الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطور التاريخي والسياسي لعملية التحول الديمقراطي في العالم الثالث

حسن الشامي

2020 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يعتبر "التحول الديمقراطي" عملية اجتماعية مركبة من عمليات متداخلة ذات نسيج متداخل لا يمكن فصل مكوناتها إلا على مستوى التحليل النظري. وهي ليست عملية فورية، بل لها بداية وذروة وناتج نهائي.

ويمكننا أن نميز ثلاثة فترات في عملية التحول الديمقراطي :
(1) المرحلة الأولي وفيها يطلق العنان للعمليات الاجتماعية التحويلية للحركة، وتمتاز هذه المرحلة بالقدرة على تحويل النظام القديم إلى نظام اجتماعي جديد.
(2) المرحلة الانتقالية وفيها تنتهي وظيفة النظام القديم ويبدأ ظهور النظام الجديد.
(3) مرحلة الاستقرار وفيها يستقر النظام الديمقراطي للحكومة وتكون الملاذ الوحيد لتفاعل المصالح والقيم.

لكن يبقى التساؤل مطروحاً وهو : من الذي يطلق العمليات التحويلية من خمولها إلى الحركة؟
هنا لابد من التأكيد على دور نخبة السلطة للنظام القديم في إحداث تغييراً كبيراً في الحياة العامة، ولو أن نخبة السلطة الاستبدادية أدخلت تغييراً جوهرياً لأي أسباب سواء كانت أزمة اقتصادية، أو ضغوط دولية، أو قلاقل اجتماعية، أو هزيمة عسكرية، أو موت زعيم كارزمي بما يفضي إلى عملية تحررية من استبداد الدولة فإننا نكون نتيجة لذلك أمام أثرين هامين هما :
انشقاق النخبة إلى متشددين وإصلاحيين : حيث إن انشقاق النخبة يقلل جور النظام ويضع قضية شرعية السلطة على جدول الأعمال وبالتالي يعزز من ضغط المجتمع نحو اكتمال عملية التحرر في نفس الوقت الذي يتم فيه السماح لظهور نخبة جديدة مغايرة للنخبة القديمة تعبر عن الطموحات والآمال العامة. ثم لا تلبث "الثورة التفاوضية" أن تعبر عن نفسها في مأسسة كيانها وصولاً إلى الديمقراطية.
وآمال متدرجة للمجتمع لتحرر أكبر نحو عملية تحول ديمقراطي في النهاية : لقد أصبحت طريقة التفكير كما سبق مدخلاً شائعاً في عملية التحول الديمقراطي والفترة الانتقالية نحو الديمقراطية.

الانتقال نحو الديمقراطية وظهور المجتمع المدني :
في السبعينات، وتحديداً منذ ثورة البرتغال عام 1974 م وهناك ملاحظة لعملية الانتقال نحو الديمقراطية من الحكم الاستبدادي في العديد من الدول. وهو ما أطلق عليه "صامويل هنتنجتون Samuel Huntington" مصطلح "الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي".

وصلت عملية التحول الديمقراطي ثم الديمقراطية إلى جنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية والعديد من الدول، لكن الموجة الثالثة من عملية التحول الديمقراطي التي استقبلت دفعة هائلة بعد انهيار الكتلة السوفيتية. ففي معظم هذه الدول تمكنت عملية التحول الديمقراطي من إفساح المجال العام للمجتمع المدني. لكن الملاحظ أن هناك قلة من الدول كان فيها المجتمع المدني هو المبادر بدفع النظام الأوتوقراطي نحو المسار الديمقراطي.

وبداية الموجة الثالثة من الديمقراطية ارتبطت بالحملة العسكرية التي أنهت الحكم الاستبدادي لـ "أنطونيو سالازار "Antonio Salazar في البرتغال عام 1974 م. إلا أن الفترة الانتقالية نحو الديمقراطية في أسبانيا تُعَد بمثابة الفترة النموذجية للكثير من دول أمريكا اللاتينية.. لأن أسبانيا هي الدولة التي ظهرت فيها عناصر المجتمع المدني وعملت في بيئة تفتقر إلى المؤسسات الديمقراطية.

فالمرحلة الأولى الانتقالية التي قامت بها النخبة بضغط من القاعدة بدأت بشكل مباشر بعد وفاة "فرانكو Franko" عام 1975 م.. وكانت المرحلة الانتقالية للنظام قصيرة نسبياً وسبب ذلك أن المطالبين بالديمقراطية ومؤيديهم ورثوا مجتمعاً مدنياً كانت تدب فيه الحياة، وورثوا مجتمعاً اقتصاديا مؤسساتياً في حاجة إلى إعادة التنظيم، وورثوا جهاز دولة صالحاً للعمل لكنه يتسم بالاستبداد، كما ورثوا حكماً قوياً وحديثاً لسيادة القانون.
ولهذا تحقق الاستقرار للديمقراطية الجديدة في فترة قصيرة عندما أجريت انتخابات عام 1982 والتي انتهت بفوز المعارضة الاشتراكية.

وفي العديد من دول أمريكا اللاتينية كانت بعض عناصر المجتمع المدني حاضرة في الحياة العامة قبل الانتقال للديمقراطية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وذلك بسبب أن أنظمة الحكم العسكرية البيروقراطية الاستبدادية لم تكن لديها مطلق السلطة على الفضاء العام.

وفي شيلي – على سبيل المثال – قام النظام الاستبدادي بتسريح المنظمات المدنية وإضعاف المجتمع المدني، لكن المعارضة الديمقراطية وجدت الحماية تحت مظلة الكنيسة الكاثوليكية التي ساعدت على انطلاقة المرحلة الانتقالية الأولية ورفضت حكم "بينوشيه Pinochet" ونظامه الاستبدادي في الاستفتاء الشعبي عام 1988 م.

وفي البرازيل كان المجتمع المدني ضعيفاً وكانت نسبة حوالي 40 % عام 1988 م من السكان تريد العودة إلى الحكم العسكري.

وكانت العديد من شعوب دول أمريكا اللاتينية كان لاهوت التحرير الكاثوليكي للإصلاحيين الكنسيين إضافة إلى نشطاء إتحاد العمال يمهد الطريق لبدايات المجتمع المدني، وعندما بدأت عملية التحول الديمقراطي كانت هذه المجموعات وأعضائها مشاركين نشطاء في عملية التحول الديمقراطي.

وتحدث أثناء فترة الانتقال نحو الديمقراطية ثلاثة عمليات تقريباً في كل دولة تخرج من نظام الشيوعية :
أولاً : عملية تجميع النواة الصلبة للمجتمع المدني متحدة ابتداء في جهد لتحدي النظام الذي يمثل العدو المشترك.
ثانياً : التسريح الجزئي للحركة الأصلية (وهي ظاهرة تمت ملاحظتها بشكل مبكر في أمريكا اللاتينية).
ثالثاً : عملية تطوير أنماط وأشكال مؤسساتية لمختلف القوى الاجتماعية والمبادرات المدنية على المستوى المتوسط.

إن الانسحاب الجزئي لجزء من الجماهير إلى عالمها الخاص أكد على مستوى ومدى التحرر من الوهم في مسار التغيرات الجذرية التي كانت تحدث.

كما أن هذا الانسحاب قد أشار بوضوح إلى المخاوف من ظهور قواعد إجرائية ليست ذاتية الطابع. لكن المجموعة الأخرى من الجماهير المحتشدة بقيت في الفضاء العام (بمعنى لم تنسحب إلى الفضاء الخاص) وكان لها أبلغ الأثر في خلق أسس المجتمع المدني.

وجدير بالاهتمام ملاحظة الأهمية التي تلعبها نسبة جماعة إلى جماعة أخرى في قيام المجتمع المدني. وهو ما يعني ببساطة أنه كلما كانت نسبة مستوى التسريح الاجتماعي كبيرة كلما كان المجتمع المدني ضعيفاً، ويصبح تحول الاتجاهات النفعية المتطابقة مع النظام القديم إلى اتجاهات مدنية محدودة الأثر.

وأثناء فترة الاستقرار (التضامن) يصبح النظام الديمقراطي وإجراءاته وهو اللعبة الوحيدة في المدنية. ومن ثم تصبح القواعد والقوانين الأساسية الرسمية التي تم تقنينها بشكل دستوري هي الأساس المعياري للنظام برمته، وفي الوقت ذاته يتم تنظيم أعمال الدولة، والمجتمع المدني وأسس مشاركة المواطنين في الفضاء الاجتماعي. ويمكن القول هنا أن النظام الديمقراطي للحكومة قد إستقر شريطة أن تتوافر الشروط السابقة، ويمكن القول أن الفترة الانتقالية للنظام قد تكللت بالنجاح.

المجتمع المدني في آسيا :
إن المجتمعات الآسيوية (وعلى رأسها الصين) تنتمي إلى نطاق ثقافي يمكن أن نطلق عليه نسبياً "Confucian" الكونفوشي، ولو أن كوريا تمثل خليطاً بين البوذية والمسيحية، وكذلك النظام السائد في اليابان ينتمي إلى الشنتوية Shintoism.. وهذه الأنظمة الدينية والفلسفية المختلفة تخلق إطاراً مرجعياً يشكل فارقاً جوهرياً في المظهر الأساسي لظهور المجتمع المدني والانتقال نحو الديمقراطية. وفي ظل هذه الحضارة الآسيوية فإن مكانة الفرد في المجتمع وعلاقاته بالآخرين تختلف عنها في المجتمعات الغربية.

كما أن شخصية المجتمعات تختلف عنها في النماذج الغربية. فالمفهوم الغربي للمواطنة له شخصية فردية سائدة بينما في التنوع الآسيوي تذوب الشخصية في المجتمعية كما أنها لا تتسم بشدة العداء للدولة ولكنها في تناغم مع سياستها. وهذا مما يتطابق مع ما تؤكد عليه التعاليم الكونفوشية في واجبات والتزامات المواطنين تجاه المجتمع والدولة أكثر مما تؤكد على حقوق الأفراد.

ومن هذا المنظور يمكن القول أن الحياة العامة قائمة في النظام الآسيوي مخالفاً للنظام الغربي لأنه يقوم على علاقات قوامها الثقة. ومع ذلك فمن الممكن أن تكون مثل هذه الخلفية الثقافية ارض خصبة لظهور مجتمعات محلية والمنظمات التي تعمل بشكل أساسي في إطار مجتمع مدني. من زاوية النظر هذه تتنوع الدول الآسيوية على نحو كبر.
ففي كوريا كان المجتمع المدني أداة بالغة الأثر في الانتقال إلى الديمقراطية، وبعد أن تمت هذه العملية بنجاح تضاعفت العضوية في المنظمات والمجتمع المدني ما بين عامي 1981 م و1990 م.
وفي الصين تسيطر الدولة على مثل هذه المنظمات وتكاد المنظمات المستقلة عنها تصل إلى حدها الأدنى وخاصة منذ عام 1989 م.. ومع هذا يتزايد عدد هذه المنظمات مكوناً "مجتمعاً مدنياً" تقوده الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن