الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل العلة في الطريق أم في -الهرولة-؟

راتب شعبو

2020 / 10 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


اعتاد العرب والمسلمون منذ زمن بعيد، على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. صدموا واستشاطوا غضباً في البداية. خرجت مظاهرات تندد وبيانات تخوّن، وقطعت الدول العربية العلاقات مع مصر، ونقلت مقر الجامعة العربية إلى تونس، ونفذ أحدهم (خالد الاسلامبولي) إرادة "الأمة" فاغتال الرئيس المصري أنور السادات لأنه زار القدس وخطب في الكنيست ووقع اتفاقية كامب ديفيد الخيانية. ثم لم يتغير شيئاً، وتابع خليفة الرئيس المغتال السير على خطى سلفه. سوى أن ذاك المنتقم تحول إلى بطل احتفى به اليسار ونظم له قصائد وصفته بأنه "مصر التي تتحدى" وأن ما فعله هو أقصى حدود الوعي "هذا هو الوعي حد الخرافة"، واحتفى به اليمين فحمل اسمه شارع في طهران، قبل أن تستجيب السلطات الإيرانية للضغوط المصرية فتغير الاسم إلى شارع "الانتفاضة"، لاستعادة العلاقات بين البلدين، ويقال إن الاسم لم يتغير في الواقع.
بعد كل هذا، لم يستغرق الأمر أكثر من بضع سنوات حتى يعود العرب إلى مصر كما هي، ويعود مقر الجامعة العربية إلى القاهرة جنباً إلى جنب مع السفارة الإسرائيلية. بعد سنوات قليلة أخرى يتكرر السيناريو (صدمة، انفعال، قبول، اعتياد)، ولكن على نحو أقل درامية، مع اتفاق أوسلو الفلسطيني الاسرائيلي، ثم مع وادي عربة الأردني الاسرائيلي. صار أسهل على العرب والمسلمين الاعتياد على الواقع الجديد. موجة الرفض لم تعد تصل إلى حدود اغتيال أبطال التسويات "المهرولين". من الطريف ملاحظة مقدار السخط الذي يوجهه العرب إلى هذه المفردة "الهرولة". لم يعد للوطنيين العرب سوى أن يستنكروا "الهرولة"، كأنهم يقولون: لا توجد طريق أخرى، الطريق واحدة والنهاية واحدة فلماذا الاستعجال.
اليوم يمر الاتفاق الاسرائيلي الإماراتي ثم البحريني، دون تشنجات رسمية أو شعبية تذكر. حتى المظاهر الاحتفالية بالتوقيع كانت باهتة، واقتصر الحضور العربي على وزراء الخارجية دون الملوك والأمراء، وكان الإعداد ركيكاً بشكل عام فلم يدر الوزير الإماراتي مثلا أين يضع توقيعه. في الجانب العربي واكبت الحدث بضع مقالات غاضبة، بضع مئات من الفلسطينين المحتجين يحرقون الصور ويكتبون لافتات ضد "خيانة فلسطين". لا شك أن لصغر الدولتين الخليجيتين وبعدهما أصلا عن الصراع، دور في ذلك، ولكن الأهم هو أن سلطات الأمر الواقع العربية نافست إسرائيل وتفوقت عليها، على مدى العقود السوداء المنصرمة من تاريخ المنطقة، في عدائها لمحكوميها والبطش بهم وسلبهم حقوقهم.
في التسوية الإماراتية البحريية مع اسرائيل، لم تعد جامعة الدول العربية تحتمل حتى خطابات الشجب والإدانة رغم خوائها. وقد رفضت، هذه المرة، من مقرها الدائم في عاصمة أول "المهرولين"، مشروع قرار فلسطيني يدين التطبيع مع اسرائيل. تخلت فلسطين، وكانت بالمصادفة رئيسة الدورة الحالية، عن رئاستها للدورة وقال وزير خارجيتها إن فلسطين "لن تتحمل عبء الانهيار وتراجع المواقف العربية والهرولة للتطبيع"، (المشكلة دائماً في الهرولة وليس في التطبيع)، وتخلت عن الرئاسة الدولة التالية وهي قطر، على اعتبار أن رئاسات دورات الجامعة تتم وفق الترتيب الأبجدي للدول الأعضاء، ثم تخلت الكويت ولبنان وليبيا وبقيت الجامعة إلى اليوم تبحث عن رئيس يشغل المقعد الفارغ فعلاً ومجازاً.
على هذه الحال، لا ينبغي أن يتعجب المراقب إذا وجد عرباً أو مسلمين يستنكرون من يوقع اتفاق سلام مع اسرائيل اليوم، بينما هم راضون في حضن من سبق له أن أدار ظهره لبقية العرب، ووقع مثل هذا الاتفاق. وكأن موجة الغضب التي يعبر عنها الشارع العربي بعد كل اتفاق، ليست سوى صوت مرور التسوية من ضفة الخيانة إلى ضفة القبول، هذا المرور الذي يصبح أكثر سهولة سنة وراء سنة، حتى يكاد يغدو بلا صوت.
يبقى مع ذلك السؤال، أين تكمن العلة التي تجعلنا على طريق منحدر نجد أنفسنا كل يوم نقبل ما كنا نرفضه في اليوم السابق، كل يوم أقرب إلى الهاوية من اليوم السابق؟ هل المشكلة فيمن "يهرولون"؟ ولكن هل "الممانعون" أحسن حالاً؟ هل المشكلة في سرعة السير أم في الطرق؟ وهل من طريق آخر؟ لماذا لا يفيدنا تغيير السلطات، فتكون السلطات نسخ متكررة من الفساد والقمع المعمم والاستئثار؟
يحتاج الأمر إلى الكثير من التأمل، ولكن ما يمكن قوله هو أن التركيز المبالغ فيه على دور السلطات يعيق فهم حقيقة دور الوعي العام والمشاركة العامة الفاعلة في رسم سياسة البلد وتنفيذ الممكنات التي ينطوي عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة