الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني عشر/ 4

دلور ميقري

2020 / 10 / 14
الادب والفن


" علي خضر "، طليق زينو، وصل إلى محطة أوتوبيسات حلب، الكائنة في ساحة العباسيين. كانت معه امرأته الجديدة، الضاجة بالجمال الملفت للنظر، كونها مكشوفة الوجه؛ وفوق ذلك، مكتسية بفستان ضيّق، يُبرز مفاتنَ جسدها الممتلئ. لكنها ألقت نظرةَ إزدراء على المكان، الغاص بالمسافرين والحمّالين، لكي توحي إلى عريسها بعدم الارتياح في العاصمة. لقد حاولت فيما سبق إقناعه بالاستقرار في حلب، كونها تملكُ شقةً في أحد الأحياء الراقية. غير أنه أكّدَ لها استحالة ذلك، بالنظر لوظيفته وأيضاً مسئولياته تجاه أولاده. لم تصر الجميلةُ وقتئذٍ على المجادلة، خوفاً من تبديد اللحظات الجميلة في كنفِ رجلٍ أحبّته؛ هيَ مَن تاقت لحياة الاستقرار وتأسيس أسرةٍ سعيدة. علي، لم يتميّز بالوسامة، كذلك كان قصير القامة وربعة. لكنه امتلك سحراً خفياً في شخصيته، برهنَ عليه تعددُ علاقاته النسائية خارجَ قفص الزواج.
" في ذلك المكان، يعيشُ أهلي وأقاربي؟ "، قال لها مشيراً بيده إلى جهة حي الأكراد، المتمدد تحت أقدام السلسلة الجبلية. ثم أضافَ بلهجة متباهية، ناقلاً يده إلى ناحية أخرى: " الحي المجاور، الصالحية، يقيم فيه علية القوم. القصر الجمهوري، يقع هنالك أيضاً ". لم تكن بلا مغزى، تسميته للقصر في سياق حديثه. ذلك أنه أخبرَ عروسه من قبل، بكون عمه العقيد من أقرب مساعدي الشيشكلي؛ رئيس الأركان ورجل سورية القوي. كما أنه في هذا الخصوص، تكلم عن قريبه الآخر، حَمي العقيد، بوصفه من أوائل الأطباء في الشام. برغم ما حفلت به لهجته من احتفاء، كان في أعماقه يحتقرُ الحي ويجده غير لائق لإقامة العروس فيه. لقد قرر سلفاً الانتقالَ للعيش في شقة من بناءٍ حديث، سيبحث عنها اعتباراً من صباح الغد كي يستأجرها.

***
في الأثناء، كان شابٌ غريب قد حلّ مستأجراً في حجرةٍ بدار السيّدة زينو. اضطرت إلى هذا التدبير، بسبب ضيق ذات اليد. عليها كان أن تعيل أولادها الأربعة، الذين نذرَ لهم الأبُ نفقةً زهيدة. شقيقها الوحيد، حوطيش، لم يعُد في وسعه مساعدتها كما في السابق. المرض، أثقل كاهلَ الرجل بمصاريف الأطباء والدواء، مثلما أنه قلل من أيام عمله. لم ينظر بارتياح لتأجير شقيقته حجرةً من منزلها لشاب غريب، فصارحها بذلك في الحال. بغيَة التخفيف من أعبائها المالية، عمد إلى إلحاق ابنها الأصغر بالعمل معه، وكان هذا لا يتجاوز عمره العاشرة. كان يساعد خاله من قبل، وذلك في خلال العطلة الصيفية. شقيق الغلام، وكان يكبره بثلاثة أعوام، بقيَ في المدرسة. هذا الشقيق، كان متعلقاً بالأب بشدة، يزوره باستمرار حتى عقبَ عودته إلى الشام مع امرأة جديدة. كان الأبُ قد استأجر شقة في أحد الأبنية الحديثة، المشيّدة في حي المزرعة، الجديد، الكائن إلى جنوب الحي الكرديّ.
" أختي ناجيّة، تجلس طوال الوقت بمقابل حجرة ذلك المستأجر الغريب "، قال الابنُ لأبيه ذاتَ مرة عندما كان في ضيافته. استشاط الأبُ غضباً، وراحَ يمسحُ على ذقنه الحليقة بحركة عصبية. على الأثر، وضع الابنَ بجانبه في سيارةٍ اشتراها مؤخراً، لينطلق بها إلى الحي. كانت أحواله المادية قد تحسنت كثيراً، بفضل نفحات المال من امرأته الكريمة. وهوَ ذا يلتقي بامرأته القديمة لأول مرة مذ طلاقهما، ليطلبَ منها صرفَ المستأجر الشاب: " ولا أرغب مرةً أخرى، أبداً، سماعَ حديثٍ عن مستأجر جديد "، أختتم كلامه بنبرة مفعمة بالتهديد. لكن طليقته نبرت لتذكيره، بشأن مسئوليته المادية عن أولادهما: " لو لم أكن في حالٍ ضنكة، ما فكّرتُ أبداً بموضوع الإيجار ". لم يقتنع الرجلُ بحجتها، فكررَ إنذاره قبيل مغادرته الدارَ. في حقيقة الحال، أنّ زينو كانت ستنصاع لنصيحة شقيقها بأن تصرف المستأجر في نهاية الشهر. بيد أنها غيّرت رأيها، نكايةً بالطليق الثائر.

***
أياً من ابنتيّ زينو، لم تحصل على ما اتصفت هيَ به من حُسن وخفّة ظل. الكبيرة ناجية، في المقابل، امتلكت بعضَ الجاذبية بلون بشرتها البرونزيّ وجسدها المشتعل بأوار المراهقة. طيشها، فيما يخصّ ذلك الشاب المستأجر، كان من النوع البريء ولا ريب. إذ كانت تكتفي بعرض ربلتيّ ساقيها على أنظاره، عندما كانت تجلس في مقابل باب حجرته الموارب، لاهيةً بما بين يديها من خضارٍ، اشترتها الأم تواً من أحد الباعة الجوالين. شأن أبيها، كانت تمحض احتقارها للحارة. قالت مرةً لامرأة خالها، متناولةً شباب الحارة بإحدى لذعاتِ لسانها: " ليسَ بينهم أيّ عريس، مناسب. فلا عجبَ ألا تقبل بهم سوى بنات العمومة، مُرغمات! ".
معركة تكسير العظام بين الأبوين، ستكون ابنتهما ضحيتها كما حقّ للعارفين أن يتوقعوا. زينو، لم تكتفِ بالاستهتار بانذار طليقها، وإنما عمدت لتلطيخ سمعته بالزعم أنه التقى بامرأته الجديدة في كاباريه بمدينة حلب، كانت هذه تعمل به كراقصة شرقية. بطبيعة الحال، وصل كلامها إلى سمع الرجل عن طريق ذلك الابن، المُحترف نقلَ الأخبار. عند ذلك، تهيأ علي لزيارة أخرى لمنزل طليقته وكان هذه المرة برفقة مسدسٍ سريع الطلقات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته


.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202