الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية ..ضرورة حياة

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2020 / 10 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سبب رئيسي من ثورة الشيوخ والإسلاميين على العلمانية أنها منذ وقت مبكر في القرن 19 ارتبطت بمفاهيم أخرى كالاستعمار المرافق لها والاستبداد الذي تحقق في "تركيا وتونس" على وجه الخصوص، فأشعلت لديهم مشاعر الثورة على الحداثة والعلمانية بصورة تمردهم ورفضهم للظلم..

ولكن ولأن هذا الاتجاه عاطفي أكثر منه عقلاني وقع الإسلاميون في أزمة مع العقل والحداثة وإنسان العصر بالكلية، والسبب في أن التعلمن هو ظاهرة حداثية لكل قواعد الإدارة سبقتها ثورة معرفية وعقلية على طرق التفكير الإنسانية القديمة، وبالتالي فالعلمانية هي تجلٍ للعقل الإنساني في تطوره الأسمى وليست مجرد نموذج حكم قابل للرفض والقبول، مما يعني أن رفض العلمانية هنا هو رفض للحياة نفسها أو العيش في ظل تناقض صارخ كالذي وجد عند الإسلاميين برفضهم العلمانية شكلا وموضوعا..مع ذلك فهم يفضلون العيش في دول علمانية لتوفر فرص الحياة الكريمة فيها من وظائف وحريات ومسكن وعلاج وحقوق..إلخ.

باختصار شديد: العلمانية هي حالة حضارية وليس خيار حضاري، بمعنى أنه ليس بإمكان أي شخص أو مجموعة رفضها..فهي قد فرضت نفسها على العقل الإنساني وسلوكياته وأنتجت دولة حديثة لا يمكن الردة عنها لنموذج أقدم، وكل محاولات الردة عن هذا النموذج الحضاري باءت بالفشل سواء من إسلاميين أو دكتاتوريين خشوا على سمعتهم وكراسيهم فاضطروا لنفاق الجمهور بشعارات سياسية دينية، فكانوا ممن بقيوا في الحكم لكنهم لم ينجزوا شئ لدولهم فتخلف الشعب وصار مُكبّلا بالأمية والعنف..

للتعلمن قاعدتان أساسيتان حققن أهداف العلمانية الكبرى في المساواه:

الأولى: المواطنة وتعني مساواة الكل في الحق والواجب طبقا لقانون تشريعي لا يميز على أساس الجنس والدين والقومية والهوية الشخصية..إلخ

الثانية: حقوق الإنسان وتعني أن لكل إنسانٍ حق في العيش الكريم ضمن قوانين الدولة التي تكفل لها حرياته وأملاكه وأمنه الشخصي من تغوّل ونفوذ الأقوياء..

ومن تلك القواعد تبين أن العلمانية في جوهرها تعني المساواه، وإن كان التعريف الأكاديمي لها مختلفا عليه بين صورٍ عدة ك 1- الفصل بين الفيزيقي والميتافيزيقي أو بين الديني والدنيوي 2- أو فصل سلطات رجال الدين التنفيذية عن المجتمع 3- أو فصل الدين عن الدولة ..وكفى، ومن خلال تلك التعريفات تبين أن الإنسان العلماني يجب أن يكون مؤمنا بالعلم والعقل كحد أدنى لحل خلافاته، وأن الدولة ليست مكان لتصفية حسابات دينية وعرقية، لاسيما أن التعلمن في هذا السياق لا يحصر نفسه في الشكل الديني بل هو يكافح كافة نظريات الظلم والعنصرية المجتمعية التي يقوم عليها رجل الدين بالخصوص..لكونه – أي رجل الدين – أكثر فئات المجتمع قبولا وتقديسا ، بخلاف الحاكم والأحزاب الذي جرى الاختلاف معهم والثورة عليهم في التاريخ دون توقف، إنما رجل الدين تحديدا فلم يخرج شعب مسلم من قبل لعزل حكام إسلاميين بسبب فرضهم الشريعة، ولكن لأسباب سياسية واقتصادية أخرى صنعت مظالم.

هذا يعني أن جهود الشيوخ ورجال الدين الآن في مكافحة العلمانية هي "حرب طواحين الهواء" وصراع خارج الزمن ونطاق المجرات، فهم يحاربون أنفسهم العلمانية في الحقيقة التي تطبعت بكافة ظواهرها الحداثية والإنتاجية والاستهلاكية، فالدول العلمانية هي التي أنتجت 99% من السلع تقريبا الذي يستخدمها المسلم، فصار أي انقلاب على التعلمن أو تكفيره وازدرائه هو شيطنة لكل هذه الإنجازات في الحقيقة، وفي الأمثال العربية قدسية كبيرة للتجارب وتقديمها كأولوية على مجرد النظر، لاسيما أن التجارب شهدت بأن كل الدول المتقدمة وأشهر الدول العادلة هي علمانية بالضرورة والعكس غير صحيح، أي أنه ليس كل علماني متقدم..لتعلق شروط النهضة بمبادئ ورغبات وقدرات الحكومة..

فليس بالمبدأ العلماني نفسه تتقدم الدول ولا حتى بالرغبة ولكن باجتماع كل هذه الأمور مع قدرة الدول على تطبيق برامجها دون فوضى أو انهيار نتائجه على المدى الطويل أسوأ بكثير، وأظن أن ذلك ما وقعنا فيه نحن سكان الشرق الأوسط فأصبحت شعاراتنا أكثر من برامجنا وقدرتنا على التنفيذ، مما يتطلب وجود دراسات تطبيقية بمفردها تناقش قواعد وفلسفة هذا التطبيق المنتظر، وكيف سيحدث في ظل تمرد خصومه واعتبار أن أي حركة إصلاحية علمانية هي كافرة بالأصل لا يُقبَل منها صرفا ولا عدلا..

وبرغم التاريخ الحافل بالصراع بين الشيوخ والعلمانيين لكن التاريخ نفسه يشهد بتحالفات بينهم تمت لمصالح مشتركة أو للصالح العام مثلما حدث بين الإخوان وحزب الوفد في انتخابات مصر عام 1951 وفي عصر الرئيس السادات، ومع أحزاب العمل والأحرار في عصر مبارك..وفي الكويت أيضا يظهر هذا التحالف بوضوح بين التيارات الإسلامية والعلمانية في البرلمان..وكذلك في باكستان خصوصا في عهد رئيسة الحكومة السابقة "بي نزير بوتو" وأخيرا في تركيا بين أحزاب علمانية ودينية صرفة، مما يعني أن التعلمن في عقل الشيوخ الباطن ليس شرا مطلقا إلا إذا نافسه على الحكم..لكن لو جرى منه منفعة بشكل ما فلا مانع..

ربما هذا الاتجاه أصله من السياسة الشرعية التي رأت تحالف النبي مع خزاعة في معركة الأحزاب دليلا لجواز التحالف مع العلمانيين، نظرا لأن العلماني في باطنهم غير مسلم، فكل من لا يتبنى المشروع الإسلامي ومبدأ تطبيق الشريعة لا ينتمي لدينهم نظرا للخلط الشديد بين الدين والدولة في إدراكهم الأعلى، وبالتالي فجوهر الإشكال حول العلمانية من طرف الشيوخ والجماعات يجب حصرهم في سؤال واحد: هل تقبلون التعددية السياسية والدينية أم لا؟..إذا قبلوا ذلك فيكونون علمانيين نظرا لأن التعلمن جوهره في المساواه القائمة على التعددية، وإذا قالوا بعدم جوازه فقد شرحوا مذهبهم ونواياهم قبل التمكين، وهذا سبب في هروب قيادات ونخبة الإخوان من سؤالهم حول التعددية فكانوا يخوضون في مسائل بعيدة عن الإجابة المباشرة والتدليل عليها من كتب الفقه..

وأختم هنا بحادثة أنه وفي شهر أغسطس سنة 1992أي بعد مناظرة دكتور فرج فودة مع الشيوخ في معرض الكتاب ب 7 أشهر كتب الأستاذ " فهمي هويدي" في الأهرام نقلا عن "مصطفى مشهور" المرشد العام للإخوان المسلمين هذا النص في سياق إنكار مشهور للتعددية بمؤتمر داخلي للجماعة غير معلن، قال مشهور أن:" الأمر يحتاج إلى تفرقة بين مرحلة الدعوة، حيث هناك أوضاع مفروضة ولا خيار للإسلاميين فيها، وبين نموذج الدولة التي يتصدرها الإسلاميون، وأنا لا أرى محلاً في الواقع الإسلامي لفتح الأبواب أمام المخالفين للإسلام للدعوة لمبادئهم، سواء كان هؤلاء من العلمانيين أو الشيوعيين، وهذا الموقف هو من قبيل الوقاية التي ينبغي التماسها لتأمين المجتمع، والدفاع عن قيمه الإسلامية وعافيته الإيمانية"

ترجمة كلام مشهور: أنه (يجوز للإسلاميين الدخول في الانتخابات الديمقراطية ضمن مرحلة الدعوة، لكن بعد الفوز في الانتخابات لا يجوز فتح الباب للشيوعيين والعلمانيين أن يدعو لمبادئهم وتُفرَض عليهم الشريعة جبرا لوقاية المجتمع منهم والدفاع عن قيمه الإسلامية)..انتهى

هذا المرشد العام نفسه الذي يتحدث، وقد رأينا بعد فوز د مرسي بالرئاسة كيف أن الإخوان بدأوا خطة التمكين بالتحالف مع كل من هو إسلامي ديني وإقصاء واضطهاد وتهديد كل من يعارض وجهة نظرهم من أحزاب ليبرالية وأقباط وشيعة ..إلخ وهذه حقيقة أدت لحشد كبير من المصريين في ثورة يونيو 2013 ضد الحكم الإخواني، فهي ثورة إذن لم تقوم على جماعة ديمقراطية، بل على حزب فاشي ديني لو نجح في السيطرة على الدولة لقتل الملايين بدعوى الردة والشريعة وفرض قوانينه الرجعية القديمة وأعاد المجتمع كله للقرون الوسطى في ظرف سنوات..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #