الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة تحليلية حول مقاطعة المنتوجات الفرنسية

بحضاض محمد

2020 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


كثر القيل والقال في الآونة الأخيرة حول مسألة تخص حملة في بعض "الدول العربية" تستهدف مقاطعة منتوجات فرنسية، قصد "الانتقام" من فرنسا وبشكل أكثر تدقيقا من رئيسها الذي زعم أن الإسلام يعيش أزمة من نوع ما، ودفاعه عن أستاذ مختص في "فن" الكاريكاتور، تم إغتياله من طرف بعض العناصر المتشددة بفرنسا..
عموما في خضم معالجتنا لهذا اللموضوع، ارتأينا تقسيمه إلى عنصرين، عنصر يتعلق بالإقتصاد السياسي، أما العنصر الثاني فيخص الجانب الثقافي والعقائدي..
لعل أغلبنا يعلم أن الاقتصاد الفرنسي على غرار نظرائه من اقتصاديات الدول الغربية الكبرى التي تنتهج النظام الرأسمالي، والدول التابعة لها، جميعها تعيش على ظل أزمات تتخبط فيها منذ أزمة 2008 التي لا تزال تبعاتها وانعكاساتها قائمة لحدود المرحلة..
وهذا التبعات تفاقمت إلى أن بلغت أقصى حد لها خلال السنوات الأخيرة، ولم تجد القوى الغربية حلا لتبرير هذه الأزمة، غير تطبيق ما أوصى به أحد جنودها السابقين، توماس مالتوس، الذي أوصى بضرورة التنقيص من أعداد البشر على الكوكب، لتفادي تخلخل التوازن ما بين الموارد الطبيعية والبشر الذين يستهلكون هذه الموارد..
والحل في نظر مالتوس، يكون عبر نشر الأوبئة والأمراض والفايروسات المصنعة مخبريا، وفي هذا الصدد، طبقت الإمبريالية الغربية ما أوصى به مالتوس على مدى عقود ممتدة، ولعل أبرز ما يؤيد هذا الكلام هو عدد الأوبئة التي فتكت بالبشر بدء والإنفلونزا الإسبانية والإيدز وسارس وإيبولا، وصولا إلى فايروس كورونا الفريد من نوعه..
نعلم إذا أن النظام الرأسمالي العالمي يوظف كل الوسائل غير المشروعة وغير الإنسانية من أجل الحفاظ على مصالحه ووجوده، ويستغل كل الأزمات الصحية والبيئية والحروب والنزاعات من أجل تبرير أزماته وتصريفها فيما بعد، وهذا التصريف يأتي دائما على كاهل المستعمرات الجديدة – القديمة، وشعوبها المقهورة..
حملة المقاطعة إذا ليست هي من "زعزعت" الاقتصاد الفرنسي، ولن تتمكن من ذلك أبدا، ما دامت اقتصاديات دول كثيرة منها المغرب والجزائر وتونس وموريطانيا والسنغال ومالي والكاميرون.. تابعة للاقتصاد الفرنسي ومرتبطة به، وتغطي من خلاله أي خلل يحدث في اقتصاد فرنسا، نتيجة للصفقات الاستقلالية التي وقعتها هذه الأطراف..
دول الاستعمار الجديد المذكورة أعلاه تحكمها أنظمة عميلة للإمبريالية الفرنسية ومنصبة من طرفها، أنظمة لاوطنية تبيح استغلال الأجنبي لخيرات الوطن في مقابل كسب رضا أسيادها الإمبرياليين ولو على حساب رعاياها المسحوقين..
الاقتصاد الفرنسي يعيش أزمات، صحيح، لكن هذا ليس نتيجة لحملة المقاطعة، بل هذا الأمر نتيجة لطبيعة النظام الرأسمالي السائد بفرنسا نفسه، كما وضحناه أعلاه، وما يعيشه من أزمات دورية لكونه نظاما متأزما بطبعه، أما بخصوص الحملة فما لها إلا أن تكون النقطة التي أفاضت كأسا ملئ بالأزمات والتناقضات، من أجل تمويه الرأي العام الفرنسي..
بالتالي ستؤدي المقاطعة وبصفة حتمية ليس إلى انهيار الإقتصاد الفرنسي، بل إلى مزيد من الاستغلال لخيرات "دول" الاستعمار الجديد بشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، واستنزاف إقتصادياتها بمباركة عملائها المحليين طبعا، وذلك من أجل النهوض بالإقتصاد الفرنسي الذي يحتل المرتبة الخامسة عالميا، ويساهم استغلال البلدان المذكورة كثيرا في هذا التصنيف..
مما سينعكس سلبا أيضا على الظروف المعيشية لسكان هذه البلدان، التي تعاني أصلا الويلات بسبب سياسات الأنظمة القائمة المنصبة على بلدانها قصرا وقهرا، إذ ستوفر هذه الأنظمة العميلة كل السبل لفرنسا من أجل تمكينها من تخطي أزماتها، التي ستكون طبعا عبر مزيد من الاستغلال لخيرات هذه البلدان..
شيء آخر وجب التنبيه له، هو خطاب الكراهية الذي سيتفاقم ضد الأقليات المسلمة في فرنسا، وهذا أمر ليس بغريب، بمباركة من طرف النظام الفرنسي نفسه، الذي يتبجح بمفاهيم العلمانية والديمقراطية وحرية الرأي وحرية التعبير عن هذا الرأي..
كثيرا ما توصف فرنسا بأنها مهد العلمانية والديمقراطية والحرية، لكن ينبغي أن نطرح سؤالا ها هنا، ديمقراطية وحرية من وعلى من؟؟ بالطبع هي حرية البورجوازية وحرية المواطنين الفرنسيين "السامين" الموجهة ضد حرية باقي الأقليات، بالتالي نكون أمام قوانين عنصرية وإقصائية، تعاني بسببها الأقليات التي تعيش بفرنسا، وهذا الأمر ينطبق على أغلبية البلدان الليبرالية..
لذلك تبقى الوسيلة الأنجع "للإنتقام من فرنسا"، كما يعتقد البعض أنهم فاعلين، تبقى هي النضال ضد الأنظمة العميلة القائمة والمنصبة في هذه البلدان، وكل بلدان الاستعمار الجديد في أقطار العالم الثالث، فلا سبيل للخلاص إلا بالإطاحة الثورية بهذه الأنظمة، وليس عبر حملات المقاطعة التي تروج لها الإمبريالية نفسها، ستنقلب انعكاساتها على كاهل الشعوب المضطهدة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س