الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران ومستقبل المنطقة خلال السنوات الخمس القادمة.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


القراءة المنطقية التي لا بد من الإقرار بها فيما يخص الوضع الشرق الأوسطي الآن وفي السنوات القادمة تنحصر في محورين أساسيين، الأول تقليص الدور الصيني الروسي بقدر الإمكان سياسيا بالدرجة الأخيرة وأقتصاديا وعسكريا في الدرجة الأولى في نظر الرؤية الأمريكية المعدلة والمحدثة الآن، وهذا يجر من جانب أخر إلى نتيجة منطقية هي الأخرى تتلخص أن لا تدور مواجهة مباشرة بين الدببة والنمور والتماسيح الكبرى، في وحل الحرب وتكاليفها المنظورة والغير منظورة، فلا بد من أنتهاج مفهوم حرب من نوع أخر تسمى حرب المفاصل الرخوة بين أطراف النزاع الدولي، ضرب المفاصل الرخوة يجعل حركة الخصوم متعثرة وينهكها كثيرا بقدر ما تكون الضربات مركزة ومؤثرة، روسيا والصين مفاصلهما الرخوة حلفائها المحدودين والذين يشكلون محورا متضعضعا نظرا لطبيعة هؤلاء الحلفاء ونوع أنظمتهم السياسية التي غالبا ما تكون شمولية وتحكم بالحديد والنار، وأقتصادها الذي يكافح في طور الصمود والتقدم قليلا نحو أقتصاد السوق وخضوعه للمنافسة العالية مع أقتصاديات راسخه رأسمالية البنى التحتية والفلسفة الأستراتيجية.
تعلم روسيا والصين وحلفائهما في المنطقة أن سعي أمريكا وحلفائها ليس منصبا تحديدا نحو مواجهة عالمية خشنة ومؤذية، ويعرفون أيضا أن القدرات الذاتية لهم في كل النواحي قد لا تصمد طويلا أمام سياسة الضربات الأمريكية متعددة المواقع، خاصة مع سقوط الكثير من الحلفاء الذين كانوا ضمن المجموعة لكنهم لا يستطيعون فعل المزيد من التدابير الممكنة التي تحد من خسائر هذا المحور، لكن هناك أولويات أستراتيجية لا يمكن التخلي عنها الآن، ولكن يمكن التفريط بها والمساومة عليها لاحقا إذا أقتضت الأمور دفع ثمن لمشروع قادم، إيران وسوريا تحديدا هما الثمن المؤجل الآن لكنهما ما زال كل منهم يحاول أستنشاق جرعة من الأوكسجين السياسي لكي بتمكن كل منهم محاولة الصمود ولو لفترة ما أنتظارا لمتغيرات خارج الحسابات الأمريكية الدقيقة، هذا مكلف وقد يكون من الخيال عندي أن يصمدا للأخر، البعض يعلق أن التغيرات الرئاسية الأمريكية قد تساهم بمزيد من الفرص لهم خاصة بعد فترة حكم ترامب التي وضعت الكثير من النقاط على الحروف في السياسة الأمريكية وأخرجتها من تحت الطاولة إلى العلن وبكل جرأة دون مجاملات ولا حتى تردد في أن تثير العالم من حولها.
لم يعد هناك فرق في نتائج الأنتخابات الرئاسية على الأقل في المستوى المنظور بين ترامب وبايدن، فكلاهما يملك نفس الرؤية للوضع الشرق أوسطي بما فيه وضع إسرائيل وسوريا وإيران، ويملكان نفس الملف فيما يخص مواجهة روسيا والصين، المتغير الوحيد هو الإعلام والإعلان، كما قلنا يملك ترامب شجاعة الإعلان وقوة الإعلام عما يريد ويخطط له الجمهوريين صقور وحمائم، أما الديمقراطيون وإن كانوا على الأقل إعلاميا أقل حدة من ترامب لكنهم في مشروع مشترك خاصة في الموضوع الإيراني والسوري، فخروج ترامب من الأتفاق النووي ليس أنتصارا للخط المحافظ المتشدد في الإدارة الأمريكية الجمهورية، ولكن أيضا يمثل طيفا واسعا لدى الصقور الديمقراطيين واللوبي الصهيوني فيه، وما كان ليمر هكذا وبكل بساطة لولا وجود ضوء أخضر خفي من تحت الطاولة ديمقراطيا ساند ترامب في خطوته هذه.
حتى لو أعلن الديمقراطيون في حالة فوز بايدن أنهم سيعودون إلى الأتفاق النووي مع إيران، لكن ذلك لن يكون بلا ثمن تدفعه إيران جبرا، فتبدأ الشروط تلو الشروط حتى يصل الأمر إلى حد التعجيز في أن تتخذ إيران أي خطوة أضافية وعندها ستعلن أمريكا الديمقراطية بعد أستنزاف إيران سياسيا أن القيادة الإيرانية غير جادة وغير حريصة على الأتفاق ويبقى القرار الأمريكي هو هو مع مزيد من التنازلات الإيرانية دون أن تكسب طهران شيئا غير تشديد المواقف والذهاب للعزلة انهائية تماما لتضع واشنطن وحلفائها طهران في مواجهة الصعب والأخطر، وهي المواجهة التي تنتظرها أجلا أو عاجلا مع الشعب الإيراني المتضرر الوحيد من لعبة الكبار، عندها تفقد طهران السيطرة على الشارع الإيراني وتتهم تهيئة الوضع لما يشبه وضع العراق قبل 2003، هذا السيناريو لا يمكن أن يبلغ وقتها إلا قبيل الأنتخابات الأمريكية القادمة في العام 2024 لنشد فصلا جديد من التغيرات الدراماتيكية في الشرق الأوسط.
هذه التغيرات لن ولم تكن سياسية وأقتصادية فقط، بل ستكون أعمق وأشد أثارا على عموم الوضع في المنطقة، فمع سقوط العمامة الإيرانية وأنهيار كامل للمنظومة الدينية الحاكمة في إيران، سنشهد موجه إرتداد وإلحاد وليبرالية غير معهودة تعيد إيران أكثر فأكثر إلى عهد ما قبل الثورة عام 1979، وسنشهد الكثير من ردات الفعل الموجه أصلا للمحور والركيزة التي كان نظام طهران يحكم ويتحكم بها وهي قضية الدين والعقيدة، إذ سنرى أعمال عنف وفوضى موجه تحديدا إلى رمزية النظام وخاصة مؤسساته الدينية ورموزه وأشخاصه، حتى يظن البعض أن حكم خمس وأربعون عاما من التدين المتشدد لم ينجح في زرع روح دينية حقيقية في نفس المواطن الإيراني القومي والليبرالي.
هذا الواقع المأمول في السيناريو الأمريكي ليس محدودا في الجغرافية الإيرانية، بل ستكون ارتداداته أكثر قوة وتطرف في الجوار الإقليمي وخاصة العراق والخليج العربي وسوريا وصولا إلى حدود روسيا والصين، سيكون هناك صوت قومي متطرف يحكم إيران ليبرالي قومي عنصري يستخدم لغة القوة مع الجميع ويتحول دور طهران هنا تسخيرا وواقعا إلى دور كلب الصيد والشرطي الذي تلوح به واشنطن لكل الأنظمة المحيطة سواء كانوا أصدقاء أو حلفاء، لأن أنهيار طهران وتحولها الدراماتيكي لن يبقي خصوم لأمريكا في المنطقة سوى الصين التي ستنكفئ نحو الداخل ومعالجة أثار المشكلة على واقعها، وروسيا التي ستحاول لملمة ما بقى من حلفائها ضمن الكتلة التي كانت تضمها سابقا وتعزز من قوتها العسكرية خوفا من الأختراق القادم لها من أطرافها ومفاصلها المريضة في جمهوريات القوقاز.
ستشهد نهاية الربع الأول من القرن الحالي تغيرات واسعة وجذرية ربما تسحب معها تغيرات ديموغرافية وهجرة ثانية شبيهة بهجرة العام 2014 _2015 وربما أكبر، سنشهد أيضا تفكك الكثير من الجغرافية الراهنة وأول تلك الجغرافية هي إيران نتيجة نهاية الصراع الفاشل الذي أدخلته فيها طموحات العمامة الإيرانية في إنشاء إمبراطورية دينية ذات رسالة قومية تبرز نفس شيفوني تمتد من حدود الهند حتى سواحل المغرب، وكأنها أمتلكت كل أدوات الممكن لمجرد أنها نجحت في إسقاط الشاه في لعبة دولية ساهمت فيها أيادي كثيرة ولمصالح متضاربة، النفس الإيراني الجمعي والهوية المحافظة لا تبدو قادرة على فهم التأريخ ولم يكن في حسابها نتائج التاريخ القديم والجديد.
إيران خسرت كل حروبها العسكرية على مر التاريخ، ولكنها تنجح بالتمدد والأنتصار عندما تستخدم الخديعة والخيانة للوصول إلى أهدافها، لذا من الصعب عليها أن تتجاوز حربها المعلنة مع الغرب عموما وأمريكا خصوصا بأستخدام أليات الخيانة والغدر والحيلة، نعم يمكن أن يكونوا دهاة في المراوغة والتسويف واللف والدوران حول الهدف، لكن السياسة الأمريكية في راهنها المعاصر تدرك أن هذه الوسائل البدائية قد تنجح في جر شعوب وحكومات تفكر في مستوى محدود لتخسر، أما مع أمريكا المؤسسات ومراكز صنع القرار والدراسات المعمقة ووجود الرأي والرأي الأخر تبدو القضية الإيرانية في أمل التغلب على السياسة الأمريكية شبه مستحيلة إلا إذا تجرعت السم وقررت الإنصياع للقرار الأمريكي المركزي، وعندها أيضا تبدا سلسلة التنازلات الجوهرية التي تنتهي بتسليم رقبة العمامة الإيرانية مرة أخرى للجلاد الأمريكي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر