الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكوابيس عند الأطفال

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2020 / 10 / 20
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تعرّف الكوابيس عند الأطفال من وجهة النظر الطبية بأنّها تلك الحالة التي تقطع السير الطبيعي للنوم وتظهر على شكل رؤى من مكونات يومية حياتية أو معطيات خيالية وتبدو بأنّها تهدد وجود الطفل وأمنه الجسدي والنفسي، أو تشوه رؤيته لنفسه أو رؤية الآخرين عنه، وغالباً يستطيع الطفل تذكر تفاصيل الكابوس بشكل دقيق عقب الاستيقاظ وبشكل دقيق جداً، وهذا ما يجعل العودة للنوم عملية صعبة في الكثير من الأحيان التي تترك الطفل حينئذٍ متيقظاً بشكل شديد، وبمظهر عياني يشير إلى قلقه وتوتره النفسي والجسدي بشكل عميم.

وحقيقة تعتبر حالة الكوابيس حالة شائعة عموماً ولا توجد دراسة شاملة تحصي نسبة انتشار الكوابيس بين الأطفال، ولكن تشير الدراسات إلى أنّ 10% من مجموع الأطفال يعانون من ظاهرة الكوابيس بشكل مستمر أو متقطع.

وأكثر ما تشيع الكوابيس عند الأطفال في عمر المدرسة الأولى وخاصة بين 6 إلى 8 سنوات وتميل لأن يخف تواترها عقب ذلك في معظم الحالات مع تطور الطفل من الناحيتين النفسية والاجتماعية.

العوامل المؤهبة لحدوث الكوابيس:

يعتبر القلق كمتلازمة تضم أسباباً وأعراضاً جسدية ونفسية السبب الأكثر شيوعاً في بروز علة الكوابيس عند الأطفال. وإنّ كافة الأشكال الفرعية للقلق عند الأطفال يمكن أن تتظاهر بشكايات مرافقة تتمثل بالكوابيس الليلية التي يعاني منها الطفل، ولذلك فمن البديهي أن المحاولة لعلاج كافة الأسباب المؤهبة للقلق عند الطفل يعتبر مقدمة صالحة لعلاج حالات الكوابيس عند الأطفال.

كما أن الاضطرابات العائلية وخاصة تلك التي تنطوي على خلاف بين الأبوين، وتترافق مع محاولة كل منهما إدخال الطفل في معمعة الصراع والإيحاء له بخطأ الطرف المقابل وتنفيره بشكل غير مباشر منه، وهو خطأ شائع في كثير من العوائل عندما تنقل خلافاتها وفق آرائها الشخصية إلى الطفل الذي لا يمتلك القدرة الحكيمة على تحليل الموضوع منطقياً بعد، وإنّما فقط يستطيع أن يرتكس له بشكل إحساس بعدم الاطمئنان الذي غالباً ما سيتظاهر خلال نوم الطفل بكوابيس تعتبر نتيجة لحالة الصراع العاطفي والوجداني الكامن لدى هذا الطفل.

ومن ناحية أخرى فإن مشاهدة أفلام الإثارة والرعب والتي أصبحت للأسف موضوعاً شائعاً من الناحية الاستهلاكية والتسويقية في حيواتنا المعاصرة بشكلها العولمي البائس، يؤدي إلى خفض عتبة التوتر والارتكاسات القلقية عند الطفل (أي يصبح مؤثر بسيط كافياً لأن يحدث الهلع أو القلق بأشكاله المختلفة)، وهذا ما يجب الابتعاد عنه بشكل مطلق إذا استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

وفي نفس السياق الأخير فإن سوء أداء وظائف الجهاز العصبي المركزي الناجم عن المتابعة المطولة للألعاب الإلكترونية والحاسوبية بأشكالها المختلفة، وما ينتج عن ذلك من زيادة الأهبة للإصابة بصرع الألعاب الإلكترونية، ينتج فيما ينتج أيضاً من خبث زيادة في معدلات المعاناة من الكوابيس عند الأطفال الذين يكابدون شرور تلك المنتجات اللاصحية بالحد الأدنى، والتي هي في جوهرها إمراضية محضة.

علاج الكوابيس عند الأطفال :

قد يكون المدخل العلاجي الأمثل والأنسب هو محاولة معرفة السبب المؤثر الذي كان الزناد القادح لتشكل هذا الكابوس، والذي هو غالباً ارتكاس قلقي عند الطفل، ولذلك فإنّ علاج السبب المؤثر ومفاعيله هو المدخل الأنجع لعلاج هذا الكابوس.

و يمكن اللجوء إلى استخدام تقنيات الطمأنة النفسية للطفل مثل دعوة الطفل لأن ينام مع الأب أو الأم وبشكل يترافق مع تقديم الحنان، وبشكل ملائم لسوية العمر الطفلية، أي دون تقديم سوية من التعامل أقل نضجاُ من سوية النضج المطلوب للطفل (أي التعامل مع الطفل وفق عمره الحقيقي )، ومحاولة شرح أنّ الكوابيس ظاهرة شائعة قد تحدث عند الكبير والصغير، وبأنّها ليست حقيقة وهي لا تعني شيئاً، وإنّما هي فقط أحلام مزعجة كما أنّ هناك أحلاماً سعيدة ويجب عدم الاكتراث بها حتى لو تكررت، وترك الباب مفتوحاً للطفل للتعبير عن أي ارتكاس نفسي عنده تجاه موضوع الحلم، وما يمكن أن يتلو ذلك من حديث عن أي سبب يقلق الطفل عموماً حيث يكون ذلك كافياً بشكل عام لحل السبب الأولي لظاهرة القلق في حال تعاون الأبوين لمساعدة الطفل في حلّه.

وذلك الجهد الأخير يجب أن يترافق مع ضرورة أن يشعر الطفل بأنّ الأبوين مستعدان دائماً لتقديم الحماية والأمن بشكل عقلاني وهادئ في حال تكرر موضوع مكابدة الكوابيس ومفاعيلها. وغالباً بهذه الطريقة نكون وضعنا الكوابيس على أوّل طريق اللاعودة .

ومع الأطفال الأكبر عمراً يمكن استخدام تقنيات العلاج النفسي التحليلي وذلك من خلال استعادة موضوع وبنية الحلم، ومحاولة تحليله مع الطفل نفسه بالاتكاء على آليات الدفاع النفسية لدى كل بني البشر في محاولة الكشف عن الصراع النفسي العاطفي الكامن الذي يعاني منه الطفل والعمل معه بشكل مشترك لتفهمه ، لعقلنته، وإخضاعه للمحاكمة المنطقية، ومساعدة الطفل في بعض الحالات على حل بعض القضايا الفكرية التي تشكل إشكالية في توازنه النفسي وتعتبر طبيعية في مثل هذه المرحلة وخاصة القضايا التي تتعلق بمعنى الحياة، و الموت، والسعادة، و الحب، و الجنس، ومعنى الخطأ والصواب. وهذا يمكن أن يتم مع أحد الوالدين إذا كان يمتلك السوية الثقافية المقبولة للقيام بهذه المهمة، وإلاّ فإنّه من الممكن الاستعانة بمعلمي الطفل في المدرسة إن كانوا مؤهلين من الناحية العلمية للقيام بذلك، أو اللجوء إلى أحد الأطباء أو الأخصائيين النفسيين من خلال جلسة للحوار مع الطفل أو جلستين، وغالباً تكون هذه الخطة كفيلة بحل المشكل النفسي المضمر وتبعاته المرتبطة به وخاصة تلك المتعلقة بالكوابيس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار