الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أستاذي الدكتور كمال نشأت

شكيب كاظم

2020 / 10 / 18
الادب والفن


يوم قرأت قصيدة الشاعر الغِرّيد عبد الخالق فريد، التي نظمها رثاء للأديب الشاعر والأستاذ الجامعي المصري؛ الدكتور كمال نشأت، والتي جاء فيها:
أودى الردى ببقية الآمال-
لما أتاني اليوم نعي كمال
خل تسامى في الرجال وصاحب-
متفرد بروائع الأعمال
هذا كمال.. قمة في خلقه-
ونبوغه علم مدى الأجيال
ذكراك تبقى مَعلَما في خاطري-
أبدا تسامرني طوال ليال
أقول، ما أن قرأت هذه القصيدة الرثائية، حتى إنداحت بخاطري ذكريات عمر مرت مرّ السحاب، والحياة هكذا ما هي إلا إغماضة عين وانتباهتها، حتى تجد نفسك وقد طوّحت بك الأيام والسنون، وأحالتك إلى هباء وركام؛ أقول عدت بذاكرتي إلى النصف الأول من عقد السبعين من القرن العشرين (1970-1975)، كنا طلبة في قسم اللغة العربية، بكلية الآداب في الجامعة المستنصرية، قسمها المسائي كنا نعمل وندرس، لا بل كنت في السنة الأولى أعمل في مستودع نفط قضاء الرطبة، أقصى الغرب العراقي، واحضر لأداء الامتحان، وأعود إلى الرطبة.
كان معنا رعيل رائع من الطلبة، أمسوا ذوي شأن في عالم الكتابة والشعر والدرس الجامعي، الدكاترة: صبري مسلم، وعلي جعفر العلاق، وفاضل عواد، والشعراء: يحيى عباس السماوي، وحسام عبد علي، ومحمد حسن الوادي، وأحمد خطاب عمر، والباحث الشاعر عبد الحسين المطلبي، وقد اتخذ له اسما أدبيا هو (حسان المطلبي)، ومعنا في قسم آخر القاص والروائي حنون مجيد.
كان من أساتذتنا الدكاترة: يحيى الجبوري، وعبد الباقي الشواي، ومجيد دمعة، وصلاح خالص، وعلي جواد الطاهر، وعناد غزوان، وعلي الزبيدي، ورزوق فرج رزوق، وجلال الخياط، وحسام سعيد النعيمي، وعبد الرحمن رشيد العبيدي، وعبد الحسين الفتلي، ونمير العاني، وعبد الأمير الأعسم، وصالح الشماع، وعلي عباس علوان، والأساتذة: إبراهيم الوائلي، وسعيد عبد الكريم سعودي، ومهدي صالح السامرائي؛ شقيق العالم النحوي واللغوي الدكتور فاضل صالح السامرائي، والدكتور الباحث الشاعر كمال نشأت، الذي نال درجة الدكتوراه برسالته الموسومة بـ( أبو شادي وحركة التجديد في الشعر العربي) نشرتها دار الكاتب العربي. القاهرة سنة 1967، وكنت قد استعرت الكتاب من مكتبة الجامعة المستنصرية، التي تعد من أرقى مكتبات العراق في ذلك الحين، إلى جانب مكتبة جامعة بغداد، والمكتبة المركزية، ومكتبة المتحف العراقي، بالصالحية، وقد استعرته في شهر شباط 1975، أثناء العطلة الربيعية.
لقد درسنا الأستاذ المصري الضليع الدكتور كمال نشأت، درّسنا منهج البحث العلمي والأدبي في الصف الثاني، سنة 1971-1972، وكان الكتاب المقرر هو (منهج البحث الأدبي) لأستاذنا الدكتور علي جواد الطاهر، فضلا عن تدريسنا مبادئ النقد الأدبي، ومدارس النقد في الصف الرابع، وما زالت نصوص المحاضرات التي كان يلقيها علينا، مازالت لدي.
كان مجموعة نظرات نقدية صائبة، يحثنا عليها، إذ هو من دعاة القصيدة المركزة المكثفة، ويحث الشعراء منا على الكتابة بهذا الشكل المكثف، بعيدا عن المط والترهل، لأنه يراها أوقع في نفس المتلقي، وكان يحثنا على أن لا نضيع الاستهلال؛ المستهل إذا ما طافا في أذهاننا، لأن إضاعتهما، تعني إضاعة لمشروع قصيدة، أو مشروع مقالة أو بحث.
حدثنا يوما، إنه ما أن وضع رأسه على الوسادة كي ينام، حتى طافت بجوانحه ترانيم قصيدة؛ مستهل قصيدة، فما عتم أن نهض من نومه ودوّن تلك الترانيم الطائفة في وجدانه، التي أضحت فيما بعد قصيدة جميلة من قصائده.
كما تذكرت احتفاءه بصديقه الشاعر السوداني المعروف محمد مفتاح الفيتوري، مساء الإثنين 20 من كانون الأول 1971، الذي جاء إلى العراق في ذلك الحين، وألقى قصائده في عدد من الجامعات والمنتديات، ولا سيما قصيدته المدوية في رثاء زعيم الحزب الشيوعي السوداني عبد الخالق محجوب، الذي أعدمه الرئيس السوداني جعفر نميري، إثر فشل الانقلاب العسكري اليساري الذي قاده الضابط هاشم العطا صيف سنة 1971، وعودة النميري إلى السلطة، بمساندة وتدخل العقيد الليبي معمر القذافي، كان القاؤه مؤثرا، ناظرا نحو الأفق وقد إتكأ بمرفقه على منصة الخطابة، فكان الفيتوري نجم تلك الأمسية في كليتنا الآداب وعلى قاعة الحصري، وكذلك صديقه الشاعر أستاذنا كمال نشأت.
يوم كان يدرسنا، مدارس النقد، حدثنا عن (المدرسة الواقعية) وإن الأدباء في الدول الاشتراكية، يرسلون إلى المعامل والمزارع التعاونية الجماعية، للكتابة عن تلك المشاهدات، روايات وقصصا وأشعاراً، فأتذكر أني قلت له، يا أستاذي أرى أن هذا الأمر من مهمات الصحافة وواجبات الصحفيين، وليس من شغل الأدباء، لأن الأديب يعتمد على مواهبه في الكتابة، وإن النقل الفوتوكرافي الواقعي من أعمال الصحف، فاستحسن رأيي.
ويوم كان يحدثنا عن السادية، التي تعني إيقاع الألم بالآخر، وإنها تنسب إلى المركيز الفرنسي دي ساد، وهي عكس الماسوشية التي تعني التلذذ بالألم، فسألته: لمن تنسب الماسوشية؟ فأجاب بتواضع العلماء الواثقين بأنفسهم، إنه لا يعرف، فتألمت لأنني ظننت أني قد أحرجته، لكن من غرائب المصادفات أن أقرأ في اليوم التالي تحديداً، ومصادفة، اقرأ في زاوية (عيون المدينة) التي كانت تنشر على الصفحة الأخيرة من جريدة (الجمهورية)، وهي زاوية تعنى بأخبار الثقافة، قرأت خبرا عن صدور رواية (السيدة والكلب) في ضمن سلسلة (روايات الهلال) التي تنشرها شهريا (دار الهلال) المصرية، للأديب النرويجي (ماسوشة) الذي تنسب إليه صفة الماسوشية!!
لكن الذي أسفت له وحزنت، إنه سألنا يوما عن أديب مصري معمم، كتب في النقد، وكان زوجا لأديبة وباحثة مصرية هي الدكتورة عائشة عبد الرحمن، التي عرفت باسمها الثقافي (بنت الشاطئ) وكنت أخمن أن المعني والمقصود، هو الشيخ أمين الخولي، ولأنني لم أكن متأكدا من الجواب، وخشية الإحراج، واضعين في الحسبان، أنني كنت في ذلك الوقت (1971) في العشرينات من عمري، فلم أجب، وما أجاب أحد من الطلبة، فأجاب هو: إنه الشيخ أمين الخولي، فحزنت في داخلي على ترددي وعدم إجابتي.
بعد تخرجنا في الجامعة في 28 من حزيران 1975، وكان هذا تاريخا ثابتا لحفل تخرج طلبة الجامعة المستنصرية، كنت التقي به مرارا، وقد سكن منزلا قريبا من (الحي العربي) بمنطقة المنصور، وكنت اسكن في المنطقة ذاتها في دارة المرحوم أبي، وما هي إلا سنوات حتى غادر العراق، نحو الكويت، وبقيت متابعا نشاطاته الثقافية، من خلال أحاديثه التي تبثها إذاعة الكويت، إلى جانب باحثين آخرين مساء، وما اقرأ من مقالاته التي تنشرها صحافة الكويت، وكانت توزع في العراق وقتذاك.
وانقطعت عني أخباره، حتى كنت يوما نتجاذب أطراف الحديث مع صديقي الشاعر والقاص عصام القدسي- وكثيرا ما كنا نتذكره- فأخبرني بوفاة الأستاذ الجامعي، الشاعر الباحث الدكتور كمال نشأت (1923-2010) حتى قرأت مرثية الشاعر عبد الخالق فريد له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه