الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جورج لوكاش والايديولوجيا البرجوازية المُعاصرة

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2020 / 10 / 16
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مانفريد بور*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والشروح بعد الحروف الأبجدية بين الأقواس (أ)، (ب)... هي من عمل المترجم

يهتم الفلاسفة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية بشكلٍ خاص بأعمال ونشاط جورج لوكاش. نُشِرَت العديد من أعماله في بلدنا بعد الحرب العالمية الثانية مثل Twist of fate 1947 و(هيغل الشاب ومسائل المُجتمع الرأسمالي) 1948 و(الوجودية أو الماركسية) 1951، و(تحطيم العقل) 1953 و(غوته وعصره) 1953، والتي كان لها تأثير واضح في عملنا الايديولوجي. لقد ساعدتنا هذه الكتب على التغلب على الايديولوجيا البرجوازية الرجعية، وخاصةً الفاشية. الأهم من ذلك، ساعدتنا كتب لوكاش على نستوعب مسائل الصراع الايديولوجي، ليس فقط من خلال المقولات الايديولوجية ولكن أيضاً من خلال المقولات السياسية. تعلّمنا من خلالها أن نفهم كيف يُمكن للمرء أن يستخدم امكانات الماضي الانسانية من أجل خلق المُستقبل، وفي الوقت نفسه قيادة الصراع ضد اللاعقلانية التي تُميزالمُجتمع الذي عاف عليه الزمن. كانت لأفكار لوكاش أهميةً كبيرةً، خاصةً بالنسبة للجيل الذي أنتمي اليه. نتحدث عن لوكاش، ليس فقط لانها الذكرى المئوية لميلاده، ولكن قبل كل شيء لتكريم ذكراه والتعبير عن شعورنا بالامتنان العميق له.
بقرارٍ من أمانة الحزب الألماني الاشتراكي الموحد، عُقِدَت ندوة دولية في الفترة من 5-6 آذار عام 1985 في أكاديمية العلوم لجمهورية ألمانيا الديمقراطية كُرّسَت لأعمال جورج لوكاش. اخترنا بوعي كموضوع رئيسي للمناقشة في هذه الندوة كتاب لوكاش (تحطيم العقل). من الضروري أيضاً فهم ملاحظاتنا التالية حول موضوع (جورج لوكاش والايديولوجيا البرجوازية المُعاصرة) والتي سنشرحها في الأقسام الأربعة التالية.

1- لا شك أن لوكاش كان من أشهر المُفكرين في منتصف القرن العشرين. كان التطور الفكري للوكاش مُتناقضاً-لا يُمكن أن يكون غير ذلك، لان الواقع نفسه، الذي انعكس في فكر لوكاش، كان (ولا يزال) مُتناقضاً. عاش لوكاش في عصرٍ عظيمٍ ينتقل من الرأسمالية الى الاشتراكية. تُثير أعمال لوكاش الابداعية وتأثيره وكُتبه خلافاتٍ عميقة. لقد تم مدحها وشجبها وتجاهلها وتجاوزها بصمت، وتم في عددٍ من الأحيان اساءه فهمها، وما الى ذلك. قليلاً ما تمت دراستها بشكل بنّاء واستخدامها في مصلحة التقدم الاجتماعي.
برأينا، عند دراسة أعمال لوكاش، لا ينبغي للمرء أن يُغفل تناقضاتها، المشروطة تاريخياً. ليس من السهل الوصول الى فهم حقيقي لها. ومن أجل فعل ذلك، مطلوب قبل كل شيء توجيه نقد بنّاء يخلو من التحيّز العدمي، والتقييمات الايجابية المُبالغ بها لدوره. تسمح مثل هذه المُقاربة بتجنب اطلاق أحكام غير مبنية على فهم دقيق، والاستسلام المُبكر أمام صعوبات البحث الايديولوجي النقدي والتاريخي. لا ينبغي النظر في تشكّل وجهات نظر لوكاش الفلسفية بمعزلٍ عن وجهات النظر الفلسفية الأُخرى. يجب دراسة أعماله وتأثيرها في سياق تطور الايديولوجيا البرجوازية في عصرنا والمعارك السياسية والايديولوجية، والنضال من أجل تثبيت اللينينية في الحركة الشيوعية العالمية وفي سياق النضال من أجل السلام والتقدم الاجتماعي.
بهذا المعنى، فان أعمال لوكاش في الفلسفة وعلم الجمال وما الى ذلك، تظل ذات طابع سياسي في محتواها، وهكذا نفهمها نحن. هذا صحيح حتى بالنسبة لتلك الأعمال التي اعتبرها نظرية "صرف"، مثل (أنطولوجيا الوجود الاجتماعي) The Ontology of Social Being. يعود لوكاش هنا الى مسائل عمله المُبكر (التاريخ والوعي الطبقي)، ويُناقشها على مستوىً نظريٍ أعلى نوعياً. ومع ذلك، فان المُقدمات التي ينطلق منها تحتوي بالفعل بشكلٍ طفيف على مسائل تمس استراتيجية وتكتيكات الحركة الشيوعية العالمية. ولكن، يبدو لنا، أن لوكاش في السنوات الأخيرة من حياته لم يكن يستوعب هذا الجانب من المسألة. وكثيراً ما استُخدِمَت القضايا التي تحدث عنها ضده من قِبَل جامعي مُقابلاته ومُحادثيه. لكن من واجبنا أكثر، واجب الماركسيين اللينينين، توضيح هذا الوضع. اذا لم نفعل ذلك، سيقوم المزيد من الناس بذلك التشويه وسيسيئون استخدام تصريحات لوكاش.
نحن لا نهتم، عند دراسة تشكّل نظرات لوكاش حول العالم، بالعملية الفكرية الصرف، لان مثل هذه العملية بشكلٍ عام غير موجودة. بعد أن نعترف بهذا، يجب علينا أن نُحدد بدقة درجة تأثيره على تطور الفكر الفلسفي ونقيّمه انطلاقاً من ظروف ملموسة تاريخياً.

2- ابتداءاً من عام 1917-عام ثورة اكتوبر الاشتراكية العُظمى- ومنذ لحظة انضمامه للحزب الشيوعي المَجَري عام 1918 لا يجب اعتبار تطوره الفكري مُجرد ظاهرة من تاريخ الايديولوجيا، ولكن كظاهرة نُدرجها في تطور الحركة الشيوعية العالمية. سعى لوكاش الى تنسيق فكره مع هذا التطور. لكنه كان غالباً، في الوقت نفسه، يرتكب أخطاءاً في تقييم خصائص الحركة الشيوعية العالمية، وكان في بعض الأحيان يُبالغ في مستوى تطورها، ويشوهها في أحيانٍ أُخرى.
ستتضح الزخارف والتلاوين المُعقدة التي تُلقي الضوء على صعوبات هذا تطور لوكاش الفكري اذا تتبعنا مسار أعماله انطلاقاً من (الروح والشكل) Soul and Form و(انطولوجيا الوجود الاجتماعي).
هل يُمكننا أن نؤكد بذلك أن تطور فكر لوكاش كان كلاً موحداً؟ لا. لكننا نؤكد أن فكره كان يحتوي على أفكار رئيسية موحدة تماماً.
يتضح ما هو ضروري، ان لم يكن الأكثر أهميةً في فهم هذا التأكيد، من خلال احدى الفقرات في (الروح والشكل): "حتى هذه النقطة، نادراً ما يتم ذكر نوفاليس هنا، ولكن مع ذلك استمر النقاش حوله باستمرار". وبتبسيط الأمر الى حدٍ ما، يمكن للمرء أن يقول أن لوكاش، في فترات ابداعية مُختلفة، غالباً ما استغل أفكار نوفاليس، ولم يستبعده تماماً. توجد مؤشرات عديدة على هذه الحقيقة في أعماله. على سبيل المثال، مفهوم الكُلية، الذي يختفي في بعض الأحيان، ولكنه يُعاود الظهور على الدوام، يشتقه من الفلسفة الكلاسيكية والرومانسية ويُطبق عليه مقاييس التقييم الكلاسيكية. بالاضافة الى ذلك يقوم لوكاش مرةً أُخرى في (أنطولوجيا الوجود الاجتماعي) بالبحث عن "ما هو الوجود" لا سيما الوجود الانساني. ان ديناميكيات فكر لوكاش توحّد تقاليد التنوير والفلسفة الكلاسيكية والرومانسية، وتأكيد البرجوازية ومُعارضتها، والماركسية كايديولوجيا التحرر، والاستمرارية والانقطاع، ونفاذ الصبر الثوري والتراخي الرومانسي. ويرتبط كل هذا عند لوكاش بالأخلاقية كموقفٍ حيوي، وشعور حاد بالأزمة، وحماسة تبشيرية لانقاذ الثقافة من الهمجية، وبالأوهام البطولية والتفاؤل التاريخي.

3- ان هذه المقالة الصغير لها جانبان، سوف نتناولهما بايجاز فقط:
1- لوكاش كجزء من التطور الايديولوجي البرجوازي المتأخر.
2- لوكاش كناقد للايديولوجيا البرجوازية المتأخرة.
دعونا ننتقل الى الجانب الأول.
غالباً ما يُغفل المرء، عند فحص آراء لوكاش، أنه عرّاب للعديد من الأفكار التي تُميز التيارات الايديولوجية البرجوازية المتأخرة (وهذا اغفال مستمر تماماً). من أجل الدقة التاريخية، يجب أن لا ننسى هذه الحقيقة، لا سيما لانها عادةً ما تُخفيها حقيقة أن لوكاش اجتاز الطريق من المُثقف البرجوازي الى الماركسي، وبدأ كمُثقف برجوازي وانتهى كماركسي، وما الى ذلك. لا نُريد أن نقول أن هذا غير صحيح. لكنه يُبسط الأمر الى حدٍ ما ويرسم طريق تطور فكر لوكاش بصورة خطية، مما يؤدي الى افقاره. ونتيجةً لذلك، تظل هناك عمليات ايديولوجية برجوازية غير واضحة، وهي عمليات، تُحاول، من بين أمورٍ أًخرى، اثراء هذه الايديولوجية بأفكار مُعارضة لما هو برجوازي، وبعضها مُستعار من الماركسية.
ان التأكيد على أنه كان رائداً أو بشيراً لتيارات برجوازية متأخرة عديدة لا ينفي بأي حال حقيقة أنه كان ماركسياً. على العكس من ذلك، فان هذا يدل على ضعف التطور الايديولوجي البرجوازي المُعاصر، وغياب المواقف الايديولوجية المُستقرة، وقد أجبر هذا الايديولوجيين البرجوازيين على البحث عن اجابات لمسائل الوجود المُعقدة حتى بين خصومهم الايديولوجيين. دون الخوض في هذا كثيراً، دعونا نلاحظ أيضاً ما يلي. قد يُنظر الى مقال لوكاش الكبير حول كيركيغارد المُعنوَن: (انقسام شكل الحياة نفسه: سورين كيركيغارد وروجينا اوسلن) 1909 على أنه يبتغي دراسة الفلسفة الوجودية-أُس تطور لوكاش الفلسفي نفسه (بالمناسبة لم يدرس أيٌ من الفلاسفة البرجوازيين المعاصرين هذا الظرف في أعمالهم حول لوكاش).
يرتبط كتاب (ميتافيزيقيا المأساة) Metaphysics of Tragedy 1910 الذي يحتوي على العديد من اطروحات "فلسفة الحياة" المركزية، ارتباطاً وثيقاً بذلك المقال عن كيركيغارد. اذا أخذنا أيضاً اطروحة نوفاليس بعنوان (حول فلسفة الحياة الرومانسية) On the Romantic Philosophy of Life 1909 وتحليل أعمال ستيفان جورج 1908 والذي نواته اطروحة "الفن هو الهام بوسائل الشكل"، سوف تُعطينا هذه الأعمال المقولات الرئيسية لفلسفة الحياة البرجوازية المتأخرة في الفترة بين ما بين الحربين العالميتين. وقد قدّم جورج لوكاش نفسه بعد عشرين عاماً نقداً ماركسياً رائعاً لها.
لقد وجّهنا الانتباه الى هذا الجانب من فكر لوكاش لاظهار التعقيد الشديد لتطوره الفكري والتأكيد على أن التسميات التي يُعلقها العديد من الايديولوجيين البرجوازيين المتأخرين على لوكاش، مثل "السوفييتي السرّي" و"المتحذلق" و"جد النقد الأدبي الماركسي" و"المُساوِم المُكرَه" وما شابهها لا تنبع من فهم حقيقي لهذا الرجل، بل من رغبة في تشويهه، والتي تُمليها الانتقادات الحمقاء المُعادية للشيوعية التي تنتقص من كل شيء وكل شخص.
لقد لاحظت الأدبيات حول لوكاش بالفعل العلاقة بين عمله (التاريخ والوعي الطبقي) وكتاب هايدغر (الوجود والزمان). كان من المُستحيل لكتاب (الايديولوجيا واليوتوبيا) لكارل مانهايم أيضاً أن يكون موجوداً لولا كتاب جورج لوكاش (التاريخ والوعي الطبقي).
ان تأثير كتابه (نظرية الرواية وتطورها) هائل للغاية. كأمثلة على هذا التأثير، نحتاج فقط أن نتذكر هربرت ماركوز وتيودور أدورنو. يُمكن للمرء أن يطرح سؤالاً بعيداً عن الخطابة: ما الذي ستكون عليه مدرسة فرانكفورت بدون لوكاش، الذي انتقده ممثلوا هذه المدرسة باستمرار ولكنهم كانوا يقلدونه كذلك؟ ما الذي كانت "نظريتهم النقدية" لتكون عليه لولا كتابيه (نظرية الرواية) و(التاريخ والوعي الطبقي)؟
في هذا الصدد، هناك مُلاحظة اضافية صغيرة يجب أن نذكرها. لا يوجد في أعمال أدورنو حول هيغل اقتباساتٍ من كتاب لوكاش (هيغل الشاب) The Young Hegel، على الرغم من أن أدورنو يدرس في العديد من الأماكن نفس المسائل التي يدرسها لوكاش: فهم دور العمل والاغتراب في تشكيل دياليكتيك هيغل. قد يفترض المرء أن أدورنو لم يكن على علمٍ بكتاب لوكاش هذا. ومع ذلك، يوجد في أرشيفات معهد البحوث الاجتماعية استعراض مُبسّط لكتاب لوكاش عن هيغل، والذي ينتمي، بشكلٍ غريبٍ بما فيه الكفاية، الى قلم أدورنو نفسه بعنوان (حول آراء هيغل الشاب عن الاقتصاد والمُجتمع) والذي يوضّح أن كاتبه قرأ كتاب لوكاش من أجل أن يفهم الأمر ويُحقق امتيازاً لنفسه. عند قراءة هذا الاستعراض، يحصل المرء على انطباع بأن أدورنو لاحظ قيمةً ما في كتاب لوكاش، حيث دوّن مرتين في هاتين الصفحتين: "اقتباس رائع". لكن في نهاية هذا الاستعراض الايجابي الى حدٍ كبير، يقول أدورنو أن لوكاش "بسبب خوفه من كهنة الماركسية" لم يجرؤ على اظهار "الدوافع المادية عند هيغل" انطلاقاً من موقف هيغل نفسه، واقتصر نفسه على وجهة نظر كارل ماركس. يوضّح هذا الاستعراض علاقة أدورنو المشوهة بلوكاش والماركسية وتشويهه لنظراتهما. لكن أدورنو لم يكن قادراً على تجنّب التأثير "الافتراضي" للوكاش وعدم ذكره له، وقد جعله هذا متوتراً، وعوّض عن ذلك بتفسيرات خاطئة لوجهات نظر لوكاش. لقد حاولنا بشكلٍ خاص توضيح تأثير لوكاش على الايديولوجيا البرجوازية المُعاصرة، على سبيل المثال، على فلسفة الحياة. غالباً ما يتم التقليل من شأن هذا الأمر او حتى اغفاله في الخلافات حول قُرب أو بُعد لوكاش عن ماركس.
سننظر الآن في الجانب الثاني، لوكاش كناقد للايديولوجيا البرجوازية المُتأخرة.
وهكذا، وانطلاقاً مما سبق، يُمكن للمرء أن يؤكد أن لوكاش، أكثر من غيره، قد وضع الأساس لنقد الايديولوجيا البرجوازية المُتأخرى في أشكالها الأساسية. كان نقد الايديولوجيا البرجوازية المُتأخرة بالنسبة للوكاش بمثابة قطيعة مع جزءٍ مُعينٍ من أفكاره، وقطيعة تشهد على صدقه الأخلاقي والفكري. لم يُشاطر لوكاش آراء "فلسفة الحياة" البرجوازية المتأخرة ببساطة وحسب، بل كان أحد اولئك الذين ابتدعوها، واذا كان يُمكن للمرء أن يُعبر عن الأمر بهذه الطريقة، فهو قد عانى من خلالها. بعد أن أعاد النظر في "فلسفة الحياة" الألمانية، أعاد النظر أيضاً في طريقة تفكيره "السابقة". بعد ذلك بوقتٍ طويل، في نهاية العشرينيات من القرن الماضي، أصبح مُدركاً للعواقب السياسية والايديولوجية القاتلة الناجمة عن مثل هذه الطريقة في التفكير.
منذ ذلك الحين، ارتبط نقده المُستمر للايديولوجيا البرجوازية المتأخرة بالدراسة المُتجددة لأعمال ماركس. بحلول هذا الوقت، كان قد اكتسب اهتماماً شديداً بأعمال لينين، وخاصةً كتابه (المادية ومذهب النقد التجريبي). بالنسبة الى لوكاش، كان كل هذا، كما قال هو نفسه لاحقاً "الانطلاقة المُلهمة والمُثيرة لمرحلة جديدة". وجد لوكاش مكانه في النضال الايديولوجي للطبقة العاملة ضد الامبريالية، وضد خطر الفاشية المُتنامي وايديولوجيتها.
في عملية التغلب على الفلسفة البرجوازية المُتأخرة هذه، اكتشف لوكاش لنفسه الامكانية الثورية للفلسفة البرجوازية الكلاسيكية وفكرها العقلاني، لان التوجه اللاعقلاني للايديولوجيا البرجوازية المتأخرة خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها قد تحوّل الى برنامج حقيقي لتدمير العقل. كان نقد لوكاش للايديولوجيا البرجوازية متوجهاً منذ ذلك الحين نحو ثلاثة أهداف مُترابطة: 1- اثراء الماركسية من خلال تحليل دروس التقاليد البرجوازية الكلاسيكية. 2-مزيد من التطوير لارث الفلسفة والأدب الكلاسيكيين الألمانيين من أجل استخدامهما المُثمر في النضال ضد الايديولوجيا الفاشية الامبريالية. 3- رفض التزييف والتفسير الخاطئ للتقاليد البرجوازية الكلاسيكية الذي اتخذه الايديولوجيون الامبرياليون. انتقد لوكاش الايديولوجيا البرجوازية على أساس المبادئ اللينينية، وصاغ مطلَب "ما يتعلق بالثورة"، وهذا يعني أن النشاط النقدي يجب أن يكون نشطاً وحاسماً وموجهاً الى أكثر مشاكل العصر الحاحاً. لن نُناقش الآن كيف تعلّق لوكاش بالأوهام البطولية فيما يتعلق بهذا. بالنسبة لنا وجود هذه الأوهام عنده واضح تماماً.
ومع ذلك، كانت ضربات لوكاش الانتقادية الأساسية منذ بداية الثلاثينيات وحتى نهاية الخمسينيات موجهةً ضد ايديولوجيا الفاشية الألمانية، وضد أسلافها الايديولوجية، وضد محاولات انعاشها في ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. في حين أننا لا نستطيع أن نتفق مع بعض نتائجها-أي نتائج ضربات لوكاش الانتقادية الأساسية- فان توجه لوكاش النقدي هذا يحتفظ بأهميته فيما يتعلّق باعادة احياء اللاعقلانية في الفلسفة البرجوازية المُعاصرة.

4- بصفتها السمة المُميزة للايديولوجيا الفاشية (بما في ذلك أكثر أشكال المفاهيم البرجوازية المتأخرة رجعيةً)، حدد لوكاش تلفيقيتها (حتى أن انجلز تحدث عن "فوضى تلفيقية بائسة"). في هذه "الفوضى" نجد أشكالاً مشوهة من النقد (حيث يسود الاستياء المكبوت والكراهية اللاواعية) ونظريات بيولوجية حول الانسانية والمُجتمع (حيث تُهيمن الايديولوجيات العُنصرية)، مُختلطةً مع هراء اسطوري شبه ديني. رأى لوكاش البيئة الأدبية لهذه البُنى الايديولوجية الفاشية في المقام الأول في تطور "فلسفة الحياة" في ألمانيا بدءاً من شوبنهاور ونيتشه. تُعبّر "فلسفة الحياة" الألمانية عن العجز النظري للبرجوازية التي لا تستطيع ولا ترغب في أن تتخيل جوهر الوجود بمساعدة الوسائل والمناهج العقلانية. انها تُعلن عن الأعمال المعرفية-التي ميزت الفكر البرجوازي حتى هيغل وغوته- بأنها أعمالاً عبثية وتُنكرها ببساطة. انها ترفض تماماً امكانية معرفة العالم وترفض فهم الأفعال التي تحدث فيه، وهي تُصنّم Fetishizes "لغز" التاريخ.
لا يكافح لوكاش ضد عدم صحة الفكر البرجوازي المتأخر وحسب، بل وضد خطر انشاء فراغ عملي ونظري وامكانية ملئه بأكثر أشكال الانشاءات النظرية العنصرية خياليةً وانتقائيةً. فيما يتعلق بالعواقب العملية لعقم الروحانية البرجوازية المتأخرة، يُشير لوكاش الى تحطيم النزعة الانسانية، التي كانت في السابق قيمةً أساسيةً للبرجوازية التقدمية.
ان وصفه السيكولوجي لمرضية البرجوازية الألمانية، الوارد في أعماله النقدية في ثلاثينيات حتى خمسينيات القرن العشرين، هو نداء للعودة الى العقل وقيم الانسانية. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، يعلم لوكاش ان تحقيق العقل مُمكن فقط بقدر ما تقوم الكائنات العاقلة بتحقيقه. اصطف لوكاش دائماً الى جانب العقل. لذلك، تظل أعماله حول نقد الايديولوجيا البرجوازية ذات أهمية كبيرة، خصوصاً اذا أخذ المرء في الاعتبار الظواهر المُعاصرة مثل أسلوب التفكير المُحافظ واللاعقلاني، وفكرة "فكر النظام الملموس" Concrete Thought of Order سيء الصيت، والولادة الجديدة لأفكار نيتشه، والنزعة البيولوجية، والنزعة الانتقامية، والاكتشاف المُتكرر لكارل شميت Karl Schmidt وفرير Frier وغيهلن Gehlen (أ) الترويج لأعمال أندريه غلوكسمان André Glucksmann (ب)، وأشباههم.
يحتوي نقد لوكاش لـ"برنامج تحطيم العقل" على عددٍ من القيود التي تُعزى الى الفترة التي قام فيها به (اي بالنقد)، على وجه الخصوص عدم الدقة في فهم موضوع الفلسفة الماركسية ومنهجهها. لكن هذا لا يوفّر أسباباً للتشكيك في قيمة أفكاره بشكلٍ عام. يجب فهم المُقدّمات التي انطَلَقَ منها: التفاؤل التاريخي، والتأكيد غير المشروط على انتصار العقل، والحاجة الى توحيد جميع الناس في الدفاع عنه. دعونا نُلقي نظرة على السنة التي أكمل فيها كتابه (تحطيم العقل): لقد كان عام 1952، حيث تكاتفت المجموعة التي كانت تُسمى الدفاع الأوروبي وبدأت باعادة تسليح ألمانيا الغربية، ومن ثم دخلت هذه الدولة حلف الناتو في غضون عامين. نسلّط الضوء هنا على فكرة واحدة من (تحطيم العقل). كتب لوكاش أن "الموقف" الذي يؤيد أو يقف ضد العقل يُحدد في نفس الوقت مسألة جوهر الفلسفة كفلسفة، ودورها في التقدم الاجتماعي، وبهذا المعنى "لا يوجد موقف فلسفي سلبي" يُمكنه أن يكون مُحايداً بالنسبة للصراع الاجتماعي. فيما يتعلق بهذا، يؤكد لوكاش: التحضير لحرب جديدة ضد الاتحاد السوفييتي يعني أن الاعداد الايديولوجي للجماهير لهذه الحرب يُشكل المسألة المركزية للسياسة الامبريالية. انه لا يتوقف عند تبيان هذه الحقيقة، بل كونه مُتفائلاً مُقتنعاً، بقدر ما لا تنفصل الماركسية اللينينية عن التفاؤل التاريخي، فان لوكاش يُطالب كذلك "بحركةٍ جماهيريةٍ للدفاع عن العقل"، ويُعلق عليها آمالاً كبيرة. لقد رأى مثالاً على هذه الحركة الجماهيرية الحركات من أجل الدفاع عن السلام. وقال في عام 1960 ان الحركة العالمية للدفاع عن السلام هي أقوى حركة اجتماعية في الدفاع عن العقل، واكد في هذا الصدد أن النضال من أجل السلام وضد الحرب أصبح محور كل عمل انساني عالمي.
وبمقاربة أهمية المسائل التي طرحها لوكاش بهذه الطريقة، نتذكر في الختام كلماته التي أعرب عنها في المؤتمر العالمي للنشطاء الثقافيين للدفاع عن السلام عام 1948 في فروتسواف في بولندا. كان لدى لوكاش بالفعل في ذلك الوقت تصور واضح حول من أين يأتي مصدر الخطر على السلام وما يجب على الانتلجنسيا فعله لمنع الدمار الشامل. وحذّر من أنه، من المهم، بالنسبة للبرجوازية الامبريالية، أن تشل قدرة الانتلجنسيا على تطوير توجّه اجتماعي صحيح. ومع ذلك، فان العديد من المثقفين يفهمون مصدر التهديد الحقيقي للحرية والثقافة. وقد بدأ الكثيرون ينهضون بالهام أخلاقي عظيم ضد الامبريالية واستعداداتها للحرب، وأكد لوكاش أن واجبنا كمثقفين هو تحويل هذا الشعور الى معرفة. قال ان نتيجة النضال من أجل السلام تعتمد الى حدٍ كبير على ما اذا كان المثقفون سيصبحون مناضلين من أجل منعطفٍ تاريخيٍ تقدمي أم سيصبحون ضحيةً عاجزة، وأداةً عاجزة للهمجية الرجعية. قال، ان نوع العلاقة بالوجود والمعرفة والثقافة التي يستحقها المثقفين، وأيها لا يستحقون، واضحة تماماً.
كان جورج لوكاش مُناضلاً عنيداً من أجل قضية العقل، وأعماله لا زالت تحتفظ بأهميتها في ضوء النضال المُعاصر ضد السياسية والايديولوجيا الامبريالية. وهذا يُجبرنا على دراسة أعماله، حتى نتمكن من استخدامها في الصراع الايديولوجي، ومواصلة قضيته في اعادة الاعتبار للعقل وهزيمة الميول اللاعقلانية للايديولوجيا البرجوازية المُعاصرة.

* مانفريد بور 1927-2008. فيلسوف ماركسي من جمهورية ألمانيا الديمقراطية. انضم عام 1945 الى الحزب الشيوعي الألماني. بدأ بدراسة التاريخ والفلسفة الألمانية في جامعة لايبزيغ عام 1947، وتخرج عام 1952. حصل بور على الدكتوراه في لايبزغ عام 1957، ثم انتقل الى أكاديمية العلوم الألمانية كمُساعد باحث. أكمل مانفريد تأهيله الأكاديمي في جامعة غرايفيسفالد عام 1962، وفي نفس العام أصبح نائب مُدير معهد الفلسفة هناك. أصبح في عام 1965 أستاذاً للفلسفة في غرايفسفالد.
ترأس بور المعهد المركزي للفلسفة التابع لأكاديمية علوم ألمانيا الديمقراطية بين عامي 1970-1990. كان عضواً أجنبياً في أكاديمية العلوم السوفييتية منذ عام 1971 وموظفاً غير رسمي في مجلس أمن الدولة الألماني. وكان رئيساً للمجلس العلمي للقضايا الأساسية في الصراع الايديولوجي بين الاشتراكية والرأسمالية. كان مُهتماً بمسائل نقد الايديولوجيا البرجوازية، ومسائل فلسفة العلم. حصل على جائزة فريدريك انجلز، والجائزة الوطنية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية ووسام الاستحقاق الوطني.

أ- يبدو أن فرير وغيهلن هم مُنظرين من ألمانيا الغربية. لكن لم أستطع أن اعرف من الذين يقصدهم الكاتب بالضبط.
ب- آندريه غلوكسمان، هو مُنشق كَتبَ ضد الدول الاشتراكية وكان مُعادياً للشيوعية بشدة، وكان يُميزه أنه كان يذهب أكثر باتجاه اليمين مع مرور السنين. ناشد رونالد ريغان ليزيد دعمه لقوات الكونترا المُعادية للشيوعية في أمريكا اللاتينية، وصار من مؤيدي استخدام السلاح النووي ضد دول أوروبا الشرقية ودعم غزو الناتو ليوغسلافيا.

ترجمة لمقالة:
Soviet Studies in Philosophy, György Lukács and Contemporary Bourgeois Ideology, Manfred Buhr: P87-97, 1987








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة