الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدنٌ عصرية بلا مدنية(3) (تأمُلات نفسية/اجتماعية في بعض وقائعها الإجرامية)

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 10 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نظرة تحليلية متعمقة لمشكلة الدراسة:
الفعل (التحرش/الهمجية) في حد ذاته مُشين؛ ومشحون بالدلالات النفسية الأعمق؛ خاصة وأن الموضوع له علاقة بالكثير من أوجه حياتنا الفكرية والنفسية والسلوكية التي باتت لا تُطاق؛ كما ويعكس همجية فئات عريضة غير متحضرة؛ وتعبر عن مشاكل نفسية دفينة تفوت على الأكثرية بمن فيهم صاحب الجُرم، الذي يلازمه شعور السُخط الدائم على محيطه، ولا خلاف على ذلك، خاصة بعد أن استفحلت مثل هذه السلوكيات وصارت في مجتمعاتنا المريضة بأفكارها المتخلفة قبل كل شيء بمثابة الظاهرة التي تستحق الدراسة.
وكل من يقترفون مثل تلك الجرائم يعانون من عقدة الدونية، وهي شعور هذا الشخص غير السوي بالنقص أو بالعجز العضوي أو النفسي أو الاجتماعي بطريقة ما تؤثر على سلوكه، مما يدفع بعض الحالات إلى التجاوز التعويضي بالنبوغ وتحقيق الذات والكينونة، أو إلى التعصب والانكفاء والضعة والجريمة في حالات أخرى.
وصف الطبيب النمساوي "ألفرد أدلر" أسلوب مواجهة النقص بأنه "أسلوب الحياة"، واعتبر أن كل إنسان يولد وعنده درجة ما من الشعور بالنقص، والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجود الناس الآخرين والذين لديهم قدرة أفضل منه للعناية بأنفسهم والتكيف مع بيئتهم، مما يعطيه القوة الدافعة لتطوير قدراته.
وهذا المصطلح يستخدم لوصف الأشخاص الذين يعوضون عن مشاعر الدونية (الشعور بأنهم أقل من الآخرين، وليسوا جيدين مثل الآخرين، وعديمي القيمة، وما إلى ذلك) من خلال التصرف بطرق تجعلهم يبدون إما متفوقين أو عاجزين.
إنهم يفعلون ذلك لأن التحكم في الآخرين قد يساعدهم على الشعور بعدم الكفاءة الشخصية. ووفقًا لبعض العلماء، قد يحدث الشعور بالنقص من خلال التنشئة كطفل (على سبيل المثال؛ المقارنة مع الأخ أو الصديق) أو القيود الجسدية والعقلية أو تجارب التمييز الاجتماعي (على سبيل المثال؛ وجود فرص محدودة بسبب العرق، الوضع الاقتصادي، أو الجنس).
قد تتسبب عقدة النقص في قيام الفرد بتعويضات مفرطة عن نقاط ضعفه المتصورة. على سبيل المثال؛ فالشخص الذي يشعر بالنقص؛ لأنه أقصر من متوسطات الأطوال الخاصة بأقرانه قد يشعر بالقلق المفرط بشأن مظهره.
لذا؛ فقد يتبع نظامًا غذائيًا صارمًا أو يمارس تمارين قاسية، على أمل أن يجعله الجسم الأقل نحافة يبدو أطول في نظر الآخرين. إذا تم أخذ هذا إلى أقصى الحدود، سيؤدي بدوره إلى زيادة الشعور بالوحدة وانخفاض السعادة والشعور بعدم الأمان أو القلق؛ وعندها سيصبح عدوانياً.
تحدث عقدة النقص عندما تتفاقم مشاعر الدونية لدى الفرد من خلال الإحباط أو الفشل. يشمل الأشخاص المعرضون لخطر الإصابة بمجموعة معقدة الأشخاص الذين: تظهر عليهم علامات تدني احترام الذات أو تقدير الذات، أو لديهم حالة اجتماعية اقتصادية منخفضة، أو لديهم تاريخ من أعراض الاكتئاب.
وقد يصاب الأطفال الذين تربوا في أسر غير متعلمة يتعرضون فيها للانتقاد باستمرار أو لا يرقون إلى مستوى توقعات الوالدين إلى عقدة النقص. في كثير من الأحيان توجد علامات تحذير لشخص قد يكون أكثر عرضة لتطوير عقدة النقص. على سبيل المثال؛ قد يكون الشخص الذي يميل إلى الاهتمام وسلوكيات السعي وراء الموافقة أكثر عرضة.
وعندما تصل عقدة النقص سارية المفعول إلى أقصاها؛ فقد تؤثر على أداء الفرد كما تؤثر على احترام الفرد لذاته. يمكن للعمليات النفسية والعاطفية اللاواعية أن تعطل التعلم المعرفي للطلاب، ويمكن أن تؤدي ارتباطات الذاكرة ذات المشاعر السلبية "المشحونة" إلى عرقلة عملية التعلم تلك. ومن أنواع الشعور بعقدة النقص:
• الشعور بالدونية الأولي هو الشعور المتجذر في تجربة الطفل للضعف وقلة الحيلة والاعتماد على الغير والاتكالية. لاحقا يمكن أن يزداد هذا الشعور عن طريق المقارنة مع الإخوان والأخوات والرفقاء الرومانسيين والبالغين.
• الشعور بالدونية الثانوي يشير إلى تجربة البالغ لعدم القدرة على الوصول إلى هدف مطمئن وخيالي في اللاوعي لأمان شخصي وللنجاح للتعويض عن الإحساس بالدونية. المسافة المحسوسة بين هذا الهدف المطمئن سوف تؤدي إلى إحساس سلبي بالاكتئاب والذي قد يحفز الشعور الأصلي بالدونية. هذا المركب من الأحاسيس بالدونية قد يكون قويا للغاية. الهدف المطمئن الذي تم اختراعه للتخفيف من الأصلي وهو الإحساس الأولى بالدونية هو ما يسبب الإحساس الثانوي بالدونية فيما يعرف بمعضلة "كاتش 22" (والتي وردت في رواية بنفس الاسم عام 1961)، وهي عبارة عن موقف متناقض لا يستطيع الفرد الهروب منه بسبب قواعد أو قيود متناقضة. حيث نجد المحاولة اليائسة للحصول على اطمئنان علاجي والتخلص من الشعور السلبي بالدونية وعدم الأهمية غالبا ما تكون محاولات فاشلة. هذه الحلقة الوحشية شائعة في طرق الحياة العصبية.
• في علاج الصحة العقلية للأفراد، تظهر هذه السمات في المرضى المصابين بالعديد من الاضطرابات مثل أنواع من الشيزوفرينيا والاضطرابات المزاجية والاضطرابات الشخصية. وجد "مورتيز" أن الذين يعانون من الفصام البارانويدي يستخدمون هلاوسهم كأسلوب دفاع ضد نقص الثقة بالنفس الضمنية.
والعلاج النفسي والتطبيق الصارم للقانون في مثل هذه الجرائم سيُخلص صاحبها أولاً من ضغوطاتٍ نفسية هائلة؛ جعلت منه شخصاً مُعقداً نفسياً بسبب مشاعر الضعف الجنسي التي وسمته بالانهزامية والعداء للجميع من دون شك. وثانياً ستهدأ العلاقات بين الناس والدول؛ وتصير المجتمعات أميَّل إلى التعاون أكثر من التصادُم.
لأن غالبية من يأتون مثل هذه الأفعال القذرة هم من المخنثين العاجزين وظيفياً، خاصة الوظيفة الجنسية؛ لِعِنةٍ؛ أو لضآلةٍ في حجم أعضائه التناسلية (وهو الافتراض الأرجح والأوسع انتشاراً)، فمثل هؤلاء –بتقَزُمهم- قد أصابهم الشعور بالنقصِ؛ الذي يدفعه إلى إتيان الفعل المضاد المُكَمِّل لشعوره بالعجز والنقص.
فيُقبِل على الزواج بالأربعة ولا يمل من سرد أساطيره العنترية مع النساء، ولكنه يشعر في قرارة نفسه بأنه مجرد مُخنث أذعر؛ ما ينعكس سلباً على أفكاره التي تبيت عدوانية وتصبح انتحارية انتقامية؛ وكذلك سلوكياته الهمجية العنيفةً ـ والتي قد تصل في بعض الحالات والأحيان إلى عمليات إرهابية.
وفي نفسية هؤلاء المخنثين العجزة تصير المرأة هاجسهم الأول والأخير؛ فتجد الخطيب المتدين منهم أكثر تشدداً مع المرأة بشكلٍ عام، فيترك الأزمات الوطنية المُلِحة كارتفاع معدلات التضخم والبطالة وحالات الطلاق وضعف الإنتاج وتدهور التعليم... الخ.
ومثله لا يمل من تكرار صراخه في خطبه المنبرية عن صوت المرأة وملبسها وخروجها وعطرها، وتجده؛ لعجزه ويأسه؛ أميَّل لإحياء فريضة الجهاد والاستشهاد الانتحارية عندنا، ويستوي في هذا الشعور كل من الساسة أو تجار الدين وأغلب المتدينين. وهم باختصار سبب صُداعنا الأزلي/الأبدي في هذه المنطقة.
فلا يغُرنَّكُم نَهمُ ذكور البدو عندنا بالنساء؛ فليس كل مِزواجٍ أو كل من يشتهي النساءَ بهوسٍ؛ يُعد فَحْلاً؛ وسلوا النساء المُجرباتِ عن رغبةٍ لا عن حاجةٍ لمال، في كل ذلك؛ فهن الأجدر على منح الدرجات والنِسَبِ لأدعياء الرجولة التي أنقذتها الحبةُ الزرقاء!
وقد وثَقَ التاريخ أن أغلب مُشْعِلي الحروب هم من المُخنثين ذوي العاهات النفسية الناشئة عن الإحساس بالعجز من الناحية الجنسية التي حرمتهم من احتواء المرأة وإروائها لإشباعها عاطفياً وجنسياً ولنا في المُضحكاتِ المُبكياتِ من سير تاريخنا الإسلامي الكثير من العِبر، ومثلها سِيَرِ "نيرون" و"نابليون" و"شارون" وغيرهم الكثير والكثير.
مثل هذا التفسير الذي يستند على الخبرات الطوال لعجوزٍ أثقلهُ وأصقله الدهر؛ يؤيده التحليل النفسي لعلماء النفس والسياسة والاجتماع وعلى رأسهم: "شِنْدِل" و "ألبرت مول" و"فرويد" و"ماغنوس هيرشفيلد"، وأنا أميل في ذلك التحليل إلى "شندل" و"مول" أكثر من "هيرشفيلد" و"فرويد" بشهرتيهما الأوسع.
على اعتبار أن "شندل" استند في تجاربه السريرية إلى قواعد منهج التقصي العلمي بخلفيته العلمية في التشريح والأعصاب، و"مول" الأقدر على التفكير بشكل نقدي وارتكز علم الجنس عنده على الوعي والواقع الوجودي والسلوك والمظاهر، وتوصياته بضرورة تحقيق الإصلاحات الجنسية للسياسيين وصانعي القرار؛ حفاظاً على نزاهة القرارات والأمن والسلم الدوليين.
في حين كانت أغلب آراء "فرويد" عبارة عن فرضيات نظرية أكثر منها قواعد وقوانين علمية، ارتكز فيها تحليله النفسي على اللاوعي والخيال والخبرة والكمون، وكان "هيرشفيلد" أقرب لـ"فرويد" في خيالاته؛ رغم أن هروبه إلى باريس من الإرهاب النازي الواقعي؛ كان بمثابة الصفعة القوية على وجهه بكل دلالاتها على العجز الجنسي الذي كان السبب المباشر في أغلب ما يُعانيه الفوهرر نفسياً.
والحل، من وجهة نظرنا، يتمثل في نشر التعليم والوعي والإعلاء من قيم التحضر والرقي والحرية وغيرها من أدوات الحداثة والتنوير، فهي الأكثر إقناعاً بقيم التطور والحداثة التي تكفل للجميع الصحة النفسية وارتقاء كافة نواحي الحياة الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية الكريمة.

انتهى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد