الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع عشر/ 3

دلور ميقري

2020 / 10 / 22
الادب والفن


ذلك اليوم، الشاهد على الملاحقة الطريفة للجاسوسة الصغيرة، كان فَدو في طريقه إلى منزل صديقه، المدعو " ريسور: اللحية الحمراء ". المنزل، كان يسدّ زقاقاً في وسط الحارة، له واجهة جميلة مع شرفة عريضة، تلوح من الخارج مظللةً بدقرانٍ خشبيّ تتسلقه دالية عنب. في الأمسيات، المحتفية برنين الأقداح، كانت الشرفة تُضاء بمصابيح صغيرة ملونة، وتنتشر منها إلى الجوار الرائحةُ الحرّيفة للعَرق. صاحبُ المنزل، وكان الصديق الأقرب لفَدو، عُرف بالطبع الطريف والخلاعة والمجون. كان يتمتع أيضاً بالشيئين، اللذين تحبّهما النساء في الرجل؛ الكرم والوسامة. حتى قصر قامته، كان يضفي على شخصيته مظهراً يزيد من ظرفها. فَدو، كان يبتسمُ دائماً حينَ تُستعاد في داخله إحدى الطرائف، التي كان ريسور بطلها.
في أحد الأيام، وكان الوقتُ ظهيرةً صيفية حارّة، اتفقَ فَدو مع أحد الأصدقاء على المرور على ريسور كي يرافقهما إلى البستان. ذلك الصديق، المدعو " شيخ عيد "، كان قد ورثَ عن أبيه إمامة مسجد الحارة المجاورة. في بعض الأحيان، كان يؤذن لصلاة الفجر بلسان ثقيل من أثر سهرة مجون، حافلة. وصل الصديقان، إذاً، في وقتٍ مناسب؛ كون امرأة ريسور ذهبت إلى السوق مع إحدى قريباتها. عند ذلك، اقترح هوَ عليهما أن يجلسا معه في سطح الدار تحت ظلال الكرمة.
كانوا يقارعون أقداح العَرق، عندما تناهى إليهما من الزقاق صوتٌ انثويّ. قال ريسور لصديقيه: " إنها بائعة يانصيب، شابة وسهلة المنال! ". أطل بعدئذٍ من الشرفة، لينادي على الفتاة. هنيهة على الأثر، وكانت هذه تطل على جلسة الأصدقاء. اصطنعت الدهشة لمرأى الرجلين، وأظهرت أنها تبتغي الانسحابَ. لكن ريسور همسَ شيئاً في أذنها، ما جعلها تطلق قهقهة عالية. لما غابت عن الأنظار، قال الرجلُ لضيفيه: " سألحقها إلى الحمّام، وأعود إليكما بها عندما تكون جاهزة! ". وإذا شيخ عيد يقفزُ من مكانه، مبدياً رغبته في مساعدة المضيف. بقيَ فَدو لوحده، وكان ما يني مأخوذاً بما يجري.
دقائق أخرى مضت، ليأتيه هذه المرة صوتٌ خشن، يُنادي من الأسفل على صاحب الدار. يبدو أن ريسور ترك البابَ الخارجيّ مفتوحاً، ومن خلاله دخل عمّه؛ والد زوجته. كان الرجل طاعناً بالسن، لكنه ما زال مستقيمَ الظهر. قال له فَدو، متلعثماً، لما سُئل عن ريسور: " إنه في الحمّام على ما أعتقد ". بقيَ العجوزُ هنيهةً، يتأمل بنظرة استنكار أواني الشراب والمازة. ما لبثَ أن هز رأسه تعبيراً عن الحنق، ثم تحرك من مكانه. كان واضحاً، أنّ الريبة دفعته للتأكّد من ظنونه بصهره، المعروف بالمجون والاستهتار. فمضى من فوره إلى الحمّام، وما عتمَ أن فتحَ البابَ على المشهد الفاضح. كان الصهرُ قد انتبه لحضور حميه، فرمى سلفاً الفوطة على هيئة الفتاة، المتكومة على مقعد الحمّام الواطئ. رداً على صراخ العم، المتسائل عمَن تكون المرأة، تمتمَ ريسور بلهجة متلجلجة: " إنها.. إنها امرأتي.. بالطبع ". قال له حموه، مومئاً برأسه إلى ناحية شيخ عيد، المنكمش على نفسه وراء باب الحمّام: " إذا كانت امرأتك، يا ديّوث، فماذا يفعل هنا هذا العديم الناموس؟! ".

***
لكن ريسور بالرغم من مغامراته النسائية، أظهر وفاءً غريباً لامرأته، فلم يتزوج من أخرى مع أنها عاقر. تلك الخصلة الأخيرة في صديقه، ظُنّ أن فَدو امتلكها أيضاً. فكما علمنا، أنّ ما يزيد عن العشرة أعوام من معاشرته لمزيّن، مضت دونَ أن تنجب له طفلاً. كانت مطمئنة من ناحيتها، ذلك أن رجلها سبقَ أن ترمّل بلا ذريّة؛ ودأبت على تذكيره بهذه الحقيقة في أوقات الخلاف بينهما. كان يرد عليها عندئذٍ، بأن امرأته الراحلة لم تبق لديه أكثر من سنة وكانت معتلّة الصحة. في واقع الحال، أنّ صداقته واحترامه لأخي مزيّن غير الشقيق، ( طراد آغا )، حالتا في غالب الأحيان دونَ أن يرمي بوجهها يمينَ الطلاق. إذ كانت صعبة المعاشرة، تخرجه عن طوره خصوصاً بسبب غيرتها الشديدة. هذا الشعور الأخير، المترافق مع الوساوس، دهمها في العامين الأخيرين بسبب مسألة مستطيرة، نمت إليها بشكلٍ من الأشكال.
" قدريّة "، عُرفت في الحارة كامرأة سيئة السمعة. لكنها في شبابها اشتهرت، حَسْب، بالحُسن. كانت ذات ملامح محددة، بعينين واسعتين سوداوين، وشعر طويل فاحم، إلى رشاقة الجسم وطوله الفارع. كانت في نفس سنّ فَدو، ويُقال أنها عشقته مذ أن رأته في أحد الأعراس المفتوحة في الحارة، وكان يؤدي رقصاته الجميلة مع العصا. رجلها، كان من مرؤوسيه، الذين يحرسون البساتين. كان هذا شخصاً سيء الخلق، مدمناً على الكيف، مهملاً امرأته وولديه. ذات ليلة، مرّ فَدو على منزل الرجل كي يستعلم عن تكرار غيابه عن العمل في ليلتين متتابعتين. المنزل، كان يقوم وحيداً في أعلى الحارة، بأسفل تلٍّ صغير مستنبتٍ بالحشائش والأشواك. مَن فتح البابَ، كانت قدرية، مكتسيةً بثوب النوم: " إنه لم يحضر إلى البيت منذ عدة أيام، وعلى الأغلب يقضي الوقتَ مع رفقة السوء "، اشتكت لفَدو من خلال الباب الموارب. لما همّ الرجل بالذهاب، بعدما ردد عبارة أسف، أوقفته المرأةُ بجملةٍ جسورة: " أنظلّ نتكلمُ عند باب الدار؟ ". ثم أتبعت ذلك بجذبه إلى الداخل من ياقة قميصه، ومن ثم أهوت بفمها الشهوانيّ على فمه.
شهران انقضيا على الليلة تلك، وكانت قدرية قد أضحت عشيقة فَدو، لتباغته ذات يوم بالقول: " أنا حاملٌ.. منك! ". استهتر بكلامها، ولم يأخذه على محمل الجدّ. بيد أنه خفقَ قلبه بقوة فيما بعد، وكانت تحتضنُ وليدها. على عكس شقيقيه، الذين كانا أسمرين، فإن الصبيَّ لاحَ بشعره الأشقر وعينيه الخضراوين ـ كأنما هوَ صورة عن عشيق الأم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز


.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن




.. هنا تم دفن الفنان الراحل صلاح السعدني


.. اللحظات الاولي لوصول جثمان الفنان صلاح السعدني




.. خروج جثمان الفنان صلاح السعدني من مسجد الشرطة بالشيخ زايد