الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنكر والمعروف

فالح مهدي

2020 / 10 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قام شاب شيشاني حاصل هو وعائلته على حق اللجوء السياسي في فرنسا، يوم الجمعة 16-10-2020 بمهاجمة مدرس فرنسي وطعنه عدة طعنات في وجهه وبقية انحاء جسمه ولم يكتف بذلك بل أتم فعله كما يفعل المتطرفون المسلمون وذلك بذبحه من الوريد والى الوريد.
كان جزاء قبوله هو وعائلته كلاجئ سياسي، ان قام بفعله الشنيع الذي يصعب وصفه. المعلم في فرنسا رمزٌ بل اهم رموز الجمهورية الفرنسية. طعنه وذبحه يعتبر من أكبر الجرائم بحق الامة الفرنسية. لذا وعندما خرج آلاف الناس وفي عدة مدن فرنسية يحملون شعارات (انا صمويل باتي، انا معلم ...)، كانوا يدافعون عن حقهم في التعبير والدفاع عن النظام العلماني الذي كان نتيجة من نتائج المذابح الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت. لأول مرة في تاريخ الإنسانية تمكن هذا النظام من حماية كل الأديان وكل الطوائف
لم يحمل صمويل باتي حقداً على الإسلام، انما من ضمن مهماته كمدرس لمادة تتعلق بالمواطنة والتربية المدنية ، قرر ان يخصص حصة للكلام عن موضوع الرسوم والجريمة التي ارتكبت بحق محرري صحيفة تشارلي ابدو . وبما انه تربى في جو علماني والذي يعني كل شيء قابل للنقاش وطرح الأمور دون وجل يساعد في تربية الفرد. لم يكتف بذلك بل دعا الطلاب المسلمين من ترك الصف إذا شاءوا ذلك.
لم تعثر الشرطة الفرنسية في سجلاتها الى ما يشير الى ان القاتل عبد الله أنزوف كان متطرفاً، كما انها لم تعثر الى ما يشير الى تطرف الشاب الباكستاني الذي قام وعبر الساطور الذي حمله معه الى تعريض اثنين من الأبرياء الى خطر الموت ولا زالا يرقدان في المستشفى قبل عدة أسابيع لنفس السبب .
هذا الصنف من البربرية يلج وبكل سهولة في باب "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ذلك المبدأ الإسلامي الشهير والخطير الذي أدى الى الفتك بأرواح آلاف الأبرياء منذ ما يقارب 1500 عام ولا زال فاعلاً مع إن الدنيا تبدلت وارتدت اثوابا لا علاقة لها بذلك الماضي المقيت.
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من المبادئ العظيمة في المسيرة الإنسانية وكل الإنسانية. ان تقف بجانب المظلوم، ان تقف بوجه الفساد، بوجه الجريمة المنظمة، بوجه الدجل، ان تعلن رأيك دون خوف ووجل، ان تقف بصرامة ضد اغتصاب الأطفال وزواج القاصرات وتكافح ضد جرائم الاغتصاب ... الخ كلها تدخل في باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
المبدأ نبيل ولا يمكن ان يسود السلام الاجتماعي دونه. المشكلة ليست في المبدأ بل آليات تطبيقه. في الإسلام ساد في التطبيق المبدأ البدوي المبني على العنف والعدوان. الحديث النبوي كما هو سمح بذلك، والذي هو" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فأن لم يستطع فبلسانه، فأن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان «. بيئة المدينة سمحت باعوجاج ذلك المبدأ، فالأولى ان نبدأ بإدانة ما نجده منكرا (وهنا نقلب ذلك المبدأ رأساً على عقب). لكي تستقيم الحياة وحتى لا يتحول العنف الى عدوان نبدأ بإدانة ذلك الفعل مع أنفسنا، فأن لن ينفع فسنقوم بالاستنكار جهارا. وفي المرحلة الأخيرة سنقوم بأنفسنا ان تمكنا كما فعل البعض قبل عدة سنوات في قطار متجه من بلجيكا الى فرنسا وكان فيه أحد الإرهابيين المسلمين، فتمت السيطرة على ذلك الفاعل قبل ان تتدخل الشرطة.
هذا المبدأ العظيم تمت صياغته على نحو بربري لا يزيل المنكر بل ينشره ويضاعف من شروره. هناك مدارس إسلامية كالمعتزلة لا تأخّذ به كما هو. ولكن من يأخذ به عبر تاريخ الإسلام الطويل، هو المتعاون والخاضع للسلطة السياسية القاهرة. اي المؤسسات الدينية في الازهر والنجف وقم وغيرها في البلاد الإسلامية، أي الغالبية العظمى من المسلمين.
عبد الله أنزوف الذي ذبح المعلم الفرنسي من الوريد والى الوريد والباكستاني قبل ثلاثة أسابيع في هجومه وبالساطور على فرنسيين أبرياء، قام بذلك لأنه وحسب تربيته وفهمه امام منكر لا يزول دون سفك دم من ارتكب ذلك الفعل. هذا الفعل تكرر في بريطانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا واسبانيا الخ. وما قامت به الحركة الإسلامية في الجزائر في ثمانينات القرن الفائت من عمليات ذبح مبرمج، منها أيقاف باص نقل خاص ليس فيه إلا معلمات فتم ذبحهن على بكرة ابيهن ومن ثم ما تم من تفجير شباب لأنفسهم في أسواق بائسة لمدن يسكنها الشيعة في العراق، وداعش وتدميره للتراث العراقي والسوري واغتصابه للنساء اليزيديات ولا زالت القائمة طويلة وستعود وتنمو وتزدهر فهي كأعشاب السامة موجودة وقائمة ما دامت مسبباتها قائمة .
البرابرة من الشباب ممن يرتكب تلك الجرائم البربرية هم ضحايا أيديولوجيا خلقت منهم قنابل قابلة للانفجار في اية لحظة. من يقوم بتلك الاعمال مبرمج شأنه شأن كلاب بافلوف (عالم روسي قام بتجارب في عشرينيات القرن المنصرم على الكلاب وردود افعالها المرتبطة بجرس. ذلك الجرس يوحي ان الطعام جاهز فيسيل لعاب الكلب عند سماعه للجرس!) ولن يحتاج الى امر صادر من جهة دينية عليا. بذور الشر التي زرعتها تلك الأيديولوجيا هي من تدفع من لاعقل له لقتل الأبرياء بل ذبحهم.
من يقوم بتلك الاعمال مجرم وبربري، انما وفي المحصلة النهائية ليس هو المهم في هذه المعادلة، ذلك انه عبارة عن بيدق تلاعبت بمشاعره تلك الأيديولوجيا المظلمة.
كما نعلم ان الازهر أصدر فتوى كفّر فيها الكاتب المصري فرج فوده. الشابان اللذان اطلقا النار على ذلك المفكر النير لم يعرفا شيئا عنه ولم يقرأ أي منهما حرفا واحدا مما كتبه فودة، وتكرر نفس الامر مع نجيب محفوظ بسبب روايته القديمة (أولاد حارتنا) الخ . وأصدر الخميني في بداية الثمانينات فتوى تدعو الى سفك دم الروائي سلمان رشدي بسبب روايته (الآيات الشيطانية). لم يقرأ ذلك الرجل الهرم الذي جاء من جحور الظلام تلك الرواية، انما اخرج ذلك المبدأ البربري بآلياته الاسلامية من عالم السكينة واولع فيه النار.
الدين والعنف
في اللحظة التي نتوقف فيها عن الخلط بين العنف باعتباره امرا غريزيا طبيعيا وبين العدوان، سنتمكن من فهم تلك العلاقة الجدلية بين الانسان الالي وبين المؤسسة الدينية، بين مرتكب الفعل ومن يقف خلفه .
لا تحتاج المؤسسة الدينية الواقعية او المفترضة الى اصدار امرٍ بقتل المخالف، فذلك القانون موجود ومنذ ما يقارب 1500 عاما ، كل ما تقوم هو تفعيل ذلك المبدأ البربري بسبب آليات تنفيذة كما ذكرت ذلك والاهداف المرجوة منه .
ليس امرا فائق الاعجاب ان نرى كل الأديان ولا سيما التي تطلق على نفسها توحيدية تتباهى وتفتخر بدعوتها للسلم والصفاء والتكاتف والإيثار وحب الاخر الذي تطلق عليه اخوك في الدين ، دون ان تهمل الدعوة للعنف والعدوان ( لا يكفي العنف لوحده فهو يمثل حالة غزيزية انما يجب ان يتبعه عدوان ) . في الأديان التي تطلق على نفسها سماوية نجد ان حقوق الله تتجاوز حقوق الافراد والجماعات وتعلو عليها ولا تقبل المساومة.
كما نلاحظ ان الأديان لا تخلو ولا سيما التوحيدية من دعوة للسلم والطمأنينة دون ان تتخلى عن مخالبها الفاعلة المتمثلة بتحويل العنف الى عدوان. هناك حضور رمزي للعنف والعدوان تم تطويره على يد المؤسسات الدينية يتم التعبير عنه عبر خطباء الجوامع والكتب الدينية والقنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي. هذا العنف الذي يدعي الدفاع عن الله وحقوق الله وكأن الله يتيم لا حول له ولا قوة! هو عبارة عن مادة قابلة للاشتعال في اية لحظة فيتحول الى عدوان اعمى وبربرية تأتي على كل ما هو نافع وجميل في الحياة .
محمد والمتطرفون
في الرسم الذي أدى الى سفك دماء الأبرياء للرسام الفرنسي كابي (1938-2015) ليس فيه من أية اساءة للنبي محمد فقد ورد الرسم الكاريكاتوري على شكل صورة لرجل يعصر رأسه بين يديه ، موشح بالسواد وعمامته سوداء وهو يقصد به النبي محمد على يسار تلك الصورة نجد العبارة التالية ( محمد ضاق ذرعا بالمتطرفين Mahomet débordé par les Intégristes
وعلى يمين الصورة نجد العبارة التالية ( من العار ان تكون محبوباً من المغفلين c’est dur d’être aimé par des cons
قتٌل كابي شر قتلة من قبل الاخوين كواشي في عام 2015 وقتل معه أحد عشر صحفي وفنان ومثقف. بعد ان اتموا فعلهم الرهيب ذاك كانوا يهتفون (الله اكبر، لقد اخذنا بثأر الرسول!)
لو خرجت من قبرك يا محمد فستقتل انت ايضاً من قبل المغفلين ويقف وراءهم مؤسسات تاجرت باسمك. لو عدت فسترى ان البخاري نسب اليك ما لم تبح به وهو ليس وحيدا في ذلك. لو عدت فسترى ان الكليني نسب اليك ما لم تقله في يوم ما، بل فعل على هواه وكان سيئ النية. لو عدت سترى المجلسي الذي لا يختلف في قدرته على الدجل عن الكليني واصحابه، لوعدت فسترى ان أبن تيمية سيأمر بقتلك. لو عدت فسترى ان احد كبار المجرمين وهو الشاه إسماعيل نسب نفسه الى ابن عمك علي، لو عدت ستجد ان صدام حسين فعل الشيء نفسه وهو ليس وحيداً في هذا الامر، لوعدت فستجد اعداد كبيرة من السفلة والدجالين يضعون فوق رؤوسهم عمائم سوداء ويدعون الانتساب اليك ....
لم يسئ اليك يا محمد الرسام الفرنسي الرقيق كامي بل انصفك واظهر تذمرك من هؤلاء البرابرة
يا محمد انا على يقين من ذكاءك وقدرتك على الخلق والابداع لو عدت لأنكرت ذلك المبدأ الشديد الاعوجاج. لو عدت لأنكرت ما نسب اليك ولقلت ان الله رب العالمين وليس ملكاً لأحد. ألا تتفق معي يا محمد ان الله محبة اولاً واخراً وان لم يكن كذلك فهو لا يستحق الحب والتقدير والعبادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح