الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصعود الى الجنة … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 10 / 19
الادب والفن


كانت المدينة نصف نائمة ، والجو ممطر ، والرياح تعصف بما يقع امامها من اكواخ … فتطيح بمن لا مقاومة منها امام هذا الغضب المتفجر … وهم يجلسون في غرفة من بيت هو بالقبر اشبه … وسقف الغرفة ينز بالماء المتساقط … قطرة قطرة محدثا ايقاعا مملا يمزق الاعصاب … والعيون القلقة يكسوها الخوف ، والبنتين ، والولد الوحيد … صبيّة لم يبلغوا الحلم بعد … والام رغم ريعان شبابها ، وجمالها الا ان الهم ، وجفوة الحياة اسقطتا عليها شيخوخة مبكرة !
تقترح الام على طفلها ان يضع وعاءً تحت الاماكن التي يسقط عليها نزيز المطر حتى لا ينتشر الماء ، ويترطب المكان اكثر مما هو رطب … وعين الام على السقف ، ونظرات من الخوف ، والهلع ترتسم واضحةً على تعابير وجهها الجميل الذي شوهه الشحوب ، والتعب ، وسوء التغذية … واذناها مشدودتان الى طقطقة الخشب المنهك الذي ترتكز علية احمال هذا الكوخ الهرم ، ووجوههم البريئة تنطق بلغة صامتة …
جلس ولدها هاشم القرفصاء دافناً وجهه بين ركبتيه … هاربا من الضجيج الذي تُحدثه السماء الغاضبة … والاطفال يرتجفون من البرد ، واصوات اصطكاك اسنانهم تُسمع بوضوح … والمطر يشتد ، ويكتسح طوفانه الغاضب كل شئ … والريح تصدر صوتا كالعويل ، والبرد يخترق اسمالهم ليحدث رجفةً في اجسادهم … فيتكور كل على نفسه محتويا اعضائه ، وكانه يلملمها خوفا عليها من الانفراط ، وقسمات الوجوه طافحةً بالهواجس … ثم يزداد وجه السماء تجهماً حتى تتضخم تلك اللحظة فتصير دهراً بانتظار المجهول … !
تتمتم الام ببعض الآيات ، وتقرء ما تحفظ من الادعية … قد تنسيهم قسوة الحياة … وهي تنصت لصرير الرياح … ووجهها لامعا بالدموع … ثم تسند راسها الى راحتها ، وكأنها تهرب من هاجس ما ، وقلبها يتقطع الما على اطفالها ، وعلى زوجها الذي غادر وسط هذا الهزيم يحدوه امل في تحريك من في قلبه رحمة ، ويؤوي عائلته حتى يمسك هذا المطر ، والزوابع … خوفا عليهم من ان يتداعى الكوخ عليهم ، ويدفنهم احياء … !
هامت الام في خيالها طاوية ذكرياتها الجميلة في ماض بعيد لم يكد يبقى من معالمه شئ … مسترجعة ايامها مع زوجها في بداية حياتهم ، وكيف كانوا في بحبوحة من العيش توفرها لهم سواعد زوجها الفتية ، والماهرة في تقطيع الخشب ، واعادة تشكيله الى تحف فنية نادرة من الاثاث الجميل ، والانيق …
ومن ياتمن الايام ، والقدر ستسحقه اوهامه ، وتطيح به احلامه ، ولا يمكن للحلم الا ان يكون حلما يمكن ان تبدده الحقيقة في اية لحظة فيستحيل سرابا … هباءً … وهو ما جاءت به الايام من غدرٍ لم يكن في الحسبان …
وفي عمر لحظة … اشتعل المتجر يوماً ، وعم اللهب ، واطاح بكل ما بناه زوجها في سنين ، وتداعى امام اعينهم في لحظات … وامتدت يد القدر الى احدى السواعد التي كان زوجها يعتبرها راسماله الاكبر فهشمتها الاحمال الساقطة من السقف الذي تداعى على من كان بداخله ، ولولا العناية الالاهيه لكان زوجها الان تحت التراب …
وهكذا … تحولت حياتهم الى صحراء قاحلة … شظفاً ، وانتظارا … وتلاشت الاحلام مهزومةً امام الحقيقة ، وبعد ان صرفوا ما ادخروه من فائض مال ، ولم يتبقى الا القليل ، وزعوه بين هذا الكوخ المتداعي ، وعربة صغيرة يبيع عليها الخضار لسد الرمق … فهي لا تنسى منظر زوجها حابسا دموعه رغم لمعانها في عينية ، ومحاولاته تسكين الام لا تنتهي … وعندما يبكي الرجال فاعلم ان الحمل قد فاق الجبال … !
يعود الزوج مسرعا يسابق الزمن … متعثرا بالظلام … تغمره المياه ، والاوحال ، ويندفع الهواء البارد كالسياط يجلد جسده الضئيل ، وينخر عظامه ، وهو يسب ، ويلعن هذا المطر ، وهذا الليل البهيم … تُلوّن صوته نبرات بكاء الفرح بما حققه من اقناع جارٍ قديم وافق اخيرا ان يفرد مكانا لعائلته حتى تُفرج … وفي لحظة تمنى فيها ان يتوقف الزمن عن جريانه … يحملق مذعورا بمن كان بيتا له ، وزوجته ، واطفاله ، وتند عنه صرخة يطلقها غاضبة في وجه السماء تحمل كل ما تكور في نفسه من حزن ، وغضب … !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/