الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن عربي ( 1165 - 1240)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 10 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


24/10/2020

أبو بكر محمد بن علي محيي الدين، الملقب بـ"الشيخ الأكبر"، كاتب متصوف عربي، ولد في 28 تموز 1165 (17 رمضان 560) في مرسيه (اسبانيا)، وتوفي في 16 تشرين الثاني 1240 (28 ربيع الثاني 638) في دمشق (سورية).
(وحدة الوجود) ومذهب ابن عربي .. في المصطلح ، والتاريخ :
فكرة "وحدة الوجود" تقترن، في تاريخ "التصوف الاسلامي"، باسم محيي الدين بن عربي أحد كبار الصوفية العرب ذوي الشهرة الأوسع والتأثير الأعمق في الفكر الصوفي الفلسفي خلال الزمن المتأخر من العصور الوسطى([1]).
هذه الفكرة اقترنت باسمه مصطلحاً ومضموناً معاً. فان مصطلح "وحدة الوجود"، بالرغم من تردده في المذاهب الصوفية التي سبقت مذهبه، لم يستقر كمصطلح صوفي معترف به يعبر عن اتجاه محدد في تفسير "التوحيد" في الفهم الصوفي، الا في مذهب ابن عربي، الذي أكسَبَ هذا المصطلح مضموناً جديداً يمكننا أن نرى فيه محاولة جديدة عند المتصوفة الاسلاميين لمعالجة استحالة الجمع بين الوحدة المطلقة للذات الإلهية وعدم انفصالها عن العالم"([2]).
نقول: انها محاولة جديدة، وجريئة ايضاً، وربما كانت جراءتها بالذات مصدر تأثيرها القوي في أدبيات الصوفية الاسلاميين منذ عصر ابن عربي حتى الازمنة الاخيرة.
فلماذا هي جريئة؟ انها كذلك، لان فكرة "وحدة الوجود" كانت دائماً، قبل ابن عربي، تتردد في الفكر الصوفي الصوفي باحتراس شديد وبحذر بالغ، بل بالرفض احياناً، ولعل مصدر الاحتراس والحذر، أو الرفض: إما الخضوع لمبدأ "التقية"، أو التأثيرات الايديولوجية اللاهوتية، وإما إفتقار الفكرة نفسها إلى التبلور في صيغة فلسفية صوفية كالتي انتهى اليها ابن عربي، ولعل هذه الأسباب مجتمعة هي مصدر ذلك الاحتراس والحذر، وذلك الرفض.
وربما صح القول –كما يرى د. حسين مروة- ان السبب الاقوى هو تلك المواجهة الحادة التي برزت، أو بلغت ذروتها، في عصر ابن رشد وابن عربي، بين اتجاهي الفكر العربي – الاسلامي الرئيسين: الاتجاه العقلاني، الذي تخلص عند ابن رشد من النزعة الصوفية نهائياً .. والاتجاه الحدسي الصوفي، الذي اعتمد "الرؤيا" الغيبية، عند ابن عربي، كأساس للمعرفة، ولعل المفهوم المغرق في التجريد الذي اتخذته فكرة "وحدة الوجود" في مذهب ابن عربي، كان التجلي الابرز لتلك المواجهة الحادة بين هذين الاتجاهين.
ابن عربي "يحمل دلالة غير مباشرة – لكنها واضحة- على اعترافه بأن العالم قديم (أزلي)، إنه هناك يضع مسألة الوجود، على نحو قاطع، بأن تحققه – أي الوجود- مرتبط بمشيئة الله في أن يرى نفسه متجلية في مرآة العالم، ومن المُسَلَّم به عند الصوفية الاسلاميين ، ان هذه المشيئة قديمة، فالتجلي الالهي، أي تحقق الوجود، قديم اذن بالضرورة"([3])، وقد "هاجم الفقهاء المسلمون السنيون، ابن عربي بضراوة، لأنهم رأوا في واحديته الوجودية، في نظريته في "وحدة الوجود"، مذهباً حلولياً بكل ما في الكلمة من معنى.
ترك لنا "ابن العربي" من شعره ديواناً، أما من الناحية المذهبية فقد ضمنت مجموعة تصانيفه الرئيسية، علاوة على تفسير للقرآن، كتاب "الفتوحات المكية"، وهو عبارة عن موسوعة للعلوم الباطنية في خمسمئة وستين فصلاً، و"فصوص الحكم"، وهو بمثابة وصية روحية حررها سنة 1229 ودرس فيها الرسالة الروحانية لكل نبي من الأنبياء الذين يجلهم القرآن، والفصلان الرئيسيان في فصوص الحكم – كما يقول جورج طرابشي- هما اللذان يتصلان بالحكمة الإلهية في كلام آدم، وبحكمة الوحي الإلهي في كلام شيت، وقد ترجمت رسالة القدس إلى الاسبانية في حياة القديسين الاندلسيين، بقلم د. ميغل آسين أي بالاسيوس، وهو واضع دراسة عظيمة الأهمية عن طريقة "ابن عربي" الروحية بعنوان "الإسلام متنصراً"؛ 1931، تضمنت ترجمة لعدة فقرات من الفتوحات المكية ومن تآليف أخرى بلغت أكثر من 150 مصنفاً"([4]).
ولنذكر أخيراً – كما يضيف جورج طرابشي- أن آلآسين إي بالاسيوس، في دراسته عن الأخرويات الإسلامية في الكوميديا الإلهية (1919)، أثبت ما كان لكتاب ابن عربي، "كتاب الإسراء"، الذي يصف رحلته عبر عوالم الآخرة الثلاثة، من تأثير على الكوميديا الإلهية لدانتي. (انطوان ترافير).
"هناك الكثير عند ابن عربي مما يذكرنا بسبينوزا، ولكنها مجازفة منا حقاً أن نزعم أن هذا اليهودي الاسباني كان على معرفة بآراء المسلم الأندلسي الذي كان تماديه في الخيال الصوفي كثيراً ما يخفي حقيقة كونه مفكراً جاداً عبقرياً كذلك" (رينولد أ. نيكولسون) ([5]).
 


([1])هو أبو بكر محمد بن عربي الطائي (نسبة إلى قبيلة طيء العربية). ولد في بلدة مرسبة بالاندلس (560 هـ / 1164م)، عاش في موطنه الاندلس نحو 38 سنة، وعاش بقية عمره في المشرق. مات في دمشق 638 هـ / 1240. لقب بـ"محيي الدين" وبـ "سلطان العارفين" تعبيراً عن منزلته الصوفية و "العرفانية". وفي المشرق كتب أهم مؤلفاته الصوفية التي تشرح فكرة "وحدة الوجود"، لا سيما كتاباه : "الفتوحات المكية" و "فصوص الحكم". اجتمع وابن رشد في عصر واحد، والتقيا في قرطبة ، وكتب ابن عربي فصلاً ممتعاً عن هذا اللقاء في "الفتوحات المكية" (ج1 ، ص153 – 154، ط. القاهرة 1329).
([2])  حسين مروة – النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية – الجزء الثاني – دار الفارابي – بيروت 1985  – ص271
([3]) المرجع نفسه – ص287
([4])  جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987.– ص 32
([5])  المرجع نفسه – ص 32








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟