الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني عشر/ 1

دلور ميقري

2020 / 10 / 10
الادب والفن


كان إتفاقاً، ولا شك، أن تدخل رودا إلى حياة فيّو، عروساً، وذلك في الفترة نفسها، الشاهدة على عودة شقيقته الكبيرة إلى منزل الأسرة على أثر طلاقها. هذه الشقيقة، كانت تُدعى أيضا، " أمّو ". إنها الابنة البكر لموسي من امرأته الأولى، التي عانت طوال حياتها الزوجية من مشاكل نفسية أدت بها أخيراً إلى الانتحار، برمي نفسها في بئر المنزل. لقد حملت الأمُ بأمّو جنباً لجنب مع حمل حماتها، السيّدة سارة، بآخر أبنائها؛ جمّو. وهيَ ذي، تعود إلى منزل ذويها امرأةً مطلقة، مُحمّلةً بالهم والقهر، بعدَ عِشْرةٍ طويلة مع نورو؛ مع الزوج المُحبّ، الذي طالما وقفَ في صفّها في خلال مخاصماتها اليومية مع نساء آله. لكنها كانت حياةً عقيمة، لم تمتلئ بأصوات الأطفال. فآلت أخيراً إلى الفراق، كون أحد طرفيها، وهوَ الزوج، تم الضغط عليه بشدّة كي يُجرّبَ حظه مع امرأة أخرى.
امرأة سلو، سبقَ أن سعت لدى رجلها لأجل حمل شقيقه موسي على قبول ابن عمها نورو، صهراً. ويُقال أنها من وراء ذلك، أرادت تحصين حياتها هيَ، الزوجية، وكانت تراها مهددةً لأكثر من سبب. سلو، سبقَ أن انتزعها من بين يديّ رجلها الأول، ولم تكن قد أنجبت منه. فما لبثا أن نكبا بفقد أولادهما، واحداً بعد الآخر، بأمراض الطفولة. مع مرور الزمن، لاحَ أن هَدي اطمأنت لرجلها. بات كالخاتم في إصبعها، لا يخرُج عن مشورتها بأمر من أموره. مثلما أنها رُزقت منه، على التوالي، بصبيّ وبنت، أظهرا تشبثاً عنيداً بالحياة. الرجل، كان يقضي جلّ النهار وهوَ على رأس عمله في النول اليدويّ، الموجود في حجرة كبيرة، استأجرها من لدُن أصحابها؛ آل عَلْكي، الكائنة دارهم بأسفل الزقاق. كانت هَدي تحضّر طعام الغداء، وترسل حصّة الزوج مع أحد صبيانه. ومن ثم تتوجه إلى بيت شقيقتها، حَني، كي تشارك معها في تنكيد هدوء الحياة الزوجية لابن عمهما نورو.

***
من ناحيتها، كانت رودا قد عاشت طفولةً قلقة على خلفية مشاكل الأبوين، التي انتهت بانفصالهما وهيَ صغيرةٌ بعدُ. عقبَ اقتران الأم بأحد أقاربها ورحيلها معه إلى عمّان، آبت الابنةُ مع شقيقها أوسمانو إلى منزل الأب. مع زوجة هذا الأخير، السيّدة ريما، الحنونة والطيّبة، زالَ الأسى من نفس كلا الطفلين؛ ويُمكن القولُ أيضاً، أنهما أمضيا أوقاتٍ سعيدة. برغم رغد العيش وسِعَته، شاء الأبُ المضيَّ في مغامراتٍ تجارية، أوصلته إلى الجزيرة في شمال شرقي البلاد. غبَّ رجوع الأسرة من تلك البلاد القصيّة، وكانت الحربُ الكونية قد أذنت على الانتهاء، بدا أنّ مركبها سيرسو في برّ الأمان. بيد أن ذلك، كان له ثمنٌ أيضاً: نصيحة خبيثة من حدّو لابن عمه، أدّت إلى حرمان رودا وشقيقاتها من أكمال الدراسة. أما قرار الأب، الأكثر إجحافاً، برمي ابنته الكبيرة بين براثن شابٍ، شبه أبله ونصف أصم، فإنه اتخذه دونما مشورةٍ من أحد. قالت له السيّدة ريما وقتئذٍ، بنبرةٍ فيها ما فيها من إنكار وسخط: " بمجرد أن طلبَ موسي الفتاةَ لإبنه فيّو، وافقتَ في الحال؟ "
" ألم يكن هذا جوابكِ، لما وافقتِ على ابنه الكبير؟ "، ردّ بدَوره متسائلاً. بالطبع، كان يقصد ملابسات زواج ابنتها البكر، بيروزا، وكانت قد بررت ذلك في حينه بعدم رغبتها فتح جرحٍ جديد في جسد السلالة.
في حقيقة الحال، أنّ رودا طفقت لا تصدّقُ أمرَ ربطها بشخصٍ مثل فيّو، لحين يوم زفافها. لقد أملت طوال الوقت بتراجع الأب، حتى أنها كانت تُطلق أمامه طرفاً، سمعتها عن الخطيب وعلى خلفيّة معاناته من الصمم وخفّة العقل.

***
لعلنا ذكرنا فيما سلفَ، شيئاً عن صعلكة فيّو؛ وكيفَ كان يحصّل رزقه من أعمال منافية للقانون، شأن العديد من أبناء حارته. دِرْبته هذه، غطّت أحياناً على نواقص شخصيته. كأن يؤمّنَ المالَ، اللازم للزواج، بالسطو على ذهب امرأة أبيه. كان في الوسع كشفه، لولا أنه بقيَ مدّة جيدة لا يتصرف بثمن مسروقاته. لكي يغطي عليها، طلبَ من الأب التكلم مع العم سلو كي يضمّه إلى العمل في النول. وهذا ما تم له. عقبَ فترةٍ من التدريب، أضحى يزاولُ العملَ بشكل لا بأس به قياساً لقدرته الذهنية. بضعة أعوام على الأثر، وكان من الثقة بالنفس أن يطلب من أبيه هذه المرة مفاتحةَ السيّد صالح بموضوع الزواج من ابنته البكر. في الأثناء، فتحَ قلبه للصديق الوحيد؛ خلّو، ابن عمته. لقد اتصفَ هذا الأخيرُ بالقدرة على بناء صداقاتٍ مع من يكبرونه بالعُمر ـ كما سبقَ ورأينا حينَ ترافقَ مع طالو، الشقيق الوحيد لمَن كان يأمل أن تكون زوجة المستقبل.
ذات ليلة، توجّه فيّو مع ابن عمته إلى مقهى قوّاص، الذي يتحول إلى حانة بعيد أذان العشاء. لكنّ القسمَ المخصص لمقارعة الخمر، كان ضمن صالة في صدر المقهى؛ هنالك، أينَ يتعالى أصواتُ الطرب والموسيقى من جهاز المذياع. الصالة الأخرى، المحاذية للباب الرئيس، كانت تقدم المشروبات الساخنة والمرطبات، يجلس فيها غالباً الرجال المتقدمون في السن. تلك الليلة، تغافل خلّو عن زجاجة براندي كانت في يده، لما اتجه إلى صاحب المقهى، وهوَ في مكانه وراء الصندوق بمقدمة الصالة، ليسأله في شأنٍ ما. هبَّ عندئذٍ الرجلُ من مكانه، ليُنبه الشابَ بصوتٍ أشبه بالهمس: " أعِدْ زجاجتك إلى الطاولة، لو سمحت ". لحظ فيّو حركةَ الرجل، ولكنه بطبيعة الحال لم يُدرك ما وراءها. فهبّ بدَوره من مكانه، ليندفع باتجاه المعلّم، فيقول له بلسانه الثقيل وبكلماته المتقطّعة: " ما خطبُك، هه؟ أتريد أن تتعارك مع ابن عمتي؟ "
" أجلسْ في مكانك، يا هذا، ولا تُثرْ مشكلة في صالتي "، صاحَ به المعلّم. ولأن فيّو يفهم حركاتِ الشفاه، ما كان منه إلا سحب مديته والتلويح بها في وجه الرجل. صاحَ هذا، مأخوذاً بالمفاجأة: " حيّدوا هذا المجنون عنّي، حباً بالله! ". إلى أن أمسك خلّو بيد قريبه، وما لبثَ أن قاده امامه إلى خارج المقهى.

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة