الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضغوط شبكات التواصل الاجتماعي على الفتيات الصغيرات يناقشها الفيلم الفرنسي ( -مينيونز- ) ،

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2020 / 10 / 12
الادب والفن


ضغوط شبكات التواصل الاجتماعي على الفتيات الصغيرات يناقشها الفيلم الفرنسي ( "مينيونز" ) ،


علي المسعود

الفيلم الفرنسي "مينيونز" والذي أُطلِق عليه اسم (كيوتيز) بالإنجليزية أيضاً ، الذي تسبب في إثارة غضب الجمهور بسبب الملصقات الدعائية ذات الإيحاءات الجنسية ، والتي تروِّج لاستغلال الأطفال جنسيًّا . الاتهامات التي طالت الفيلم بوصفه يقدّم بورنوغرافيا الأطفال، سببها أن المؤديات في الفيلم تحت السن القانوني، فالمشكلة فعلياً كانت ليس في إعلانات نتفليكس عن الفيلم فقط ، أي البوستر والشريط الترويجيّ ، بل في وصف الفيلم على المنصة قبل عرضه ، ما أساء لمضمونه وقدم فكرة خاطئة عنه ، وبعد سلسلة طويلة من التعليقات والمقالات التي وجَّهت إلى الفيلم وسهام النقد تم سحب الملصق الاعلاني . وكثيرًا من هذه الانتقادات الموجَّهة ناتجة عن توصيفات غير دقيقة أو غير مُلمَّة بالفيلم ــ والرواية المنتشرة هي أن نتفليكس أنتجت فيلمًا لهدف وهو الاستغلال الجنسي للفتيات الصغيرات . فيلم «كيوتيز» إنتاج فرنسي مستقل حصلت عليه منصة البث قبل مهرجان صاندانس السينمائي في يناير (كانون الثاني). امتد هذا الغضب والرفض للفيلم إلى السيناتورات في الكونغرس، فطالب بعضهم بسحب الفيلم ومنعه ، مثل "جوش هالواي"، الذي اتهم المنصة باستغلال الأطفال جنسياً ، وآخرون اتهموا نتفليكس بالمتاجرة بصور القاصرات والترويج لها ، وطالت تلك الاتهامات المخرجة نفسها باستغلال الأطفال وعرضهم بأسلوب جنسي ، إلا أن موجة الاحتجاج هذه رافقتها إلغاء الكثيرين اشتراكهم مع نتفليكس ، إما احتجاجاً على الفيلم ، أو العكس ، احتجاجاً على سحب الفيلم .
لكن الأهم أن الفيلم نفسه بعد مشاهدته ، يكشف أنه ينتقد ظاهرة تأثير السوشيال ميديا على الاطفال وطبيعة الحياة التي يعيشها ألاطفال اليوم في ظل كم الصور الهائل الذي يظهر أمامهن على الشاشات و الذي يتسلل بدوره إلى صداقاتهن، وهذا ما أثار أستغراب مخرجة الفيلم التي أكدت أن الهدف من الفيلم هو توعية الأهل على ما تشهده بناتهن ، وأنها إلى جانبهن في المعركة الثقافيّة ذاتها . رد الفعل العنيف من قبل فئة من المجتمع الأميركي ، قوبل بالاستغراب في فرنسا، خصوصاً أن الصحف من اليمين واليسار وجدت أن الأمر ليس أكثر من خطأ في التسويق وقعت فيه نتفليكس بسبب البوستر المنشور على المنصة ، والذي اعتذرت عنه نتفليكس لاحقاً بوصفه لا يمثّل الفيلم ولا محتواه ، فيلم "مينيونز" أو"كيوتيز" بالانكليزية ، يتناول قصة فتاة سنغالية مسلمة تبلغ من العمر 11 عامًا تُدعى إيمي (تلعب دورها فتحية يوسف)، وقد وجدت نفسها في حيرة بين عالمين ، ألاول هو عالم عائلتها المتدينة المتشددة التي تعيش معها في أحد أفقر أحياء باريس والتي تريد منها التصرف على نحو لائق واتِّباع عاداتهم وتقاليدهم الدينية . والثاني طريقة تصرف وسلوك رفيقاتها في المدرسة وكذالك إهتماماتهم ، إيمي متأثرة بزميلة لها في الفصل تُدعى أنجليكا ، وهي قائدة فريق من الفتيات اللواتي يرقصن ويرتدين ملابس مثيرة ويُطلِقن على أنفسهن (كيوتيز) ، الطفلة آيمي تكتشف مبكرًا في الفيلم أن الذي يفصلها عن البنات اللواتي تتطلّع إليهنّ ليس فقط تربية أهلها وتشددهم بل ثقافتها ، إذ نراها تتلصص في مشهد مبكر، بخليط من الإعجاب والحسرة على جارتها أنجليكا (التي تلعب دورها الطفلة الفرنسية ذات الأصول العربية مدينة العايدي)، وهي ترقص في غرفة الغسيل وتترك شعرها الناعم يسترسل ، وتكويه بمكواة الملابس ، ثم بعد أن تنصرف أنجيليكا تحاول آمي أن تقلدها فتحرق شعرها بالمكواة . فبطلة الفيلم مهاجرة سنغالية تعاني من قمع أسرتها الأفريقية المسلمة ، وتتطلع لاستكشاف أنوثتها المقموعة ، عن طريق الانطلاق في المجتمع الفرنسي ومع صديقات فرنسيات من أصول مختلفة ، مدة الفيلم ساعة ونصف تقريبا ، نتعرف فيها على حياة إيمي، الطفلة على مشارف المراهقة والتي لم يكن لها حياة خاصة بها ، فكل ما كانت تقوم به هو العناية بأخويها الأصغر منها، والاستماع للتعاليم الدينية والاجتماعية عند ذهابها مع أمها للقاءات أبناء الجالية، باعتبارها منتمية لجالية مسلمة قادمة من السنغال . تتغير حياتها عندما تلفت نظرها مجموعة بنات في المدرسة أثناء استعداداهن لمسابقة رقص، وتحاول ما بوسعها الانضمام إليهن . في بداية الفيلم تشعر أيمي أن والدتها ليست على ما يرام . تشاهدها وهي تتمتم مع امرأة أكبر بالسن لها مكانتها بين نساء الجالية السنغالية في فرنسا ، وعندما تسأل أمها عما بها ، وعن والدها المسافر ، لا تحصل على جواب ، تبدو الأم قوية ومتماسكة ظاهريا ولكنها في الحقيقية هي الاخرى مقموعة وهشة ، وفي أحد المرات وبالصدفة، تسترق إيمي السمع ، وهي مختبئة تحت السرير في غرفة نوم والديها ، تسمع أمها تكلم أشخاصا عبرالموبايل وتخبرهم أن زوجها خطب امرأة ثانية من السنغال ، وأنها ستحضّر له حفلة زفاف عندما يعود مع زوجته الجديدة إلى فرنسا . لا تتمالك الأم - الجالسة على السرير – نفسها ، فتغلق الهاتف في وجه الشخص على الطرف الآخر من الخط وتبكي بألم . وإيمي - المختبئة تحت السرير - هي ألاخرى أيضا تبكي ولكن بلا صوت ، ويبدو أن العمة " كبيرة العائلة" تشجع الأم على الاستمرار والقبول بالامر الواقع ، هكذا "كي لا تتعرض للانتقاد". ونرى علب الهدايا التي أرسلها الأب من السنغال وفيها ثياب جميلة تقليدية لترتديها زوجته وأولادهما ، ليبدوا جميلين يوم زفافه ، في حين نسمع إيمي تقول مرة لرفيقتها في مشهد آخر من الفيلم إن حلمها هو ألا يعود أباها أبدا من السنغال ، تنبهر الصبية" آمي " بلباس أولئك الفتيات وتحرّرهنّ، وترغب أن تصبح مثلهن، وتظلّ تتلصص عليهنّ حتى تكتشفها الفتاة الشقراء ، فتبدأ البنات بشتم الصبية آمي ورميها بالحجارة حتى تصاب في رأسها وتظلّ الندبة واضحة على رأسها في المشاهد التالية . ولكن هذا العنف الذي يترك آثاره على وجه الفتاة ونفسيتها لا يصرفها عن رغبتها في أن تكون مع هؤلاء الفتيات ، بل على العكس يحثّها أكثر على أن تتطلع إليهنّ وتحاول الالتحاق بهنّ، وتلتحق "إيمي " بفرقة للرقص مع ثلاث فتيات ، تحاول آمي مجاراة الفتيات وتبالغ في ذلك في بعض الأحيان ، إلى أن تنتشر صورها الإباحية على الإنترنت ، فينعتنها رفيقاتها في الفرقة " بالساقطة " ويبتعدن عنها . ولكنها تصرّ على أن تكون جزءًا من فريقهنّ وتشاركهنّ الرقص ، وأن تفعل أي شيء في سبيل ذلك .
في آخر الفيلم ترفض أيمي الذهاب إلى حفل زفاف والدها ، توبخها العمة ، وتطلب منها ارتداء ثوبها الملون الجديد وتحاول إجبارها على ذلك بعنف ، فتدافع عنها أمها ، وتسمح لها بفعل ما تريده .عندما تقدم الفتيات أخيرًا عرضهنّ الراقص الذي كنّ يحلمن به طوال الفيلم ، نرى بعض من أهالي المتسابقات ممتعضين من هذا العرض ، بينما تستحسنه لجنة التحكيم وبعض الحاضرين . لكن المشاهد الاخيرة من الفيلم تتغير الصورة وتنقلب الامور، حين تسقط أوراق زينة حفلة عرس والدها التي تركته هاربة والتي كانت عالقة في شعرها ، ففي هذه اللحظة تتسمّر الطفلة آمي في مكانها ، وبينما تصدح الموسيقى الصاخبة والراقصة حولها ، تصمت تلك الموسيقى في رأسها وتحلّ محلّها موسيقى إفريقية تقليدية ، فتنسحب من العرض وتذهب إلى بيت أمها ، ولكنها لا تبقى هناك ولا تشارك في عرس أبيها ولأول مرة تتحدث إيمي عما يدور في بالها وتبكي وهي تقول لأمها "أرجوك ماما .. لا تذهبي إلى الحفلة ، بل تذهب إلى الشارع لتلعب ألعابًا طفوليةً ، ونراها للمرة الأولى في الفيلم سعيدة بينما يبدأ تتر النهاية بالنزول .
الفيلم لم يُثِر أي جدل من خلال إنتاجه الفرنسي وظهوره الأول في مهرجان صندانس. ولكن بعد ذلك التقطته شركة نتفليكس، وهي شركة أمريكية رفيعة المستوى، وقامت للأسف بتسويقه باستخدام واحدة من أكثر اللقطات المثيرة كأول ملصق لها للفيلم . وأحدث ردة فعل عنيفة ، اختلاف ردود الفعل على الفيلم بين البلدين ليس الأول من نوعه في ما يخصّ التحرش بالاطفال ، الاستغراب من رد الفعل الأميركي سببه الخوف أو المحافظة المفرطة في الولايات المتحدة ، خصوصاً في ظل انتشار الحديث عن ممارسات العديد من المشاهير مثل آر كيلي، ومايكل جاكسون. ينسحب الأمر أيضاً على المستوى السياسي ، كحالة "جيفري أيبستين" (توفي في 10 أغسطس 2019 في زنزانته في السجن ) ، وهو صديق السياسيين ، مثل ترامب وكلينتون وكذالك الامير الانكليزي أندرو ، الذي اكتشف أنه يمتلك جزيرة للقاصرات والقاصرين الذين يقوم بتشغيلهم جنسياً لإشباع رغبات ضيوفه ، بصورة أخرى ، فإن موضوع البيدوفيليا، وحتى الأسرة ومكوناتها ، ما زال تابو شديد الخطورة في الولايات المتحدة . المس به أو حتى تناوله محكوم دوماً بالقانون .
في الفيلم انتقاد كبير لطريقة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي يسهل على الأطفال الوصول إليها ومشاهدة كل ما عليها وتقليده من أجل الشهرة والحصول على "الإعجاب". وفيه عرض لجانب من حياة الجاليات المهاجرة إلى أوروبا ، وتحديدا حياة النساء فيها . وفي الفيلم إحساس كبير بتضامن صامت من قبل إيمي الطفلة ذات الأحد عشر عاما مع والدتها التي تتعرض لخيانة رفيق حياتها وزواجه بثانية . تشعر بالتعاطف مع أمها التي لا تقدر على التعبير عن ذلك الألم - إلا بالخفاء ، فنشعر بغضب إيمي وكرهها لوالدها من أول الفيلم لآخره - هذا الغضب المكبوت هو العمود الفقري للفيلم . تقول المخرجة ديكوريه إن الفيلم هو قصة حياتها وصراعها ما بين ثقافتين. "غالبا ما يسألني الناس عن القمع الذي تتعرض له النساء في مجتمعات تعتبر أكثر تقليدية . وأنا دائما أسأل: إن كانت الفتيات يشعرن وهن بعمر صغيرة بأنه سيحكم عليهن (من خلال المظهر) ، فما مقدار الحرية التي يمتلكنها حقا في هذه الحياة؟". ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
منذ عرض الفيلم على نيتفلكس ، ومنذ ذلك الوقت وكثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في أنحاء العالم يطالبون بإلغاء الاشتراك بخدمة نتفليكس ، وانتقد كثيرون سماح الأهل لبناتهم بالظهور هكذا في الفيلم ، ودعا كثيرون لإجراء تحقيق في كيفية تصوير الفيلم وما إذا كان هناك انتهاك لحقوق الفتيات الممثلات. علما أن الأمر لا يقتصر على لقطات الرقص ، فهناك أكثر من مشهد تحاول فيه الفتيات بسذاجة ، إغراء رجال حولهن من خلال الحركات التي تعلمنها مما يشاهدنه على مواقع التواصل الاجتماعي أو من فرق البوب . ولكن المخرجة تصر على أن الناس لم يفهموا فكرة فيلمها تقول إنها رأت بنفسها فرقة فتيات بذات العمر يرقصن هكذا ، لذلك أمضت عاما ونصف وهي
تتحدث مع أكثر من مئة فتاة من مختلف أنحاء باريس أعمارهن بين العاشرة والحادية عشرة . وتوضّح أيضاً ، أنه كان برفقة فريق العمل مستشار نفسي، كما أن الفريق حصل على موافقة الجهات المسؤولة عن حماية الطفل في الحكومة الفرنسية، كما كتبت في مقال واشنطن بوست وذكرت المخرجة ديكوريه فيه : "رؤيتهن تحت كل هذا الضغط بعمر مبكرة يفطر القلب . تجربتهن على وسائل التواصل ألاجتماعي كانت هي المرجع لتنفيذ الفيلم " . وأضافت المخرجة في ردها " نحن كراشدين، لم نعط الأطفال أدواتا تمكنهم أن ينشأوا بشكل صحي في مجتمعنا. أردت أن أفتح
عيون الناس على ما الذي يحدث بالفعل في المدارس وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، لأجبرهم على مواجهة صور فتيات يضعن الماكياج ويرتدين ملابس رقص تشبه ثياب نجمات البوب المفضلات لديهن " . وبالفعل نشاهد في الفيلم ، أن الفتيات البريئات لايشبهن عمرهن ، حين يبدأن بتقليد مغنيات بالغات يشاهدن عروضهنّ على إنستغرام وتيك توك واليوتيوب ، كل ذلك بهدف الفوز بمسابقة الرقص ليصبحن مشهورات ، وفي مشهد تظهر فيه فرقة من أربع فتيات بعمر الحادية عشرة، يلبسن ثيابا
ضيقة ولمّاعة ويضعن مكياجا براقا ، وهن يرقصن على مسرح أمام لجنة تحكيم ، يحركن أجسادهن
بطريقة تعلّمنها من فيديوهات الأغاني التي يشاهدنا عبر شاشات هواتفهن المحمولة، بطريقة فيها إيحاءات جنسية فجّة ، لكن يبدو أن صدمة الناس من هذه اللقطات هو تماما ما أرادته المخرجة وكاتبة الفيلم ، ميمونة ديكوريه، ذات الـ35 عاما، هي فرنسية من أصل سنغالي، كبطلتها أيمي، وهذا فيلمها الأول الذي تقول عنه إنه يظهر جزءا من قصة حياتها هي ، وقالت المخرجة ميمونة ديكوريه إنها قد تلقت تهديدات بالقتل بعد نشر صورة البوستر. وأكدت أن الرئيس التنفيذي المشارك في نيتفلكس " تيد ساراندوس" اتصل بها مباشرة واعتذر عن البوستر الذي تسبب بالضجة، والذي لم تكن قد رأته من قبل .
رسالة فيلم (كيوتيز) هي خطورة استخدام الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي على الاطفال بغياب المتابعة والتوجيه من قبل الاهل . وفي الاشارة الى العمل على تحصين الاطفال من ألتاثيرات السلبية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ، والنقطة الاهم هو العمل على إنقاذ الطفولة من التحرش الجنسي وصون براءتهم . وفي الختام ، يتناول "مينيون" الذي نال جائزة أفضل إخراج في مهرجان "سندانس" قصة فتاة باريسية في الحادية عشرة تُدعى إيمي ، تحاول التوفيق بين مبادىء التربية الصارمة في عائلتها السنغالية ، ومستلزمات مواكبة هيمنة المظاهر وشبكات التواصل الاجتماعي على أبناء جيلها والأطفال الذين في عمرها . هذا الفيلم عبارة عن تجربة تنطوي على نوعٍ من التحدي، والفيلم يوضح مدى تأثير الصور المعروضة في الإعلانات ووسائل الترفيه على تلك الفتيات الصغيرات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا