الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 2

دلور ميقري

2020 / 10 / 25
الادب والفن


بيروزا، ما كان أحدٌ من العائلة يتذكّر وجودها غالباً سوى في الصيف. حتى والدتها، السيّدة ريما، وكانت في تلك الآونة تهتم برجلها المريض علاوة على رعايتها لأطفال ابنتها بيان، الأربعة. كمألوف العادة، حضرَ ديبو إلى الزبداني في سيارة الخدمة مع أسرته. باستثناء ابنه الكبير، صلاحو، وقالوا أنه سافر إلى عمّان للعمل عند حسني، ابن عم والدته. فور وصوله للبلدة، دخل ضابطُ الصف إلى دار جدّته بكثير من الضجة، وراح دونَ قليل أيضاً من الأبّهة يوزعُ تحياته على الجميع. دُهشَ هناك لمرأى خلّو مع عروسه، فتوجّه بالكلام إلى عمته رابعة بنبرة عتاب: " لقد نسيتمونا تماماً، وصرنا كالأغراب؛ بحيث لا نُدعى لأعراس الأقارب ". كان يلمّح أيضاً لعرس أخته غير الشقيقة، ورد، التي اقترنت في بداية الصيف من حسينو، ابن عمها.
بمجرد وقوع بصر بيان على أختها الكبيرة، شعرت بأن ثمة شيئاً تخفيه غير المرض. وكان قد نمّ لعلم السيدة ريما، في خلال الربيع، تدهورَ صحة ابنتها البكر، فمضت إليها بسيارة ابن زوجها الكبير، العائدة لمعلّمه ابن جميل باشا. هنالك في قرية الغزلانية، عرفت أن الابنة تعاني من مرضٍ عصبيّ على أثر حالة إجهاض سببت لها العقم. قالت لبيروزا آنذاك، مخففةً عليها حزنها: " لقد أنجبتِ للوحش ثلاثة أبناء، وهوَ أصلاً لم يكن صالحاً للأبوة بشكل من الأشكال ".
وإذاً، لما استفهمت بيان من أختها عن حقيقة الحال، وكانتا منفردتين في ترّاس المنزل، أجابتها بالقول بصوتٍ مرتعش: " كان لديبو عشيقة في الغزلانية، وهيَ امرأة مطلقة وسيئة السمعة. متحججاً بانني لم أعد بقادرة على الانجاب، أفهمني بأنه يرغب بإنزال تلك المرأة ضرّةً لي. علم صلاحو بالأمر، فتقرّبَ من الأرملة حتى شاعت حكايتهما في القرية. فلما أخذ والده خبراً بالموضوع، جن جنونه وهجم على ابنه والمسدس بيده. لكنني وقفتُ حائلاً بينهما إلى أن وقعتُ أرضاً بلا وعي. حينَ أفقتُ والطبيب فوق رأسي، سألتُ عن صلاحو، فرد أبوه أنه غادر المنزل ولن يعود إليه مرةً أخرى أبداً ".

***
بعد قضاء أسبوعين في بلدة الاصطياف، ركبت بيان مع أولادها في سيارة الجيب، العائدة لمخفر ضابط الصف العتيد. معها في الصندوق الخلفيّ، جلست بيروزا مع ابنيها، فيما تواجد جمّو مع ابن أخيه في المقعد الأماميّ. طوال الطريق، المستغرق نحو ساعة، كان ديبو يُطلق الطرائف ويتبادل الحديث مع السائق. عمه الصغير، المعروف بالتحفّظ والرصانة، لم يتكلم سوى لماماً. عند وصول الركب إلى الزقاق، وكانت العتمة شاملة، نزلت بيان أولاً مع أولادها. خاطبت عندئذٍ ديبو، طالبةً منه السماح لامرأته وابنيه البقاء لديها في المنزل. أومأ برأسه موافقاً، ثم قال باستهتار مقهقهاً: " إذاً ما حاجتي للبقاء في البيت لوحدي، طالما أن الملهى قد اشتاق إليّ؟ ". عقبَ مضيّ السيارة، احتضنت بيان رأسَيّ ابنيّ أختها، بينما زوجها كان ما زالَ يهز رأسَهُ بحركة أسف واستياء.
ديبو، كان يحب امرأته؛ يراها أجمل النساء وألطفهن. لكنه إبّان مرضها، لم يعُد يتعرّف عليها. كان رجلاً متطلّباً، وذلك فوق ما هوَ مأثورٌ عنه من أثرة وأنانية، وشيء من اللؤم. بعدما طردته تلك المرأة الأرملة، أراد صبَّ غضبه على ابنه صلاحو. الابن، خطف الأرملة من الأب كي تغدو محرّمة عليهما على حدّ سواء. سرعان ما شفيَ ديبو من عشقها، برغم أنه لم يغفر لابنه ما فعله به.

***
وهوَ ذا في طريقه لأحد الملاهي في مركز الشام مع مزاج رائق. بوصوله للملهى، وكان جديداً يقوم في الطلعة المؤدية إلى محطة الحجاز، صرفَ السائق دونَ حتى أن يشكره. تأمل مدخل الملهى ذي الاسم الغريب، وكان مزيّناً بصورة كبيرة لراقصة شرقية، كتب اسمها بالبند العريض؛ " مارغو ". كانت هيَ المرة الأولى، يتواجد ديبو هنا. في داخل الصالة، انتبه إلى الأثاث الأوروبيّ، فضلاً عن الاضاءة المثيرة، المتناوبة بين الأحمر والأزرق والأخضر. جلسَ إلى طاولة مخصصة لشخصين، تقوم على سدة مرتفعة قليلاً في صدر المكان. جاءه النادل، فطلبَ لنفسه ربعية عَرق ومازة. قال له الرجل بلهجةٍ في أناقة المحل: " معذرة، يا سيّدي. لو أردتَ، أولاً، مصاحبة إحدى فتيات الصالة..؟ "
" حسنٌ، سأختار إحداهن بعد انتهاء وصلة الرقص "، قاطعه وهوَ يفرك يديه بحيوية. أحنى النادلُ رأسه بخضوع، ثم عمد قبيل انسحابه إلى اشعال شمعة منصوبة بمنتصف الطاولة. كانت ثمة أيضاً وردة جورية داخل مزهرية دقيقة الحجم، تتراقص عليها ظلالُ الشمعة. بعد قليل، ظهرت الراقصة مع التخت الموسيقي المرافق. قدّمت رقصة مثيرة على أنغام إحدى أغاني أم كلثوم، وكانت في الأثناء تلوّح بيديها للمتواجدين في الصف الأماميّ. أشار لها ديبو أكثر من مرة، لكنها لم توله اهتماماً إلى أن انتهت وصلتها. هُرعت على الأثر فتاةٌ طويلة القامة، على شيء من الهزال، لتخاطب ديبو بالقول: " نحن بالخدمة، يا آغا "
" كيفَ عرفتِ أنني آغا؟ "، سألها ديبو ضاحكاً. هذا النعت، " آغا "، كان يطلقه الشوام على كل فرد من حي الأكراد يعرفونه عن قرب أو لو كان في السوق يبتغي شراء حاجة من أحد المحلات. تبادل معها الحديث، لكنه لم يَدْعِها للجلوس. في الأثناء، عادت تلك الراقصة بملابس السهرة وراحت توزع تحياتها على الطاولات. بحركة مستهترة، لوّح ديبو لها يده داعياً إياها إلى طاولته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية