الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 1

دلور ميقري

2020 / 10 / 24
الادب والفن


بلغت ابنة جمّو، " شيرين "، العام من عمرها دونَ أن يظهرَ على أمها دلائلُ حملٍ جديد. مع أن الطفلة لم تكن بمستوى جمال شقيقتها الشقراء، لكنها لاحت أكثر جاذبية وخفّة ظل. الوالد، المعروف بميله للبنات شأن حميه، منحَ صغراهن الكثير من وقته. كان يلاعبها، بأن يضعها على قدميه ويرفعها في الهواء؛ أو يجعلها تركب على ظهره، بمعونة شقيقتيها. من حُسن حظ الصغيرة، أنها قدمت إلى الدنيا عندما هدأت الأمور في البلد عقبَ دحر النظام العسكريّ الديكتاتوريّ، الذي أجبر الأب لأعوام على حياة المطاردة والتخفي. كان جمّو قد تفرّغَ أيضاً للعمل النقابيّ، بترشيحٍ من زملائه العمال في المصنع. كذلك الأمر، عُدّ من أبرز الناشطين السياسيين في الحي، وتعززت أيضاً علاقاته الشخصية مع بعض الزعماء على مستوى المدينة.
لكن الأجواء السياسية ما أسرعَ أن تلبّدت في البلاد، وهذه المرة بتحريضٍ من الخارج. الدعاية الغربية، المبثوثة عبرَ القسم العربيّ من الإذاعة البريطانية، كانت تتكلم طوال الوقت عن وقوع سورية بقبضة عددٍ من الضباط الشيوعيين وأنها لا محالة ستدور عاجلاً أو آجلاً في فلك الإتحاد السوفييتي. دول الجوار، بالأخص العراق والأردن، اظهرت بشكل جليّ عداءها للنظام الجديد، المعقّب دكتاتورية الشيشكلي. وهيَ ذي تركيا، تتحرك بدَورها معلنةً أنها لن تسمح بوجود " نظام شيوعي " على حدودها الجنوبية. ردة فعل الشارع كانت عنيفة، وما عتمت الدعوات أن رفعت للحكومة بضرورة تشكيل كتائب مسلحة من المواطنين للتصدي لأي غزو خارجيّ. هكذا أوجدت " المقاومة الشعبية " ابتداءً بالعاصمة، وشهدت اقبالاً كبيراً على التطوع في صفوفها، بالأخص في حي الأكراد. جمّو، عُهد إليه بقيادة إحدى الكتائب، وكانت تضمّ العديدَ من أصدقائه المقربين فضلاً عن رفاقه في الحزب.

***
منزل جمّو، أضحى مثلما كان عليه في سنوات الحرب العظمى؛ لما كان والده، زعيم الحي، يوزع المؤن على المحتاجين، ويحل مشاكل الشباب، المتعلقة باستدعائهم إلى الجندية. لكن الابنَ كان يوزع التعليمات للقاصدين إليه، وكانوا بغالبيتهم من أعضاء المقاومة الشعبية في الحارة أو من الأحياء المجاورة. كان مشغولاً بهذه الأمور في أحد المساءات الربيعية، عندما جاءت شقيقته رابعة وطلبت الاختلاءَ معه لحديثٍ خاص. مضى أمامها إلى منظرة الحديقة، وكان قد حَدَسَ سببَ الخلوة: خلّو، ابنها الوحيد، اشتد خلافه معها على خلفية رغبته بالاقتران من ابنة عمته. والد الفتاة من ناحيته، صارح الشابُ بأنّ أمّو أضحت في سنّ العشرين وأنه ردّ العديدَ من طالبي القُرب إكراماً له، وينتظر منه في المقابل أن يتقدم لخطبتها بشكلٍ رسميّ.
" والله سأتبرأ منه، وتحل لعنتي عليه، لو أنه أراد إدخال ابنة تمّو إلى بيتي "، أختتمت رابعة كلامها بموجة هستيرية من الوعيد والنشيج. كانت قد طلبت من جمّو، بوصفه أقرب الأخوال لخلّو، وهوَ مَن ربّاه تقريباً، أن ينصحه بصرف النظر نهائياً عن الفتاة. هزّ الخالُ رأسه بحركة متتابعة، تعبيراً عن الضيق، قبل أن ينهضَ: " سأتكلم معه، كما تشائين "، قال ذلك ثم اتجه إلى ناحية أرض الديار تاركاً إياها تتعارك مع شبح عدوتها وأشباح الأشجار. في اليوم التالي عصراً، حضرَ خلّو إلى منزل خاله، بناءً على طلب هذا الأخير. انفردا معاً في نفس المكان، أينَ جلست المرأة الملولة بالأمس. ثمة، فاجأ جمّو ابنَ أخته، بالقول دونَ تمهيد: " خالك الكبير، موسي، دكانه بجانب منزل عمتك. أطلب منه، دونما تأخير، أن يرافقك لمقابلة زوج عمتك كي تخطب أمّو وتنهي هذه المشكلة! ".

***
ولقد أحتفلوا بحفل زفاف خلّو مع حلول الصيف، وكان العرسُ في منزل نيّو بأسفل زقاق الحاج حسين، بينما تلبيسة الرجال ضمّها منزلُ الخال جمّو. كون السلاح الأوتوماتيكي متوفراً بكثرة بين شباب الحي، المنتمين لكتائب المقاومة الشعبية، أنيرَ الجبلُ بالاطلاقات النارية الكثيفة، واشترك فيها أيضاً زملاء العريس في الخدمة. على نفس الترتيب لناحية المكان، جرى بعد أسابيع قليلة حفلُ زفاف حسينو، ابن سلو، المعلّم في المدرسة الابتدائية، على ابنة عمه موسي، وكانت تدرس في التجهيز. هَدي أيضاً، لم تكن راضية عن اختيار ابنها. في خلال العرس، قالت لإحدى قريباتها المدعوات: " عانيتُ ما عانيته من نساء آل حج حسين، ولا أرغب بكنّةٍ من طرفهن تنغّص عليّ عيشي! ".
لما عزمت العائلة على قضاء جانبٍ من الصيف في الزبداني، دُعيَ أيضاً خلّو مع عروسه من لدُن أولاد الخال هناك. بدعة " شهر العسل "، كانت قد عُرفت في تلك الآونة، وكان العرسانُ الميسورون يولون وجهتهم صوب الساحل بينما الأغنياء يسافرون إلى خارج البلاد. رابعة، وكانت قبيل العرس أعلنت على رؤوس الأشهاد أنها لن تدوسَ أبداً عتبةَ دار شقيقها جمّو، عقبَ معرفتها بدَوره في تدبير زواج ابنها ـ عادت وتصالحت معه في بلدة الاصطياف. بالنسبة للعروس، كانت هيَ المرة الأولى ترى فيها الزبداني؛ ثمة، أين انطلقت على سجيّتها مع عريسها المتحرر. وكانت هذه مناسبة، وثّقت فيها بيان علاقتها بأمّو، التي أظهرت لها الكثير من الود ولرجلها؛ المعدّ " عرّاب " زواجها.

* الرواية الأخيرة من خملسية " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن