الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقاعة الاسلام العصري ومواكبة الحداثة

محمد يعقوب الهنداوي

2020 / 10 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تركيا وماليزيا "تطبيقات اسلامية عصرية" يفخر بها المسلمون!

فهل ثمة فرق بين الاسلام العربي وغير العربي؟

ولماذا لا تعيش الدول غير العربية ذات الهوية الاسلامية (ماليزيا، تركيا مثلا) ما تعيشه الدول العربية التي تسمي نفسها اسلامية من جهل وتخلف وصراع؟

طرح أحد الأصدقاء الكرام هذا السؤال ضمن حواراتنا التي لا تنتهي عن أزمة المجتمعات الإسلامية وفرصها في الخروج من بوتقتها التاريخية والانطلاق الى رحاب العصر الحديث حيث الاندماج الاجتماعي والتشريعات المعارضة للتعصب والعزل المجتمعي هي المعيار لمدى التحاق بلد ما بالتوجه العام للبشرية بعيدا عن الانغلاق الديني والعنصري.

وآثرت ان أعرض إجابتي عليكم للمشاركة في الحوار وإغناء الموضوع وخاصة لأن الاسلاميين يباهون بهذين المثالين باعتبارهما "تجارب اسلامية عصرية ناجحة"، فهل هما مثالان ناجحان فعلا؟

(1)

السؤال مبرر تماما طبعا في ضوء الفوارق الكبيرة التي تعيشها الدول "الإسلامية" سواء على مستوى الرفاهية والظروف الاقتصادية أو على مستوى الانفتاح النسبي أو الصراعات المذهبية التي تمزقها وتتحكم بأوضاعها ومصائرها. لكنه أيضا سؤال تكتنفه الوعورة لأنه يستتبع بالضرورة أسئلة أخرى منها:

- هل يصلح الإسلام منهجا للحكم في عصرنا إذا خلطناه ببعض "التوابل" العصرية؟ أو لو توفر حاكم فرد، أو عصبة من الحكام، أقرب الى التفكير الغربي وأكثر استعدادا للانفتاح على العالم المعاصر وقوانينه وتشريعاته وممارساته؟

- إذا كنا نقرّ، بصورة أو أخرى، ان الدول العربية التي تسمي نفسها اسلامية تعيش الجهل والتخلف والصراع، فهل يمكن تخفيف غلواء هذا الدين واحكامه وتشريعاته بصورة تجعله أكثر معاصرة وملائمة للحياة والمجتمع وتخفف من عواقبه المدمرة التي شهدناها تطبع واقع المجتمعات والدول الاسلامية؟

- وإذا كان ذلك ممكنا فلماذا فشلت تجارب أكثر من 1450 عاما في إرساء الأسس لمجتمعات أكثر إنسانية وانسجاما وحضارية وقدرة على تحقيق أية منجزات على الصعد العلمية والفنية والفكرية والثقافية بصفة عامة، فانتهت الى ما انتهت اليه من جهل وتخلف وصراع، رغم التنوع البشري والإرث الثقافي والمستويات الحضارية التي كانت تلك المجتمعات تعيشها قبل وصول الاسلام اليها؟

- كانت المجتمعات التي هيمن عليها الحكم الإسلامي تعيش قبل ذلك مستويات متباينة من التقدم الحضاري والابداعي والفكري وكان بعضها رائدا في مجالات كثيرة، فلماذا انتهت كل تلك المجتمعات الى وضعها البائس المعاصر؟

- وهل تختلف تجارب (ماليزيا وتركيا) من حيث الجوهر عن بقية المجتمعات والدول التي تحكمها أنظمة إسلامية وقوانين وتشريعات إسلامية أو تعتبر الإسلام "المصدر الرئيسي للتشريع"، أم ان الاختلافات شكلية وشعاراتية وتبليغية فقط؟

- تستند العناصر الأساسية للنظام الإسلامي الى أحكام القرآن والسنة النبوية التي تقع في القلب منها أحكام الجهاد وأفضلية المسلم على غير المسلم وخيارات غير المسلمين في ظل النظام الإسلامي بين التحول الى الإسلام أو دفع الجزية أو القتل، وكذلك جميع ما يتعلق بتشريعات الأحوال الشخصية من حيث حق الرجل الزواج بأربعة، الى جانب أنواع "التسرية" والرق والاستعباد، وقضايا الإرث وشهادة الشهود وغيرها، وتنعكس كل هذه الأحكام والاعتبارات في الممارسات اليومية للمجتمع المسلم، فهل يمكن إلغاء أو تحوير أو تعديل هذه الأحكام لتكون أكثر ملائمة لروح العصر أو للمجتمعات الأكثر إنسانية؟

- للحاكم موقع مقدس في الإسلام بوصفه (ولي الامر) وتدعمه المؤسسة الدينية حتى لو أخطأ، فهل يمكن اعتبار ما يسمى "شورى" في الإسلام بديلا عن النظام الديمقراطي؟ علما ان الإسلام يرفض الديمقراطية من حيث الجوهر وكل ما تمارسه التنظيمات والقوى السياسية الإسلامية من مناورات انما يدخل في باب التكتيكات الموقتة وفق مبدأ "يتمسكن حتى يتمكن"، ولنا في تجربة الرئيس المصري الإسلامي (محمد مرسي) وحكم الأخوان قبل سنين قليلة قدوة حسنة.

- موضوع علاقة الدين بالدولة يشترط التمييز بين مواطن درجة أولى هو المسلم ومواطنين أدنى هم أتباع بقية الأديان، وكذلك التمييز بين الرجل الذي هو صاحب الأمر والقرار وبين المرأة التي هي في موقع التابع والخاضع والي لا يحق له الظهور أو الخروج من البيت الا بأمر الرجل (ولي الأمر)، فكيف سيتم تطويع التشريعات الإسلامية لتتواءم مع التشريعات الحديثة التي تشترط المساواة بين المواطنين بعيدا عن اعتبارات الجنس أو العرق أو المعتقد؟

- الدول الحديثة تقوم على أٍساس الضرائب مقابل الخدمات، فكيف يمكن تطويع مبدأ الزكاة ليتلاءم مع ذلك، وأين تقع المؤسسة الدينية من ذلك؟

- يفترض ان الإسلام يحرم الربا والفائدة المصرفية فكيف يمكن أن يتحقق ذلك دون التصادم المباشر مع مباديء الاقتصاد المعاصر ودون أن يشكل ذلك خللا جوهريا في الاثنين وخلق إشكالية لن تلبث ان تنفجر في فترات تفاقم الأزمات الاقتصادية والصراعات السياسية.

- العالم اليوم عبارة عن قرية صغيرة واحدة تحكمه الرأسمالية المنفلتة، ولكل بلد أو مجتمع دوره المحدد في التقسيم الدولي للعمل وفي السياسة وحتى في التحالفات العسكرية، فكيف يمكن التوفيق بين مبدأ "نشر الدعوة لدين الله" وبين التبعية التامة للنظام الرأسمالي العالمي؟

(2)

السؤال الآخر الذي ينبثق من السؤال الأول هو:

هل بالفعل لا تعيش الدول غير العربية ذات الهوية الاسلامية (ماليزيا، تركيا مثلا) ما تعيشه الدول العربية التي تسمي نفسها اسلامية من جهل وتخلف وصراع؟

وفي نص السؤال ورد مثالان هما: ماليزيا وتركيا.

فما حقيقة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والابداعية والحضارية وحقوق الانسان وموقع المرأة والطفل في سياسات وأولويات هذين البلدين، وكيف تعيش مجتمعاتهما، وهل ما يعيشانه من ظروف وأوضاع أفضل من نظيراتهما العربية ذات الصلة بالإسلام؟

تركيا، وريثة عرش الإمبراطورية العثمانية كان من المفترض أن تكون ليس من البلدان المتقدمة في العالم، بل وفي صدارتها جميعا نظرا لما تمتعت به من ثراء وسطوة وقدرات مالية وبشرية وسلطوية كانت كفيلة، لو أحسن استغلالها، ضمن حدود الواقعية الممكنة وليس أكثر، بأن تفوق أوربا وأمريكا قدرة مجتمعتين.

وتكفي مقارنة بسيطة بين الإمبراطورية العثمانية وامبراطورية أخرى كانت تشابهها في الكثير من الظروف وخاصة البنية الفكرية والثقافية والإرث الامبراطوري والتقاليد القبلية الصارمة الموروثة وتخلف قوى الانتاج التي شكلت عائقا أمام النهضة الصناعية التي شهدتها أوربا، هي اليابان.

فحتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، كانت اليابان تعيش في "عصور مظلمة" مشابهة الى حد بعيد لما كانت تعيشه الامبراطورية العثمانية، وكانت تقبع تحت إرث ثقيل وتخلف مقيم وتقاليد عصية على التطور.

لكن الربع الأخير من القرن التاسع عشر شهد ثورة جبارة فيها، فما ان انتبهت القوى المسيطرة فيها على الفارق الهائل بينها وبين ما يشهده الغرب من نهضة صناعية وحضارية وتقنية حتى انتفضت البلاد ونخبتها الحاكمة وجابهت النظام القديم وسارعت الى ارسال أعداد كبيرة من شبيبتها للغرب للتعلم ونقل التكنولوجيا الغربية ومحاولة تقليدها ومجاراتها انطلاقا من الصفر.

وخلال نصف قرن فقط كانت اليابان قوة امبريالية عظمى ودولة صناعية متطورة نافست الغرب وتفوقت عليه في مجالات كثيرة وكادت حتى أن تنتصر في الحرب العالمية الثانية لولا استخدام القنابل النووية ضدها.

بل وحتى مع استخدام القنابل النووية ضدها، وهي الدولة الوحيدة التي عانت من ذلك على مستوى العالم، فسرعان ما نهضت من كبوتها واليابان اليوم هي الدولة التي نعرفها الرائدة في جميع المجالات الصناعية والابداعية والتقنيات المتقدمة جدا.

فاين الدولة العثمانية، الأقرب من اليابان جغرافيا الى أوربا والأقرب الى الاحتكاك والتفاعل معها، وهي الإمبراطورية التي كانت تحتل أجزاء شاسعة من أوربا حتى الأمس القريب؟

ولماذا لم تحقق بعض ما حققته اليابان؟

لقد حافظت تركيا على تقاليد الانكشارية والعسكر والروح القتالية وعملت على تغليب القوات المسلحة على كل شيء وجعلت الجيش سيد الموقف والقرارات وطوعت له كل المجتمع وطاقاته وحاولت من خلال هذه النظرة العسكرية الضيقة مقاربة الغرب والالتحاق به غير موقنة بل ورافضة للاقتناع بأن الجيش عنصر استهلاك للطاقات والثروات الاجتماعية وليس منتجا،

وان التركيز الأحادي الجانب على تقوية الجيش وتسليحه دون تعزيز الطاقات المجتمعية المدنية من صناعية وثقافية وابداعية وتعزيز الحريات الانسانية وصياغة قوانين عصرية لإدارة شؤون الاقتصاد والدولة والأسرة، لن يقود الا الى نتيجة محتومة واحدة هي تغليب روح العسكريتاريا على الروح الإبداعية في المجتمع وخلق روح الخنوع والخوف والنفاق والغدر والترصد والانقلابات العسكرية لدى افراده بدل روح التطلع والتحدي والابداع.

والآن، وبعد أكثر من قرن على انهيار الإمبراطورية العثمانية ونشوء "تركيا الحديثة" لا زالت تركيا هي هي، دولة إسلامية منغلقة متخلفة يعشعش فيها الفساد والدكتاتورية وهيمنة شخصيات قمعية تافهة مثل أوردوغان، فما الفرق بين تركيا ومصر مثلا؟

كلاهما دكتاتورية عسكرية فاشلة ينخرها الفساد والتخلف واقتصادها رهين السياحة الغربية التي لا حياة له من دونها. اقتصاد خدمي تابع متخلف يعتمد في تجهيزه بالمنتجات الصناعية والتقنية المتقدمة على الاستيراد، كما يعتمد في التسليح على القوى الأجنبية أيضا.

(3)

حقيقة تجربة ماليزيا

قبل الخوض في تجربة ماليزيا علينا أن نضعها في اطارها التاريخي والجغرافي والسياسي الدولي الصحيح لنشخص أسباب وعوامل وملابسات صعودها النسبي. فماليزيا لا تمتلك مقومات "دولة" بالمعنى الصحيح، بل هي تجميع لعدد من الاقطاعيات الدينية المتخلفة على جميع المستويات اقتضت الظروف والمصالح الامبريالية العليا توحيدها في كيان واحد تسهل ادارته وتوجيه سياساته وتفعيل دوره في محيطه السياسي الشديد التوتر والحساسية.

والظروف المقصودة هنا هي ما أعقب الحرب العالمية الثانية من صعود الصين وحرب فيتنام وكمبوديا ولاووس وتفاقم الصراع الدولي مع الاتحاد السوفيتي السابق في أتون الحرب الباردة واشتعال بؤر "القتال بالنيابة".

هذه الظروف اقتضت إحاطة الصين والاتحاد السوفيتي وبؤر التوتر القريبة بحزام أمني متماسك تسهل ادارته وتمويله وإحكام تبعيته ودعمه سياسيا وعسكريا ليلعب دوره في خنق أنفاس المعسكر المقابل.

ولم يك ثمة ما هو أفضل من استغلال التعصب الديني الإسلامي للتحريض ضد الشيوعية خاصة وان الجارة اندونيسيا كانت تشهد مدا شيوعيا عارما، و"الملايو" ذاتها كانت قد شهدت صعود "حزب شيوعي" قوي كان يهدد بالامتداد الى أجزاء كبيرة من المنطقة، وكان يتبع المسار الصيني – الفيتنامي الى حد كبير، كما تلقى بعض الدعم من الصين الشعبية وقاد تمردا شعبيا مسلحا دام أكثر من عشرين عاماً.

تسمى الأحداث "الثورة الشيوعية الثانية في ماليزيا" أو "الطوارئ المالايوية الثانية"، فبعد انتهاء الطوارئ المالايوية (الأولى) في عام 1960، التي كانت موجهة ضد الاستعمار البريطاني الذي أعلن منح ماليزيا "استقلالاً" شكلياً أنهى مبررات تلك الثورة، تمركزت قوات جيش التحرير الوطني المالايوي، عند الحدود الماليزية التايلندية حيث أعاد تجميع وتدريب قوّاته للهجمات المستقبليّة ضد الحكومة الماليزية، وبدأت الصدامات العسكرية (مع قوات السلطة المركزية في كوالالمبور) رسمياً في حزيران 1968.

وتزامن الصراع مع التوترات بين العِرقيين المالاويين (المسلمين) والصينيّين والهنود في شبه جزيرة ماليزيا، والذي تزامن كذلك مع حرب فيتنام.

وجابهت الحكومة الماليزية التمرّد بالقوة العسكرة المدعومة بريطانيا الى جانب توظيف عددٍ من المبادرات السياسة كان منها برنامج الأمن والتطوير، وجماعة المواطنين المتطوّعين، وهم المرتزقة الملاويين المسلمين المجهزين والمدعومين ماليا وتسليحيا من قبل بريطانيا للوقوف بوجه الشيوعيين.

وانتهت تلك الثورة، رسميا، في أواخر 1989 عندما وقّع الحزب الشيوعي المالايوي اتفاقية السلام مع الحكومة الماليزية، وتزامن ذلك مع انهيار الأنظمة الشيوعية للكتلة الشرقية.

وكان القتال في شبه الجزيرة المالايوية، قد رافقه تمرد شيوعي آخر في ولاية ساراواك الماليزية في جزيرة بورنيو، وانتهى هذا التمرد أيضا بموجب نفس الاتفاق.

(4)

موقع المسلمين في ماليزيا وموقفهم من الاستعمار البريطاني

كان المسلمون الملايو دائما ضد الثوار الشيوعيين والى جانب السلطات البريطانية التي دعمت سلطاتهم الاقطاعية على الدوام ورسختها ومنحت كلا منهم لقب "سلطان" على ولايته، وأقامت نظاما دوريا يتولى كل منهم بموجبه عرش "مملكة ماليزيا" لمدة خمس سنين في ترتيب مضحك يبدو منه انها "ملكية دستورية ينتخب ملكها ديمقراطيا"، في حين ان الواقع ليس سوى تمثيلية شكلية.

فالسلطان الذي تنتهي فترة "ملوكيته" في العاصمة كوالالمبور سيبقى "سلطانا" في ولايته على الدوام، إضافة الى ان تلك "السلطنة" الاقطاعية تبقى وراثية في أسرته ولا تتدخل السلطات المركزية في حكمه المطلق.

الى جانب ذلك فان 9 فقط من "سلاطين" الولايات يحق لهم تولي العرش الملكي في العاصمة كوالالمبور بينما لا يحق لحكام الولايات الخمس الآخرين أن يتولوا ذلك العرش، كما لا يحق لهم الاشتراك في اختيار الملك، لأنهم ليسوا من المسلمين الملايو ولا يتولون سلطانا اقطاعيا وراثيا.

أما عملية اختيار "ملك البلاد" فعبارة عن كوميديا كاملة اذ يجتمع السلاطين التسعة ويعطى كل منهم ورقة مكتوب فيها (نعم أو لا) ويقوم بشطب أحدى الكلمتين ووضعها في "صندوق الاقتراع"، ويتم "انتخاب" الملك بأغلبية خمسة أصوات.

ولم يحصل ابدا ان رفض أحدهم. وبعد أن اكتملت الدورة الأولى من "تدوير" عرش الملك، يعاد الآن تداول العرش بموجب ترتيب الدورة الأولى.

واليوم، فان "مملكة ماليزيا الاسلامية" (أو "الاتحاد الماليزي"، وفقا للاسم الرسمي) هي، الى جانب اندونيسيا الإسلامية، أوسخ الدول الفاسدة في شرق آسيا رغم انها تلقت دعما هائلا من الغرب ضمن محاولات تصنيعها ونقل صناعات الكترونية كثيرة اليها بهدف تحديث اقتصادها ودعمها.

وكان من حسن حظ "سنغافورة" انها طردت من "الاتحاد الماليزي" في الستينيات بسبب ضعف النسبة العددية للمسلمين فيها (أقل من 15 بالمائة)، حيث أصبحت من أبرز القوى الاقتصادية الصاعدة والأسواق الناشئة في العالم، بينما تحكم ماليزيا من قبل مافيات لصوصية تطبق شرع الإسلام وتطرد اللاجئين من كل بقاع العالم لكنها ترحب بالمسلمين من أينما جاءوا، وهي تطبق أحكام الجلد والضرب بالعصا وفرض الحجاب وزواج القاصرات ودونية المرأة وغير ذلك من أحكام "الشريعة".

وفي أعقاب التسوية في أواخر الثمانينيات، فرضت الأغلبية المسلمة على بقية المكونات العرقية نظاما مجحفا يتم بموجبه منح الأولوية القصوى للمسلمين وبما يضمن نقل نسبة ملكيتهم للثروة في البلاد من 2 بالمائة الى 30 بالمائة خلال ثلاثة عقود، وهو ما تحقق الآن تقريبا رغما عن أنف الصينيين والهنود وبقية المكونات العرقية والدينية، الى جانب فرض الدستور الإسلامي ومنح المسلمين الأولوية في جميع المجالات، إضافة الى شنّ "حركة الأسلمة" الإجبارية في الثمانينيات والتسعينيات.

(5)

التمييز العرقي والديني ومنح الأفضلية للملايو المسلمين:

يصف الدستور دين الدولة بأنه الإسلام، ويعدَّ ملك ماليزيا راعيًا للإسلام في البلد، ويمنع غير المسلمين من نشر دينهم وسط المسلمين، لكنه يسمح للمسلمين بنشر دينهم وسط غيرهم من أبناء الأديان الأخرى، الى جانب المعاملة التفضيلية في التوظيف والتعليم والمنح الدراسية، والأعمال التجارية، والحصول على مساكن أرخص والمساعدات الفورية. وأدت هذه المعاملة الخاصة الى إثارة الحقد والضغينة بين الملايو وغير الملايو.

ويشيع ظهور المذيعات المحجبات على شاشة التلفزيون أكثر أي من البلدان الإسلامية، وإنشاء البنوك والشركات الإسلامية، والجامعة الإسلامية العالمية، ووجود المئات من المدارس الدينية في كل مكان في ماليزيا، يؤمها أطفال المسلمين بعد انتهاء دوامهم من المدارس العادية، وصدور قانون للطعام الحلال، وقانون آخر يمنع "الخلوة" بين الرجل والمرأة المسلمين.

ولتكوين فكرة عن عدالة واتزان النظام السياسي والاجتماعي يقتضي الأمر النظر الى ثلاثة محاور تبعا لمستوى هيمنة الدين والمؤسسة الدينية، والجهات المتواطئة معها، على الدولة وهي:

1- الرسمي: على صعيد التسمية والرموز والشعارات والدستور والقوانين والتشريعات، التي قد تتوافق أو تتعارض مع الدستور الأساسي الى هذا الحد أو ذاك، وما تفرضه من بنية هيكلية وممارسات تنفيذية على مستوى الدولة، ودور ونفوذ المؤسسة الدينية وتوابعها وقوتها القانونية والاقتصادية وعلاقتها بالسلطة ومراكز القرار. ومدى استقلالية القرار الحكومي (الرسمي) عن نفوذ وتأثير المؤسسة الدينية وتوابعها وكذلك مدى الهيمنة العسكرية على الشارع والقدرة على تشكيل المافيات المذهبية وتأليب الشارع ضد العلمانية والممارسات المدنية.

2- الشعبي – الواقعي: على صعيد الحياة اليومية للناس والعادات والتقاليد والالتزامات اليومية والطقوس ومدى قربها أو بعدها عن مصطلح "الإسلامية" الموروث حرفيا، ومستوى التشرذم المجتمعي والتناقضات التي تنشأ عن اختلاف الطوائف والمذاهب والتوجهات، والتي تتسبب في اختلالات في الحياة اليومية للمجتمع وانعكاسات التوازنات الطائفية على "تحاصص" السلطة وتقاسم مراكز القوة والنفوذ، والمستوى العام للتقدم العلمي والحضاري ودرجة الانفتاح الاجتماعي ونسبة المتعلمين ونوعية التعليم ونسبة التعليم الديني المفروض على المناهج... الخ.

3- الموقع الاقتصادي لتلك الدولة ضمن التقسيم الدولي للعمل وقيمة مواردها ومصادر الثروة فيها وقدراتها الإنتاجية ومديات تأثير ذلك على مستقبلها مجتمعيا واقتصاديا وسياسيا وانعكاسه على أهميتها الإقليمية والدولية بموجب العلاقة بين المراكز الرأسمالية الرئيسية والتوابع التي تدور في أفلاكها، وعلاقات التبعية التي لا مهرب منها.

الفساد في ماليزيا:

وفقا لمنظمة الشفافية الدولية تندرج تحديات ماليزيا الرئيسية في مجال الفساد على النحو التالي:

• تمويل الحملات السياسية: لا تقتصر التبرعات المقدمة إلى الأحزاب السياسية والمرشحين في ماليزيا على الشركات والأفراد. كما أن الأحزاب السياسية ليست ملزمة قانونًا بالإبلاغ عن مصادر ووجوه صرف الأموال التي تنفق أثناء الحملات الانتخابية.

• "الباب الدوار": ينتقل المسؤولون وافراد شريحة السياسيين بانتظام بين العمل في القطاعين العام والخاص في ماليزيا، مما يؤدي الى مستويات عالية جدا من الفساد والتفاعلات المشبوهة والمتداخلة بين القطاعين العام والخاص والإفلات من العقاب.

• الوصول إلى المعلومات: لا يوجد قانون اتحادي لحرية المعلومات في ماليزيا. وإذا تمت صياغة قانون اتحادي لحرية المعلومات، فسيتعارض مع قانون الأسرار الرسمية - حيث يمكن تصنيف أي وثيقة رسميا على أنها سرية، مما يجعلها معفية من وصول العامة لها وأيضا من المراجعة القضائية.

وتحظر قوانين مثل قانون المطابع والمنشورات، وقانون الفتنة وقانون الأمن الداخلي نشر المعلومات الرسمية.

وتعاني ماليزيا من سرقة حقوق الملكية الفكرية. وتنتشر فيها شركات إنتاج السلع المزيفة والمزورة بما في ذلك منتجات تكنولوجيا المعلومات وقطع غيار السيارات وغيرها.

(6)

هيمنة الفساد والجريمة وحقيقة النمو الاقتصادي في ماليزيا بالمقارنة مع دول الجوار

الفساد في التعامل مع الهجرة

على الرغم من الإجراءات الدورية التي اتخذتها الحكومة للقضاء على الفساد في إدارة الهجرة، إلا أن أخذ الرشاوى وإصدار التأشيرات المزورة لا زال قائما، لا سيما بين ضباط الهجرة في مطار كوالالمبور الدولي.

وفي بيان في ديسمبر 2016 للصحافة الماليزية، قدّر نائب رئيس الوزراء أحمد زاهد ساميدي أن أكثر من 1500 من ضباط الهجرة العاملين في مطار كوالالمبور الدولي شاركوا في الممارسات الفاسدة، بما في ذلك إصدار تأشيرات مزورة، والعبث ببيانات إدارة الهجرة والتواطؤ مع وكلاء الاتجار بالبشر.

وتتجلى الجريمة في ماليزيا في أشكال مختلفة، بما في ذلك جرائم القتل، وتهريب المخدرات، وغسيل الأموال، والاحتيال، والفساد، والسوق السوداء، وغيرها.

وتحتل ماليزيا المرتبة الأولى في جنوب شرق آسيا بالنسبة لمعدلات الجريمة، وخلال السنوات القليلة الماضية كانت ضمن قائمة 20 دولة الأعلى من حيث معدلات الجريمة في العالم. وتقع في ماليزيا بشكل متكرر حوادث تبادل إطلاق النار بين الشرطة والمجرمين إضافة إلى جرائم القتل عن طريق الدهس بالسيارات.

وتُعد ماليزيا وجهة ومصدر إمداد وطريق عبور للنساء والأطفال الذين يتم الاتجار بهم لغرض استغلالهم في تجارة الجنس. ويتم الاتجار بالنساء والفتيات من بورما وكمبوديا والصين وإندونيسيا والفلبين وتايلاند وفيتنام والإتيان بهم إلى ماليزيا.

وتُعد ماليزيا إلى جانب إندونيسيا والفلبين وتايلاند بلد عبور لتجارة البشر المُتجهة إلى الصين، ويعمل المهاجرون من بلدان المنطقة كخدم منزليين وعمال في قطاعي البناء والزراعة ويواجهون ظروفًا استغلالية خطيرة.

وبين عامي 2005 و2009، تم اعتقال أكثر من 36,858 امرأة بتهمة الدعارة في ماليزيا.

ويمثل الاتجار بالمخدرات قضية بحد ذاتها في ماليزيا، حيث أن الهيروين هو المخدر الأكثر استعمالا في البلاد.

وفي موجة فضائح الفساد الرهيبة التي تجتاح البلاد يظهر الدور القذر الذي تلعبه السعودية، حيث تكشف مؤخرا ان رئيس الوزراء المخلوع (نجيب رزاق) تسبب في اختفاء أربع مليارات ونصف المليار دولار خلال فترة حكمه القصيرة، الى جانب تلقيه رشوة من السعوديين بقيمة 700 مليون دولار دخلت حسابه الشخصي دفعة واحدة، وذلك باعتراف زاهد حميدي نائب رئيس الوزراء السابق (نجيب رزاق).

كما بلغت قذارة الصراعات على السلطة حتى بين المسلمين حد انه جرى تسقيط رئيس الوزراء الأسبق (أنور إبراهيم) بتهمة "المثلية الجنسية" التي سواءً كانت صحيحة أم لا فالنتيجة واحدة وهي تعبير عن انحطاط الفئات الحاكمة الذي انعكس أيضا في بيع المواقف السياسية والعسكرية، فمقابل الرشوة السعودية وافقت الحكومة الماليزية على المشاركة في التحالف السعودي في الحرب اليمنية، والتي اضطرت الحكومة التي أعقبت نجيب رزاق الى الانسحاب منها رسميا بسبب تفجر الفضيحة.

ورغم الدعم الهائل الذي تلقته ماليزيا من القوى الرأسمالية العالمية (وخاصة الغرب واليابان)، ومحاولة الحاقها بمجموعة "النمور الآسيوية، ظلت هذه البلاد الأكثر تخلفا وتراجعا بالمقارنة مع جيرانها.

وسأكتفي هنا بتقديم بعض المعلومات عن سنغافورة، التي طردها الاتحاد الماليزي من عضويته عام 1965 بسبب عدم هيمنة المسلمين على الحكم وعلى الأغلبية في البلاد، والتي توضح الفارق بين ما كان بإمكان ماليزيا أن تحققه لولا وصمة الدين الإسلامي وفرض الشريعة الإسلامية في جميع مفاصل الحياة والحكم في البلاد.

ومثلما عقدت مقارنة من قبل بين التجربة اليابانية والتجربة التركية (العثمانية) أدعوكم لعقد مقارنة بين تجربتي ماليزيا وسنغافورة من خلال الرابطين أدناه:

ماليزيا:

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A7
سنغافورة:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%86%D8%BA%D8%A7%D9%81%D9%88%D8%B1%D8%A9








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح