الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرة ال42 لرحيل الرائع جاك برال

ردوان كريم
(Redouane Krim)

2020 / 10 / 10
الادب والفن


{ يجب أن نتفق على معنى كلمة "النجاح"، أنا أعتقد أن النجاح في شيء واحد، هو تحقيق (إنجاح) أحلامه. نملك حلم، نحاول بنائه و تنظيمه. و أعتقد أن الرغبة في تحقيق حلم هي الموهبة و كل الباقي هو العرق، هو الإجتهاد، هو الانضباط } جاك برال

ولد جاك برال (Jacques Brel) يوم 8 أفريل 1929 في بروكسل، بلجيكا من عائلة فلمنكية الأصل تتحدث الفرنسية بدلا من اللغة الفلمنكية. فلاندر هي منطقة في شمال بلجيكا تتحدث باللغة الهولندية (Dutch) و هي المنطقة التي كبر فيها برال. لم يكن برال ناجح في دراسته بل كان يعيد السنة مرة بعد أخرى، حيث أنه كان عكس اللغة الفرنسية يكره اللغة الهولندية التي تدرس بها مدرسته. كان يكتب بطريقة متقنة نصوص بالفرنسية، يؤلف أغني صغيرة و يغنيها و هو يمثل و يغني مع جوقة مسرح مدرسته. بعد خروجه من المدرسة عاش في بروكسل مع عائلته حيث والده كان صاحب ورشة صناعة الكارتون، و لم يكن جاك سعيدا بالعمل معه، و يشعر أنه يذبل يوما بعد يوم ...بعد الحرب العالمية الثانية و في سنة 1948 ذهب إلى الخدمة العسكرية، الفترة التي تعرف فيها على ثيريز ميشيلسن Thérèse Michielsen التي يناديها ميش، و بعد الخدمة العسكرية تزوجا سنة 1950. عاش برال في بيت بسيط و أصبح ممثل لمشروع والده، و كان يلعب الجيتار في حفلات أصدقائه و ضيوفه. سنة 1951 ولدت إبنته الأولى و أخذ يغني في المقاهي و ينظم حفلات فيها أيام العطل و الأحد. لم يكن برال مسرور بذلك و كان يشعر أنه فشل في تحقيق حلمه في بروكسل و قرر السفر إلى باريس ربما يحقق ما يرجوه. كان الفرنسيون يضحكون من نبرة صوته الغريبة عليهم و طريقة تحريكه يديه، جاهلين بدايته في المسرح و تأثير ذلك عليه. و أثناء غنائه في المقاهي الفرنسية عند وصوله إلى العاصمة الفرنسية تعرف على كبار المغنين من أمثال ييفس منتاند Yves Montand و جورج براسانس Georges Brassens و جيلبيرت بيكود Gilbert Bécaud الذين لم يعيروا له الإهتمام. لم يستسلم جاك برال بل واصل الغناء و كتابة أغانيه حتى سطع نجمه سنة 1956 عندما غنى " عندما لا نملك إلا الحب" "quand on a que l amour " و أصبحت شهرته في ظرف زمني قصير كبيرة و أغانيه تحقق النجاح واحدة بعد الأخرى و تنشد على لسان الجميع... و أصبح يقارن مع كبار الأغنية الفرنسية من أمثال براسانس و ليو فيري. كان يقدم حفلات غنائية كبيرة ، حيث عاش بعد ذلك مسافر لإحياء حفلات كبيرة في نيو يورك، فنلندا، روسيا و هولندا. أصبح معروفا بإسم جاك الكبير "Le grand Jacques " و مع بداية سنة 1964 تم ترجمت أغانيه إلى عدة لغات كالإنجليزية، الهولندية، الألمانية و الإيطالية. في سنة 1966 قرر الإعتزال منظما مجموعة حفلات موسيقية وادعية آخرها سنة 1967 في مدينة روبي شمال فرنسا. و كان هذا الإعتزال أصعب و أشجع قرار لبرال كونه نتيجة مشاكل صحية. جاك كان شخص يؤمن بأحلامه و يؤمن بالميثالية، كان يعمل بجد، لا يتعب و لا يكل.. كان يدخن كثيرا و يستهلك كمية كبيرة من الكحول، و يعشق السفر و النساء..
كان برال يعاني من المرض في كبده و كان أصدقائه يخافون أن يسقط على خشبة المسرح. حيث كان يقدم أدائه بكل ما لديه من قوة فنية و يتعرق كثيرا ما يسبب له نوبات في كل مرة... رغم توقفه عن تقديم العروض الغنائية لم يتوقف برال عن تسجيل أغاني جديدة و إعادة تسجيل أغانيه القديمة. لم يكن ذلك كافيا بالنسبة لبرال فأصبح يؤدي أدوار في المسرح و الأفلام. لم يكن برال الشخص الذي يقتنع بالقليل فكان يذهب من تجربة إلى أخرى، فقد تعلم قيادة المراكب الشراعية ثم أصبح طيار.... كان يحب البحر و الهدوء و الإبتعاد عن ضجيج المدينة و رغم كل هذا الإبتعاد عن الغناء مشاكله الصحية لم تنتهي بحيث إكتشف أنه مصاب بمرض السرطان الرئوي. لم يكن برال خائف من الموت بل كان خائف من شيئين إثنان: الخوف من مواصلة حياته كمريض و الخوف من أن ينساه الناس و معجبيه بسرعة.
لم يكن برال مثقف كبيرا و لكنه كان عبر أغانيه يدافع عن مواقف و يساند بعض المباديء، فالبرغم من أنه ابن رجل برجوازي كان لا يحب البرجوازية و كان ينتقدها كثيرا. كان لا يحب المنافقين سواء من رجال الدين أو من الشخصيات السياسية. كما كان موقفه يعارض إرسال الشباب إلى الحرب. كان يريد من الشباب أن يستمتعوا بحياتهم و يحققوا أحلامهم و الإجتهاد من أجل ذلك. كان لا يحب الديكتاتورية و الليبرالية المتوحشة بل كان يغني لنفسه و للبسطاء و الفقراء، كما غنى أغاني الحب، الحرية، القيم الإنسانية و الشعور بقرب الموت.... أغانيه لم تكن أغاني فرح و لا حزن أيضا ..بل أغاني واقعية تعبر عن أحاسيس الإنسان الذي يصارع من أجل الحياة وفقا لمخططاته و رغباته و إخضاع الحياة لقوانينه و التمرد ضد الظروف، الزمن و المكان.

في 1971 تعرف على مادلي بامي Maddly Bamy التي أحبها و التي عاشت معه حتى موته رغم أنه لم يتطلق مع زوجته ميش لتي كان يرى فيها أم بناته الثلاثة و يجد فيها المرأة المتفهمة التي أصبحت كأم له. في سنة 1974 ساءت حالته الصحية فتستأصل أحد رأتيه. إشترى برال منزل صغير بمحاذاة البحر في جزر المركيز الفرنسية، بجزيرة هيفاوا Hiva-Oa . أين قضى باقي حياته ، هناك تم العثور بعد وفاته على كتاب سفرياته بالطائرة و كتب ألبرت كامو ( les justes و la peste ) إلى جانب كتاب أنطوان دو سانت إغزوبيريAntoine de Saint Exupéry "طيران الليل" vol de nuit. برال يعتبر فنان كبير بكل المقاييس و رمز للنضال من أجل أحلامه أمام جميع المعيقات و الفنان الذي لا ييأس. و الذي وصلت شهرته إلى كل أطراف العالم و قد غنى أغانيه كبار الموسيقيين. في المركيز أين قطع علاقته بالجميع حتى بناته وزوجته، كتب أخر أغانيه و في سنة 1977 يعود إلى باريس ليسجل أخر ألبوم له برئة واحدة. و كانت كل أغنية من هذا الألبوم تمثل أحد أفضل نجاحاته و أعمقها مضمونا و أحلى نغماته ...
في يوم 9 أكتوبر 1978 توفي جاك برال أثناء عملية جراحية له. تارك وراءه 192 أغنية مازالت حية نسمعها في كل مكان و يغنيها مغنين كثيرون صغار و كبار في كل أرجاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق