الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوبر ماركت كبير

حسن مدن

2020 / 10 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر


على المثقف أن يتسلح بأمرين، أولهما الذاكرة وثانيهما الشجاعة . الذاكرة صنو الثقافة التي هي بدورها مرادفة للتاريخ، فمثال الماضي ليس دائماً مرآة خادعة . والشجاعة ضرورية للمثقف لأنه يجب دائماً على العقل أن يتحدى مكائد المادة وأحابيل المجتمع .
هذه الفكرة يمكن النظر اليها كخلاصة للمناقشة في قضايا مفصلية تتصل بالدور الذي يتعيّن على المثقفين الاضطلاع به، خاصة في أحقب التوتر السياسي الاقتصادي أو الاجتماعي .
وينطلق باحث فرنسي من ملاحظة جوهرية جديرة بالمعاينة ليس في فرنسا أو أوروبا فحسب، وإنما في البلدان النامية أيضاً، وهي فقدان الشبيبة حماستها للأفكار الكبرى، مما يدفعنا للتساؤل عما إذا كانت لذلك علاقة بمفاعيل التقدم التقني، الذي يقال إنه يشوّه طبيعة الثقافة تفتيتاً وتمزيقاً، فمن المناسب، على الفور، مجابهة التحدي الذي تطلقه الثقافة في مواجهة العقل .
لذا يأتي الإلحاح على محورية التاريخ، أو الوعي بهذا التاريخ من بابٍ أدق لأن الإنسان في هذا العصر، والمحروم من تاريخه، صار طريدة سهلة لكل أشكال القهر، وأخذ يتخلى عن ثقافته ببطء . "إنه مستعد للبقاء أكثر مما هو قادر على الحياة" . هذا الإلحاح على استحضار التاريخ مهم لأن فيه توكيداً على مصادر أو جذور الحضارة الإنسانية، وليس الحضارة الغربية وحدها .
وهذه المصادر بدءاً من الأزمنة الاغريقية والرومانية القديمة مروراً بفكر النهضة وروح الأنوار وثورة حقوق الإنسان، والديمقراطية السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، تبدو بمثابة مرتكزات لا بد من العمل على صونها ومعرفتها وإغنائها .
وأمر لافت للانتباه أن مجتمعاً ديمقراطياً عريقاً مثل فرنسا يطرح على نفسه أسئلة بهذا العمق والجدية، ويجد من الضروري التوكيد على الثقافة بوصفها شرطاً من شروط التطور الديمقراطي، وبصفتها بديلاً لضغط الإرهاصات المختلفة التي يتعرض لها الإنسان في عالم ينزع فيه كل شيء ليكون مادياً واستهلاكياً، لتبدو هذه الثقافة فهماً يستوجب مجهوداً إبداعياً وفكرياً لا يرضى بالتكرار اللفظي يمكنه وحده أن يعيد للإنسانية رسالاتها النبيلة .
البشرية بحاجة إلى علماء كما هي بحاجة الى رسامين وشعراء وموسيقيين، لذا يتعين النظر في الثقافة بوصفها قوة ضرورية للوقوف في وجه تنميط الإنسان وتجريده من عالمه الروحي، وإعادة شروط تطوره الحر إليه، حين يصبح لكل فرد مجال إبداع خاص به، ومصدر ثقة في المستقبل، كردٍ على النزوع الرهيب الذي به يتحول العالم إلى "سوبرماركت" كبير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان