الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية بلبل القصب

فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)

2020 / 10 / 12
سيرة ذاتية


في مثل هذه الايام ، إيام يحط التين زوادته، وتكون أمي قد (سَفت) كل الخوص الذي (شرگناه) ونقعناه لليال عديدة بالماء كي يصير لينا بين أصابعها ، وهي تخيط السفيفة بالخوص الذي انتقته جيدا من سعفات (الگلب) لنخلة فتية ، أستعدادا ( لچبس) التمر ، ويكون موسم حصاد (الشلب) قد أذن هو الأخر، دخل البيت أخي وهو يحمل عصفورين لم ينبت ريشهما بعد ونادى ، فلوسة انهما بلابل قصب، وكان يعني انهما نوع من انواع البلابل التي تعيش في البرية ولا تدجن ، وكن يعشعشن في الانحاء ،بين اشجار التين خاصتنا ، ولكم كنت اعشق ثمرة التين ( المنقار ) وهذا مصطلح كنا نميز به الثمرات التي اكلت منها البلابل عن غيرها ، وكنت احرص ان اجمع كل ما يتركه البلبل من بقايا الثمار نصف المأكولة ، فقد اخبرني أخي ان البلابل تصنع خمرتها من التين، لذلك يكون صوتها حسنا، وكنت اريد لصوتي ان يكون حسنا ولا بأس أن ساعدتني خمرة بلبل القصب بذلك.
الطيور اللحمية الصغيرة ، وضعتهما في علبة كارتونية صغيرة ، وجعلت احرص على رعايتهما، أطعمهم بأنبوب رفيع صنعته بنفسي، وأضعهم بجانب رأسي في المساء، لا اعرف كيف افترضت انهما ذكر وانثى ، فلما ماتت الأنثى المفترضة، جعلت أبالغ في رعاية أخيها حتى أني سقيته الماء والسكر يوميا ، و شراب الكمون، وشراب للكحة ايضا ، وطحنت حبة بندول لأجله، ولما صار ريشه ينبت، ينبت في قلبي ايضا مليون جناح، كبر بلبل القصب، دون أن يعرف أنه بلبل قصب ، يطير حولي وينقر على صنبور الماء فأعرف أنه عطش، وينقر راحة يدي فأعرف أن به جوعا، وحين أنام يختار مكانه قرب الشباك ، وينقر جبهتي وأجفاني عند أول الفجر ، لم يجرب صديقي البلبل الغناء، كان يبدو أنه مقتنع تماما بأنسنته، وبحاجته للكلام، فيعبر عنه بأشارات ذكية ، جعلت كل من يراه ويعرف به ، يتمنى لو حصل عليه، قضى الشتاء ساهرا معنا على حديث( الصوبة ) النفطية ، ونام صيفا معنا على سطح الدار ، ولم يكف الاصدقاء ومعارف الاسرة عن طلبه وعرض شرائه، وكنت متمسكة به جدا ،حتى اذا كان الصيف مرة اخرى ، حطت البلابل البرية على أغصان التين في الحديقة الداخلية ، وكأن بهم فضولا لهذا البلبل المؤنسن، طار إليهن ودار حولهن ثم غاب معهن وعاد بعد ساعات قد أتلفه الجوع والعطش والتعب ، وجعلت أحاول أعادة بلبلته ليصير منهن ،فيعود لسيرته الأولى، لكن صديقي كان كلما غاب عاد منفوش الريش ، ناشف الريق، مهدود الجسد ، فأعود أصلح من حاله، لو كان فقط يفهم كلامهن ، يحسن ان يغرد بمثل غنائهن ، وفي صباح تشريني سمعته يحاول التغريد ، نصف تغريدة بالحقيقة كان ذاك الشيء الوحيد الذي سمعته منه قبل ان يغادرني ، وظننت أنه قد عاد لبريته، لكني وجدته بعد أيام متيبسا بجانب شباكي في الجهة المواجهه لمكانه حيث كان ينام ، كان قد فارق الحياة، كتمت سر موته ، ودفنته لوحدي تحت التينة ، وزعمت أنه عاد لبريته
بعد تعلمه الغناء .

فلسطين الجنابي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح