الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة والضياع

فلاح أمين الرهيمي

2020 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


يعتبر القائد العظيم (لينين) هو المخطط والمنفذ لثورة اكتوبر العظمى عام/ 1917 وانتصار الثورة البولشفية في الاتحاد السوفيتي التي أحدثت تغييرات مادية ومعنوية وكانت التغييرات المادية تحدث أسرع من التغييرات الروحية والمعنوية لدى الشعب وهذه تعتبر قيم مغروسة في العقل الباطني للمجتمع فكانت هذه الصفة يجرى تغييرها عن طريق الثقافة والوعي الفكري وتستمر لفترة طويلة فكان القائد (لينين) هو رئيس السلطة في الاتحاد السوفيتي يقضي في اليوم (عشرين ساعة) في إلقاء الخطب في اجتماعات العمال والفلاحين وغيرهم من أجل بث الوعي الفكري من أجل غرز التغييرات المعنوية والروحية للتغيرات الثورية لثورة اكتوبر العظمى التي حدثت في الاتحاد السوفيتي وتفاعلها وتناسقها مع الشعب السوفيتي إلى أن ذاب لينين من الإرهاق والتعب وأصيب بثلاث جلطات دماغية إضافة إلى محاولة اغتياله التي أدت إلى وفاته عام/ 1924 مبكراً ولم ينجز خارطة الثورة العملاقة الذي ناضل من أجلها فتولى السلطة (ستالين) الذي كان يختلف اختلاف كبير عن لينين حيث كان يستعمل العنف المفرط من أجل تغيرات القيم الروحية في الشعب السوفيتي بطريقة تختلف عن دور لينين في التثقيف من أجل التغيير وقد اغتال وقتل في فترة حكمه الذي استمر حتى عام/ 1953 (حكم ستة وثلاثون عاماً) ثمانمائة وستون مفكر وقائد عسكري وعالم وكل من يختلف معه في الرأي فأدت هذه العملية المخالفة للفكر والأيديولوجية والنظرية الماركسية – اللينينية وتشويهها التي تقوم على عملية الوعي الفكري والثقافة والحوار الفكري الشفاف في التوافق والإقناع مما أدى إلى تسرب البيروقراطية والمحسوبية والمنسوبية وعبادة الشخصية وإغفال الخصوصية الوطنية للأحزاب الشيوعية في الدول الأخرى من خلال سيطرته على الكومنترن وبهذه الطريقة العنفية في التعامل مع العاملين معه في السلطة استطاع أن يفرض نفسه ودكتاتوريته ويستحوذ على سبعة مراكز مهمة في السلطة الحاكمة من خلال بث الرعب والخوف بين جميع أعضاء وقادة الحزب والسلطة السوفيتية وكذلك الاحزاب الشيوعية في منظومة الدول الاشتراكية مما سبّب أن تتسلل السلبيات إلى صفوف أعضاء الحزب والسلطة الحاكمة والأحزاب الشيوعية في الدول الأخرى وتفقد ثقتها بالحكم الاشتراكي والنظرية الماركسية – اللينينية وهنالك قول إلى رئيس الوزراء الذي تلى ستالين في الحكم (نيكيتا خروشجيف) حيث قال (حينما كان ستالين يطلب مقابلتنا كنا نودع زوجاتنا وأبنائنا خشية إعدامنا أو قتلنا) وكان ستالين عندما توفى بسبب جلطة في الدماغ كانوا يخافون الدخول إلى غرفته وهو مسجى على فراشه ميتاً بسبب عنصر الخوف الذي غرزه في جميع المسؤولين، وجاء بعده (مالينكوف، خروتشيف، بريجنيف، أندريوف، تشيربينكو غورباتشوف) لم يغيروا من طبيعة الحكم الستاليني السابق لأن جميعهم عاشوا في أحضان الستالينية التي استمرت ستة وثلاثون عاماً وغرزت في عقولهم الباطنية سالكين سياسته العنفية وذلك من خلال تدخلهم العسكري العنيف في هنغاريا وبولندا وأفغانستان وجيكوسلوفاكيا واستعمال أسلوب العنف ضد قادتها بسبب رفضهم أسلوب الحكم الستاليني المفروض عليهم وفي عهد بريجنيف أصبح المئات من الشعب السوفيتي يصطفون بطابور كبير من أجل الحصول على رغيف خبز بسبب تحويل المبالغ المخصصة لمعيشة الشعب والقيم الروحية الأخرى إلى مخصصات الدفاع في التسلح بعد الخديعة للمخابرات الأمريكية (حرب النجوم) التي انطلت وكانت خديعة ضد الاتحاد السوفيتي مما سببت مجاعة للشعب السوفيتي وأن يكفر ويرفض الحكم الاشتراكي إن المسؤولين الذين جاؤوا بعد ستالين نشأوا وترعرعوا في أحضان الستالينية فتأثروا بها وغرزت في نفوسهم حسب القاعدة النفسية التي تعتبر أن أي إنسان يعيش في بيئة معينة مدة من الزمن تنغرز في عقله الباطني عادات وتقاليد تلك البيئة ومن خلال هذه القاعدة فإن القادة الذين تولوا الحكم بعد ستالين غرزت في نفوسهم وطباعهم سلوك وطبيعة الحكم الذي سلكه ستالين، لقد أدت هذه السياسة إلى انهيار اقتصادي في الدولة وخلقت فجوة كبيرة بين الشعب السوفيتي والسلطة الحاكمة نتيجة تفشي الفساد الإداري والبيروقراطية والمحسوبية وعبادة الشخصية التي أدت إلى تشويه النظرية الماركسية – اللينينية حسب قاعدة إذا عجز التطبيق عن متابعة النظرية فلابد من وجود خلل في التطبيق وأصبح خورباتشوف رئيساً للدولة السوفيتية الذي كان يشغل سفير الاتحاد السوفيتي في الولايات المتحدة الأمريكية وقد بدأ نشاطه بإنقاذ الاقتصاد السوفيتي من الانهيار واستبدال النظام الاشتراكي بنظام الخصخصة الليبرالية عندما طبق غورباتشوف الإصلاحات السياسية للبريسترويكا في الأعوام 1985 – 1989 بذريعة تدعيم التغيير الاقتصادي وتعزيز الشرعية وكان الأمر قد حسم من نواحي عديدة في اتجاه التعويض للحزب الشيوعي وفي النهاية تعويض الدولة السوفياتية وما تركه ذلك من تداعيات على بلدان المنظومة الاشتراكية الأخرى حيث توجت تلك الصيرورة المتناقضة بانهيار الاشتراكية كنظام ومن الاعترافات الشخصية لغورباتشوف بأنه كان فاقداً القناعة بالاشتراكية. لقد بدأ المخطط التآمري الكارثي بتنفيذ مشروعه الجهنمي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي حينما صرح أحد أقزامها ومنفذيها (أناتولي تشوبايس) الذي يعتبر أحد منظري الخصخصة في روسيا بأنه سيسعى في مشروعه الخصخصة الذي يؤدي إلى خلق ملايين من الملاكين غير أن الذي حدث في الواقع العملي عكس ذلك حيث أدت الإصلاحات المزعومة وأسفرت عن فوضى اقتصادية شاملة فبدلاً من ظهور (ملايين الملاكين) كما قال هذا الخبير المأجور ظهرت عشرات الملايين من الجياع الروس وانخفض الناتج الوطني الإجمالي من عام/ 1991 إلى سنة 1998 بنسبة 50% وبلغ الانخفاض في الصناعة 50% وفي الزراعة 60% وقد أدت عملية الخصخصة المزعومة إلى ابتلاع هائل للثروة الوطنية، ولم تفض وتؤدي تلك العملية إلى ولادة طبيعية لطبقة رأسمالية كما روج لها المخربين ومنفذوا المؤامرة المجرمة بل أدت إلى ظهور طبقة رأسمالية طفيلية بالنهب والاستحواذ وأفرزت الملايين من الجياع والمشردين والمحرومين مما أدى إلى إفراز التوترات والاضطرابات الاجتماعية وارتفاع أعداد الفئات الهامشية والرثة حتى شكلت نسبة الفئات التي تعيش وتحيا دون خط الفقر المدقع إلى أكثر من ثلث السكان، وقد هُربت العملة الروسية والتي حولت منها أعداد كبيرة إلى دولارات بشكل مشروع ورسمي عن طريق التحويل تحت إشراف (غورباتشوف المنفذ بدقة وصرامة المؤامرة الجهنمية) وقد بلغت الرساميل الروسية المحولة والمهربة / عام 1992 و 1994 فقط حوالي مليار دولار وبدأ عملاء المخابرات الأمريكية والأوربية الغربية من الاقتصاديين بالتسلل إلى روسيا وبلغت الأموال التي وظفت للاستثمار في السوق الروسية 4,19 مليار دولار وأثناء حكم بلتسن هربت (450 مليار دولار) بصورة غير شرعية مقابل ذلك ازداد عبء الديون الخارجية إلى 70% عام/ 2003 .. أما الآثار الاجتماعية فكانت مدمرة وكارثية على الشعب الروسي فقد ازداد نمو الجريمة المنظمة والدعارة والرشوة والمافيا المنظمة ... الخ ولعبت المافيا المنظمة التي تديرها المخابرات الأمريكية والأوربية دوراً مركزياً في الرأسمالية الروسية وبحسب تقديرات الشرطة الروسية هنالك حوالي (9000 منظمة) للمافيا تشرف على نشاط (400.000 مؤسسة) من بينها (400 مصرفاً) وتمثل هذه النسبة الجزء الأكبر من القطاع المالي الروسي ... في تلك الظروف زار وفد صحفي أمريكي روسيا وسأل صحفي أحد المواطنين الروس عن أوضاعهم وحياتهم الآن مقارنة مع الوضع السابق الذي كان سائداً في النظام الاشتراكي .. فأجابه المواطن الروسي : كنا نتوقع من الولايات المتحدة الأمريكية أن تقتح لنا الحرية من أوسع أبوابها ولكنها رمتنا في سوق العولمة والفوضى وأصبحنا مثل السلعة في السوق تباع وتشترى حسب قانون العرض والطلب) .. ومن نافلة القول في هذه الظاهرة (سافر وفد من الاتحاد السوفيتي إلى كوبا عام/ 1961 وكان مع الوفد أحد أصدقاء لينين اسمه يونسييف، وفي كوبا سئل أحد القادة الكوبيين صديق لينين وقال له : رفيق يونسييف لو كان لينين حيا ولم يعاجله الموت مبكراً ماذا كان وضع الاتحاد السوفيتي والعالم .. فقال له يونسييف لو كان لينين حياً لرأيت العالم غير ما تراه الآن).
وهكذا وبكل بساطة حل السكون والأمر الواقع والضياع لذلك الطود الشامخ الذي صمد بوجه الرياح ولم تزعزعه الهزات اختفى بلمح البصر بعد أن كان أمل الشعوب المظلومة وتطلعها إلى المستقبل المشرق السعيد وانتهت أحلامها إلى ظلام دامس حتى الجيش الأحمر لم يتدخل وينقذ الكرملين من الانهيار والآن انتهى الصراع في معادلة نافية ومتناقضة مع آلية التطور التاريخي وناهية لصيرورة وحتمية التحولات الاجتماعية، لتعقد عوضاً عنها المصالحة بين التاريخ ومبتغاه الرأسمالي المتمثل بالسيطرة المحكمة من مفاهيم ومقولات ما يسمى بالنظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية، باعتبار أن هذه المصالحة تعبر عن طبيعة الإنسان المتعطش للاتساق مع ذاته المفتقدة في كل هذه الأنماط الاجتماعية السابقة وخاصة النظام الاشتراكي غير المتلائم مع طبيعة البشر الساعية بدورها إلى السعادة والرفاه والاستقرار من خلال صيغة مجتمعية تتوافر فيها حرية الفرد وتحقق بها مصالحه المتعارضة والمضاربة مع ما ترمي إليه القوانين ومبادئ المنظومة الاشتراكية العلمية الخلاقة، وهذا ما تسبب بحسب ما تطالعنا به النظريات الجديدة للنظام العالمي الجديد بالثورة والتمرد من أجل الإطاحة بهذه الأنماط والأنظمة وذلك لتبديلها بصيغة نظامية أكثر انفتاحاً بعدما كانت النظم الاشتراكية خياراً وهدفاً رئيسياً لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العالقة عند تلك الشعوب التي تعيش الآن مخاض تغيير يفترض أن لا يتخذ منحى رأسمالياً كما كان يخطط لها ويعتقد بها أصحاب النظريات المهلهلة المبشرة لنهاية التاريخ والإنسان الجديد في النظام العالمي الجديد الذي هو صورة مشوهة ومطابقة من حيث المضمون للنظام الرأسمالي الواعد بمفاجآت أصلها وأملها ورجائها ما نشاهده على الساحة الدولية من أزمات ومجازر وصراعات وحروب ترتسم من خلالها معالم النظام الجديد.
المصادر : كراس (ورقة عمل خيارنا الاشتراكي .. للحزب الشيوعي العراقي).
ملاحظة : الرجاء النظر إلى كتاب (ظاهرة ستالين بين النظرية والتطبيق) لكاتب السطور على موقعه في (الحوار المتمدن).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار