الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا ونوازع أرمينيا وأذربيجان!

فهد المضحكي

2020 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يروق له أن يرى أي استقرار وإن كان مؤقتًا في المنطقة، ويرجع العديد من المحللين إلى أنه في ظل الهدوء النسبي الذي يسيطر على الجبهات التي تتواجد فيها قوات الاحتلال التركي في ليبيا وسوريا، ذهب أردوغان يشعل نزاع جديد على حدود تركيا الشرقية بين أرمينيا وأذربيجان.

صحيح أن النزاع الأرميني – الأذربيجاني هو نزاع تاريخي على إقليم «ناغورني كارباخ» لكنه وفي تحليل الكاتب السوري رضا توتنجي لم يكن ليشتعل لولا تحريض تركيا للجانب الأذربيجاني للبدء بالحرب، فالحرب اشتعلت بعد المناورات التركية الأذربيجانية في سبتمبر الماضي، وتحدثت تقارير آنذاك عن مساعدات عسكرية كبيرة قدمتها تركيا لأذربيجان.

ورغم الجدل الدائر حول هذا النزاع في ظل التدخلات التي تقتضيها المصالح الإقليمية فإنه ومن دون شك – وهو ما يفسره – ونعتقده بشكل واضح وصريح بأن النزاع الحاصل تتداخل فيه مصالح دول الجوار للمنطقة المتنازع عليها كإيران وروسيا وتركيا وحتى الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي الذي تجمعه علاقات وثيقة مع أذربيجان لكن هذا النزاع لم يحصل لولا التحريض التركي، كما إن المواقف الدولية تعكس نفس الأمر إذ إن دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الامريكية وروسيا وإيران أعربت عن قلقها، ولم تلقِ بالمسؤولية على أي من الطرفين في بدء الحرب، أما تركيا، برئاسة أردوغان، فوقفت لوحدها لدعم أذربيجان وبشكل علني أكدت وقوفها الكامل في صفها، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا تشعل تركيا هذا النزاع في هذا التوقيت تحديدًا؟

صحيفة الغارديان البريطانية أجابت منذ أشهر على هذا السؤال عندما قالت بأن حمى العلاقة المضطربة بين الرئيس التركي والجيش التركي بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، هي سبب في دفع أردوغان جيش بلاده للانشغال في الجبهات الخارجية سواء في سوريا أو ليبيا ومؤخرًا في أذربيجان لكي تنشغل عنه ولا تخطط لإسقاطه، وقالت الصحيفة حينها «إن دفع الجيش إلى الصراعات في الخارج له مزايا متعددة بالنسبة لأردوغان؛ أولاً، إنه يسمح له بالحفاظ على قبضته الحديدية وسيجعل الضباط في الجيش يفكرون مرتين قبل مواجهة رئيسهم»، وأضافت الصحيفة حينها: «هذا يعني أيضًا إنه يعزز موقفه فيما يتعلق بالمجتمع الدولي من خلال تعزيز صورة الرجل القوي الذي تعشقه الجماهير جدًا»، ويأتي هذا التدخل الجديد في الوقت الذي أجبرت فيه تركيا على تهدئة الجبهات في ليبيا وسوريا بسبب الظروف السياسية التي لا تسمح لها بإشعال المعارك هناك هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، يرى مراقبون بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي يواصل مؤخرًا حديثه القومي والديني يهدف من خلال هذه المعركة رفع معنويات أتباعه وأنصاره في الداخل في ظل تفاقم الأزمة المالية التركية التي أوصلت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، حيث يظهر في الآونة الأخيرة على المنصات الإعلامية الموالية لأردوغان تحريض ضد الأرمن وعليه يبدو أن أردوغان سيواصل إشعال حروب الخارج والاستناد على الحديث القومي والديني لإخفاء الفشل الداخلي.

إذا كانت تركيا إلى جانب أذربيجان، فإن روسيا تساند وتدعم أرمينيا كقوة حامية، ووفقًا للخبير الألماني في شؤون القوقاز «ستيفان مايستر» فإن تركيا تحاول ترسيخ نفسها، أكثر من أي وقت مضى كقوة إقليمية وترغب في إرسال إشارة إلى موسكو، وهو ما أشار له الموقع (DW) عربية سياسة أردوغان الخارجية أكثر هجومية، وظهر ذلك في سوريا وليبيا وفي الخلاف على احتياطات الغاز بشرق البحر المتوسط، وها هي أنقرة الآن تنخرط بشكل واضح في منطقة القوقاز، وليس واضحًا بعد ما هي الأوراق التي سيخرجها الرئيس الروسي فلادمير بون في لعبة شطرنج الجديدة هذه مع خصمه - الشريك أردوغان، الأكيد إن الأخير يأمل وسط الأزمة التي يجتازها الاقتصاد التركي، أن يوظف أزمة القوقاز من أجل تسجيل نقاط لدى ناخبيه المحافظين، خصوصًا وإن موضوع أرمينيا يكتسي طابعًا حساسًا للغاية في تركيا، يذكر إن أنقرة ترفض بشدة الاعتراف بالإبادة الجماعية والمذابح التي ارتكبت ضد السكان الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية، يذكر إقليم ناغورني كارباخ جيب جبلي صغير يقع داخل إراضي جمهورية أذربيجان السوفيتية السابقة ومعترف بها بموجب القانون الدولي كجزءٍ من تلك الدولة، غير إن الأرمن الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان الجيب الذين يقدر عددهم بنحو 150 ألف نسمة يرفضون حكم باكو (عاصمة أذربيجان) ويديرون شؤونهم بدعم من أرمينيا منذ أن طرد قوات أذربيجان من المنطقة في حرب التسعينات، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار في عام 1994، ولكن تفجر اشتباك عنيف عام 2016، وتعتمد منطقة ناغوراني كارباخ بشكل شبه تام على دعم لميزانيتها من جانب أرمينيا وعلى تبرعات الأرمن في أنحاء العالم.

جذور التصعيد العسكري الحالي تعود لما قبل ثلاثين عامًا بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار المنظومة الاشتراكية حرب خلفت ذكريات أليمة وعمقت هوة الكراهية والتعصب بين الأطراف المتنازعة وبعد حرب أهلية دامية تمكنت أرمينيا الصغيرة من احتلال ليس فقط كارباخ ولكن بعض المناطق المحيطة بأذربيجان.

كيف يكون التوسع التركي ممكنًا، في ظل غرق أنقرة في مشاكلها الداخلية؟

يقول المحلل السياسي الكسندر نازاروف لا يوجد هنا أي تناقض، بل إن التوسع الخارجي في الحالة التركية هو حل لمعظم المشاكل الداخلية، ولا شك إن شخصية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان وطموحاته تؤثر على نشاط تركيا، إلا أن العوامل الداخلية الموضوعية هي الأمر الحاسم في هذا الشأن.

على أية حال كما أشرنا سلفًا، تعاني تركيا من أزمة اقتصادية طاحنة، حيث تقع الليرة التركية من بين العملات الأكثر تدهورًا في العالم، والنظام المالي التركي تحت تهديد دائم بالانهيار، كذلك يعاني الاقتصاد التركي من عدم اتزانٍ مزمنٍ بين الصادرات والواردات بشكلٍ خاص، وتتمثل نقطة الضعف الرئيسية للاقتصاد التركي في واردات الطاقة، حيث تحتاج تركيا بشكل ملح إلى النفط والغاز أو على الأقل مصادر رخيصة للطاقة، وهو من بين الأسباب الرئيسة في إقدامها على التوسع والتدخل لصالح أذربيجان إحدى أغنى دول الاتحاد السوفيتي السابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟