الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوروبا بين الخطيبي وفرانز فانون

حسن مدن

2020 / 10 / 16
العولمة وتطورات العالم المعاصر


وقف المفكر المغربي الراحل عبدالكبير الخطيبي حائراً أمام مقولة لفرانز فانون، مؤلف «المعذبون في الأرض» و«بشرة سوداء.. أقنعة بيضاء»، يقول فيها فانون: «أيها الرفاق، لقد انتهت اللعبة الأوروبية، ولا بد من البحث عن بديل». فيما يشبه التساؤل، قال الخطيبي ما يفهم منه: «ماذا يعني هذا؟ أنتخلى عن أوروبا؟»، وهي التي تقيم في كياننا.
والخطيبي مثل فانون، ناطق وكاتب بالفرنسية، رغم أنهما ليسا فرنسيين. نحن الذين لا نعرف اللغة الفرنسية قرأنا الخطيبي مترجماً إلى العربية. ولأهمية ما كتب تضافرت جهود كتاب عرب مرموقين في ترجمة أعماله. ومن ذلك أن كتابه الذي وردت فيه عبارات الدهشة من قول فانون: «النقد المزدوج» ترجمته إلى لغتنا لجنة تتكون من كتاب بوزن أدونيس، عبدالسلام بنعبد العالي، محمد برادة وزبيدة بو رحيل.
وعن الخطيبي قال مفكر فرنسي مرموق هو رولان بارت إنهما يهتمان بأشياء واحدة: «الصور، الحروف، العلامات»، قبل أن يضيف: «لكن الخطيبي يعلمني، في الوقت نفسه، جديداً، يخلخل معرفتي، لأنه يغير مكان هذه الأشكال كما أراها، يأخذني بعيداً عن ذاتي، إلى أرضه هو، في حين أحس كأني في الطرف الأقصى من نفسي».
لعل فرانز فانون المستفز من استلاب الملونين أمام ذوي البشرة البيضاء، الذين اقترنوا في ذهنه، كما في أذهان شعوب بكاملها في قارات كبرى بصورة المستعمر، أراد القول إنه حان وقت أن يملك الملونون، من حيث هم شعوب لهم هوياتهم وثقافاتهم القومية مصائرهم بأيديهم، وينهوا تبعيتهم بالأبيض السيد، المتعالي عليهم وعلى ما يمثلون من ثقافات وقيم.
لكن الخطيبي محق في دهشته، لا لأن ما قاله فانون خطأ، وإنما لأن مقاربة الخطيبي أتت من زاوية أخرى، فإلى أي مدى بوسع العرب أن يعلنوا القطيعة مع أوروبا الحاضرة في صحوهم ومنامهم، حتى لو لم يريدوا ذلك، محمولين على جناح العداوة التاريخية الناجمة من كون أوروبا اقترنت بصورة الاستعمار.
وما يصح على أوروبا يصح على كامل الغرب، وبالتحديد على الولايات المتحدة الأمريكية التي، وبعد أن استوى لها الأمر دولياً، أتت من الأفعال ما يضاهي ويفوق ما فعلته أوروبا، خاصة فرنسا وبريطانيا، بالعرب. فإذا كانت الأخيرة هي من رعى قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين، فإن أمريكا هي من يؤمن بقاءها وتوسعها اليوم على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
وصف الخطيبي علاقتنا بأوروبا، وبالانطلاق من عبارة فانون ذاتها، بعلاقة «الاختلاف الوحشي». وإن كان من سبيل لتحرير هذا الاختلاف من وحشيته فإنه من المتعين الفصل بين أمرين، الأول هو السياسة التي عنت الهيمنة علينا ومصادرة سيادتنا بفرض خرائط الكيانات وحدود التصرف، أما الثاني فهو الحضارة، فأوروبا ليست الاستعمار وحده. إنها، رغم ذلك، صنيعة منجز حضاري كبير في الفكر والفلسفة والعلم والحداثة والتنوير والأدب والفنون. ما يستحيل معه أن ندير الظهر لها، ليس لأننا لا نرغب في ذلك فقط، وإنما أيضاً لأننا لن نستطيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمن الروسي يحبط خططا للهجوم على خط السكك الحديدية إلى سيبي


.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي




.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال


.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب




.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر