الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة العربية الإسلامية (أطوار التحول من الغزو التوسعي إلى الانحطاط والتبعية والسقوط المدوي) 3

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 10 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بداية ظهور الخلافات
ويرى المؤرخون غير المسلمين، من ذوي الرؤى الموضوعية والأمانة العلمية، بأنه حين حانت لحظة الاعداد للانقلاب العباسي اتسمت المعارضة بتحالف قوي بين العباسيين والعلويين (الشيعة). وكلاهما من بني هاشم، الذين جمعتهم المعارضة للأمويين والفرس.
ولقد شكلت هذه القوى الأساسية الثلاث، (العباسيون والشيعة، والفرس) أقوى معارضة للأمويين بهدف استرداد منصب الخلافة، وانتزاع السلطة. وكانت لكل من هذه القوى مواقعها، واستطاع العباسيون الاستفراد بالسلطة دون استبعاد فرق المعارضة من المجتمع.

الثورة العباسية بقوتها المنتصرة
قامت الثورة العباسية على أساس هذا التحالف السياسي العريض بين مختلف فرق المعارضة. إنّ مفهوم القوة التاريخية هو في نظرنا، وحده القادر على التعبير عن القوى التي قامت بذلك الانقلاب التاريخي الذي أدى إلى سقوط دولة الأمويين وقيام دولة العباسيين. ووصفت القوة العسكرية للعباسيين الثائرين بالكتلة التاريخية، وهي لا تعني مجرد تكتل أو تجمع قوى اجتماعية مختلفة. ولا مجرد تحالفها بل تعني كذلك؛ التحام القوى الفكرية/ الإيديولوجية المختلفة مع هذه القوى الاجتماعية وتحالفها من أجل قضية واحدة.
إن الفكر يصبح هنا جزءًا من بنية كلية وليس مجرد انعكاس أو تعبير عن بنية ما. ذلك ما حصل بالفعل: لقد شاركت الثورة العباسية جميع القوى الاجتماعية التي كانت لها مصلحة في التغيير من عرب/موالي، وزعماء القبائل العربية وأثرياء الفرس (الدهاقون)، فلاحون، حرفيون وتجار، وضعفاء الناس، حتى بعض الأغنياء... الخ. والتحمت مع هذه القوى كل الأيديولوجيات المعارضة من الناحية الميثولوجية (الإمامة)، حركة التنوير، وبعض الفقهاء... الخ. وكان النصر حليف العباسيين.
كما كان لكبار الملاك من إقطاعيّ الأراضي، والذين أسلموا إسلامًا سياسيًا، أكثر منه دينيًا؛ للمحافظة على امتيازاتهم الطبقية دورهم، والذين تحولوا إلى جباة للخراج، وأصبحوا أدوات السلطة الأموية في نطاق سيطرتها على الفلاحين المزارعين، والعلويين. وهكذا كان استقطاب جماهير الموالي والشيعة، عندما أكدت الدعوة العباسية ونادت بالخلافة إلى الرضا من آل محمد، من غير تسمية أحد (وكان أبو مسلم يقول: إني رجل أدعو إلى الرضا من آل محمد، فهو داعية إلى رجل عباسي من بني هاشم) كما أكدت على المساواة بين المسلمين عرب وأعاجم، والسير على الكتاب والسنة في الحكم، الأمر الذي مكنها من استقطاب رجال الدين من مختلف الفرق.
وهذا ما مكن الدعوة العباسية من تبني وبناء قوة تاريخية حقيقية من المعارضين للأمويين، خصوصًا عندما أصبحت فلسفة هذه الدعوة فيما يتعلق بالغنيمة، لم تعد تعني مجرد التوزيع العادل للفيء والعطاء بإشراك الجند من الموالي فيها، بل باتت تعني ايضاً إسقاط الجزية عن كل من أسلم من العجم والعمل بما كان جاريًا من قبل بالنسبة للعرب الذين امتلكوا أراضي الخراج، أي إعفاؤهم من ضريبة الخراج واعتبار أراضيهم هذه أراضي العشر. وهكذا أصبحت الغنيمة تعني المصلحة الاقتصادية لكل فئة من الفئات التي تضررت من السياسة المالية الأموية وتقلباتها.
ولكنهم (أي العباسيين) بعد انتصارهم استأثروا بالحكم. حيث اسْتُبْعِدَ الشيعة من السلطة وتم التنكيل بالبرامكة، واستبعدت العناصر الفارسية سياسيًا، في حين لم يستبعد العناصر الأجنبية من مؤسسات السلطة، ولاسيما في الجانب الإداري والثقافي. وعلى الرغم من الحلف الذي كان قائماً بين العباسيين والعلويين والاتفاق الذي تم بينهما على مبايعة محمد النفس الزكية بحضور السفاح والمنصور وغيرهما من آل العباس وموافقتهم، وكان محمد هذا، ابن عبد الله المحض، علوياً من سادات بني هاشم.

وقد قام العباسيون بتأسيس دولتهم المتطورة وخلافتهم القوية القائمة على التعددية على ضفاف دجلة والفرات، وبنوا سلسلة من المدن القوية، أشهرها بغداد التي تم تأسيسها بعد اثنتي عشرة سنة من ثورة أبي مسلم في 762، وحكموا منها امبراطورية امتدت أرجاؤها من البحر الأبيض المتوسط حتى نهر السند، ومن شبه الجزيرة العربية حتى حدود الصين. تعرف عليها الغرب من خلال الحكايا الخيالية في "ألف ليلة وليلة".
وسط كل هذا التمزق بين هاتين الخلافتين على طرفي البحر المتوسط، الأندلسية في الغرب والعباسية في الشرق، ظهرت خلافة ثالثة فاطمية أسست لنفسها ملكًا عظيمًا في مصر بالقرن العاشر، واعتمدت في اكتساب شرعيتها، مثل هاتين الخلافتين، على قرابتها من الرسول محمد، واشتقت اسمها من اسم فاطمة ابنة محمد.
كان الذي يميز الخلافة الفاطمية عن الخلافتين السابقتين هو أنها كانت الخلافة المسلمة الشيعية الأولى، وأنها اعتمدت في قوتها على بربر شمال أفريقيا، وليس على عرب آسيا. انتشر المذهب الشيعي بشكل واسع إلى جانب المذهب السني، وتقابل البربر مع العرب وجهًا لوجه وسيفاً بسيف.
ولكن على وجه العموم؛ قد اتسمت الدولة الإسلامية منذ عصر محمد الذي عقد معاهدة مع غير المسلمين في المدينة، التي سميت بالصحيفة، وميزت بذلك المسلمين عن باقي الفئات التي لم تعتنق الإسلام، من الأوس وطائفة اليهود وكان يتم تحديد درجة الانتماء إلى الأمة الإسلامية -كما حددتها تلك الصحيفة- على أساس عنصري/تميزي بين دارين: دار الكُفر ودار الإيمان.
وكانت تتفاوت درجة الانتماء حتى بين طبقات سكان المدينة، فقد فرقت بين أصحاب الحق الكامل وبين غيرهم من تابع ونزيل. لقد تطور في الإسلام نظام التعامل مع غير المسلمين. عاش اليهود والمسيحيون بصفتهم "أهل الذمة" من دافعي الجزية في مقابل الحماية التي فرضها عليهم كل قادة الدولة العربية/الإسلامية بدءً من محمد حتى ألغتها القوانين الدولية المتحضرة.

وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح