الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكون الواسع والعقول الضيّقة 22

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2020 / 10 / 12
الطب , والعلوم


The vast universe and narrow minds 22

ليس بالأمر السّهل الحديث عن الفراغ الذي أشرنا إليه في الحلقة السّابقة وحلقات سابقة أخرى. حيث أنّ مفهوم الفراغ متأرجح ما بين الفيزياء والفلسفة. وهناك ما يمكن الحديث عن هذا الفراغ من وجهة نظر الغيب. حيث يلتقي فيها رأيّ الغيب مع رأيّ الفلسفة أحياناً وأحياناً أخرى يلتقي مع الفيزياء والعلوم الأخرى. خاصّة إذا كان هذا الفراغ حين الكشف عنه، نحتاج إلى طريقٍ يعتمد فيها على غيره من التأثيرات. كدرجة الحرارة والضّغط وغير ذلك. وبالتّالي سيكون هناك مفهوم معتمِد على شيء ما، كما هو الزّمن عند من يبحث عن علاقته بالمكان لا مستقلاً.
غالبا ما تطرح الكثير من التّساؤلات حول بداية الكون ونهايته وغير ذلك متضمّنةً الفراغ أو غير متضمّنة. ومن حقّ أيّ من النّاس أو الباحثين أن يطرح مثل هذه الأسئلة أو أيّ سؤال. وبالفعل فقد سأل بعضهم عن الفراغ وما علاقته بالكون أصلاً ثمّ ما علاقته ببدايته. هل وُجِد الفراغ مع نشأة الكون أم هل وجوده في الإطار العام للتّكوين مهمّ بالفعل أم غير ذلك؟ والتساؤلات كثيرة بالفعل لكنّها تثير الكثير من الشجون. حينما نعلّق عن الزّمن في المحاور المتّفق عليها في الرياضيّات التقليديّة يجب أن ننتبه إلى أنّ الزّمن الذي نبحث فيه وعنه هو غير ذلك الذي يتفاعل مع الفضاء أو مع الفراغ أو غيره. السّؤال المتعلّق بالزّمن يشبه السّؤال المتعلّق بالفراغ (مع فارق المعنيين بالطبع!): هل كانت بداية الكون ضرورة كي يحقق الكون مِنْ خَلْقِهِ ما يُرادُ له؟ لقد قيل أنّ حدود الكون، أنْ ليسَ له حدود. والزّمن الذي ذكرناه والذي ليس له تعريف مستقلّ (على الأقل إلى الآن!)، هو ذلك الزّمن الذي نتعامل معه، بينما الزّمن الذي تُقاسُ به أحداث الكون عموماً هو ليس ذلك الذي يشمل وحدات الثانية والدّقيقة والسّاعة واليوم وغيره، لأنّ هذه المسمّيات مرتبطة بما تنتجه حركة الأرض حول الشّمس أو حركة القمر حول الأرض أو حتى حركة الإثنين حول الشمس أو غير ذلك من حركات الكواكب الأخرى بالقياس إلى تلك الحركات. بينما الزّمن الذي نتحدّث عنه هو غير ذلك الذي يرتبط بتلك الوحدات (أو المتعلّق بها) الأرضيّة أو القمريّة أو الشّمسيّة (!). إنّ حركة الكون وإتّساعه وتمدّده أو تقلّصه وإنكماشه، له وحدات قياس لا يمكن أن تنطبق عليها وحداتنا التي نعرفها! بل حتى الزّمن الذي نتحدّث عنه هو الذي يرتبط بمخيّلاتنا ونمطيّتنا من خلال السّاعات والدّقائق والأيّام وغيرها.
لو قمنا بتقسيم المساحة التي تتحرّكها الأرض أو القمر أو الكواكب الأخرى (المساحة وليست المسافة، بإعتبار أنّ الحركة، إذا كانت متكاملة، ستكون بإحداثيّات ثلاثة، أي أنّ عمليّة المسح تتمّ بإحداثيين كما هو معلوم، والإحداثيّ الثّالث يكون في إحتمال الحركة بإحداثيّ واحد بالإضافة إلى هذا. أي تتمّ عمليّة تغيير الإحداثيين كما هو واضح! فتشكّل مساحة وليست مسافة!) من خلال السّرعة والكتلة، سنتعامل مع قياسات وفق كتل وسرع ومساحات بأشكال نمطيّة وليست بأشكال تصوريّة لكَوْنٍ لا نعرف شكله أثناء التّوسّع أو التمدّد!

الزّمن الخياليّ من جديد بوضع جديد!

لقد تطرّق هوكينغ من خلال زمن أنشتاين،إلى أنّ الزّمن الخياليّ كمّا سمّاه، هو في الحقيقة زمن حقيقيّ (يقصد بذلك أنْ لا زمنان بل هما زمن واحد ولكنّ الإختلاف في المرجعيّة والنّظرة إليه! والزّمن الحقيقيّ هو مجرّد شكل من خيالنا!). أي أنّ القصد في قوله: إنّ الزّمن الحقيقيّ إذا ما عبّرنا عنه واقعاً وفق المفهوم المتعارف عليه، فهذا يعني أن يكون للكون بداية ونهاية، بينما الزّمن الخياليّ ليس فيه للكون بداية ونهاية، بل ليس له حدود! إلى الزّمكان. ويعبّرعن الزّمن الخياليّ بأسلوب ليس كما يطرح هنا، والذي ذكرتُه في عدد من الأبحاث، حيث الزّمن الداخليّ، ويعبّر هو عن زمن غير هذا، فالزّمن الداخليّ لا وجود له في ذهنه. حيث الحديث عن زمن خياليّ ذلك الذي له مواصفات يذكرها هو.
ثم يعود الحديث عن زمن هو (مجرّد فكرة تساعدنا على وصف ما نعتقد به عن الكون). وهذا الزّمن الحقيقيّ هو فقط ذلك الموجود في خيالاتنا. وما النظريّة العلميّة التي تتضمّن الزّمن إلّا معادلات وتعبيرات رياضيّة ليس بالضّرورة أن يكون لها وجود محض (أي أنّ وجودها ليس بالضّرورة أن يكون ثابتاً، بل الأرجح أن يكون متغيّراً، وبالتّالي يكون التعامل معها ليس تعاملاً لغرض حلّ المشاكل بالصّورة المطلقة إلّا أنّها نوع من أنواع الحلّ الذي ينبغي للإنسان أن يستخدمه كطريق من الطّرق، وليس الطّريق الأوحد! كما هو واضح). فهو لا يوافق على أن نطلق على الزّمن كلمة، حقيقيّ أو خياليّ أو وهميّ، لأن ليس فيه ضرورة. وإن إستطعنا أن نوجد النّموذج الأمثل للكون، فلا حاجة لنا أن نقول، هناك زمن حقيقيّ أو/ و وهميّ أو خياليّ. فتوسّع الكون في جميع الإتّجاهات ليس بالضّرورة أن يكون متماثلاً في جميع الإتّجاهات، وليس بالضّرورة أن يكون بنفس الكثافة في جميع الإتّجاهات! في النّماذج المبسّطة التي تمّ وضعها إلى الآن تنصّ على أنّ من المحتمل جدّاً أن يكون المعدّل الحاليّ لتوسّع الكون هو نفسه في جميع الإتّجاهات. لكن في النماذج المعقّدة والتي ننتظرها من الحاسوب الكموميّ أو من الحاسوب الخارق سيكون هناك حديث آخر!
إنّ من المشاكل التي تُثار بين الفينة والأخرى هو كميّة الإنحرافات الصّغيرة التي تحدث في كثافات الكون المتشكّل. ولو طبّقنا مبدأ عدم اليقين على الوضع الكونيّ سنخرج بنتيجة أن لا يكون الكون موحّداً تماماً، بسبب التحوّلات التي تطرأ على الجّسيمات عموماً، منها السّرعة والتقلّبات وغير ذلك. وعند الحديث عن زمن من الأزمان يجب أن لا ننسى أنّ زمناً ما، قد وُجِد بالفعل، ذلك الذي نتحدّث عنه حينما كان الزّمن بحالة اللاإنسجام واللاتجانس، كما يسمح به مبدأ عدم اليقين (كما يقول هوكينغ حين الحديث عن حدود الكون وحالة اللاتجانس) حيث خضع (ويخضع) الكون إلى حالة من حالات التوسّع أو التمدّد السّريع، أي بوتيرة تختلف عمّا حصل بعد ذلك، كما حصل مع النّماذج التضخّميّة، أي الحديث هنا عن عدم محدوديّة الحدود لذلك الكون. في هذا الكون أو جزء الكون المتضخّم تتنوّع كثافة المادّة من مكان إلى آخر، وإن كانت الكثافة في تنوّعها قليلة. ووفق قانون الجّذب، وحين إختلاف الكثافة أو تنوّعها، يكون من الممكن أن تتعدّد قوّة الجاذبيّة على مناطق مختلفة الكثافة وبالتّالي مختلفة في سرعة التوسّع، وبالتالي سيشكّل هذا وضعاً جديداً في تشكيل المجرّات والنّجوم وحتى بعض المخلوقات التي تنسجم مع هذا الوضع!وبالتالي سيكون الحديث عن شروط في حدود الكون وفق مبدأ عدم اليقين المستخدم في ميكانيك الكم. وهنا أنا أقول: ليس من الحكمة أبداً تجريد العقل الأسمى كما ذكره ليبونوف (1) الأستاذ الروسيّ في الحديث السّابق الوارد في الحلقة 14 من هذه السّلسلة. حيث أنّ هذا العقل الأسمى يخلق ويدبّر وله قدرات لا محدودة حتى وإن لم تعترف أنت بها (القدرات!) أو به! فالأمر لا يتعلّق بإعترافي أو إيماني به، بل الأمر يتعلّق بالإمكانيّة التي يشير إليها علماء أفذاذ وباحثون كبار! ولو إستوعب الإنسان ما لكلمة الكينونة في الآيات المباركة لوصل إلى نتائج عظيمة!(.....اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) آل عمران الاية 47 لاحظ كيف يكون تسلسل الحديث في الكينونة! أين الزّمن هنا؟ هل يستطيع الباحث إستيعاب الزّمن هنا؟ أين هو؟ هل هو بين الكاف والنّون أم قبل ذلك؟ هل هو بعد النّون أم خلال الكلمة؟ أم الزّمن في تعبيره لا علاقة له بهذا؟ أنا أقول لك بكلّ تجريد، الزّمن هنا له العديد من المعاني وله العديد من الأسباب لوجوده. ولا علاقة لهذا الزّمن بالمكان مطلقاً. فالكينونة هنا تحدث بينما الزّمن يمكن أن يكون قبلها ولا علاقة له بها! أقول يمكن أن يكون ذلك!
(لا يقول لي قائل أنّ هذه الآيات واردة بإيماني بها ليس كل النّاس تؤمن بذلك! وأنا أقول هذه إشارات لباحث وجدها كي يتدبّر بها بلا تعصّب أو إنغلاق! كي يصل إلى نتيجة تخدم الجميع) لقد وصفتْ الكثير من النظريّات العلميّة أحداثاً عديدة ما بعد كينونة الكون (رغم قناعتها وتوثيقها وبرمجتها لإستمراريّة توسّع الكون، أي الإستمراريّة بالتكوين) ولم يعترف أغلب العلماء والباحثين بهذا الذي يسبق الكينونة. وهذا الوضع لعمري مشكلة كبيرة عندهم. حيث لا يتمّ الحديث فقط عن الكينونة بل الأسباب التي بموجبها تحدث. وتتشكّل القوانين والنّظام أو الأنظمة المتعدّدة، ووجود هذه القوانين إنّما هو وجود ضروريّ بل وجود حتميّ. علماً وفلسفةً وغيباً (إنتبه! ليس المقصود بالقوانين، تلك المتعامَل بها على النّطاق المعروف في العلوم الطبيعيّة، إنّما تلك القوانين بوصفها التفسيريّ المطلق! فإنتبه مع المحبّة!). ليس هناك مجال لإستيعاب شيء يتعلّق بلا ضروريّة النّظام و/أو أسبابه ولا بلا ضروريّة وجود العقل الأسمى المدبِّر الذي خلقَ ويخلق الكون، والزّمن الذي لا علاقة له بكينونة الكون أو عدمه. فالوجود كأيّ آلة (هكذا!) أو محرّك له موجِده وقبل ذلك له مفكّره ومهندسه (أي صاحب الفكرة في أن يكون هكذا وله القدرة على تطويره إلى الأمام ومعرفته بهذه القدرة!). لكن يجب أن نستوعب أنّ القوانين الطبيعيّة لا يمكن أن تخبرنا بما ينبغي أن يكون عليه الكون. حيث أنّ هذا مرتبط بالمطلقيّة في الإيجاد والشكليّة الحتميّة، أي بأيّ صورة ينبغي أن يكون شكل الكون.
إنّ شكل الكون الذي نقصده هو بالتأكيد أن تكون له أو فيه حدود معيّنة كما هو واضح! لكنّ الحقيقة أن يتمّ الحديث عن الكون وشكله بلا حدود بإعتبار نظريّة التوسّع ومنطق النظريّة النسبيّة العامّة التي تقول بإستمراريّة التغيير في شكل الكون كلّما توسّع أو إنكمش أو في حالة أيّ تغيير في هذا الموجود. حينما يتمّ الحديث عن هذا، ينبغي أن أفهم أنّ الحدود ليس لها معنى هنا. وبالتّالي سنعود إلى خالق الكون ونعتبر من قوله، أو من آمن بهذا الإتجاه! وحينها سنتعامل مع مسميّات أخرى لا تختلف أو تتناقض مع منطق علميّ رفيع، إذا ما أدخلنا إلى عالم العلم الطبيعيّ هذا العامل الجديد وعامل الإدخال هذا ضرورة من الضرورات التي تطرّق لها العلم! بلا شكّ. بإعتبار أنّ الباحث العلميّ المتفتّح يسعى إلى الحقيقة في كلّ مكان وبأيّ دليل أو إشارة كما نوّهتُ قبل قليل.
لقد بات من الأهميّة الإشارة ليس فقط إلى الزّمن، بل إلى أداة أو أدوات الزّمن. هل باتت هذه الأدوات متغيّرة أم كلّها ثابتة في منطق القياس وطريقته؟ هنا أشير إلى عدم الإمكانيّة إلى الآن التعامل مع آداة أو أدوات الزّمن الذي يمكن أن يعبّر عن هذا الزّمن أو الأزمان المتعدّدة بالإسلوب وبالأدوات إيّاها التي نستخدمها، والتي أشرنا إلى موضوعها سابقاً. كذلك إن تمّ الإتّفاق على أداة أو أدوات لهذا الزّمن، فكيف يمكن أن نقيّم أو نحدّد الآلة، وفق أيّ نظام أو منطق؟ أو هل يمكن أن نتعامل مع طريقة محدّدة؟ أم كذلك لا يمكننا أن نتعامل مع طريقة محدّدة؟ وهل نستخدم في هذه الأداة الأساليب في التعامل مع إحتماليّات الخطأ، وإن وُجِد، هل بالإمكان بتلك الأدوات معالجة الخطأ االمذكور أو غيره؟ أم نقرّر على أنّها مطلقة في القياس؟ بل لا أسلوب ولا نتيجة غيرها؟ وهل يمكن لنا أن نُدخِل علاقات أو مؤثّرات الإنسان أوتأثيراته عليها؟ إن كان الجواب بنعم، فكيف سيكون القياس مع تعدّد التأثيرات على كلّ مخلوق في العامل مع الزّمن؟
يمكن أن يكون الجواب من خلال الحاسوب الخارق أو الكموميّ أو كليهما. وإن وصلنا إلى نتيجة إيجابيّة في توحيد القوى، سنصل إلى الكثير من الأجوبة لكثير من الأسئلة. فتوحيد القوى بوجود الميكانيك الكميّ أو غيره من الأساليب القادمة سيكون بالتأكيد حلّاً مهمّاً، بل يقترب من الحلّ الأمثل. ولا ينبغي هنا أن ننسى ما لأهميّة التّعامل مع الزّمن الداخليّ بشكل كبير لفهم ما يتعلّق بعوالم أخرى. كي تكون الدّراسة شاملة مستوعَبة ومستوعِبة لما يسمّى بالإتّجاهات: شمال، جنوب، شرق وغرب وماذا تعني هذه الإتّجاهات في الزّمن الداخليّ، حيث الحركة غير المفسَّرة والتعامل مع هندسة متشابكة ورياضيّات مختلفة تدخل فيها عوامل عديدة لفهم حالتها. وقد لاحظنا، كم أُشير إلى الزّمن الخياليّ أو الزّمن التخيّليّ أو غير ذلك من المسمّيات التي لا يمكن لي أن أقتنع أنّها بعيدة عن الزّمن الداخليّ! ففيه لا وجود مطلقاً للأمام ولا وجود مطلقاً للخلف ولا غير ذلك. وسنقوم ببعض الشّرح لهذا وما حوله في حلقة أو حلقات قادمة ما أمكننا ذلك.
لقد تطرّق البعض إلى كون هذه فنتازيّات لا علاقة لها بعلم أو فلسفة أو غير ذلك. وأنا أقول: دعك من هذا وتعال معي نسير بثقةٍ ببعضنا البعض،لنقول ما يمكن أن ندغدغ به عالماً من العوالم لم يتطرّق له أحد إلّا ووصل إلى نتيجة تُريح نفسه وروحه والآخرين!(خاصّة إذا كنّا بلا ضغوط سياسة الفاسدين في كلّ مجالات الحياة، والتي باتت شغلاً كبيراً يشغل الناس عن التدبّر والتفكّر فأصبح همّهم الأوحد لقمة الخبز والأمان من جور السّلطان وغير ذلك من الضغوط!).
لا أعتقد أنّ من يسأل، يمكن له أن يجيب عن سؤال: لماذا الماذويّة!؟ وهو سؤال أثير من ضمن الأسئلة المتنوّعة، والماذويّة! يقصد بها ما يتعلّق بسؤال: ماذا؟ أي هل من حقّنا أن نصطلح عن شيء ما، ما (ماذا) هو، أو ما (ماذا) هي؟ بإعتبار طرح السّؤال له مغزى مهمّ جدّاً بالشّكل الذي يُطرح به والزّمن الذي يُطرح به كذلك. يعني، هل لي أن أقول ما (ماذا) الكون بلا زمن؟ الجّواب، نعم إذا ذكرته كما أريد، وهو (أيّ الزّمن) مجرّداً لا علاقة له بأيّ شيء آخر. والآخر هنا يمكن أن يكون، أنْ لا علاقة للكون بالزّمن، في دراستي للزّمن المجرّد. لأنّني أبحث عن الزّمن بذاته كما يعرف القارئ الكريم. الآن أقول: لو هناك كون بلا زمن كيف يمكن التعامل معه؟ وأجيب أنّ الكون لا علاقة له بدراسة الزّمن هنا. فلو كانت ماهيّة الزّمن فِعْليّة فلِمَ الحديث عن العلاقة مع كون أو غيره؟ ومن خلال الحديث عن جنس الزّمن ونوع الزّمن وغير ذلك من المميّزات المتنوّعة لهذا الخَلْق. فسؤال لماذا نتذكّر الماضي ولا نعرف المستقبل، سؤال وجيه إن إستطعنا أن نجيب عليه فقد دخلنا إلى عالم الوضوح الطيّب والمفهوم اللذيذ.

الماهيّة والأينيّة واللِماذَوِيّة!
لقد وضع جون ويلر فرضيّة الكون ذي الإلكترون الواحد وذلك عام 1940. تنصّ هذه الفرضيّة على أنّ جميع الإلكترونات والبوزترونات هي في الواقع، مظاهر لكيان واحد يتحرّك للخلف وللأمام في الزّمن المناسب (مع نقاش طويل ومهمّ لجون ويلر حول هذه الفرضيّة مع فاينمان). ولماذا (إنتبه! إلى أنّ اللِماذَوِيّة، تطرق باب الباحثين باباً باباً! دائما في كلّ تفصيل إلى أن يصلوا إلى مبتغاهم!) كلّ الإلكترونات لها نفس الشّحنة، ولها نفس الكتلة، يجيب: (لأنّها جميعاً نفس الإلكترون). هنا أريد أن أحدّد مفهوماً مهمّاً، هو: هل هناك تماثل خَلْقيّ، أي تشابه مئة بالمئة؟ تعريجاً على قول ويلر وفاينمان، إن كان هذا موجوداً فما (ماذا) الضّرورة (يعني الماذوية!) وأين يوجد هذا أو هذه (الأينيّة!)؟ وإن كان غير موجود، هل هناك ضرورة لعدم وجود التّشابه، أم ضرورة لوجود التّشابه!؟ بمعنى، كي أربط قولي بما يجب أن أربطه لأخرج بنتيجة حلوة ومقبولة: هل الزّمن الذي أتحدّث عنه، له شبيه أم ليس له شبيه؟ هل الشبيه ضرورة تكوينيّة أم بالعكس لا وجود للتّشابه أو التّماثل المطلق بنسبة مئة بالمئة.
وهذا هو الضروريّ؟
هنا يتحدّث فاينمان وويلر عن هذا فيما يتعلّق بالإلكترون (وليس الزّمن، لكنّني أقول لك إنتظر قليلاً وترقّب!كيف نحيله إلى الزّمن) الذي يشكّل عالماً محيطاً بالنّواة (أو اللبّ أو القلب!) ولكنّ الحديث بينهما عن الزّمكان وتأثيره، وعودة ما إلى ما تطرّق إليه أنشتاين في نسبيّته العامّة! حيث يناقش العالِمان أنّ للاكترون حركة تخطيط عبر الزّمكان أي رسم الإلكترون في حركته خطوطاً يمكن أن تكون عبارة عن أجزاء من سطر واحد مثل عقدة ضخمة متشابكة يقتفي أثرها إلكترون. يتمّ تمثيل أي لحظة في الزّمن بواسطة شريحة عبر الزّمكان وستقابل الخط المعقود عدّة مرات. (كلّ نقطة تمثّل إلتقاء إلكترون حقيقيّ في تلك اللحظة). ويعتقد ويلر وفاينمان أنّ (في هذه النّقاط يتمّ توجيه نصف الخطوط إلى الأمام في الزّمن المناسب وسيتمّ تدوير نصف الخطوط بشكل دائريّ وتوجيهها للخلف على أنّها جسيم مضادّ للإلكترون، وهو جسيم البوزترون)(2) (لا تنسَ يا عزيزي! عمليّة الطيّ التي تحدّثنا عنها في حلقة سابقة، أي طيّ المكان أو طيّ الزّمان).
والأهمّ من هذا هو البحث عن التّدوير (يقصد به الطيّ بإختلاف هندسيّ بسيط) ما بين الماضي والمستقبل فيما يخصّ الزّمن الذي نبحث عنه! حيث يقول فاينمان وكذلك ويلر أنّ عدد الإلكترونات أكثر من البوزترونات بشكل ليس بالقليل وبالتّالي وضعا تصوّراً كَتَباهُ، عبارة عن قول أنّ قلّة البوزترونات تكون بسبب إختفائها داخل البروتونات! وبالتّالي يكون الحديث هنا عن أنّ الجّسيمات المضادّة للإلكترونات (أي البوزترونات) يمكن تمثيلها بخطوط عالميّة معكوسة. ويقولان أنّ البوزترونات يمكن تمثيلها كإلكترونات تنتقل من المستقبل إلى الماضي في جزء خلفيّ من خطوطها العالميّة، وإنّ البوزترون عبارة عن إلكترون يتحرّك للخلف في الزّمن المناسب. أي أنّ عمليّة فناء وإنتاج زوج الإلكترون ـ البوزترون(3) قد تحدث بين زمن وزمن آخر والعمليّة ليست بإنتاج وفناء إنّما عبارة عن تغيير في إتّجاه الجّسيمات المتحرّكة ما بين الماضي والمستقبل.
هنا أشير إلى أهميّة هذا الكلام ببعض تفسيراته فيما يتعلّق بالزّمن. حيث أنّ هذا الإنتاج أو الخَلْق، ومن بعده، فناؤه وبالعكس كذلك، إنّما هو تعبير عن فهم الزّمن أو فهم لنوع من أنواع الزّمن. حيث الإنتقال ما بين الماضي والمستقبل هو في الحقيقة ظهور وإختفاء ظاهريّ لا واقعيّ. والزّمن هنا تعبير لا علاقة له بإصطلاح الماضي ولا بإصطلاح المستقبل إلّا من خلال ما نتصوّره نحن من مسمّيات زمنيّة كما هو واضح. ولا تقلْ لي: ربّما يكون هناك إحتمال في التصوّر هذا، أقول إحتمال وارد جدّاً بل الإحتمال الأكبر! لا تتعجّب لأنّ الحديث عن جسيمات تتبادل الأدوار إفتراضاً. بينما نتحدّث نحن عن زمن قد أشرنا إليه، أن لا ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل لأنّها إصطلاحات لها علاقة بتصوّراتنا في حركة جُرْمٍ من الأجرام، كما في الشّمس والأرض والقمر والكواكب الأخرى، ليس إلّا!
ببساطة نعود إلى القول أنّ شكل الكون الصّغير أو الكون الكبير مُتَصوّرٌ لا ثبات فيه وبالتّالي يكون من ضمن هذا الكون وجود الموجودات التي لم يثبت أنّها تتلاشى من الكون بالموت أو غيره. بإعتبار أنّ الموت الذي يحدث للموجودات إنّما هو تغييرات في الإتّجاهات. حيث حين موتها لا موت زمني لها بالشّكل المعروف عن الزّمن التقليديّ.إنّما هو إنتقال من نوع من نَوْعَيْ الزّمن (إن كانا إثنين ليس أكثر!) إلى الآخر. من الخارجيّ الى الدّاخليّ وفي الخَلْق الجّديد يكون الإنتقال من الدّاخليّ إلى الخارجيّ وهكذا.
سنعود إن شاء الله
مؤيّد الحسينيّ العابد
Moayad Al-Abed
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=661565(1)
https://en.wikipedia.org/wiki/One-electron_universe(2)
(3) عمليّة انتاج زوج إلكترون ـ بوزترون، عمليّة تفاعل نووي تكون نتيجته تكوّن جسيم الإلكترون وضديده البوزترون او بالعكس فناء الجسيمين حينما يتحولان الى فوتوني اشعة غاما. شرط ان تكون طاقة الفوتون لا تقل عن مجموع كتلتي الجسيمين السكونية. ويعبّر عن عمليّة الانتاج او الخلق بالشكل التالي:
Gamma photon (to) electron + positron








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طفل فلسطيني يجمع قطرات المياه من خزان متنقل في غزة ليرتوي


.. الثاني عربياً والأول سورياً.. وفاة رائد الفضاء محمد فارس




.. معهد في كاليفورنيا يجمع أكبر كاميرا فلكية في العالم


.. وضع لؤي وائل لاعب المقاولون تحت الملاحظة الطبية 24 ساعة بعد




.. رئيسة جمعية العون الطبي للفلسطينيين تحذر من كارثة صحية في غز