الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ومن الجمال ما قتل … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 10 / 12
الادب والفن


قد يكون الجمال نعمة ، وقد يكون وبالا … !
حسان شاب جميل الشكل … شعر اسود بسواد الليل ناعم نعومة الحرير … تقاطيع اغريقية متناسقة ابدع صانعها باخراجها الى الوجود بابهى ، واجمل صورة … بشرة بيضاء مشرئبة بالحمرة الهادئة … شفاه بلون حبات الكرز … رشيق القوام … طويل القامة … انيق الملبس دافئ الشخصية هادئها … يتوقف الزمن انبهارا بهذا الجمال الرزين النادر … عندما تراه لا تستطيع ان تمنع عيناك من ان تتسكعان في ملامح وجهه البديع … لا عيب فيه ، ولا خلل الا جماله … !
من اسرة فوق المتوسطة فوالده يعمل في التخليص الكمركي ، ويكسب ما يكفيهم ، ويزيد ، وكان يستجيب لطلبات حسان المعقولة ، ويكفيها ، لذلك لا ترى حسان يشكو من ضيق او عوز مما مكنه من ان يعيش ، ويتعايش مع زملائه في الكلية من العوائل الثرية ، وبقي محبوبا منهم ، وكانوا له عونا في كثير من مفاصل حياته …
كان كل شئ يأتي اليه اسرع مما يذهب اليه هو … !
الغريب في امر هذا الشاب ان حساده ، والغيورين منه كثر بسبب انجذاب الفتيات اليه سريعا ، وهو امر لا خيار له فيه … رغم محاولاته ترطيب الاجواء مع الجميع درءا للمشاكل والخلافات ، فهو يؤمن بان هذه الغيرة ، والحسد قد يخلقوا من اصحابهما اعداء مدمرين ، وهو اكثر ما كان يخيفه في الامر …
كلما التقيناه في الجامعة ودهاليزها كالنادي او المكتبة … الخ يتطرق الشباب الى سيرته … ومنابع الغيرة والحسد تطفو على احاديثهم … حتى قال مرة احدهم ان جماله انثوي اكثر منه رجولي … تضايقت … وشعور بالاشمئزاز كاد ان يقلب معدتي … وانبريت للدفاع عنه لا حبا به ، وانما وفاءً للحقيقة … فقلت :
كلامك هذا غير صحيح ، ولولا ان حادثة وقعت امامي تثبت عكس ما تقول لربما ايدت ادعائك هذا ، وانطلقت من نفس المنطلق الذي انطلقت انت منه … ولكني متاكد من ان ما تقول غير صحيح … طلب مني ان اذكر تلك الواقعة … فقلت :
كنا انا ، واثنين من اصدقائي عصر يوم جميل من ايام الربيع الحلوة نتنزه في احد المتنزهات العامة ، وكان المتنزه مكتضا بالشباب من الجنسين ، والاجواء رائعة ، والهواء عليل … تتردد فيه انفاس الربيع حتى لتكاد تمسكه بيديك … ورأينا من بعيد حسان بصحبة فتاة حسناء … فهو كما تعلمون مغناطيس يجذبهن من مسافات بعيدة … !
اشتعلت الغيرة عند واحد من اصدقائي ، واكله الحسد ، وفارت جراثيم العدوان لديه دون ما سبب ، وبعد لعن حسان على هذا الحظ مع النساء اصر على الذهاب ، والتحرش به … هكذا غيرة وحسد لا اكثر ! حاولنا ثنيه عما ينوي ، وذكّرناه بانه لم يفعل لك شئ ، وما ذنبه اذا كانت الفتيات يعشقنه ، ولا يفعلن معنا نفس الشئ … اصر صاحبي على موقفه هذا … ثم ذهب ، ونحن نشاهده من بعيد … اقترب من حسان الذي كان يرتدي بدلةً بنية جميلة ، واضعا الجاكيت على ساعده الايمن ، وواقفا يتكلم مع صديقته في مشهد رومانسي سينمائي … !
لا ادري مالذي دار بينهما من حديث … فرايت حسان يضع الجاكيت على احدى المصاطب ، ويشد قامته الرشيقة في عناد رجولي ، وياخذ وضعا قتاليا يدل على انه يحسن هذا النوع من فن الدفاع عن النفس… وتبادل الاثنان اللكمات في شجار استمر لدقائق … وفي النهاية رايت صاحبي يسير نحونا مطرق الرأس … محترق الوجه من الخجل … من تصرف سخيف لا مبرر له ، وبعد اخذ ورد طلبنا منه ان يعتذر من حسان لانه هو المعتدي ، وشجاعته السلبية هذه التي استحوذت عليه في تلك اللحظة لم تكن في محلها … اعترف صديقي بخطئة ، وفعلا ذهب الى حسان ، ورايناهم يتحدثان قليلا ، ويبدو ان بذور التفاهم قد انغرست بينهما … ثم انتهت بالمصافحة ، وربت حسان على كتف صاحبي ، وكأنه تقبل الامر بروح رياضية عالية ، وانتهى الامر … !
هذه هي الواقعة التي سردتها على من ارادوا الصاق هذه الرزية بحسان ، وهو منها براء ، الغيرة والحسد نزعتان مدمرتان لصاحبهما قبل غيره ! واستطردت ناصحا :
اعتقد ان اعماقنا بحاجة الى نفض … الى غربلة ، وتنظيف ، وكنس كل القاذورات الموجودة في داخلها لنرقى ، ونرتقي الى مستوى الانسان ، ونبتعد ما امكن عن مستوى الحيوانات المنفلتة … !
ثم تحركت بنا الايام والسنين مسرعةً … ومرت حياة الكلية بسرعة لم نشعر بها الا حينما ابتعدنا عنها ، وعن اجواءها الجميلة الرائعة كالسعادة لا نشعر بوجودها الا حينما نفقدها … و سرعان ما تحول كل شئ الى فيض من الذكريات … !! وذهب كل واحد منا في طريقه …
اما حسان فكان من المحظوظين الذين حصلوا بسرعة على وظيفة في احدى شركات الطيران ، واخذ يتدرج فيها ، ويعود الى حياة المغامرات الشبابية مع شلته القديمة من اصدقاء الكلية ، وانضمت اليهم مجموعة اخرى من الشباب الذين يعملون معه في الشركة …
وكانت حياة … !
ثم تغير مسار حياته تماما …
فاستطاع ان يشتري سيارة حديثة ، ويعيش حياته كما اراد ، وكما ارادت له الاقدار … ثم تزوج من الفتاة التي احب … وهي فتاة جميلة من اسرة ثرية معروفة ، وعاش حياته معها ، ولكنه لم يتخلى عن السهر مع اصدقائه ، ومعاقرة الخمر ، ولم يكن الامر يخلوا من نساء … واذا دخلت المرأة دخل الشيطان معها … فهو قرينها ، او هي قرينته … لا فرق ! ولا ننسى سحر حسان على النساء …
ثم مرت فترة طويلة انقطعت اخباره ، او لنقل اننا نسينا امره لانشغالنا بهمومنا ، ومشاغلنا الحياتية الخاصة ، ولم نعد نفكر لا بحسان ، ولا بغير حسان ، وفي يوم التقيت باحد اصدقاء الكلية بالصدفة … وبادرني قائلاً :
- هل سمعت اخر الاخبار … ؟
- اي اخبار ؟
- صديقنا … وجدوه مقتولا في سيارته … !
- ومن هو صديقنا … ؟
- حسان … هل تتذكره ؟
اقتلعت الدهشة قلبي … لم اجد ما اقوله في البداية لانني بصراحة ، وكأنني قد نسيت حسان هذا بمرور الوقت … لكن الكلمة رنّت في راسي برنين موجع ، وقوي … وسرعان ما عدت الى نفسي ، وكأنني استفزيت ذاكرتي ، واعدت لها نشاطها …
فانا يهزني الموت جدا كحالة مجردة كما لم يهزني اي شئ آخر في هذا الوجود … لا يهم من اين ياتي ، ولكنه موت كما اي موت !
تالمت على الرغم من انه لم يكن صديقي ، ولم اتحدث معه في حياتي ، ولم اسمع حتى صوته ، وربما لو كان عاطلا من الجمال لما التفتُ اليه فهو يشد انتباه الكل بجماله … لكنك بمجرد ان تبتعد عنه ببضع خطوات حتى تنسى امره ، وترميه خارج الذاكرة …
ولكنه على اية حال رحل عن هذه الدنيا … تاركا فراغا ثقيلا لمن احبوه من نساء ، ورجال من اصدقائه وأحبائه …!
ثم علمنا بعد ذلك ان التحقيقات لم تحدد من قتله … البعض يقول قد يكون زوجا غيورا ، واخرين يقولون ربما حسود من اصدقائه ، وحتى بعضهم ذهب بعيدا فقال يمكن ان تكون امرأة غيورة … ولكنه رحل في كل الاحوال ، ولن يعود ، فهو طريق بذهاب … دون عودة !
وبعد فترة لا استطيع تحديدها ، وانا امشي في احد الاسواق رايت زوجته التي كانت يوما من الحسناوات … تبدو متعبة ربما بعد مشوار التسوق المرهق ، وقد بدى الكبر واضحا على شكلها ، وكل هيئتها رغم شبابها ، وازداد وزنها ، وقد اهملت نفسها ، وكأنها عازفة عن الحياة … منزويةً … تجلس على الرصيف لوحدها لتاخذ قسطا من الراحة ، وفي عينيها كحل افسدته الدموع ، او ربما حبات العرق … !
وتبدو مهيضة الجناح … مادةً بصرها الى الطريق امامها … وكأنها تحملق في الماضي وتنبش في ثناياه … فتضخم احساسي بالاسى ، والاسف على هذه السيدة … ! فشعرت بان انبل ما في صدري ينحني لها رثاءً واحتراما … ! والذي لفت انتباهي اكثر فيها انها لا تزال تلبس الاسود على زوجها ، وحبيبها حسان … تالمت كما لم اتألم على اي شخص غريب مر في حياتي ، وقلت لو كان حسان شابا عاديا مثلنا عاطلا من الجمال لما مات تلك الميتة ، وهو في ريعان الشباب ! ولكني رددت مع نفسي :
هذه هي الدنيا … !!
سؤال : هل راودتك يوما رغبة في البكاء ، ولا تبكي … ؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة