الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكادر الوطني … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 10 / 26
الادب والفن


جاء المدير العام المعين حديثا من قبل وزارة النفط يملأه الحماس ، والثقة كاي مدير جديد في بداية عمله يريد اثبات نفسه ، وبعد البحث مع معاونية اكتشف ثغرة في المديرية ، والتي ترهق ميزانية الوزارة والدولة … وهي وجود الخبراء الاجانب حتى على ابسط الاجهزة ، وبرواتب عالية جدا ، وبالعملة الصعبة … ففكر المدير ان يعتمد على العقول العراقية المحلية المبدعة ، وقال متفاخرا بان العراقيين اذكياء بطبعهم ، ويقرأون الممحي ، ولا ينقصهم شئ !
وكانت البداية بارسال اثنين من الموظفين الى المانيا للتخصص بتشغيل ، وصيانة جهاز جديد استوردته المديرية حديثا لاختبار جودة البنزين ، وبدلا من الطلب من الجهة الموردة ان تبعث خبيرا اجنبيا ، وبراتب عالي ، وبالعملة الصعبة … لم لا يتم الاعتماد على الكادر الوطني ؟
والموظفون الذين تم اختيارهم : الاول سمير ، وهو سكير … ومن النادر جدا ان تجده في كامل وعيه بالرغم من التماسك الذي يبدو عليه لان جلده قد تدبغ بالكحول ، ومع هذا يقوم بواجبه كالروبوت دون وعي ، ولا تركيز … والثاني ماهر من النوع الذي يعشق السياحة ، والمتاحف ، والاثار ، وغيرها من المواقع ، وولعه بها لا يوصف !
وتحدد الايفاد باسبوعين … !
وقبل السفر اجتمع المدير مع الاثنين ، وبعد ان القى بهم كلمة تضمنت الكثير من الوطنية … غمزهم بحاجته الى بعض الامور الشخصية التي يحتاجها لسيارته الخاصة من نوع مرسيدس بنز ، وكم قنينة من العطر الخاص لزوجته ، وابنته ثم صافحهم ، وتمنى لهم حظا سعيد في مهمتهم الوطنية !
سافر الاثنان بعد ان أمتلأت جيوبهم بالاوراق من الزوجات ، والابناء ، والبنات ، وحتى الاقارب بالاحتياجات التي عليهم ان يجلبوها معهم من المانيا .
وقبل ان يصل الاثنان الى برلين ، وهم لا يزالون في الطائرة قرر سمير ان يغسل معدته كما قال من العرق المحلي المغشوش ، فاوصى على قنينة وسكي نوع بلاك ليبل ، وبدء يشرب ، ويمزمز ، وهو مبسوط غاية الانبساط … وهكذا اخذ الوسكي يزغرد بلسانه الناري في معدته … وقبل ان تصل الطائرة الى وجهتها إلا ، وصاحبنا كان قد اجهز تماما على القنينة حتى عندما اراد الخروج من الطائرة دخل الى التواليت متصورا انه باب الخروج … اما ماهر فلم يترك شئ في الطائرة إلا وصوره ، وهو يتقافز هنا ، وهناك كقرد في سيرك حتى ضاقت به المضيفات ذرعا !
ثم استراحة في الفندق قضاها صاحبنا سمير نائما نوم الهنا ، وماهر متسكعا في ارجاء الفندق … وفي اليوم التالي ، وقبل الالتحاق بالدورة تسلل سمير الى اقرب بار ، وأطفأ ضمئه بما نسميها في العراق بكسر خمارية اي حتى يكون السكر متواصلا … وماهر انشغل بتحديد المواقع السياحية في المدينة التي عليه ان لا يضيع فرصة زيارتها .
وباشر الاثنان حضور الدورة ، ولكن بايام متقطعة لان سمير قد يفوت يوم او اكثر ، وهو نائم على منضدة احد البارات او في الفندق ، وفراشه الوفير ، وماهر يهيم في برلين التي لا يستطيع المرء ان يعثر فيها حتى على نفسه !
اما حظورهم الدورة فيتم بعقل مغيب من سمير ، وعقل مشغول من ماهر ، ويعطون نفسهم بين يوم ، واخر ما كانوا يسمونها براحة ، واستجمام ، وانتهت الدورة ، والاخوان لم يفهموا شيئاً منها ، وضيعوا المشيتين !
عاد الاثنان الى ربوع الوطن المسكين … محملين بما اوصوهم به من هدايا وخاصة هدايا المدير … وبعد استراحة لثلاثة ايام تبرع بها المدير مكافأةً لهم … التحق الاثنان … استقبلوهم استقبال الابطال في احتفالية صغيرة تسلم الكل هداياهم بها .
ثم استدعى المدير سمير بعد الانتهاء من ماهر ، واوقفه امام الجهاز ، وهو ينظر اليه بعين ونص … نظرة شك ، وريبة … اشار المدير الى الجهاز ، وهو يتصبب عرقا من الانفعال ثم سلَّك صوته … وقال مخاطبا سمير بسخرية : حمد الله على السلامة ! انبسطتوا تمام … حلوة المانيا ها … سياحة جميلة ، تمام ها ؟ بالعافية … تفضل شغل الجهاز !
نظر سمير الى الجهاز ، وكأنه يشاهد منظرا لا دور له فيه … وقال بسرعة دون وعي ، وبمنتهى الدهشة : ما هذا ؟
تمالك المدير نفسه بالعافية ، وهو يكاد ينفجر … وقال بعصبية ، وهو يكرر ما قاله سمير : ما هذا … ؟ الا تعرف ما هذا ، يا كادر يا وطني ؟ ما شايفة من قبل … ما تعرفت عليه بمكان منا منا من الاماكن السياحية الجميلة … بار … مرقص … ملهى ؟ محاولا السيطرة على نفسه ثم قال :
اقول لك ما هذا يا استاذ سمير يا جهبذ المديرية … هذا هو الجهاز الذي ابتعثناكم انت ، والغبي ماهر الى المانيا حتى تتعلموا كيفية تشغيله … تتذكر ام طارت حتى البعثة من راسك … ؟ وصرفنا عليكم دم قلب المديرية …
ثم محاولا اعطائه فرصة اخيرة … المهم تفضل ، وشغل الجهاز ، وهذه فرصتك الاخيرة … وعفى الله عما سلف !
تلون صوت سمير وتلعثم … ثم قال بسرعة : ماهر يعرف طريقة تشغيلة احسن مني اليس هو مسؤولي هنا ، وفي المانيا ؟
يجيب المدير من بين اسنانه ، وكانه يكلم نفسه :
اقول له ثور يقول احلبوه … وهو يشير الى سمير عندما نطق بكلمة ثور ثم يكمل :
انظر هناك … ؟ وهو يشير الى ركن من الغرفة … التفت سمير الى حيث يشير المدير ، واذا به يرى ماهر ، واقف في ركن مظلم من الغرفة ، وهو مطرق الرأس ، وكأنه تلميذ معاقب بسبب خيبته في الاجابة على أسئلة المعلم ! بلع ريقه … ولا يدري لماذا شعر برغبة قوية بالضحك … ثم تمالك نفسه … فمناخ الجلسة ينضح بالجدية ولا يسمح بذلك ثم تنحنح ليطرد شبهة الضحك التي قد تبدو على وجهه … !
يكمل المدير ، وهو بحالة يرثى لها : خلينا من هذا الحيوان ماهر … ثم ساخرا : والمصيبة مسمينه ماهر … هم زين ما سموه عبقري … ثم مخاطبا سمير : نريدك انت يا جهبذ تشغل الجهاز …
يبلع سمير ريقه ثانيةً ، ولا يجد ما يقوله ، ولا يدري ماذا يفعل ، وهو لم يرى الجهاز في حياته او ربما رئآه ، ولكن لا يدري اين … قد يكون في حلم من احلامه اللذيذة ، وهو نائم في احد البارات او المراقص الكثيرة التي ارتادها ، وهو سكران … او في بقايا شهواة الليل في المواخير ، ومع من يصطادهن من الفاتنات عند اشتداد ازماته الجنسية … فهو لم يكن في وعيه !
بقي واقفا امام المدير كالابله … صمٌ بكمٌ لا يتكلمُ !
طرد المدير سمير بعد ان اصابه اليأس ، واشار الى ماهر ان يلحقه … وعندما خرج سمير شعر ، وكأنه خارج من تابوت … ثم اخذ شهيق قوي ، واطلق زفير مصحوب بضحكة قوية مكبوته … وانفجرت !
فاسرع المدير الى التلفون ، وهو يكلم نفسه : ليس مطلوبا مني ان احمي الغباء ، والاغبياء … !
ثم بلغ السكرتارية ، وكأنه تذكر امرا بان يخاطبوا الشركة الالمانية ان تبعث خبيرا المانيا ، وبالراتب الذي يحدده … ولم ينسى ان يتصل بالحسابات ، ويبلغهم بقطع كل تكاليف البعثة من رواتب الاغبياء الاثنين لحد الفلس ، وبالادارة باصدار امر بنقلهما الى الارشيف خارج بناية الدائرة … ولعن الكادر الوطني ، وابو الخلفوا الكادر الوطني … !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة