الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شواه المفاهيم ومطحنة الاكتئاب الجمعي

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2020 / 10 / 13
المجتمع المدني


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية مع مصعب قاسم عزاوي

فريق دار الأكاديمية: هل تعتقد بأن شواه المفاهيم والرؤى الجمعية فيما يتعلق بمدلول الحرية، والتمدن، والسعادة ... إلخ أسهم في تعزيز الشواش المعرفي لدى البشر على المستوى الكوني، وأسس لتلك الحالة التي سميتها في غير مرة «الاكتئاب الجمعي»؟
مصعب قاسم عزاوي: إن الاتفاق على دلالة وحمولة كل مفهوم في سياق صوغ الأفكار، وصناعة المعرفة البشرية هو الركيزة الأساسية التي دونها من الصعب تحقق شرط الوضوح الفكري المنهجي القادر على تحويل تلك الأفكار من حالة الأفكار الفرادى إلى أفكار متسقة ذات قيمة معرفية لجهة من أنتجها متفاعلاً ومتآثراً مع أولئك الآخرين المتلقين لذلك النتاج الفكري.

والواقع المعرفي المعاش المر راهناً هو أن معظم المفاهيم السائدة في حيواتنا اليومية لم تسلم من ماكينة الدعاية السوداء «البروباغندا» التي تستخدمها كل مراكز الهيمنة سواء بشكلها الكوني ممثلاً بالشركات الاحتكارية العابرة للقارات، أو من يمثلها من عملاء محليين على اختلاف تمظهراتهم التي تتفاوت بين تجار الكمبرادور، والطغم الاستبدادية الحاكمة القائمة بدور نواطير الحفاظ على استقرار عملية النهب الممنهج لاقتصادات المجتمعات المفقرة في دول الجنوب ومن يعيش فيها. وجوهر عمل مطحنة الدعاية السوداء يكمن في المقام الأول في عملية تشويه المسلمات البسيطة التي يبني العاقل بتشبيكها رؤاه ومفاهيمه عن واقعه، وعلاقته التفاعلية بمحيطه الاجتماعي والمعرفي. وكمثال على ذلك تستطيع النظر إلى مفهوم السعادة ذي القيمة المحورية في تشكيل منظومات القيم ومعايير البشر في تحديد أهدافهم من حيواتهم العابرة، فتجد أن ماكينة الدعاية السوداء الكونية ووكلاءها المحليين يعملون جاهدين لإعطاء معنى السعادة مدلولاً يرتبط بالوعي الاستهلاكي الإدماني الذي يقرن تحقق السعادة بتعظيم الاستهلاك لكل ما هو سطحي؛ فيصبح شراء سيارة فارهة، أو هاتف جوال مبتكر سدرة المنتهى لتحقق السعادة، والتي هي من الناحية العلمية الفيزيولوجية مرتبطة فعلياً بناقلين عصبيين رئيسيين في الجهاز العصبي المركزي السيروتونين والدوبامين، والذين لا يرتبط أي منهما بعملية الاستهلاك سوى ذلك المرتبط بتناول الأطعمة التي تفلح في رفع سكر الدم صاروخياً، وخاصة تلك التي تمزج الدهون بالسكريات وفق لعبة مطاعم الوجبات السريعة الماكرة في تسويقها لكل ما أسهم ويسهم في احتزاز حيوات البشر قبل أن تطول آجالهم.

وإذا استثنيت ذلك المثال الضيق الأخير فإن الدوبامين والسيروتونين مرتبطان بالإحساس بوجود قيمة فعلية لكينونة الشخص عبر تثمين أقرانه الاجتماعيين لفعل ما قام به أساساً، أو عند التواصل الحميم الإنساني مع البشر الآخرين تعاطفاً ومحبة صرفة تولد طمأنينة استثنائية في عقل الإنسان ناجمة عن إشباع الجهاز العصبي المركزي بذينك الناقلين العصبيين، وهو ما يفسر تلك الراحة والسكينة التي يعرفها الكثير من النساك في غير بقعة من العالم، ولما يستطيع تحقيقها حتى أباطرة صناعة الاستهلاك والنهب الكوني الممنهج، حيث لم يحقق تعظيم ثرواتهم واستهلاكهم المنفلت من كل عقال سعادة حقيقية لهم، و هو ما يستحيل تحقيقه عبر ذلك المدخل لتناقضه الجذري من التكوين البيولوجي الوراثي التطوري للإنسان ككائن اجتماعي وليس استهلاكياً على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة -هيومن رايتس ووتش- توثق إعدام 223 مدنيا شمال بوركينا ف


.. بعد فض اعتصام تضامني مع غزة.. الطلاب يعيدون نصب خيامهم بجامع




.. بينهم نتنياهو و غالانت هاليفي.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة


.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا




.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د