الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو حامد محمد  الغزالي (1059 – 1111 م)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 10 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



فيلسوف ومتكلم وفقيه ومتصوف عربي، ومن أبرز مفكري العصر الذهبي في الإسلام. "لقبه أبناء دينه "حجة الإسلام". ولد في طوس بخراسان (شمال شرقي فارس) سنة 1059م (450هـ)، ومات فيها في 19 كانون الأول 1111 (501 هـ)، درس في نيسابور، وأخذ عن المتكلم والفقيه المشهور الجويني، الذي لقب بإمام الحرمين.
في كتابه الشهير المنقذ من الضلال، الذي يكاد أن يكون ضرباً من السيرة الذاتية، سرد بمنتهى الوضوح والدقة نتيجة تجاربه في تطبيق منهج النظر العقلي على علم الكلام، وعرض الحجج التي انتهى إلى الأخذ بها حول إمكانية برهان عقلي على الإيمان"([1]).
وفي "كتابه "تهافت الفلاسفة" جسد الغزالي نموذج الاستبداد في الفكر الفلسفي الإسلامي، إذ كان غرضه صريحاً وواضحاً من تأليفه لهذا الكتاب, وهو أن يهدم الفلسفة ويبين بطلانها, فترتد الناس عنها, ويصبح العمل في الفلسفة غير ذي قيمة أو فائدة, ويتخذ من الإسلام وسيلة في الرد على الفلاسفة, وعلى أساس أن هؤلاء الفلاسفة الذين يرد عليهم استحقروا شعائر الدين, كوظائف الصلوات والتوقي عن المحظورات, ويشبههم باليهود والنصارى ويعتقد أن مصدر كفرهم هو سماعهم لآراء سقراط وأبو قراط وأفلاطون وأرسطوطاليس, ويعترف بدقة علومهم كالهندسة والمنطق والطبيعة والإلهيات, وعلى الرغم من أن هؤلاء الفلاسفة اليونانيين يتمتعون برزانة العقل وغزارة الفضل, إلا أنهم منكرون للشرائع والنحل, وجاحدون لتفاصيل الأديان والملل, وهي في نظرهم نواميس مؤلفة وحيل مزخرفة"([2]).
لذا "فالفلاسفة المسلمون حسب ما يعتقد الغزالي تجملوا باعتقاد الكفر تحيزاً إلى غمار الفضلاء وانخراطا في سلكهم وترفعا عن مسايرة الجماهير واستنكافا من القناعة بأديان الآباء, ظنا منهم أنها الجمال (وغفلة منهم عن أن الانتقال إلى تقليد عن تقليد, خرف وخيال, فأية رتبة في عالم الله أخس رتبة ممن يتجمل بترك الحق المعتقد تقليداً بالتسارع إلى قبول الباطل تصديقاً دون أن يقبله خيراً وتحقيقاً)، ويصفهم بالحماقة ويسميهم الأغبياء والملاحدة الشرذمة, أصحاب العقول المنكوسة والآراء المعكوسة, زمرة الشياطين الأشرار, الأغبياء والأغمار (الغمر كقفل الذي لم يجرب الأمور, وغمار الناس بضم الغين وفتحها, زحمتهم) أصحاب التخابيل والأباطيل"([3]).
لقد لعب الغزالي - كما يقول بيتر أدامسون- "دوراً كبيراً في شرح موضوعات الفلسفة ثم محاربتها لاحقا. ومعلوم أن الغزالي ألف كتابين كبيرين عن الموضوع: الأول بعنوان: مقاصد الفلاسفة، والثاني بعنوان تهافت الفلاسفة، في الكتاب الأول شرح نظرياتهم، وفي الكتاب الثاني فنّدها ودحضها، ولذلك قيل بأن الغزالي هو الذي قضى على الفلسفة في العالم الإسلامي، وبعده لم تقم لها قائمة في المشرق على الأقل، وقد حاول ابن رشد الرد عليه في المغرب بكتاب شهير يدعى "تهافت التهافت"، ولكنه لم يستطع أن يحجّم تأثيره المعادي للفلسفة بسبب دخول العالم الإسلامي آنذاك في عصر الانحطاط، وعندئذ ماتت الفلسفة وحلت محلها العلوم التقليدية والتصوف والدروشة ثم عقلية الخزعبلات والخرافات"([4]).
واذا كانت "موجة العداء للمنطق الأرسطي والفلسفة بدأت تظهر بعد وصول الخليفة العباسي المتوكل إلى مركز السلطة (232 ه / 846م)، عبر اضطهاد المعتزلة ومذهب الاعتزال، فإن الموجة الكبرى من العداء للفكر الفلسفي والمنطق، ظهرت مع الحملة الارهابية الفكرية التي أثارها علماء الكلام الأشاعرة، مسلحين بأسلوب المنطق ذاته (ولكن بوجهه الشكلي الصرف، الجامد، الميت) والتي كان أشهر علماء الاشعرية واعظمهم تأثيراً في الرأي العام الديني: ابو حامد الغزالي (1059- 1111م) هو حامل رايتها، وظل فكره يرهب الفلسفة والفلاسفة مدى أجيال لاحقة، وقد شمل إرهابه كل قطر يتحرك فيه نبض للفكر العربي -الاسلامي، في المشرق والمغرب على السواء"([5])، "ولكن ظله كان في المغرب أشد ثقلاً وتأثيراً منه في المشرق، ولعل ذلك يرجع إلى سيطرة المذهب الفقهي المالكي هناك، وهو المذهب المنطبع بالطابع السلفي الاكثر محافظة والاكثر التزاماً للنصوص المأثورة.
وقد استغل ملوك الطوائف والامراء وسائر الحكام تأثير رجال اللاهوت الاسلامي في الاندلس وشمال افريقية، فاستخدموهم في سبيل الحفاظ على مناصبهم وامتيازاتهم المطلقة، وكان هؤلاء الحكام محتاجين لتأييد اللاهوتيين المسيطرين فكرياً على الرأي العام، فتساند الفريقان على محاربة الفكر الحر، المتمثل بالفلسفة والمنطق يومئذ.
فكم من مرة احرقت كتب ومكتبات، وكم من مفكر سجن ونفي واضطهد أو رجم بالحجارة بسبب من تحريض الفقهاء المتزمتين والرجعيين للحكام والرأي العام على كل من يتحسسون منه الخروج على طريقتهم السلفية في التفكير لاشتغاله بالفلسفة والمنطق.
لم تهدأ موجة الارهاب الغزالي الا بعض الوقت حين ظهر فكر ابن رشد، فيلسوف المغرب العربي العظيم، مدافعاً عن الفلسفة، مهاجماً فكر الغزالي المعادي للفلسفة، فقد وضع ابن رشد كتابه "تهافت التهافت" رداً عل كتاب "تهافت الفلاسفة" للغزالي. ولكن ابن رشد لم يستطع ان يرفع ذلك الظل الاسود من الإرهاب عن الفكر الفلسفي إلا وقتاً قصيراً، فسرعان ما عاد الظل الاسود هذا يطبق على ابن رشد نفسه رغم مكانته العلمية والاجتماعية العالية في الاندلس والمغرب كله"([6]).
ومعلوم أن الغزالي كان مُنَظِّراً إديولوجياً للنظام السلجوقي الإقطاعي العسكري السني، لذلك لا غرابة إذا تعرض الفلاسفة للبطش والاضطهاد إبان عصر الاقطاعية المرتجعة، وحسبنا موقف الخليفة المتوكل من الكندي الفيلسوف؛ حين عذبه واحرق مكتبته العامرة"([7]).


([1])  جورج طرابيشي  - معجم الفلاسفة –  دار الطليعة – بيروت – ط2 - ديسمبر 1997– –ص 429
([2]) أ.د. عبد الجليل كاظم الوالي – الاستبداد في الفكر الكلامي والفلسفي – موقع: الجزيرة – بدون تاريخ
([3]) المرجع نفسه .
([4]) بيتر أدامسون وريتشارد تايلور – دليل كامبردج إلى الفلسفة العربية - البيان– 12 فبراير 2007
([5])  حسين مروة – مرجع سبق ذكره –النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية – الجزء الأول – ص904
([6]) المرجع نفسه -  ص905
([7]) د. محمود إسماعيل – سوسيولوجيا الفكر الإسلامي .. طور الازدهار (3) .. فكر الفرق.. علم الكلام.. الفلسفة.. التصوف– سينا للنشر – بيروت- 2000 -  ص 115








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تاريخ يحتاج لمراجعة شجاعة
محمد البدري ( 2020 / 10 / 20 - 17:38 )
يعتبر كثيرين ان علم الكلام هو الفلسفة الاسلامية
وهذا خطا فادح فما جري في العصر العباسي زمن المامون ليس سوي امتداد لما تحاكي به كفار قريش علي قرآن محمد ولكن بصورة مهذبة تسودها، ومطهمة، بالفاظ وتعابير ماخوذة من الفلسفة اليونانية. حدث هذا في غياب مفهوم الفلسفة ذاته اي برفع السقف العقلي تماما بحثا عن الحكمة والمعرفة. لكن ان تكون مباريات الكلام في ساحة المامون كلها تحت سقف القرآن فهذا لا يمت للفلسفة بصلة.
بعدها ظهر الغزالي ليضرب الفلاسفة في مقتل ويؤكد عدم جدوي ما كان يجري في بيت الحكمة. فهل كان هناك عصر ذهبي اساسا في الاسلام؟


2 - نظرية الكسب الاشعرية
منير كريم ( 2020 / 10 / 20 - 19:35 )
تحية للاستاذ غازي المحترم
شكرا على كتاباتك حول الفلسفة والفلاسفة المفيدة جدا
اود ان اظيف ملاحظة حول اخطر قضية في تراثنا صاغها الاشاعرة والغزالي تحديدا وهي نفي السببية ونفي استقلالية قوانين الطبيعة ونفي الارادة الحرة للانسان فيما يعرف في علم الكلام الاشعري بنظرية الكسب
وفق هذه النظرية ان النار لاتحرق الخسشب وانما يحدث ذلك بسبب الفعل الالهي المستمر وان افعال العباد موجهة من عند الله ولا ارادة حرة للانسان
شكرا جزيلا لك

اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية