الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنين الدولة-الأمة وافتراس الديموقراطية

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2020 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية مع مصعب قاسم عزاوي

س: هل ترى بأن هناك تناقضاً بين مفهوم وواقع الدولة الأمة من جهة ومفهوم وممارسة الديموقراطية الحقيقية؟

مصعب قاسم عزاوي: من الناحية المنهجية قد يصعب استمراء توصيف أي من الدول العربية بأنها دولة-أمة، مع استثناء محدود جداً للحالة المصرية، نظراً لإلحاحية الحاجة الموضوعية للفرد والمجتمعات العربية على حد سواء لإيجاد تعريف ما لهويتهم الوطنية بأي شكل كان حتى لو كان جنينياً، وهو لما يتحقق بعد.

وقد يستوي التوصيف العمومي بأن مفهوم الدولة-الأمة لما يتحقق فعلياً بأي شكل فعلي حتى راهناً في أي من دول العالم الغربي، و هو ما يفصح عن نفسه بالتفارقات العضوية الكامنة في الهوية الوطنية في أوربا المشتتة بين مشروع هيمنة مركز الثقل الألماني على القارة الأوربية، والذي فشل في تحقيقها عسكرياً عبر الحرب العالمية الثانية، و هو ما يتم إعادة إنتاجه بشكل مستحدث من خلال مشروع الاتحاد الأوروبي، و بين الحقيقة الواقعية بأنه على الرغم من العقود الطويلة التي تراكمت في عمر ذلك الأخير فهي لما تفلح بعد في توطيد قبول جامع مانع لذلك المشروع في المجتمعات الأوربية، و في إنتاج هوية وطنية كليانية عابرة للحدود ممثلة بمواطن هويته أوربية خالصة، تترفع عن الشوائب الدينية و المذهبية و الوطنية التي مازالت ترفض إخلاء الساحة لذلك المشروع، و في بعض الأحايين تتقدم لطرده منها بعنف و صلف نكوصي مهول، مثاله الصعود الذي لم يعد مخاتلاً لتيارات اليمين المتطرف التي لم تعد مضطرة لتورية ولعها بالأفكار الفاشية و النازية .

أما بالنظر لصيرورة ارتقاء الدولة-الأمة في العالم الغربي، وخاصة في فضاء القارة الأوربية، فهي كانت مقترنة تاريخياً بالحروب الوحشية الهائلة التي خاضها الأوربيون فيما بينهم، وتفننوا فيها بتقتيل بعضهم، وكان آخرها الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي كان محركها السرمدي هو السعي المعلن وغير المضمر لزيادة نصيب كل من الأفرقاء المقتتلين من مصادر الثروة في القارة. وهو السعي المحموم الذي أثبت بشكل عياني غير قابل للنقض ارتباط مفهوم الدولة-الأمة بشكل ثابت أيضاً بالميول الإمبريالية التوسعية، المشوبة دائماً بوعي عنصري ضروري لتبرير البربرية المنفلتة من كل عقال في التعامل الفوقي مع ذلك الآخر الذي قيض له أن يكون الطرف الأضعف في علاقة الغول الإمبريالي الغربي بالشعوب المنهوبة المظلومة في أصقاع الأرضين، والتي تنطوي بالطبع على كل الأرض العربية، والكثير من الأقوام المظلومة الأخرى.

وواقع الدول الأقرب في تكوينها الموضوعي لمفهوم الدولة- الأمة بشكلها التنيني المتغول على كل تفاصيل حيوات البشر اتساقاً مع النهج الفكري لتوماس هوبز وجورج فيلهم هيغل، بشكلها القائم في الدول وريثة الإمبراطوريات الإنجليزية والفرنسية، وإلى حد كبير تلك الألمانية، دول قامت في أس تكوينها الموضوعي تاريخياً وحتى راهناً على كم هائل من العنف البربري، والاستغلال الوحشي للمجتمعات المستعمرة المنهوبة، وحتى مواطنيها المفقرين الذي استخدموا كوقود للآلة الحربية الغازية في المرحلة الأولى من تكوين الغول الإمبريالي في القرنين السادس والسابع عشر، وهو ما أسهم في تراكم ثروة غير مسبوقة في الغرب، مثلت الدعامة والأرضية التي تمكنت بناء عليها تلك الدول من توطيد تفوقها التقاني والعلمي والمعرفي والاجتماعي، وتخليق خزان الثروة الفياضة التي شكلت أرضية تكوين بنيان دولة الرفاة الاجتماعي، و نهج ذر الفتات النفعية المادية على مواطنيها هنا وهناك -وهي في جوهرها فوائد مباشرة لما تم نهبه من خيرات المستعمرات- لرشوة الطبقات الوسطى والعاملة في الغرب للقبول بذلك التوازن الغرائبي في الدول الغربية الكبرى القائم على ديموقراطية شكلية شوهاء مشاركة المواطنين فيها محصورة بتلك المشاركة الدورية كل بضع سنين في انتخابات رئاسية أو برلمانية شكلية لانتخاب أحزاب أو شخصيات لقيادة مجتمعاتها الفارق الإيدلوجي والمشروعي فيما بينها شبه واه، ومصطنع إلى حد كبير، و دون أن يغير وجود أي من أولئك الشخصيات فعلياً في السياسة المتبعة في ذلك البلد أو ذاك، و القائمة على أن الهدف الموضوعي من ممارسة السياسة وعمل السياسيين هو توطيد سلطة الأغنياء على الفقراء. و مفهوم الأغنياء في الواقع المعاصر يعني في المقام الأول الشركات العملاقة العابرة للقارات، التي تمثل هيئة تشخيص مصلحة الأنظمة في الغرب، و مجمع أهل الحل و العقد الذي يختار فعلياً الشخوص الأكثر ملائمة للمشاركة في اللعبة الديموقراطية السياسية الشكلية بإصدارها الغربي النكهة، عبر تحديد من يستحق أن يحظى بتمويل لحملته الانتخابية، ليقوم بواجبه المطلوب منه بعد ذلك في الحفاظ على الإمكانيات اللامحدودة لتلك الشركات في استغلال نفس الطبقات الوسطى والعاملة التي أوصلت أصواتها الانتخابية أولئك الساسة إلى مواقعهم، دون أن ينسى أولئك الساسة واجبهم الضروري في رشرشة فتات فوائد النهب التاريخي والراهن لمجتمعات العالم المفقر في الجنوب على أفراد تلك الطبقات عبر أقنية دولة الرفاه، لتبقى تلك الطبقات في العالم الغربي راضية وقابلة لذلك التوازن الأشوه، والذي أشار له الكاتب جون سميث في كتابه الذي حمل عنوان «الإمبريالية» و صدر في العام 2018، ملخصاً الوعي التفارقي لدى تلك الطبقات بأنها لا ترى ضيراً في وحشية شركات بلدانها في استغلال و اعتصار المفقرين حتى الرمق الأخير في دول الجنوب لتقديم منتجات رخيصة يتنعم بها مواطنو الدول الغربية، دون أن يعيروا اهتماماً لأي من شعارات حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية كونها جزء عضوي من متطلبات اللعبة الديموقراطية الشكلية في المجتمعات الغربية والرشوة المستمرة لمواطنيها للقبول بالنموذج الاجتماعي المشوه للدور الوظيفي لبنيان الدولة-الأمة بشكله الغربي التنيني في عالمنا الراهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يواجه محاكمة جنائية بقضية شراء الصمت| #أميركا_اليوم


.. القناة 12 الإسرائيلية: القيادة السياسية والأمنية قررت الرد ب




.. رئيس الوزراء العراقي: نحث على الالتزام بالقوانين الدولية الت


.. شركات طيران عالمية تلغي رحلاتها أو تغير مسارها بسبب التوتر ب




.. تحقيق باحتمالية معرفة طاقم سفينة دالي بعطل فيها والتغاضي عنه