرآنُ العظيم نحبُّ سماعَه مُرتّلاً ومُجوّدًا على وقعِ المقامات الموسيقية الشجية. فهذا "مقامُ الصَّبا" الروحانيّ الحزين، يتلو عليه القرآنَ الشيخان العظيمان: محمد رفعت، ومحمد صدّيق المنشاوي. وهذا مقامُ "النهاوند" الرقيقُ العذب، توسَّله المنشاوي ورفعت والعسافي والشاطري؛ لترتيل القرآن الكريم. وهذا مقامُ "الرست" الرصينُ، يستهلُّ على وقعه الفخيم كثيرٌ من أئمة الحرمين الشريفين مثل الحذيفي والسديس والشريم والمحيسني، ثم يُعرّجون على مقام "البيات"؛ الذي يتسلّل إلى الروح مثلما يتسلّلُ جدولٌ من الماء العذب إلى أرض ظمأى. وهذا عظيمُ المقرئين “عبد الباسط عبد الصمد”، يتنقّل بين المقامات، مثل عصفور يجولُ من غصنٍ إلى غصن، ليرتشفَ الناسُ من حنجرته حلاوةَ آيات الله البيّنات.
أما أغنيةُ "أصالة" الجميلةُ، فعنوانُها: “رفقًا"، كتبها الشاعر: “محمد أبو نعمة"، ولحّنها: “سهم"، وتقول كلماتُها: “رفقاً بمَن عنهنَّ قِيلَ/ استوصوا خيرًا بالنساءْ/ فقد خُلقن بضَعفِهن/ وزادَهُنَّ الله حياءْ/ هُنَّ السكينةُ في المحن/ هُنّ المعونةُ للرجال/ جُمِّلن بلباسِ التُقى/ زُيّنَّ بأحبِّ الخصالْ/ فيهنّ مَن فاضتْ عليها/ من السماءِ المعجزاتْ/ هُنّ الشقائقُ والسكنْ/ والغالياتُ المؤنسات/ ولهنَّ باعٌ يُحترم/ في العطفِ والجودِ والكرمْ/ واللهِ ما أهانَهُنّ/ إلا لئيمٌ قد ظلمْ/ أدّينَّ كلَّ الواجباتِ/ وضربنَ في الطُهرِ المثلْ/ وصلُ الإله مَن اتقاه/ فيهنَّ وبهنَّ اتصل/ رفقًا بمَن من أجلِها / نَطَقَ الرضيعُ بمهدِه/ الخيرُ كلُّ الخيرِ في/ مَن كان خيرًا لأهله.” فبأي صلفٍ وتجبّرٍ نختصمُ كلماتٍ بهذا الجمال والبهاء والرقيّ؟!
وإنني، في مقامي هذا، أدعو هذا المحامي المشاغب بأن يتقدّم، إن استطاع، بدعوى قضائية مماثلة لمحاكمة المطربة الراحلة: "سعاد محمد"؛ التي شدت بصوتِها الآسر، على وجه المليحة "سميرة أحمد" في فيلم "الشيماء" قائلة: “إنكَ لا تهدي الأحبّة واللهُ يهدي مَن يشاء"، في اقتباس صريح من الآية الكريمة: “إنّكَ لَا تهدي مَن أَحببتَ ولكنَّ اللَّهَ يَهدي مَن يشاء وهو أعلمُ بِالمهتدين" الآية 56/ القَصَص. والأغنيةُ من كلمات العبقري عبد الفتاح مصطفى، وموسيقى العبقري محمد الموجي. وربمّا كذلك أدعو أن يتقدّم محامٍ مسيحيٌّ بدعوى قضائية مماثلة ضدّ رمز مصر الخالد "أم كلثوم"، لأنها شدت قائلة: “الله محبة"، من إنجيل يوحنا.
أيها الأزهرُ الشريف، ويا مجمّعَ البحوث الإسلامية، رجاءً ورفقًا: لا تقتلوا الإبداعَ فينا، فإن فيه ملاذًا وخُلقًا وحياة. ورفقًا بالوطن. "الدينُ لله، والوطنُ لَمن يترفّقُ بالوطن”.



***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - محام عدواني
طارق حسين ( 2020 / 10 / 9 - 14:17 )
في احدى الكتب قرأت سؤالاً:-هل الدين بطبيعته ميال للعنف ؟-
من الواضح ان مثلك هكذا محامين يمتلكون تديناً راسه الى الاسفل وقدماه الى الاعلى، اي باختصار تدين مقلوب. وبدلا من استخدام الكلمات والمصطلحات او الجمل والايات الدينية في ترسيخها في
عقول البشر، جميلة، شفافة، منطقية، خدمة للانسان نفسه صار يتفلسف-دفاعا- عن الدين بطريقة عدوانية، من خلال اضافة تابو من عقله او في الاحرى من جيبه ويرمي به الاخرين لنشر عدوانية بين بسطاء الناس، وليشكل حاجز بين فهم التدين المبسط المفيد للروح الانسانية، وبين التدين المعقد الممزوج بالروح العدوانية. ويبدو ان المحامي الوارد في المقالة اعلاه من النوع
الميال للعنف بطرق ملتوية ومبتكرة.


2 - النبي قال والقرآن قال ؟؟
أنور نور ( 2020 / 10 / 10 - 16:18 )
يعني أي شيء ما لم يكن حديث النبي قال فيه أو القرآن قال .. يبقي ما لنا أي كلام ولا رأي بخلاف ما قيل منذ أكثر من 1400 سنة !؟
لا نروح ولا نرجع ولا نقوم ولا نقعد بدون سند علي حديث قال أو آية قالت
والحاجة اللي فيها حديث قال أو آية قالت .. يبقي علينا باغلاق أفواهنا وكبح ألسنتنا عن الكلام.. وكفاية علينا اللي اتقال منذ أكثر من 1400 سنة
موش كدا !؟ واللا ايييه !!؟؟
كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان وتايوان وهونج كونج . وباقي دول العالم المتقدم , وشعوبهم السعيدة. من حسن حظهم ان ما عندهم تلك الأقوال . وإلا لكانوا قعوداً مثلنا غارقين في بلهنية الصلاة والسلام علي أشرف وأجعص الخلق

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح