الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات ( 238) الجاليات والمغتربون

بشير الوندي

2020 / 10 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


مدخل
-----------
لايستغني اي جهاز استخبارات عن العنصر البشري في مجال التقاط المعلومات التي يهتم بها , سواء المعلومات عن العدو او عن نياته تجاه بلد ما , وكذلك الامر في صد اية محاولات لتسريب معلومات البلاد الهامة الى الاجنبي او التعاون معه بالضد من مصالح البلاد , ومن هنا يأتي الاهتمام بالجاليات من قبل استخبارات البلد الام واستخبارات البلد المضيف .
----------------------------------
انواع الجاليات واتجاهاتها
----------------------------------
تختلف اوضاع واشكال الجاليات من بلد الى آخر , فالاجانب في اي بلد هم خليط من عوائل مغتربة ومستقرة لها اعمالها والكثير منها تحمل جوازات البلد المضيف , ومنهم الطلبة الدارسين في جامعات ومعاهد البلد المضيف , ومنهم المهاجرون من اجل لقمة العيش للعمل في اية مهنة مهما كانت متدنية (كالبنغلاديشيين في العراق) , وفيهم المعارضون لبلدانهم لاسباب سياسية او الهاربون من احكام قضائية من بلدانهم , ومنهم المرفهون الذين يرومون العيش في بيئة افضل من بيئة بلدانهم , وغير ذلك , وتبعاً لذلك تختلف علاقة كل من هؤلاء مع سفارة بلدانهم , فمنهم من يراها وكر للتجسس عليه , ومنهم من يراها كأية دائرة من دوائر الدولة يحتاجها لتمشية معاملاته .
كما تختلف صفات بيئة الجاليات وتماسكها , فهنالك الجاليات الدينية كالجالية اليهودية في العالم , وهنالك الجاليات العائلية كالجاليات السورية واللبنانية , وهنالك الجاليات المتماسكة وجاليات متصارعة فيما بينها لاسباب مذهبية او سياسية , وهو امر تلعب عليه اجهزة الاستخبارات.
ومن جانب الدول , هنالك دول تستثمر في جالياتها وتكسبهم الى جانبها وتستفيد منهم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والامنية وفي الاعمال الاستخبارية اللوجستية , وتحاول شدهم اليها وتسعى لتشجيع الميسورين منهم لاستثمار في بلدانهم , وتثير فيهم الحنين لبلدانهم من خلال مختلف الفعاليات الادبية والفنية والدعوات للمؤتمرات وزيارة المسؤولين لهم وتفقدهم.
وهنالك دول تتصارع مع جالياتها لاسيما الجاليات التي تخلفها الحروب والانقلابات الدكتاتورية او نتاجات سقوط الانظمة , وهنا تسعى الاستخبارات الام في الدول الدكتاتورية لأعمال الرصد والاختراق والاغتيال والخطف والاسكات والابتزاز في اوساط تلك الجاليات .
--------------------
اهداف مختلفة
--------------------
ان كلا الجهازين (جهاز البلد الام وجهاز البلد المضيف ) يسعيان في اوساط المغتربين والجاليات الى جملة اهداف , فجهاز البلد الام يهمه :
1- ان يتأكد من ان تلك البيئة لاتنتج جواسيس يجندهم البلد المضيف من خلال رصد تحركات اجهزة استخبارات البلد المضيف واحباطاتها .
2- ان يجند بعضاً من عناصر تلك الجاليات والمغتربين في اوساطهم كعيون له.
3- رصد العناصر المعادية للنظام من ابناء الجاليات .
4- السعي لخلق رأي عام مساند لقرارات النظام وتوجهاته (انظر مبحث 89 صناعة الراي العام ).
5- الافادة من بيئة المغتربين والمقيمين من اجل مساعدة استخبارات البلد الام في اعمل الدعم الاستخباري والاخفاء وتوفير اماكن اقامة مؤقتة لعناصرها وتقديم يد العون لهم في تنفيذ عملياتهم .
اما استخبارات البلد المضيف فلها هي الاخرى اهدافها سواء وسط الجاليات المقيمة بشكل مستمر او في اوساط المغتربين الدارسين والمبتعثين الحكوميين , واهمها :
1- عمل قاعدة بيانات دقيقة عن بيئة المغتربين بكل اشكالهم (لاجئون , دارسون , مقيمون , تجار , وغيرهم) والتركيز على عدة نقاط فيها ابرزها علاقتهم مع نظام بلدهم الام , قيمتهم الاجتماعية والسياسية وسط الجالية وفي بلدهم , خبراتهم , نقاط ضعفهم.
2- السعي لتجنيد عيون لهم وسط الجالية الاجنبية لرصد تحركاتهم واتجاهاتهم الفكرية .
3- التدقيق وسط هؤلاء لكشف العناصر التي جندت من قبل استخبارات بلدهم الام , ليتم التضييق عليهم وابعادهم بحجج شتى .
4- في حالات كثيرة يتم الافادة من هؤلاء في اوقات الصراع او الحرب مع بلدهم الام وتبيان مدى الافادة منهم وقد يصل الامر لتجنيدهم كمرتزقة ضد قوات بلادهم .
5- السعي لتجنيد عناصر منهم (لاسيما الدارسين ) ليتم استخدامهم حين عودتهم لبلدانهم كجواسيس .
6- تهيئة عناصر منهم للمستقبل البعيد ليتبوئوا اماكن حساسة في بلدانهم ( تجنيد استثماري ) .
--------------------------------------
علاقة استخبارية مداً وجزراً
--------------------------------------
تعتبر بيئة الاجانب وتجمعاتهم في اي بلد مجالاً خصباً للعمل الاستخباري من اكثر من جهة , وعلى رأسهم استخبارات البلد الام واستخبارات البلد المضيف واستخبارات البلد الثالث , فاستخبارات البلد الام ترى فيهم فرصة ذهبية كمواطنين في الافادة القصوى منهم كقاعدة لاعمالها في البلد المضيف (انظر المبحث 145 عوامل اختراق المجتمعات) , واستخبارات البلد المضيف ترى ان وجودهم تحت اعينها ورحمتها (تسهيل الاقامة او الطرد) فرصة لاتعوض لاكتشاف عالمهم والافادة من عناصرهم , وتزداد اهمية الجاليات والمغتربين – وخطورتهم في نفس الوقت – للطرفين الاستخباريين في اوقات صراع البلدين او المعارك فيما بينهما , بينما تخف الحاجة الى العمل في اوساط هؤلاء حين تكون العلاقة طيبة بين البلدين , حتى ان قوة العلاقات بين البلدين قد تستدعي التعاون الاستخباري المتبادل على الاجانب من قبيل ان يطلب جهاز استخباري ام من جهاز مضيف ان يؤدي له خدمة في التضييق على مقيم لديها سواء بمنعه من مهاجمة نظام بلده من اراضيها او التجسس عليه او طرده او غض الطرف عن خطف معارض او اغتياله (مثاله سطوة المخابرات العراقية الصدامية في الكويت واغتيال مناوئيها آنذاك ).
وكذا الامر مع البلد المضيف , فإن اهمية الجاليات والمغتربين والتجمعات الاجنبية بكل اشكالها تقل او تزيد بحسب الظروف السياسية والعلاقة مع البلد الام , ففي عام 1991 في هجوم امريكا لاخراج العراق من الكويت ودخول اراضيه , لم تسعَ امريكا لتجنيد العراقيين في الخارج , لانها منذ البداية كانت تريد استعادة الكويت فقط , فلم تذهب الى الجالية العراقية في الخارج .
لكن عام 2003 , كانت اهداف امريكا قد تبلورت مبكراً لغزو العراق واسقاط النظام , وعندما بدات بوادر الحملة الامريكية على العراق , اخذت الاجهزة الامنية الامريكية بالإفادة من الجالية العراقية , وتم تجنيد عدد كبير منهم , وقبل الهجوم بأشهر , تم تجنيد مئات من الشباب العراقيين الفارين الى كردستان العراق وفتحت لهم معسكرات تدريب في كردستان , فهم ورقة رابحة في الحروب خاصة مع اختلاف اللغة والتقاليد والدين والمفاهيم , فهي تحتاج المعلومات والدلالة واللغة والتواصل مع الداخل والتنصت والترجمة والمليشيا والعلاقات الاسرية مع القادة في الداخل او القرابة وتحتاج لمعرفة نقاط القوة والضعف في تحليل المعلومات .
ومن هنا , تعتبر اوساط الجاليات والمغتربين بيئة خصبة للنشاط الاستخباري , وتتنافس عليهم اجهزة بلدهم الام من جهة , واجهزة البلد المضيف من جهة اخرى , فتسعى كل تلك الاجهزة بالتزود بأكبر قدر من المعلومات المفصلة عن عناصر الجاليات ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عنهم وعن اماكنهم واعمالهم وعلاقاتهم ونشاطاتهم وميولهم واسباب اغترابهم.
--------------------------------
الجالية اليهودية نموذجاً
--------------------------------
ان اكبر جالية منتشرة بالعالم هي الجالية اليهودية حيث تحركت كثافة تواجدها بحسب مصالحها , فسكنت اسطنبول عندما كانت الحكومة العثمانية تحكم العالم , وذهبت الى باريس في زمن نابليون , ثم الى لندن عندما كانت بريطانيا تحكم العالم , ثم بعد الحرب الثانية بدات الهجرة اليهودية الى امريكا لكونها اصبحت قطب العالم , فهنا الجالية تضع مصالحها اولا وبذكاء (انظر مبحث 171 المدرسة الصهيونية للاستخبارات) , ومن الملفت والمؤلم معاً ان الجالية اليهودية كانت متماسكة رغم انها كانت بلا وطن , ذابت وتناحرت جاليات اخرى رغم ان لها اوطان. وقد تحولت الجاليات اليهودية في العالم الى لوبيات ضغط تؤثر في تنشيط الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحركة الاموال والبنوك والصحافة والاعلام في العالم , وباتت لاسيما وان 30% من اليهود هم من حملة الجنسيات الامريكية اولاً والبريطانية ثانياً وباقي دول الاتحاد الاوروبي , لذا كانت احد اذرع السياسة الاسرائيلية في عوامل الضغط على سياسات البيت الابيض والكونغرس ونفوذهم في المؤسسات السياسية والمالية والاقتصادية والسياسية الامريكية مما جعل امريكا اسيرة بيد اسرائيل .
كما كشفت الكثير من اعترافات قادة الموساد في مذكراتهم عن الامكانات الوجستية الهائلة التي يقدمها عناصر الجاليات للاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية في عملياتها في الخارج من مأوى وطبابة ونقل ومراقبة وغير ذلك .
-----------------------
مفارقات عراقية !!
-----------------------
من المفارقات التي يختص بها العراق , ان كل الدول من شرقها الى غربها تمنع سكن ضباطها وعوائلهم - صغر رتبهم وكبارها - في خارج البلد , بل وتدقق في سفر ابنائهم للدراسة وتراقبهم في سفراتهم السياحية , واحياناً تمنع كبار ضباطها من السفر لأغراض العلاج الا ضمن ضوابط صارمة , كما تمنع قوانين دول العالم على العسكريين ان يكونوا من مزدوجي الجنسية فهذا في حكم الاستخبارات بمثابة الكفر !!!.
ان الشخصيات المهمة لاسيما العسكرية والامنية منها هي فرائس مهمة للاجهزة الاستخبارية الاجنبية (مباحث في الاستخبارات 20 تجنيد العملاء) , والسعي لاغرائهم بالاموال او بالابتزاز هو من المساعي المستمرة , مما يجعل من حمايتهم من السقوط امر في غاية الاهمية , لذا يمنعون من السكن خارج البلاد ماداموا في الوظيفة , واحيانا يمتد المنع بالسفر لما بعد الوظيفة بعشرة سنوات , لأنّ الاستخبارات الأم تدرك انهم سيكونوا هدفاً اما للاغراء او للابتزاز والتجنيد , لكننا للأسف البلد الوحيد في العالم الذي يسمح لكبار رجالات الامن بالسكن خارج البلد , فهذه الامور والمحددات ممنوعة في كل الدنيا الا في العراق .!!
ففي العراق لاتوجد موانع لسكن كبار عوائل ضباطه خارج البلد حيث يسافرون الى عوائلهم في الاجازات الدورية , والكثير منهم ومن ابناء المسؤولين يدرسون ويقيمون ويمرحون في بلدان العالم من دون رقابة , وهو امر خطير للغاية , لأن هذه الحالات هي حالات رخوة للتجنيد وخصبة في مخرجاتها , فالضابط الكبير وعائلته تحت بصر استخبارات مضيفة وبعيد عن معونة استخبارات بلاده , وهو ذو مركز حساس وهذه هي بيئة ملائمة لتوريطه او ابتزازه او ابتزاز احد افراد اسرته , وهو كما قلنا امر لايحصل في كل الدنيا الا في بلادنا .
ومن المفارقات الاخرى التي يختص بها العراقيون , ان هنالك فئات من الجاليات العراقية فيها افراد مستعدون لخدمة مجانية للاجنبي على حساب بلدانهم , وقد رأينا في العراق اشخاص يعملون مع الجانب الامريكي واستطاعوا نشر افكار ومفاهيم عن امريكا والحرية والعدالة والديموقراطية مما لايراها حتى الامريكي في بلاده , وصاروا يحثون العراقي للمطالبة بحقوقه وتشجيع الاعمال العدائية وتعطيل المصالح , ولكن عندما حدثت احتجاجات بسبب العنف العنصري في امريكا وشاهد العالم اجمع الوجه البشع للحرية والمساواة هناك , صار نفس هؤلاء بالضد من المتظاهرين ِوصاروا يطالبون الشرطة ومكافحة الشغب الامريكيين بالحزم !!!!!! , وهو نموذج لما يمكن ان تفعله الاجهزة الاستخبارية الاجنبية في عقول بعض المغتربين .
------------
خلاصة
------------
ليس هنالك افضل من ابن البلد لتضخ فيه روح الوطنية لاسيما في الخارج , وليس هنالك افضل من الغريب في بلاد غريبة كهدف للاستخبارات المضيفة , وما بين الاستخبارات الام والاستخبارات المضيفة يكون المغترب والمقيم واللاجيء هو الهدف , فتزداد اهميته او تقل بحسب علاقات الدولتين , فهو رهن لاراداتهما دون ان يشعر , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي